مصر: احتجاجات نادراً ما تحدث في الوقت الراهن جوبهت بقوة غير قانونية واعتقالات جماعية

قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن قوات الأمن المصرية استخدمت الغاز المسيل للدموع والهراوات وطلقات الخرطوش، وفي حادثة واحدة على الأقل الذخيرة الحية، واعتقلت مئات المحتجين والمارة لتفريق مظاهرات نادراً ما تحدث في الوقت الراهن ومتناثرة، على مدى عدة أيام.

وذكرت مصادر لمنظمة العفو الدولية أن قوات الأمن قد قتلت رجلين، فيما تعرض المئات للاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري. ووفقا لائتلاف من محامي حقوق الإنسان، فهناك ما لا يقل عن 496 شخصاً قيد الحجز حاليا نتيجة حملة القمع، على ذمة التحقيقات المعيبة بشأن “الإرهاب”، والتهم المتعلقة بالاحتجاج.

حقيقة أن هؤلاء المحتجين قد نزلوا إلى الشوارع مع علمهم بالمخاطر الكبيرة جدًا على حياتهم وسلامتهم، التي كانوا يتعرضون لها، تُظهر مدى شدة حاجتهم للمطالبة بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية.

فيليب لوثر، مدير البحوث وأنشطة كسب التأييد في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية

وقد أجرت المنظمة مقابلات مع شهود عيان ومحامين، واطلعت على أدلة الفيديو بشأن الاحتجاجات التي اندلعت في العديد من المناطق الريفية والحضرية الفقيرة في جميع أنحاء البلاد، بشكل أساسي، ضد عمليات هدم البيوت في مصر في منتصف سبتمبر/أيلول.

قال فيليب لوثر، مدير البحوث وأنشطة كسب التأييد في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “حقيقة أن هؤلاء المحتجين قد نزلوا إلى الشوارع مع علمهم بالمخاطر الكبيرة جدًا على حياتهم وسلامتهم، التي كانوا يتعرضون لها، تُظهر مدى شدة حاجتهم للمطالبة بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية. وتشير مقاطع الفيديو التي تظهر رجال الشرطة يطلقون النار على الأشخاص الفارين إلى تجاهل تام للمعايير الدولية لحفظ الأمن. كما نشعر بقلق بالغ إزاء نشر الضباط المسلحين بالبنادق، الأمر الذي يعتبر بشكل عام غير مناسب لحفظ الأمن أثناء الاحتجاجات، ويشكل مصدر خطر لا مبرر له على حياة الإنسان. “يجب على السلطات التحقيق على وجه السرعة في وفاة الرجلين”.

“فهناك مئات الأشخاص رهن الاحتجاز الآن، من بينهم العديد ممن لم يشاركوا في الاحتجاجات أصلاً. وأعادت السلطات مرة أخرى استخدام أساليبها المعتادة المتمثلة في العنف والاعتقالات الجماعية لبعث رسالة واضحة مفادها أنه لن يتم التسامح مع أي شكل من أشكال الاحتجاج.  وندعو السلطات إلى الإفراج فوراً، ودون قيد أو شرط، عن جميع المعتقلين لمجرد ممارسة حقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي”.

 على مدار الأسبوعين الماضيين في سبتمبر/أيلول، اندلعت احتجاجات صغيرة ومتفرقة في عدة قرى وبلدات وتجمعات حضرية فقيرة في مصر، حيث نزل المتظاهرون إلى الشوارع احتجاجاً على سياسة الحكومة في هدم المنازل غير المسجلة، وقانون التصالح في بعض مخالفات البناء. كما ردد المحتجون بعض الهتافات ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي، واحتجوا على مقتل رجل في الأقصر. وفي 26 سبتمبر/أيلول، صرح المتحدث باسم مجلس الوزراء أنه كانت هناك احتجاجات في إحدى قرى الجيزة بشأن بواعث القلق الاقتصادية.  وعلاوة على ذلك، دعا المقاول السابق محمد علي مرة أخرى إلى تنظيم الاحتجاجات ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي في 20 سبتمبر/أيلول. ففي العام الماضي، خرج المحتجون بأعداد كبيرة إلى الشوارع في نفس اليوم لكن السلطات سحقت الاحتجاجات باستخدام القوة، واعتقلت الآلاف.

