ما هي حالة حرية الصحافة في العالم عام 2025؟

في مختلف أنحاء العالم، تُكمم أفواه الصحفيين ويُسجنون ويُخفون قسريًا، لمجرد أنهم يؤدون عملهم. من غواتيمالا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ومن روسيا إلى باكستان، تلجأ الحكومات بشكل متزايد إلى ممارسات استبدادية، مستغلةً القوانين الفضفاضة، والأنظمة القضائية، والقوة المفرطة لقمع حرية الصحافة.

وليست هذه الهجمات على الصحافة مجرّد حوادث معزولة، بل غالبًا ما تكون جزءًا جوهريًا من استراتيجيات مدروسة تهدف إلى تفكيك أسس حقوق الإنسان. ويعدّ تراجع حرية الصحافة علامة تحذيرية، تنذر بتدهورٍ أخطر نحو الاستبداد والسلطوية.

في اليوم العالمي لحرية الصحافة، نسلط الضوء على حال حرية الصحافة حول العالم، ونستعرض بعض التوجهات المقلقة، ونشرح بعض التطورات الأخيرة التي قد تعرّض الصحفيين للخطر.

لماذا تعتبر حرية الصحافة أمرًا بالغ الأهمية؟

تلعب حرية الصحافة دورًا أساسيًا في ضمان ممارسة الحق في حرية التعبير، لا سيما الحق في البحث عن جميع أشكال المعلومات والأفكار، وتبادلها، واستقبالها. كما تلعب الصحافة الحرة دورًا محوريًا في إخضاع الحكومات والجهات الفاعلة المتنفذة للمساءلة. ولتحقيق ذلك، ينبغي أن تعمل أركان الصحافة بحرية واستقلالية، ودون التعرض للتهديد، أو الترهيب، أو العقوبات.

تشكّل حرية الصحافة في نقل الأنباء حول القضايا التي تهمُّ الجمهور وتمسّ حياتنا حجر الأساس لبناء أي مجتمع يحترم الحقوق. ومع ذلك، يتعرض الصحفيون في بلدان كثيرة للقمع والاعتداءات.

على الحكومات أن تقدم الدعم لوسائل الإعلام الحرة والمستقلة وأن تحميها، وأن تعمل على تعزيز الشفافية، وإتاحة المعلومات، بدلًا من تقييد الحصول عليها.

كيف تتعرض حرية الصحافة للهجوم حاليًا في الولايات المتحدة الأمريكية؟

اتّخذ الرئيس دونالد ترامب عدة خطوات لتقييد الحق في حرية التعبير وتقويض حرية الصحافة بشكلٍ غير مبرر، شملت تلك الخطوات الانتقائية في اختيار وسائل الإعلام التي يُسمح لها بتغطية أخبار البيت الأبيض، وشيطنة المراسلين وتشويه صورتهم. وقبل أن يصبح رئيسًا، رفع دعاوى قضائية ضد وسائل إعلام مثل سي بي إس نيوز (CBS News) وصحيفة دي موين ريجستر (Des Moines Register) لنشرها موادًا لم توافقه الرأي. كما منع أسوشيتد برس (Associated Press) من تغطية فعاليات في البيت الأبيض لأنه لم يتفق مع قرارها التحريري باستخدام مصطلح “خليج المكسيك” بدلًا من “خليج أمريكا”. 

ودعا بعض وسائل الإعلام لفصل مراسلين بعينهم بسبب تغطيتهم التي لا تُظهره بصورة إيجابية، وصرّح ساخرًا أنّه سيسجن المراسلين انتقامًا للتغطية غير المواتية له. وبالإضافة إلى حلّ إذاعة صوت أميركا (VOA)، وإذاعة آسيا الحرة Radio Free Asia وإذاعة أوروبا الحرة/ إذاعة الحرية Radio Free Europe/Radio Liberty، وإذاعة مارتي Radio Marti التي تغطي أخبار كوبا، والمحطات التي تبث في الشرق الأوسط، فهو يدعم أيضًا تقليص التمويل الموجّه لهيئات بث أخرى ممولة حكوميًا مثل NPR وPBS. وفي الوقت ذاته، أثّر تقليص تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) على الدعم الإغاثي المُقدَّم للصحفيين المعرضين للخطر.

وبينما يهاجم الرئيس ترامب حرية الصحافة والنزاهة الصحفية، يزداد الأمر سوءًا حيث ألغت شركات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك شركتي ميتا وإكس التي يملكها إيلون ماسك، برامج التحقق من المعلومات على منصاتهم، ممّا ساهم في انتشار المعلومات المضللة. وهو أمرٌ مثير للقلق خاصةً بسبب اعتماد نسبة كبيرة من الأمريكيين على هذه المنصات كمصدر رئيسي للأخبار. 

