- ما لا يقل عن 16 مدنيين آخرين، بينهم تسعة أطفال، تعرضوا للقتل أو التشويه في أعقاب استخدام القنابل العنقودية من جانب قوات التحالف بقيادة السعودية
- العائدون من النازحين داخلياً يجدون ديارهم بمثابة “حقول ألغام”
- منظمة العفو الدولية توثِّق استخدام ذخائر عنقودية من صنع الولايات المتحدة وبريطانيا والبرازيل
- هناك حاجة ماسَّة لمساعدة دولية لإزالة الذخائر العنقودية
قالت منظمة العفو الدولية إن الأطفال وأهاليهم ممن عادوا إلى ديارهم في شمال اليمن بعد عام من النزاع معرَّضون بشدة لخطر الإصابة الجسيمة أو الموت من جراء الآلاف من الذخائر العنقودية الصغيرة التي لم تنفجر. وجاء تصريح المنظمة في أعقاب بعثة لإجراء بحوث استغرقت 10 أيام وشملت زيارات إلى محافظات صعدة وحجَّة وصنعاء.
وقالت المنظمة إن هناك حاجةً ماسة لمساعدة دولية من أجل تطهير المناطق الملوَّثة بالذخائر العنقودية، وإنه يجب على البلدان ذات النفوذ أن تحث قوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية على الكفِّ عن استخدام الذخائر العنقودية، المحرَّمة دولياً والتي تتسم بالعشوائية بحكم طبيعتها.
وأوضحت لمى فقيه، كبيرة مستشاري الأزمات في منظمة العفو الدولية، أنه “حتى بعد أن خفَّت حدة العمليات الحربية، فإن أرواح المدنيين، بما في ذلك الأطفال الصغار، وسُبل عيشهم لا تزال مهددة في اليمن، حيث يعودون إلى ديارهم فيجدون أنها قد أصبحت بمثابة حقول ألغام. ولن يكون بوسع هؤلاء المدنيين أن يعيشوا في أمان إلا بعد تحديد المناطق الملوَّثة في ديارهم وحقولهم وما حولها، وتطهيرها من الذخائر الصغيرة المميتة الناجمة عن القنابل العنقودية وغيرها من الذخائر التي لم تنفجر”.
حتى بعد أن خفَّت حدة العمليات الحربية، فإن أرواح المدنيين، بما في ذلك الأطفال الصغار، وسُبل عيشهم لا تزال مهددة في اليمن، حيث يعودون إلى ديارهم فيجدون أنها قد أصبحت بمثابة حقول ألغام
لمى فقيه، كبيرة مستشاري الأزمات في منظمة العفو الدولية
وقد توصلت منظمة العفو الدولية، في أحدث بعثة لها إلى شمال اليمن، على أدلة على أن قوات التحالف بقيادة السعودية قد استخدمت ذخائر عنقودية من صنع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والبرازيل. ويُذكر أن استخدام القنابل العنقودية محظورٌ بموجب “الاتفاقية بشأن الذخائر العنقودية”، التي انضمت إليها بريطانيا كدولة طرف.
وأجرت بعثة المنظمة مقابلات مع 30 شخصاً، بينهم بعض ضحايا ذخائر القنابل العنقودية وغيرها من الذخائر التي لم تنفجر، وأهاليهم، بالإضافة إلى عدد من شهود العيان، والخبراء في إزالة الألغام والذخائر، والنشطاء، والمُسعفين.
ووثَّقت بعثة المنظمة 10 حالات جديدة تعرض خلالها 16 مدنياً للإصابة أو الموت من جراء الذخائر العنقودية، خلال الفترة من يوليو/تموز 2015 إلى إبريل/نيسان 2016. وبين هؤلاء المدنيين تسعة أطفال، قُتل اثنان منهما. وقد وقعت هذه الإصابات بعد أيام أو أسابيع، بل وأحياناً بعد شهور، من قيام قوات التحالف بإلقاء تلك القنابل في اليمن.
