مقالة رأي: عار سورية يلطِّخ جبين مجلس الأمن

بقلم خوسيه لويس دياز ممثل منظمة العفو الدولية في الأمم المتحدةإذا ظلَّت هناك شكوك حول مدى هول الفشل الذي حققه مجلس الأمن بشأن موضوع سورية، فقد بدَّدتها الأنباء التي وردت اليوم من جنيف بكل تأكيد. ففي هذا الصباح فاجأ الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان معظم المراقبين باستقالته كمبعوث مشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سورية. لقد كان جميع اللاعبين يعرفون أن “خطة النقاط الست”، التي اجترحها عنان واعتمدها مجلس الأمن في وقت لاحق، كانت تحتضر إن لم تكن قد ماتت، ولكن أحداً لم يقل ذلك علناً. كما أن استقالة عنان ستجعل تجديد بعثة المراقبة في سورية التابعة للأمم المتحدة أكثر صعوبة بكثير، ويريد بعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن إنهاء البعثة في غضون أسبوعين، بما أنه ليس هناك وقف لإطلاق النار يمكن مراقبته. ولذا فإن السؤال في الحقيقة هو ليس ما إذا كان عنان “سيتخلى عن مهمته أم لا”، وإنما متى سيتخلى عنها.وكان قد نُظر إلى عنان كشخصية يمكنها جمع الدول الأعضاء في مجلس الأمن معاً للتصدي للأزمة في سورية بعد أشهر من الشلل المفجع. وكانت روسيا والصين قد حالتا دون اتخاذ إجراء حقيقي بشأن سورية لمدة عام تقريباً، قبل أن يتمكن مجلس الأمن من اعتماد تدابير مخففة بشأن سورية. بيد أن كلاً من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا متهمين كذلك بعدم ممارسة الضغط الكافي على المعارضة لحملها على التفاوض من أجل التوصل إلى حل سياسي. وكما قال عنان اليوم، فإن الشعب السوري بحاجة ماسة إلى عمل ما، ولكن لا يوجد في مجلس الأمن سوى الاتهام والوعيد والشتائم. وفي هذه الأثناء، استمرت عمليات القتل والجرائم التي تشكل انتهاكاً للقانون الدولي في الفترة السابقة، ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا.وللإنصاف أقول إن عنان كُلف بمهمة مستحيلة. فقد أُرسل للتعويض عن فشل الإرادة السياسية لدى المجتمع الدولي، ولا سيما لدى مجلس الأمن. وفي عام 2011 اتخذت هذه الهيئة إجراء سريعاً نسبياً لحماية المدنيين في ساحل العاج ظاهرياً، وفي ليبيا بشكل مدهش. وفي أُثناء تلك التدخلات قال البعض أن مجلس الأمن بدأ أخيراً أخذ بإعطاء الأولوية للبشر قبل السياسات.لقد بدت مثل هذه الإشارات متفائلة حينها، ولكن بعد مرور 17 شهراً من عمليات الإعدام والتعذيب والقمع وجميع أشكال انتهاكات حقوق الإنسان في سورية، فإنها الآن تبدو أقرب إلى السذاجة، وذلك لأن الأزمة الراهنة في سورية تثبت أن الدول الأعضاء في مجلس الأمن، ولا سيما الدائمة منها، لا تزال تحركها الاعتبارات السياسية والاستراتيجية على الرغم من التشدق المتسامي من قبل بعض العواصم. وهذا ليس أمراً مشؤوماً بالضرورة، ولكنه للاعتبارات نفسها يجب ألا يضع الاهتمام والعمل من أجل حماية المدنيين وحقوقهم الإنسانية في المرتبة الثانية.لقد كان فشل مجلس الأمن جماعياً، ولكن ذلك لا يعني أن جميع الدول الأعضاء متساوية في تحمل المسؤولية. فقد عمدتْ روسيا والصين، بوجه خاص، إلى حماية حكم بشار الأسد بإصرار منذ بداية الأزمة. وردَّدتا منذ البداية مقولة النظام بأن المعارضة- التي كانت سلمية إلى حد كبير في البداية- ليست سوى مؤامرة إرهابية تُدار من الخارج. وقد قوبل القمع المتزايد من جانب الحكومة بمقاومة مسلحة، وتردُ الآن أنباء عن أن بعض العناصر التي تقاتل قوات الأمن ترتكب جرائم حرب كما تُظهر عمليات القتل غير القانوني المزعومة التي راح ضحيتها أكثر من 12 شخصاً من أفراد عائلة البري.ومن المؤسف أن الانتهاكات والجرائم في سورية لن تنتهي- وهو أمر يمكن لأعضاء مجلس الأمن أن يتوصلوا إلى اتفاق ما بشأنه. وما انفكت منظمة العفو الدولية تدعو مجلس الأمن إلى إحالة الأوضاع في سورية إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، الذي سيكون قادراً على النظر في الجرائم المزعومة التي ارتكبتها جميع الأطراف. إن ذلك من شأنه أن يشكل دليلاً ملموساً على أنه لن يُسمح بوضع الحسابات السياسية فوق حقوق الإنسان، حتى عندما تكون تلك الحقوق لأشخاص بعيدين كل البعد عن معظمنا.