لماذا تُصنّف أفغانستان من بين أسوأ البلدان لحرية الإعلام؟

تواصل حركة طالبان قمع حرية التعبير من خلال حظر عمل وسائل الإعلام، وتقييد برامجها، واحتجاز الصحفيين بشكلٍ غير قانوني وتعذيبهم على إثر تقارير تنتقد سياساتها وقوانينها القمعية. فعلى سبيل المثال، في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أفاد تقرير لبعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان (UNAMA) بتعرض 336 صحفيًا وإعلاميًا للاحتجاز التعسفي، والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، والتهديد، والترهيب، وذلك في الفترة ما بين أغسطس/آب 2021 وسبتمبر/أيلول 2024. لذا تُصنّف أفغانستان كواحدة من أسوأ الدول لحرية الإعلام في ظل حكم الأمر الواقع لطالبان.

ومنذ عودتها للسلطة عام 2021، حظرت حركة طالبان العديد من وسائل الإعلام وأوقفت عملها، بما ذلك محطات التلفزيون والراديو في البلاد بسبب انتقادها لسياساتهم. كما فرضوا قيودًا على الصحفيين والمحللين الذين يعملون ويتعاملون مع وسائل إعلام بعينها تعمل خارج البلاد.

وكجزءٍ من هجومهم المستمر على حرية الإعلام والتعبير، وردت أنباء بأن طالبان قد فرضت قيودًا على البرامج الحوارية السياسية المباشرة، شملت تحديد من يُسمح لهم بالمشاركة في المقابلات، وما يُسمح لهم بقوله. وتواصل الحركة فرض حظر على تصوير “الكائنات الحية” وبثها، معتبرةً ذلك مخالفًا لقانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المُطبق في عدد من الولايات.

ما هو حال حرية الصحافة في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى؟

يستمر تدهور حال حرية الإعلام في أجزاءٍ من أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، في ظلّ تصاعد الرقابة وقمع الأصوات المستقلة. حيث تكثف الحكومات من استخدامها وسائل المراقبة غير القانونية، وتسيء استخدام التشريعات لتقييد حرية التعبير وتجريم المعارضة. 

في بيلاروس، تكاد حرية الإعلام أن تكون معدومة: فقد اضطُر الإعلام المستقل والمعارض للعمل من المنفى، ولا يزال أكثر من 40 صحفيًا يقبعون في السجون. وفي روسيا، تُوصم وسائل الإعلام المستقلة بأنها “غير مرغوب بها”، ما أدى إلى تجريم عملها، ومنعها فعليًا من العمل داخل البلاد، ما دفعها لمواصلة أنشطتها في الخارج. كما يُستهدف الصحفيون المستقلون بوصفهم “عملاء أجانب“، ما يؤدي إلى تقليص تمويلهم، وتشويه سمعتهم، وتعرضهم للترهيب والملاحقة القضائية.

وتجد وسائل الإعلام في جورجيا نفسها في الخطوط الأمامية للهجوم الحكومي على الاحتجاجات السلمية. فقد استهدفت الشرطة الصحفيين بشكلٍ خاص لمنعهم من تغطية الاحتجاجات، مستخدمةً القوة غير القانونية. ومن بين المحتجزين حاليًا كمشتبه بهم جنائيًا الصحفية البارزة مزيا أماغلوبلي، والتي كانت قد انضمت للاحتجاجات. وفي جميع أنحاء المنطقة، تتضاءل فرص الحصول على معلومات موثوقة، بينما تتزايد هيمنة المعلومات المضللة في الحيز العام.

ما معنى أن تكون صحفيًا في أمريكا الوسطى؟

تستخدم السلطات في غواتيمالا القانون الجنائي كسلاحٍ لسحق حرية الصحافة وتكميم أفواه من يكشفون عن الفساد والانتهاكات. يُستهدف الصحفيون، والمدافعون عن حقوق الإنسان، وزعماء المجتمعات الأصلية، بمحاكمات صورية، واحتجاز تعسفي، وحملات تشويه، وتهديدات، بما ذلك هجمات تمييزية قائمة على نوع الجنس والعرق، تحت مظلّة نظام قضائي يعمل كأداة لتنفيذ القمع السياسي.

فقد قضى الصحفي خوسيه روبن زامورا أكثر من 1,000 يوم في السجن ظلمًا بسبب تقاريره عن فساد الحكومة. فبعد قضائه 800 يوم في السجن ما بين يوليو/تموز 2022 وأكتوبر/تشرين الأول 2024، أرسلوه خلف القضبان مرةً أخرى في مارس/آذار 2025. 