ومع هدوء القتال على طول الحدود بين اليمن والسعودية، منذ التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في مارس/آذار 2016، بدأ بعض المدنيين في العودة إلى ديارهم لإحساسهم بأنهم سيكونون أكثر أمناً في التنقل في محيط محافظتي حجَّة وصعدة. إلا إن عدداً من مسؤولي نزع الألغام والذخائر، والسكان المحليين، والمُسعفين أبلغوا منظمة العفو الدولية أنهم ما زالوا يشهدون وقوع إصابات بين المدنيين من جراء المواد المتفجرة، وأن الإصابات قد تزايدت من جراء الذخائر التي لم تنفجر، وخاصة في مناطق على طول الحدود السعودية اليمنية، ومن بينها مديريات ميدي، وحرض، وحيران، وبكيل المير، ومُستبأ في محافظة حجَّة؛ والصفراء، ورازح، وشداء، وباقم في محافظة صعدة.
وهناك كثير من المدنيين، وبينهم أطفال، مُعرضون في الوقت الراهن للذخائر الصغيرة وغيرها من مخلفات الحرب من المواد المتفجرة، والتي يُحتمل أن تكون مميتة، دون أن يكون لديهم أي علمٍ بوجودها أو بالخطر الذي تشكِّله. وفي الوقت نفسه، أدت مياه الفيضانات مؤخراً إلى نقل الذخائر الصغيرة وغيرها من الذخائر التي لم تنفجر إلى مناطق لا يتوقع المدنيون وجودها فيها.
وحتى هذه اللحظة، لم تؤكد قوات التحالف الذي تقوده السعودية بشكل رسمي أنها استخدمت ذخائر عنقودية. إلا إن العميد أحمد العسيري، المتحدث باسم القوات العسكرية للتحالف، نفى بشكل قاطع، خلال مقابلة مع شبكة “سي إن إن” يوم 11 يناير/كانون الثاني 2016، أن تكون قوات التحالف قد استخدمت ذخائر عنقودية في هجمات في أي مكان في اليمن باستثناء مرة واحدة، حيث أشار إلى استخدام قنابل من طراز (CBU-105)، وهي مزوَّدة بجهاز استشعار وتُلقى من الجو، في هجوم على هدف عسكري في محافظة حجَّة، في إبريل/نيسان 2015.
مدنيون يصفون الحاجة الماسَّة للمساعدة من أجل تطهير المناطق الملوَّثة بالذخائر
إدراكاً لما تمثله الذخائر التي لم تنفجر من مخاطر جسيمة على السكان المدنيين، بدأ “المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام”، وهو الهيئة الوحيدة المعنية بنزع الألغام في اليمن، في إزالة الأسلحة وتدميرها في محافظتي صعدة وحجَّة في مطلع إبريل/نيسان 2016، بالرغم من ضعف إمكاناته من المعدات والتدريب.
وبالرغم من أنه لم يُعرف حتى الآن مدى التلوث بالذخائر العنقودية بشكلٍ كامل، فإن سجلات “المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام” تبين أن فرق المركز العاملة في محافظتي صعدة وحجَّة تمكنت، خلال الأسابيع الثلاثة الأولى لعملها، من إزالة ما لا يقل عن 418 من الذخائر الصغيرة الناجمة عن قنابل عنقودية، و810 من الصمامات ومخلفات سلاح المدفعية، و51 من مدافع الهاون، وما يزيد عن 70 صاروخاً.
ومن المفجع أن المركز اضطُر إلى التوقف فجأة عن عمليات التطهير يوم 26 إبريل/نيسان 2016، بعدما لقي ثلاثة من العاملين فيه مصرعهم في حادث انفجار ذخائر عنقودية بينما كانوا يباشرون عملهم في حيران بمحافظة حجَّة. وهؤلاء الثلاثة هم: محمد أحمد علي الشرفي، ومصطفى عبد الله صالح الحرازي، وحسين عبده محسن السلامي.
