قالت منظمة العفو الدولية إن السلطات المصرية ألقت القبض على مئات الأشخاص خلال الأسبوعين الماضيين وحدهما، فيما يتصل بدعوات للتظاهر خلال انعقاد المؤتمر السنوي لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ “كوب 27” (مؤتمر المناخ)، وهو الأمر الذي يُعيد إلى الأذهان الواقع المرير لسياسة السلطات المصرية في شن حملات اعتقال تعسفية واسعة لقمع المعارضة. ويخضع حاليًا ما لا يقل عن 151 معتقلًا للتحقيق أمام نيابة أمن الدولة العليا، بينما تعرَّض مئات آخرون للاحتجاز والاستجواب لفترات أقصر.
وقال فيليب لوثر، مدير البحوث وأنشطة كسب التأييد للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، إن “القبض على مئات الأشخاص لمجرد الاشتباه في أنهم يؤيدون الدعوة إلى التظاهر السلمي يثير قلقًا عميقًا بشأن الطريقة التي سوف تتصدى بها السلطات للأشخاص الراغبين في التظاهر خلال مؤتمر المناخ، حيث أصبحت مثل هذه المظاهرات ملمحًا أساسيًا لجميع مؤتمرات المناخ التي تنظمها الأمم المتحدة. وينبغي على السلطات المصرية أن تسمح للمتظاهرين السلميين بالتجمع بحرية، وأن تكف عن استخدام القوة غير المشروعة أو الاعتقالات التعسفية لمنع المظاهرات”.
وأضاف فيليب لوثر قائلًا: “يجب على قادة العالم المشاركين في مؤتمر المناخ في مدينة شرم الشيخ ألا ينخدعوا بحملة العلاقات العامة التي تروِّجها السلطات المصرية. فبعيدًا عن الفنادق المبهرة في المدينة، التي تمثل منتجعًا، لا يزال آلاف الأشخاص، وبينهم مدافعون عن حقوق الإنسان وصحفيون ومتظاهرون سلميون وأعضاء في المعارضة السياسية، يتعرضون للاعتقال ظُلمًا. ويجب على هؤلاء القادة أن يحثُّوا الرئيس عبد الفتاح السيسي على الإفراج عن جميع المحتجزين تعسفيًا بسبب ممارستهم لحقوقهم الإنسانية. ويجب أن يشمل ذلك، على وجه السرعة، الإفراج عن الناشط السجين علاء عبد الفتاح، الذي بدأ اليوم تصعيد إضرابه عن الطعام بالتوقف عن شرب المياه“.
وعشية انعقاد مؤتمر المناخ، أفرجت السلطات المصرية عن 766 سجينًا، في أعقاب قرار من الرئيس السيسي بإعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي، في إبريل/نيسان 2022. إلا إن منظمة العفو الدولية وثَّقت خلال الفترة نفسها إلقاء القبض على ضعف ذلك العدد، حيث خضع 1540 شخصًا للتحقيق بسبب ممارستهم لحقهم في حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها.
وفي غضون الشهور الستة الماضية، جمعت منظمة العفو الدولية معلومات من عشرات المحامين الذين يحضرون بصفة منتظمة جلسات التحقيقات وجلسات تجديد أمر الحبس، كما راجعت قرارات صادرة عن المحاكم ووثائق أخرى رسمية، وأجرت مقابلات مع بعض السجناء السابقين وأقارب المعتقلين.
على قادة العالم المشاركين في مؤتمر المناخ في مدينة شرم الشيخ ألا ينخدعوا بحملة العلاقات العامة التي تروِّجها السلطات المصرية
فيليب لوثر، منظمة العفو الدولية
حملات القبض عشية مؤتمر المناخ
خلال الأسابيع الأخيرة، قبضت قوات الأمن على مئات الأشخاص واحتجزتهم، وذلك من وسط مدينة القاهرة ومن الميادين الرئيسية في عدة مدن مصرية بسبب محتويات على هواتفهم النقالة، وهو أسلوب كثيرًا ما تستخدمه الشرطة قبيل أي احتجاجات متوقَّعة. ورغم الإفراج عن معظمهم خلال ساعات أو أيام، فقد أُحيل آخرون إلى النيابة، بينما لا يزال آخرون رهن الاختفاء القسري، وفقًا لما ذكره 11 محاميًا في محافظات القاهرة والإسكندرية والشرقية والدقهلية.
ففي سبتمبر/أيلول 2022، قُبض على عبد السلام عبد الغني، البالغ من العمر 55 عامًا، من منزله في أحد ضواحي القاهرة. واستجوبته النيابة بشأن مجموعة على موقع فيسبوك تُسمى “حقنا”، بما في ذلك منشورات على المجموعة تدعو إلى التظاهر يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2022. وحقَّقت معه النيابة بتهمة نشر “أخبار كاذبة” و”الانتماء إلى جماعة إرهابية”، ثم أمرت بحبسه على ذمة التحقيق.