وهو من بين المئات ممن يُجرّمون لمجرد ممارستهم حقهم في حرية التعبير. تنتهك هذه الهجمات حقوق الإنسان في غواتيمالا، وتهدّد ركائز المجتمع الحر والمنفتح. وقد أطلقنا حملتنا “لا للخوف، لا لتقييد حرية الرأي” للمطالبة بالوقوف إلى جانب من يرفضون سياسة تكميم الأفواه.

لماذا تخفي باكستان الصحفيين قسريًا؟

لطالما كان سجل باكستان لحقوق الإنسان مشوبًا باستخدامها للإخفاء القسري لإسكات الصحفيين وقمع النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان ممن يجرؤون على التعبير عن آرائهم وانتقاد الحكومة.

وفي عام 2024، قُتل ما لا يقل عن سبعة صحفيين في هجمات مُتعمَّدة. وتعدّ مناطق مثل بلوشستان وخيبر بختونخوا، اللتان تضمان كثافة سكانية من الأقليات الإثنية، من أخطر المناطق، حيث وصفت منظّمة العفو الدوليّة بلوشستان بأنها “مقبرة الصحفيين“. 

ومنذ عام 2011، سُجّل ما لا يقل عن 10,078 حالة إخفاء قسري في باكستان، من بينهم صحفيين، في حين تعتقد منظمات حقوق الإنسان أن الرقم الحقيقي أكبر من ذلك بكثير. وعلى الرغم من أن قانون العقوبات الباكستاني يتناول جرائم الاختطاف والخطف، فإنه لا يُجرّم الإخفاء القسري على وجه التحديد باعتباره جريمة منفصلة، وغالبًا ما تعجز السلطة القضائية عن محاسبة الأجهزة الأمنية، ما يؤدي إلى غياب المحاسبة من الدولة. كما تتعرض عائلات المخفيين قسرًا للمضايقات المستمرة ويتفاقم الترهيب بحقّ من ينظمون احتجاجات عامة أو حملات للمطالبة بتحقيق العدالة لذويهم. كما استُخدمت بعض القوانين مثل قانون مكافحة الجرائم الالكترونية وتعديله لعام 2025 لاعتقال الصحفيين المنتقدين للدولة.

كيف تقمع السلطات الصحفيين في شرق وجنوب إفريقيا؟

تواصل السلطات في شرق وجنوب إفريقيا فرض قيود صارمة على حرية الإعلام وحرية التعبير عن الرأي، بما في ذلك من خلال سنّ قوانين جديدة.

ففي مدغشقر، أجبرت قوانين مثل قانون الجرائم الالكترونية وقانون الاتصالات الصحفيين على الرقابة الذاتية خشية التعرض لأعمالٍ انتقامية. وأقرت زيمبابوي تعديلًا للقانون الجنائي (التدوين والإصلاح) المعروف بقانون “باتريوت” الذي يهدّد حرية الإعلام ويجرّم أي فعل تعتبره السلطات “إضرارًا متعمدًا بسيادة زيمبابوي ومصلحتها الوطنية”.

يتعرض كلّ من يتجرأ على الكتابة عن مزاعم الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان للترهيب، والمضايقات، والاحتجاز. ففي موزمبيق، حيث يتعرض الصحفيون لتهديدات بالقتل، والعنف، وحتى القتل الفعلي بشكلٍ مستمر، قمنا بتوثيق العديد من الحوادث التي استهدفت فيها السلطات الصحفيين، من بينها تفريق مؤتمر صحفي باستخدام الغاز المسيل للدموع.

مع هذا المشهد القاتم عالميًّا، كيف تحمي منظّمة العفو الدوليّة الصحفيين؟

نحن نعمل على تنظيم حملات لدعم قضايا الصحفيين الذين سُجنوا ظلمًا، ونواصل الضغط على الحكومات لاحترام الحق في حرية التعبير.  

ونشارك قصص الصحفيين الذين تعرضوا للتهديد أو الترهيب حول العالم، ونقدم الدعم لذوي الأشخاص الذين تعرضوا للسجن أو الاختفاء القسري. كما نحثّ داعمينا على المبادرة بالتحرك أو التوقيع على العرائض التي تطالب بالإفراج عن الصحفيين حول العالم.

وسنواصل المطالبة بإلغاء جميع القوانين التي تجرّم الأشخاص الذين يعبرون عن آرائهم أو يحتجّون سلميًا.