وفي حديث مع منظمة العفو الدولية، قال أحمد يحيى علوي، مدير “المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام”، إن أعمال التطهير التي كان يقوم بها المركز قد أُوقفت لحين إجراء تحقيق بخصوص وفاة العاملين الثلاثة، ولكنه يعتقد بأن الوفاة قد حدثت لأن أحد الثلاثة لم يتخذ الاحتياطات الكافية عند إزاحة الذخائر الصغيرة، فضلاً عن قربه من زملائه أثناء قيامه بذلك. وأرجع مدير المركز هذا الحادث إلى افتقار العاملين للتدريب الكافي، بالإضافة إلى أن المعدات التي يستخدمونها بالغة القِدم وغير فعالة.
وأضاف أحمد يحيى علوي موضحاً: “هناك أنواع [مختلفة] من الذخائر العنقودية استُخدمت [من جانب قوات التحالف]، ولكن لم يسبق لنا أن تعاملنا إلا مع أربعة أنواع فقط. وقد فوجئنا بالأنواع الجديدة، فهي أكثر حساسية… ومن الصعب الحصول على متفجرات لتدمير القنابل، كما إن تخزينها خطر. نحن في حاجة لإحضار مدربين من الدول التي صنعت الأسلحة لتدريب العاملين… [و] نحن نبحث عن تقنية أفضل لتدمير هذه القنابل”.
وتعليقاً على ذلك، قالت لمى فقيه: “يجب على الدول المانحة أن تسارع بدعم الجهود المحلية، وأن تقوم على وجه السرعة وبشكل آمن بتحديد وتمييز وتطهير المناطق الملوَّثة بذخائر لم تنفجر، وأن تعمل في الوقت نفسه على توعية المجتمعات المحلية المتضررة بكيفية تجنب المخاطر”.
إن التقاعس عن تطهير المناطق الملوَّثة بذخائر لم تنفجر على وجه السرعة وبشكل آمن سوف يكون بمثابة قنبلة موقوتة بالنسبة للمدنيين، بما في ذلك الأطفال، الذين يعيشون في المناطق المتضررة
لمى فقيه
واستطردت لمى فقيه قائلة: “إن التقاعس عن القيام بذلك سوف يكون بمثابة قنبلة موقوتة بالنسبة للمدنيين، بما في ذلك الأطفال، الذين يعيشون في المناطق المتضررة”.
ويُعتبر الأطفال، بصفة خاصة، عرضةً لخطر التقاط الذخائر الصغيرة واللعب بها، ظناً منهم أنها لعب، بالنظر إلى شكلها وصِغر حجمها، فبعضها قد يُشبه إلى حدٍ ما علب المشروبات، بينما يشبه البعض الآخر الكُرات.
وقد أجرت منظمة العفو الدولية مقابلةً مع صبي يبلغ من العمر 13 عاماً أُصيب في عصر يوم من أيام يناير/كانون الثاني 2016، بعد أن التقط على ما يبدو أحد الذخائر الصغيرة بالقرب من نبعٍ يعتمد عليه أهل المنطقة في الحصول على المياه، وذلك في قرية النُقعة، وهي قرية صغيرة محاطة بأراضٍ زراعية في مديرية الصفراء بمحافظة صعدة، وتبعد مسافة تتراوح بين 20 و25 كيلومتراً من الحدود مع السعودية. وقال أهالي المنطقة الذين تحدثت معهم منظمة العفو الدولية إن كيلومترات قلائل تفصل المنطقة عن جبهات القتال، وأنهم يسمعون أصوات الهجمات البرية المتبادلة خلال فترات احتدام القتال.
وقال الصبي إن القنبلة الصغيرة التي التقطها كانت خضراء اللون وتشبه “الكرة الصغيرة التي نلعب بها”. وهذا الوصف يتسق مع وصف الذخائر الصغيرة الناجمة عن القنبلة العنقودية الأمريكية الصنع من طراز (BLU-63).