استخدام القوة غير الضرورية

تحدثت منظمة العفو الدولية إلى بعض الأفراد الذين احتجزوا لفترة وجيزة، وبعض أسر المحتجزين الحاليين، والمحامين الذين مثّلوا مئات المتهمين، فضلاً عن الاطلاع على وثائق من قبل منظمات حقوق الإنسان المحلية، وتحليل أدلة الفيديو.

أعادت السلطات مرة أخرى استخدام أساليبها المعتادة المتمثلة في العنف والاعتقالات الجماعية لبعث رسالة واضحة مفادها أنه لن يتم التسامح مع أي شكل من أشكال الاحتجاج.

فيليب لوثر

وتشير الأدلة إلى أن قوات الأمن أطلقت طلقات الخرطوش، والغاز المسيل للدموع، وفي حالة واحدة على الأقل، أطلقت الرصاص الحي على المحتجين، مما أدى إلى وقوع إصابات.

ووفقًا للمعلومات التي تلقتها منظمة العفو الدولية، فقد قُتل رجل واحد، وهو سامي بشير، في العياط جنوب القاهرة، في 25 سبتمبر/أيلول، بعد إطلاق النار عليه من قبل قوات الأمن. وأكد مصدر طبي لوسائل الإعلام الألمانية أن الرجل توفي متأثرا بجراحه من طلقات الخرطوش، لكن قوات الأمن نفت استخدام الخرطوش لتفريق هذا الاحتجاج. وفي 30 سبتمبر/أيلول، قتل رجل آخر، هو عويس الراوي، بعد إطلاق النار عليه في منزله خلال مداهمة شنتها الشرطة وفقا للمصادر.

وتظهر مقاطع فيديو لسبعة احتجاجات، وقعت في الجيزة ودمياط والمنيا وقنا والأقصر، أن الاحتجاجات كانت سلمية في معظمها، على الرغم من أن المحتجين، في بعض الحالات، قد تسببوا بأضرار لسيارات الشرطة وأحرقوها أو رشقوا الحجارة على قوات الأمن. وذكرت وسائل الإعلام المصرية أن شرطيين قد أصيبا في منطقة البساتين بالقاهرة.  

ففي مقطع فيديو تم تصويره في 23 سبتمبر/أيلول في قرية كفر قنديل جنوب القاهرة، يمكن سماع طلقات نارية، وشوهد شرطيان يحملان أسلحة. وأحدهما يحمل بندقية كلاشينكوف، التي لا تطلق سوى الذخيرة الحية، والآخر يحمل بندقية يمكن أن تطلق طلقات غير مميتة. ولم يشاهد أي محتجين يحملون أسلحة نارية. ولا يكون استخدام الأسلحة النارية من قبل أجهزة إنفاذ القانون قانونياً إلا إذا كان القيام بذلك ضرورياً للغاية لمنع الموت الوشيك أو الإصابة الخطيرة. فهي ليست مناسبة لحفظ النظام العام، مثل حفظ الأمن أثناء الاحتجاجات. علاوة على ذلك، فإن الأسلحة التي تطلق العديد من الطلقات في تتابع سريع مثل الكلاشينكوف غير مناسبة تماماً في حفظ الأمن في خلال التجمعات. 

وفي مقطع فيديو آخر، تم التحقق منه في 25 سبتمبر/أيلول، في دمياط شمال القاهرة، شوهد رجال شرطة يعتدون على المحتجين العزل بالهراوات، ويطلقون الرصاص عليهم وهم يفرون. يتم إطلاق طلقات الخرطوش فقط من البنادق، وليس من أسلحة الشرطة النارية الأخرى.

