بقلم مي رومانوس باحثة في شؤون الخليج، حقوق المهاجرين
قد تواجه جهود قطر لإصلاح القوانين المتعلقة بحقوق العمال نكسة كبيرة.
ففي 22 فبراير/شباط أصدر مجلس الشورى سلسلة من التوصيات الهادفة إلى تجريد العمال من حقوقهم التي اكتسبوها حديثاً. وهذا يشمل إلغاء حق العمال الأجانب في تغيير وظائفهم خلال مدة نفاذ عقد عملهم، وتحديد عدد المرات التي يمكنهم فيها تغيير وظائفهم خلال وجودهم في قطر بثلاث مرات، وحصر عدد العمال في الشركة الذين يمكنهم تغيير وظائفهم بـنسبة 15% ما لم توافق الشركة على خلاف ذلك، وزيادة النسبة المئوية للعمال الذين يحتاجون إلى مأذونيات خروج لمغادرة قطر من 5% إلى 10%.
وإذا قُبلت هذه التوصيات فسوف تبطل جزءاً كبيراً من التقدم الذي أحرزته قطر حتى الآن، وتعيد إحياء نظام الكفالة السيئ الصيت بكل بشاعته.
وجاءت أولى البوادر على إمكانية الضغط على قطر للتراجع عن إصلاحاتها في أغسطس/آب 2020، بعد أن أصبحت أول دولة في المنطقة تسمح للعمال الأجانب الذين استوفوا شروطاً معينة بتغيير وظائفهم دون الحصول على إذن صاحب عملهم.
ولم ترق هذه التغييرات لبعض المؤسسات التجارية التي جادلت بأن الإصلاحات جرّدت أصحاب العمل من حقوقهم. وبدأت تظهر هاشتاغات تنادي “بحقوق أصحاب العمل” في شبكات التواصل الاجتماعي، فقرر مجلس الشورى مراجعة القانون.
وقد أطلع وزير العمل المجلس في الاجتماع الأول – الذي عقده لمناقشة المسألة في مطلع هذا العام – على هذه التغييرات الجديدة. وأوضح بأن “نقل الكفالة يخضع لقواعد وضوابط وإجراءات تحافظ على حقوق جميع الأطراف”، وبأن “عدد العمال الذين طلبوا نقل الكفالة قليل، وبأن هؤلاء الذين تمت الموافقة على طلباتهم أقل من ذلك”. وأضاف الوزير بأن تغيير الوظائف ما زال “يخضع للموافقة أو الرفض عقب التواصل مع الأطراف المعنيين”.
كانت هذه هي البوادر الأولى المقلقة لاحتمال حدوث تغيير، ما ألقى بظلال الشك على الالتزام المعلن لقطر بأجندة الإصلاح.
أما ما سيحدث تالياً فيظل في طي المجهول، ويصعب التنبؤ به؛ لكن هذه المقترحات تثير قلق منظمات حقوقية مثل منظمة العفو الدولية التي أمضت سنوات تضغط من أجل توفير إجراءات حماية أفضل للعمال الأجانب في قطر. وبينما تلوح في الأفق مباريات كأس العالم التي ستقام في 2022، فمن المهم ألا تفلت قطر من التمحيص إذا تراجعت عن حقوق العمال.
ولعل توقيت هذه الإصلاحات في خضم سنة يتفشى فيها وباء – حيث تواجه المؤسسات التجارية صعوبات – زاد من تعقيد الأمور. وقد جادلت الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم بأنها تتعرض لخطر خسارة القوى العاملة لديها، في وقت لا يمكنها تحمّل تكاليف توظيف موظفين جدد، وفي وقت تعني فيه القيود المفروضة على السفر أنها لا تستطيع استقدام عمال جدد.
وينبغي على الحكومة أن تنظر في تقديم بعض الحلول المؤقتة والدعم المالي لمعاجلة بواعث القلق التي تواجهها الشركات خلال تفشي وباء فيروس كوفيد-19، وفي الأيام الأولى لتنفيذ الإصلاحات. لكن من الضروري للغاية أن تظل أي مقترحات متماشية مع القانون الدولي، وأن تحمي حقوق الإنسان. فإن مجاراة أصحاب العمل ومسايرتهم على حساب حقوق العمال ليس هو الحل لمتاعب الشركات.
وفي حين أن الشركات ذات الفكر التقدمي تدرك أن حقوق العمال وتعزيز الحراك الوظيفي قد يكون مفيداً للأعمال التجارية، فإن شركات أخرى ستصارع للحفاظ على امتيازاتها. لقد استفاد عدد كبير جدًا من الشركات من سنوات الإفلات من العقاب في ظل نظام يسمح لهم بالإساءة إلى العمال الأجانب، واستغلالهم، مع مواجهة أي عواقب تذكر. ولا يجوز لأي كان أن يتوهم بأن تغيير نظام عمل مسيء بطبيعته سيكون مهمة سهلة، لكن التراجع عن أشهر من التقدم المحقق سيُلحق الضرر بكل من المؤسسات التجارية والعمال الأجانب على السواء.
ويتعين على المؤسسات التجارية أن تدرك أهمية الإصلاحات وأن تتقبلها لمساعدة قطر على خلق قوى عاملة أكثر مهارة وإنتاجية، وإنماء اقتصادها.
وبالمقابل ينبغي على الحكومة القطرية أن تساند المؤسسات التجارية للانتقال التدريجي إلى نموذج جديد، في الوقت الذي توقف فيه أي محاولات للتراجع عن الإصلاحات التي تحققت بشق الأنفس، ولا يجوز لها أن ترضخ للضغط. وبدلاً من ذلك يجب أن تبعث برسالة قوية بأنها لن تسمح بمعارضة الإصلاحات اللازمة لمستقبل بلد يهدف إلى أن يكون مثالاً يحتذى به على صعيد قضايا الهجرة في المنطقة.
وعلى السلطات القطرية أن تتبنى بالكامل ثقافة احترام حقوق الإنسان، وأن تصطحب مجتمع الأعمال معها حتى تتوقف الانتهاكات ضد العمال أو أي ممارسات تُسهّل حدوثها مثل مقترحات مجلس الشورى. وينبغي على قطر أن تضمن الاحترام والحماية الكاملين لحقوق المواطنين القطريين والعمال الأجانب على السواء.
لقد آن الأوان لاجتثاث نظام الكفالة في قطر بالكامل، وضمان أن تظل البلاد على الطريق الصحيح لتكون قدوة في التقدم.