قال الصبي إن القنبلة الصغيرة التي التقطها كانت خضراء اللون وتشبه “الكرة الصغيرة التي نلعب بها
طفل يبلغ من العمر 13 سنة، وهو أحد ضحايا انفجار الذخائر الصغيرة قرية النُقعة في مديرية الصفراء بمحافظة صعدة
وروى الصبي ما حدث قائلاً: “رأيتُ القنبلة [الذخيرة الصغيرة] بالقرب من المكان الذي نملأ منه المياه، وكنتُ أمشى هناك عندما رأيتها [على الأرض]. التقطتها ورميتها [جانباً] فانفجرت. أُصبتُ وذهب أخي لطلب النجدة…”. وقد خضع الصبي للعلاج في المستشفى لمدة شهرين، وأُجريت له جراحة في بطنه. وقد قال لمنظمة العفو الدولية أن هناك ذخائر صغيرة لا تزال موجودة بجانب النبع.
وفي 1 مارس/آذار 2016، أُصيب صبي آخر، يبلغ من العمر 11 عاماً ويُشار إليه باسم “وليد” (غُيرت أسماء الأطفال الأصلية حرصاً على سلامتهم)، في منطقة قريبة من جراء ذخيرة صغيرة، مما أدى إلى بتر ثلاثة من أصابعه وكسر فكِّه، بينما قُتل شقيقه، البالغ من العمر ثمانية أعوام ويُشار إليه باسم “سامح”.
وقال “وليد” لمنظمة العفو الدولية إنه كان مع شقيقه “سامح” بالقرب من قرية الفرد، في مديرية الصفراء بمحافظة صعدة، يوم 1 مارس/آذار 2016، عندما شاهدا عدة ذخائر صغيرة وهما يرعيان الغنم في أحد الوديان. وأضاف “وليد” قائلاً إنه وشقيقه “سامح” ظلا يحملان الذخائر الصغيرة ويلعبان بها لعدة ساعات، إلى أن انفجرت إحداها في نهاية المطاف، في حوالي الساعة الواحدة ظهراً، مما أدى إلى مصرع “سامح” على الفور وإصابة “وليد”. وقد لاحظت بعثة منظمة العفو الدولية أنه تم بتر ثلاثة أصابع من يد “وليد” اليمنى، وأُجريت له جراحة لتثبيت شرائح معدنية في فكِّه الأيسر، الذي كُسر من جراء الانفجار. كما أُصيب “وليد” بشظايا في صدره وساقيه.
وفي حوالي الساعة الواحدة ظهراً، بدأت أمسك الشريط الأحمر بيدي اليمنى وأشدُّه، وراح [“سامح”] يشدُّه من طرفه الآخر، وعندئذ انفجرت القنبلة ووقعتُ إلى الخلف. وأُصيب [“سامح”] في بطنه وسقط على الأرض هو الآخر. لم نكن نعرف أنها سوف تصيبنا
وليد، يبلغ من العمر 11 عاماً، وهو من مديرية الصفراء بمحافظة صعدة
وروى “وليد” ما حدث آنذاك قائلاً: “نحن نذهب كل يوم إلى الوادي لنرعى الأغنام، وهناك يوجد كثير من القنابل الصغيرة. وجدنا أربع قنابل منها في الصباح… كانت أسطوانية الشكل وعليها شريط أحمر. حملناها معنا ونحن نرعى الغنم. وفي حوالي الساعة الواحدة ظهراً، بدأت أمسك الشريط الأحمر بيدي اليمنى وأشدُّه، وراح [“سامح”] يشدُّه من طرفه الآخر، وعندئذ انفجرت القنبلة ووقعتُ إلى الخلف. وأُصيب [“سامح”] في بطنه وسقط على الأرض هو الآخر. لم نكن نعرف أنها سوف تصيبنا”.
واستناداً إلى هذا الوصف، يبدو أن هذه ذخائر من طراز (“ZP 39” DPICM) التي تُقذف من الأرض، وقد وثَّقت منظمة “هيومن رايتس ووتش” استخدامها في شمال اليمن في مايو/أيار 2015.