في أربعة مقاطع فيديو، تم التحقق منها، شوهد رجال شرطة يهاجمون المحتجين، ويطلقون طلقات الخرطوش والغاز المسيل للدموع من أعلى المركبات المدرعة على المحتجين الذين يركضون، في 30 سبتمبر/أيلول في الأقصر بجنوب مصر؛ حيث أقام المحتجون جنازة عامة لتشييع جثمان عويس الراوي.

وكان العديد من المعتقلين أثناء الاحتجاجات وبعدها قد أصيبوا بجروح من طلقات الخرطوش، من بينها في ظهورهم.

ويمكن لبنادق الشرطة العادية إطلاق مجموعة متنوعة من الذخيرة. بعض الأنواع، مثل مقذوفات التأثير الحركي، مقبولة للاستخدام في ظروف محددة للغاية. ولكن لا ينبغي أبداً استخدام الخرطوش. فمثل طلقات بنادق ضغط الهواء، يستخدم الخرطوش أيضاً في عملية الصيد. ولكن بدلاً من قذيفة واحدة، تحتوي الخرطوشة على عشرات من كرات بحجم بي بي (بقطر 3 مم)، والتي تسبب إصابات قابلة للتمييز، قد تكون قاتلة، وتصيب على نمط الرش. فإصابات الخرطوش بالقرب من الأعضاء الحيوية في الوجه والجذع تعد خطيرة بشكل خاص.

ولدى قوات الأمن المصرية تاريخ في إطلاق النار بالخرطوش على المحتجين السلميين، بما في ذلك من مسافة قريبة، مما أدى إلى وقوع وفيات وإصابات خطيرة مثل تمزق كرة العين. وبسبب مقذوفاتها المتعددة، هناك أيضا خطر كبير لإصابة المارة بالخرطوش بالقرب من الشخص الذي تستهدفه الشرطة.

وتنص المعايير الدولية لإنفاذ القوانين على أنه “لا يجوز للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين استعمال القوة إلا في حالة الضرورة القصوى وفى الحدود اللازمة لأداء واجبهم”. ويجب على أفراد الشرطة استخدام أساليب غير عنيفة قدر الإمكان قبل اللجوء إلى استخدام القوة؛ وإذا لم يجدوا مناصاً من استخدام القوة، فعليهم مراعاة ضبط النفس واستخدامها على نحو يتناسب مع خطورة الهدف المرجو تحقيقه في إطار إنفاذ القوانين.

عمليات القبض والاحتجاز بصورة تعسفية

بين 10 و 29 سبتمبر/أيلول، اعتقلت الشرطة المصرية ما بين 571 و 735 شخصا في 17 محافظة، وفقا للمعلومات التي جمعتها المفوضية المصرية للحقوق والحريات، ومجموعة “دفاع”،والجبهة المصرية لحقوق الإنسان. وأبلغ محامون منظمة العفو الدولية أن المعتقلين تتراوح أعمارهم بين 11 و65 عاماً. ومن بين المعتقلين ثلاث نساء. 

وفي الفترة التي سبقت الذكرى السنوية الأولى للاحتجاجات المعارضة للحكومة في 20 سبتمبر/أيلول، أوقفت قوات الشرطة في القاهرة الأفراد الذين يسيرون في الشوارع، وخاصة في وسط القاهرة، وأمرتهم بتسليم هواتفهم للشرطة لتفتيشها. وأطلق سراح بعض الذين تم إيقافهم أثناء عمليات التفتيش العشوائية هذه بعد احتجازهم واستجوابهم من قبل قوات الأمن بسبب محتوى هواتفهم، أو حياتهم الشخصية.

ندعو السلطات إلى الإفراج فوراً، ودون قيد أو شرط، عن جميع المعتقلين لمجرد ممارسة حقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي.