أزمة الاحتجاز
لا تزال أجهزة الأمن المصرية تستخدم صلاحيات خارج نطاق القضاء لتحديد السجناء الذين يُفرج عنهم، كما منعت الإفراج عن آلاف السجناء المحتجزين تعسفيًا دونما سبب سوى ممارستهم لحقوقهم الإنسانية.
كما لا تزال صحة عبد المنعم أبو الفتوح، وهو مرشح رئاسي سابق وزعيم أحد الأحزاب السياسية، عُرضةً للخطر في ظل الاحتجاز. ولا تزال المحامية هدى عبد المنعم والمحامي محمد الباقر رهن الاعتقال التعسفي دونما سبب سوى عملهما في الدفاع عن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان. واستبعدت السلطات من نطاق العفو الرئاسي كل من يُعتقد أنه من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أو المنتسبين إليها.
وواصلت السلطات أيضًا تجاهل قرارات صادرة بالإفراج عن بعض المعتقلين، فيما يُعرف باسم أسلوب ”التدوير“. فمنذ إبريل/نيسان 2022، رفضت أجهزة الأمن المصرية تنفيذ أوامر قضائية بالإفراج عن 60 معتقلًا على الأقل. وبدلًا من ذلك، كان ضباط قطاع الأمن الوطني يقتادون أولئك المعتقلين من السجون دون إبلاغ ذويهم. وتعرَّض كثيرون منهم للاختفاء القسري أيام، ظل مصيرهم ومكانهم خلالها في طي المجهول، ثم أُحيلوا للنيابة ليواجهوا تهمًا ملفقة بالإرهاب أو غيرها من التهم المتعلقة بالأمن القومي.
ولا يزال معظم الذين أُفرج عنهم بعد إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي يواجهون قيودًا على حريتهم وحقهم في التعبير. ففي مقابلات مع منظمة العفو الدولية، ذكر سبعة ممن أُفرج عنهم مؤخرًا أن قطاع الأمن الوطني أمرهم بحذف مواد انتقادية كانوا قد نشروها على وسائل التواصل الاجتماعي، أو هدَّدهم باعتقالهم بعد اختتام مؤتمر المناخ. وأُعيد القبض بالفعل على بعض الذين لم يلتزموا بتلك التعليمات، ومن بينهم شريف الروبي، وهو ناشط أُفرج عنه في يونيو/حزيران 2022 وأُعيد القبض عليه في سبتمبر/أيلول 2022، بعدما أدلى بحديث لوسائل إعلام عن الصعوبات التي واجهها سجناء سابقون. ولا يزال آخرون من المُفرج عنهم حديثًا يخضعون لمراقبة الشرطة، بينما يُمنع كثيرون بشكل تعسفي من السفر للخارج.
القيود والمظاهرات في شرم الشيخ
ذكر الموقع الإلكتروني للرئاسة المصرية بشأن مؤتمر المناخ أنه يتعيَّن على من يرغب في تنظيم مظاهرات في مدينة شرم الشيخ أن يُخطر السلطات مُسبقًا قبل 36 ساعة من الموعد المقترح للمظاهرة، وأن يُظهر لمنظمي المؤتمر الشارة الخاصة بدخول المؤتمر. ولن يُسمح بالمظاهرات إلا خلال الفترة من الساعة العاشرة صباحًا إلى الخامسة مساءً في منطقة بعيدة عن المؤتمر وتخضع للرقابة بالكاميرات. كما قررات السلطات أن يقتصر محتوى المظاهرات على القضايا المتعلقة بالمناخ.
وترى منظمة العفو الدولية أن هذه التدابير غير ضرورية وغير متناسبة، وهدفها هو الحد من قدرة الأفراد على التظاهر بأمان وعلى نحو يتيح مشاهدتهم وسماعهم. وينبغي على السلطات أن تضمن عدم استخدام شرط الإخطار المُسبق إلا لتسهيل المظاهرات، وألا يعني ذلك ضمنًا الحصول على تصريح، وينبغي عليها أيضًا عدم تفريق أو قمع أي مظاهرات لا تفي بذلك الشرط.
كما اتُخذت تدابير تعسفية وغير متناسبة ضد بعض المصريين، باستخدام بطاقات الدخول والحجز في الفنادق، للحد من سُبل الوصول إلى شرم الشيخ. ويخضع العاملون في المدينة أيضًا لقيود مُشدَّدة على تنقلاتهم.