وفي 16 إبريل/نيسان 2016، قُتل صبي آخر يبلغ من العمر 12 عاماً، بينما أُصيب شقيقه البالغ من العمر تسعة أعوام، عندما كانا يلعبان بذخائر ناجمة عن قنابل عنقودية وهما يرعيان الأغنام في أحد الوديان القريبة من قرية بمحافظة حجَّة التي تبعد حوالي 10 كيلومترات عن الحدود مع السعودية. ووفقاً لما ذكره أهالي الصبيين، فإن جبهات القتال تقع على مسافة كيلومترات قليلة في المناطق المتاخمة للحدود، بينما قال عدد من سكان المنطقة لمنظمة العفو الدولية إن بعض المقاتلين كانوا يُضطرون أحياناً إلى التراجع والعودة إلى القرى القريبة بحثاً عن ملاذٍ من نيران القوات السعودية.
وفي حديث مع منظمة العفو الدولية، قال الصبي البالغ من العمر تسع سنوات الذي نجا من الحادث:
“وجدتُ القنبلة فذهبت لأعطيها لأخي، لتكون معه واحدة وأنا معي واحدة. وراح هو يضرب الاثنتين في بعضهما البعض فانفجرتا، ووجدت نفسي ملقى على الأرض. دفعني الانفجار إلى الخلف [عدة أمتار]. قبل الحادث بيومين أو ثلاثة كنتُ أذهب مع زميلي ونجمع القنابل ونضعها في حقيبة ونخفيها بين الأشجار. كان عليها شريط أبيض”.
وقد لقي شقيقه البالغ من العمر 12 عاماً مصرعه على الفور، بعدما بُقرت بطنه وبُترت ذراعه.
أما والد الصبيين، ولديه 13 طفلاً آخرين، فقال لمنظمة العفو الدولية إن الأسرة لم تعد إلى المنطقة إلا مؤخراً، وكانت قد شُردت من ديارها بسبب الضربات الجوية. وأوضح الأب أنهم كفوا عن الذهاب إلى الوادي منذ الحادث، ولكن لا توجد مناطق آمنة لرعي الأغنام، وأضاف قائلاً: “في المنطقة المجاورة لنا، توجد قنابل عالقة على الأشجار”.
في المنطقة المجاورة لنا، توجد قنابل عالقة على الأشجار
راع للغنم من محافظة حجَّة، وهو أب لـ 13 طفلاً
وقال بعض رعاة الأغنام الآخرين لمنظمة العفو الدولية إن انتشار الذخائر الصغيرة الناجمة عن قنابل عنقودية في مناطق الرعي قد أجبرهم على الإبقاء على أغنامهم دون رعي وإطعامها بالدّرِيس، وهو باهظ التكلفة ولا يمكن الاعتماد عليه بشكل مستديم. وفي معظم الحالات، كان المزارعون ورعاة الأغنام يقولون لمنظمة العفو الدولية إنه لا يوجد خيار أمامهم سوى العمل في المناطق الملوَّثة بالقنابل بالرغم من المخاطر.
وفي معرض التعليق على ذلك، قالت لمى فقيه: “إن أثر العدد الكبير من الذخائر التي استخدمتها قوات التحالف بقيادة السعودية وارتفاع معدلات انفجارها لم يقتصر على القتل والتشويه فحسب، بل امتد إلى إلحاق أضرار بالغة بسُبل العيش، حيث نفقت أعداد من الماشية وأصبحت الأراضي الزراعية بمثابة حقول ألغام في واقع الأمر، كما تضررت أعمال رعي الماشية وحصاد محاصيل الموز والمانجو والطماطم”.
وفي كثير من الحالات، قال مدنيون ممن عادوا إلى ديارهم لمنظمة العفو الدولية إنهم أصبحوا يُضطرون إلى إزالة الذخائر بأنفسهم، خوفاً من أن يلتقطها الأطفال أو أن تصيب ماشيتهم.