فيليب لوثر

وقال رجل أوقفه رجال الشرطة في وسط القاهرة لمنظمة العفو الدولية إنه عندما رفض فتح هاتفه، احتجزوه في سيارة للشرطة، وأهانوه، وهددوه بالاحتجاز والمحاكمة، قبل السماح له بالرحيل. وألقي القبض على آخرين، بمن فيهم المارة، من الاحتجاجات أو بالقرب منها، وألقي القبض على بعض الأشخاص من منازلهم بسبب التعليقات التي أدلوا بها على حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي التي تدعو إلى الاحتجاجات، أو تنتقد سياسات الحكومة فيما يتعلق بهدم المنازل.

ووفقا للمحامين وعائلات، فإن الذين قبض عليهم قد اقتيدوا إلى أقسام شرطة مختلفة، ومعسكرات قوات الأمن المركزي، وبعضهم نقلوا إلى مواقع يسيطر عليها جهاز الأمن الوطني، وهو جهاز خاص في قوات الشرطة. وذلك لفترات تتراوح بين يوم وعشرة أيام. وقد نفت قوات الأمن وجودهم لديها، ولم تسمح لهم بالتواصل مع العالم الخارجي.

وأخبر محامو المتهمين منظمة العفو الدولية أن بعض المتهمين أبلغوا النيابة بأنهم تعرضوا لصدمات كهربائية، وضربوا، وهددوا بالاحتجاز لفترات طويلة، وأهانتهم قوات الأمن. وهذا يشكل تعذيباً أو غيره من ضروب المعاملة السيئة. ثم نقل المعتقلون إلى مقر نيابة أمن الدولة العليا في القاهرة، وهي فرع خاص من النيابة العامة مسؤول عن التحقيق في قضايا الإرهاب والأمن القومي.

ووفقا للمعلومات التي جمعتها المفوضية المصرية للحقوق والحريات، فلا يزال ما لا يقل عن 115 شخصاً محتجزين في أماكن لم يكشف عنها. وأبلغ محامون منظمة العفو الدولية أن قوات الأمن زعمت للنيابة أن جميع الاعتقالات وقعت في 20 سبتمبر/أيلول، بغض النظر عما إذا كان المتهمون قد اعتقلوا بالفعل قبل ذلك التاريخ أو بعده.

ووفقا للمحامين، فقد استجوبت النيابة المتهمين بشأن مشاركتهم في الاحتجاجات، ومشاركاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، ومعتقداتهم السياسية، ومواقفهم فيما يتعلق بهدم المساكن وقانون التصالح في بعض مخالفات البناء. ولم تسمح النيابة للمحامين أو المتهمين بالاطلاع ملفات تحقيقات جهاز الأمن الوطني ضدهم، ولم تقدم أي دليل آخر ضد معظمهم، مستندة فقط على ملفات تحقيقات جهاز الأمن الوطني.

وقال المحامون أن النيابة أخبرت المتهمين بأنه يجري التحقيق معهم بتهم مختلفة، بما في ذلك “الانضمام إلى جماعة إرهابية”، و”إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”، و”نشر أخبار كاذبة”، و”تمويل جماعة إرهابية”، و”والاشتراك في تظاهرات دون المنصوص عليها قانوناً”، و”الدعوة للتظاهر”. وأمرت النيابة باحتجاز جميع الأشخاص الذين تم استجوابهم لمدة 15 يوماً. 

وفي 27 سبتمبر/أيلول، أمرت النيابة العامة بالإفراج عن 68 طفلاً محتجزاً على خلفية “أحداث الشغب” الأخيرة. ووفقا للمعلومات التي جمعتها منظمة العفو الدولية، لم يطلق سراح سوى الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عاماً، بينما لا يزال الأطفال الأكبر سناً محتجزين.

وقد أعلنت النيابة العامة استمرار التحقيقات في القضية، ولكنها لم تقدم مزيدا من المعلومات عن عدد الأشخاص المحتجزين، أو التهم التي يتم التحقيق معهم فيها.

انتهى