ففي حديث مع منظمة العفو الدولية، قال هندي إبراهيم، وهو مزارع وأب لطفلين ويبلغ من العمر 25 عاماً ومن سكان قرية دغيج في مديرية حيران بمحافظة حجَّة، إنه أُصيب في ذراعه من جراء انفجار بينما كان يحاول مع آخرين من أهالي القرية إزالة مئاتٍ من الذخائر الصغيرة الناجمة عن قنابل عنقودية من قريتهم. وأضاف قائلاً:
“حدثت الضربة الأصلية في أواخر يوليو/تموز أو أغسطس/آب خلال النهار، وانفجرت [بعض] القنابل الصغيرة. وكانت هناك أيضاً طائرات أباتشي [مروحية] تقصف الناس وهم يجرون. كانت هناك حوالي 500 قنبلة في مختلف أنحاء القرية… وكنا نريد أن نزيلها. كان بعضها داخل البيت في الفناء وفي المطبخ… ظل [مسؤولو “المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام”] يعطوننا وعوداً بأنهم سيأتون، ولكنهم لم يأتوا إطلاقاً. قالوا لنا إنهم مشغولون في مناطق أخرى. وبحلول فبراير/شباط، كنا مضطرين لإزالتها بأنفسنا بسبب [المخاطر على] الأطفال. في ذلك الوقت دخلتُ البيت ووضعتُ 10 [من الذخائر الصغيرة] على صينية وحملتُها إلى خارج البيت. بدأت القنابل ترتطم ببعضها البعض وانفجرت إحداها. وقعت الصينية من يدي، فانفجرت باقي القنابل”.
وقد أُصيب هندي إبراهيم بجروحٍ ناجمة عن الشظايا في كوع يده اليمنى والجانب الأيمن من البطن وفي الفخذ الأيمن.
كما التقت منظمة العفو الدولية مع شقيق هندي إبراهيم، ويُدعى ويدي إبراهيم ويبلغ من العمر 30 عاماً، ومع ابن اخته، ويُدعى يحيى شوقي ويبلغ من العمر 15 عاماً. وقد أُصيب الاثنان أيضاً وهما يحاولان إزالة الذخائر من القرية. وذكر هندي إبراهيم أن اثنين آخرين من أهل القرية لقيا مصرعهما خلال الشهور الأخيرة، عندما التقطا بعض الذخائر فانفجرت فيهما.
أول تأكيد لاستخدام ذخائر عنقودية بريطانية الصنع في اليمن
منذ بدء الحملة الجوية لقوات التحالف بقيادة السعودية، في 25 مارس/آذار 2015، وثَّقت منظمة العفو الدولية استخدام ستة أنواع من الذخائر العنقودية في اليمن (انظر الجدول الكامل لاحقاً) من جانب قوات التحالف. كما وثَّقت مصادر أخرى موثوقة، من بينها منظمة “هيومن رايتس ووتش”، استخدام هذه الأنواع.
وقد أكدت أحدث بعثة لمنظمة العفو الدولية، للمرة الأولى، أن قوات التحالف استخدمت في اليمن ذخائر عنقودية بريطانية الصنع من طراز (BL-755). وكانت شركة “هانتنغ” (Hunting) الهندسية المحدودة تُصنع الذخائر العنقودية من طراز (BL-755) في سبعينات القرن العشرين. وهذا السلاح، المتعدد الأشكال، مُصممٌ بحيث يُلقى من الطائرات البريطانية المقاتلة من طراز “تورنادو” (Tornado)، وهو يحتوي على 147 ذخيرة صغيرة، ويمكنه اختراق درع سمكه 250 مليمتر، وينشطر في الوقت نفسه إلى أكثر من ألفي شظية تعمل كسلاح مضاد للأفراد. ومن المعروف أن هناك مخزونات من هذا السلاح في كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وقد تعرَّف فريق البحث التابع لمنظمة العفو الدولية على القنبلة طراز (BL-755) في حيران، في المنشأة التي كان “المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام” يستخدمها لتخزين ما جمعه من ذخائر لم تنفجر. وكان عُطب قد أصاب القنبلة وأدى إلى تعطُّلها، وكانت القنابل الصغيرة في خمسة من الأقسام السبعة الأصلية لم تنطلق كما كان مصمماً أو لم تنفجر. وكانت هناك نحو دزّينة قنابل صغيرة لا تزال في بقايا عبوة القنبلة المحطمة. وكان “المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام” قد خزَّن نحو 70 قنبلة صغيرة أخرى في المنشأة نفسها، وأشار إلى أن هناك حوالي 80 قنبلة صغيرة أو نحو ذلك، أي أكثر من نصف العدد الأصلي للقنابل الصغيرة، لم تنفجر.
وهذه هي المرة الأولى التي يتأكد فيها استخدام ذخائر عنقودية بريطانية الصنع منذ اعتماد “الاتفاقية بشأن الذخائر العنقودية” في عام 2008، وهي الاتفاقية التي قامت بريطانيا بدور في صياغتها والتفاوض بشأنها.
ومن بين الأنواع الأخرى التي تعرفت عليها منظمة العفو الدولية مؤخراً صاروخ محمَّل بذخائر عنقودية طراز “أستروس” (Astros) برازيلي الصنع من إنتاج شركة “أفيبراس” (Avibras). وأسلحة أمريكية الصنع عبارة عن قنابل طراز (CBU-105) مزودة بصمام استشعار للتفجير، وعلب قذائف طراز (BLU-108/B). وكان قد تم الاتفاق في أغسطس/آب 2013 على عقد مع وزارة الدفاع الأمريكية بقيمة 641 مليون دولار أمريكي لتصنيع 1300 من القنابل المزوَّدة بصمام استشعار للتفجير طراز (CBU-105) لصالح السعودية. ومن المعروف أيضاً أن هناك مخزوناً من هذا السلاح في الإمارات العربية المتحدة.
ويُذكر أن الذخائر من طراز (BLU-108)، التي تصنعها شركة “تيكسترون” (Textron) للأنظمة الدفاعية، هي ذخائر صغيرة تُقذف من الجو، ومزوَّدة بأربع ذخائر صغيرة ثانوية ذكية تُسمى “سكيت”. وتنطلق ذخائر (BLU-108) من القنبلة التي تحملها، كما تُلقى مظلَّة لإبطاء سرعة سقوطها. وبعد ذلك، تُطلق القنبلة الذخائر الثانوية الذكية الأربع، وهي ذخائر سريعة الدوران ومزوَّدة بأجهزة استشعار بصري متعددة الاتجاهات يمكنها تحديد مجموعة من الأهداف. وعندما تتعرف إحدى هذه الذخائر الثانوية الذكية على أحد الأهداف تنفجر، وتطلق قذيفة اختراق متفجرة يمكنها اختراق الدروع ولها تأثير حارق، بالإضافة إلى حلقة من الشظايا قادرة على تدمير الأهداف غير الصلبة والأشخاص.
والملاحظ أن وجود هذه الذخائر الثانوية المسماة “سكيت” في اليمن دون أن تُنشر أو تنفجر أو تُدمر ذاتياً يتناقض مع ادعاءات “وكالة التعاون الأمني الدفاعي”، التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، بأن هذه الذخائر لم تسفر عن أكثر من 1 بالمئة من الذخائر التي لم تنفجر “بطول نطاق العمليات المقصودة”. ويُذكر أن الحكومة الأمريكية تحظر بيع أو نقل الذخائر العنقودية التي يزيد معدل إخفاقها عن 1 بالمئة. ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تتقاعس عن الوفاء حتى بهذا المعيار، الذي لا يرقى إلى الحظر الكامل على استخدام وإنتاج ونقل وتخزين الذخائر العنقودية، وهو الحظر الذي تعهدت بالالتزام به الدولُ الأطراف في “الاتفاقية بشأن الذخائر العنقودية”، وعددها 100 دولة.
توصيات
قالت لمى فقيه إنه “بدون جهود منسَّقة تكفل توقف قوات التحالف بقيادة السعودية عن استخدام الذخائر العنقودية، وبدون مساعدة دولية عاجلة لتطهير المناطق الملوَّثة، فإن تلك القنابل العنقودية وغيرها من مخلفات الحرب من المواد المتفجرة سوف تظل على مدى السنوات القادمة تمثل تركةً مميتة في اليمن، وتشكِّل خطراً على أرواح المدنيين، وتجلب الخراب للاقتصاد المحلي”.
– في حال لم يتم بذل الجهود لإزالتها – تلك القنابل العنقودية وغيرها من مخلفات الحرب من المواد المتفجرة سوف تظل على مدى السنوات القادمة تمثل تركةً مميتة في اليمن، وتشكِّل خطراً على أرواح المدنيين، وتجلب الخراب للاقتصاد المحلي
لمى فقيه
وينبغي على السعودية والدول الأخرى الأعضاء في التحالف أن تسهِّل عمليات تطهير المناطق الملوَّثة بذخائر لم تنفجر. ويجب على الدول، التي يتيح لها وضعها القيام بذلك، أن تقدم كل ما يمكن من المساعدات التقنية والمالية والمادية وغيرها من المساعدات من أجل تسهيل تحديد المواقع وتطهير أو إزالة أو تدمير ذخائر القنابل العنقودية والذخائر التي لم تنفجر وغيرها من مخلفات الحرب من المواد المتفجرة. ويجب على هذه الدول أن تقدم مساعدات للضحايا، بما في ذلك الرعاية الطبية والنفسية وإعادة التأهيل للضحايا وأهاليهم، بالإضافة إلى برامج التوعية بالمخاطر.
ويجب على الدول الأعضاء في التحالف بقيادة السعودية أن تقدم فوراً إلى الأمم المتحدة معلوماتٍ عن مواقع الهجمات بالذخائر العنقودية على وجه الدقة، بما في ذلك خرائط وبيانات عن التواريخ الفعلية للضربات، وأنواع الأسلحة المستخدمة وكمياتها، وذلك لتسهيل عمليات التطهير والتوعية بالمخاطر، بما يكفل التقليل من احتمالات وقوع مزيد من الخسائر في صفوف المدنيين.
ويجب على الدول التي تزوِّد قوات التحالف بقيادة السعودية بالأسلحة، كما يجب على الدول الأعضاء في التحالف، أن تكف فوراً عن نقل الذخائر العنقودية وعن استخدامها، وأن تبادر بوقف تشغيل المخزونات المتبقية لديها من تلك الأسلحة والتخلص منها دون إبطاء.
خلفية
على مدى سنوات، دأبت منظمة العفو الدولية ومنظمات أخرى على دعوة جميع دول العالم إلى الكف فوراً عن استخدام القنابل العنقودية وإنتاجها ونقلها وتخزينها، وإلى الانضمام إلى “الاتفاقية بشأن الذخائر العنقودية“، المبرمة عام 2008.
وكانت الولايات المتحدة والبرازيل من بين الدول المنتجة للذخائر العنقودية، التي تم التأكد من استخدامها من جانب قوات التحالف بقيادة السعودية خلال النزاع في اليمن، وكلاهما لم تنضما إلى “الاتفاقية بشأن الذخائر العنقودية”. ولم ينضم اليمن أيضاً إلى الاتفاقية، وإن كان دبلوماسيون يمنيون قد أشاروا خلال مؤتمر للأمم المتحدة، في 19 مايو/أيار 2016، إلى أن اليمن يبحث بجدية الانضمام إلى الاتفاقية، بالنظر إلى مستوى التلوث بالذخائر العنقودية في البلاد.
وبالمثل، لم تنضم السعودية ولا أية دولة من الدول المشاركة في التحالف الذي تقوده إلى “الاتفاقية بشأن الذخائر العنقودية”. إلا إنه يتعين على هذه الدول المشاركة في التحالف، بموجب القانون الدولي الإنساني العرفي، ألا تستخدم أسلحة تتسم بالعشوائية بحكم طبيعتها، ومن ثمَّ تشكل خطراً دائماً على المدنيين.
ومنذ فبراير/شباط 2016، حثَّت منظمة العفو الدولية جميع دول العالم على أن تكفل عدم إمداد أيٍ من أطراف النزاع في اليمن، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بأسلحةٍ أو ذخائر أو معدات عسكرية أو تقنيات يمكن أن تُستخدم في النزاع، وذلك لحين توقُّف هذه الأطراف عن ارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي، ودعم إجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة بخصوص الادعاءات بوقوع انتهاكات على أيدي جميع الأطراف.