قلة شُجاعة تناضل من أجل حقوق الإنسان في مصر

بقلم محمد لطفي

 لم يحدث من قبل خلال ممارستي المهنية التي امتدت 10 سنوات أن كان العمل في مجال حقوق الإنسان في مصر محفوفاً بالمخاطر كما هو الآن.

ففي مصر اليوم، يعيش جميع نشطاء حقوق الإنسان والمحامين والنشطاء السياسيين والصحفيين المستقلين، تحت سطوة الرقابة على مكالماتهم الهاتفية، وحملات التشهير التي لا تنتهي، وخطاب الكراهية الذي يستهدفهم في وسائل الإعلام التابعة للدولة، فضلاً عن المضايقات المستمرة والترهيب من جانب السلطات.

لم يحدث من قبل 10 سنوات.. أن كان العمل في مجال حقوق الإنسان في مصر محفوفاً بالمخاطر كما هو الآن.

محمد لطفي

 وهذا بالنسبة للبعض، يمكن أن يؤدي إلى الاضطهاد الشديد، وصولاً إلى الاعتقال التعسفي والاحتجاز لفترات طويلة، وإلى أحكام قاسية بعد محاكمات جائرة، وأحياناً إلى التعذيب والاختفاء القسري على يد الدولة، أو الوفاة في الحجز نتيجة الإهمال الطبي. تلك هي، إلى حد كبير، القائمة نفسها لانتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرض لها الناس الذين يسعى المدافعون عن حقوق الإنسان لحمايتهم من خلال نشاطهم وعملهم الحقوقي.

في أذهان أولئك المتواجدين في سدة السلطة اليوم في مصر، ليس المجتمع المدني ووسائل الإعلام أكثر من مجرد أدوات لاستخدامها وإساءة توظيفها حسب الرغبة. فمن غير المفترض أن يكون للمجتمع المدني المستقل وجود، عداك عن المنظمات التي تعمل على تعزيز حقوق الإنسان. وفي مثل هذا المناخ من الخوف، فإن أولئك الذين يستمرون في الدفاع عن حقوق الإنسان يملكون حقاً قلوباً شجاعة.

 ففي وقت سابق من هذا الاسبوع، في 9 يناير/كانون الثاني 2016، نجا زميلي، رئيس مجلس أمناء “المفوضية المصرية للحقوق والحريات“، الدكتور أحمد عبد الله، بأعجوبة من محاولة اختطاف على أيدي رجال الأمن من مقهى في الجيزة كثيراً ما يرتاده. حيث وصل ثلاثة ورجال أمن يرتدون ملابس مدنية، في سيارة خاصة لا تحمل رقماً، وداهموا المقهى واستجوبوا الموظفين العاملين فيه. وعندما قيل لهم إنه لم يكن موجوداً، أجروا تفتيشاً دقيقاً للمقهى. ولم يتمكنوا من إبراز مذكرة اعتقال أو تفتيش من النيابة العامة، وهذا يعني أنه لا يوجد أساس قانوني للتفتيش.

 وقع هذا الحادث بعد سلسلة من الاعتقالات في صفوف نشطاء سياسيين سلميين من الليبراليين، بين ديسمبر/كانون الأول 2015 وأوائل يناير/كانون الثاني 2016. ويواجه بعضهم اتهامات ملفقة مثل “الانتماء إلى حركة 25 يناير” – وهي الحركة التي لم يسمع بها أحد من قبل. واتهم آخرون بتنظيم احتجاجات والمشاركة فيها، بما يخالف التظاهر المتشدد للغاية في مصر. ولا يزال كثيرون يقبعون في السجن في ظروف لاإنسانية. ومنذ 27 ديسمبر/كانون الأول 2015، ما برحت مضطراً إلى ترك بيتي والاختباء بسبب شائعة تناقلتها وسائل الاعلام الاجتماعية مفادها أن قوات الأمن كانت في طريقها إلى بيتي.

يواجه بعضهم اتهامات ملفقة مثل “الانتماء إلى حركة 25 يناير” – وهي الحركة التي لم يسمع بها أحد من قبل. واتهم آخرون بتنظيم احتجاجات والمشاركة فيها، بما يخالف التظاهر المتشدد للغاية في مصر.

محمد لطفي

لست وحدي بالتأكيد من يعيش حالة الخوف من الاعتقال التعسفي. فقد دوهمت مكاتب العديد من المنظمات الرئيسية لحقوق الإنسان في مصر أو واجهت التحقيقات، وفي كثير من الأحيان بسبب العمل من دون تصريح أو لتلقي التمويل الأجنبي.

 والحد الذي وصل إليه تجاهل الأجهزة الأمنية لسيادة القانون، والتطبيق التعسفي للقوانين، وضربهم عرض الحائط بواجبهم في دعم الحقوق المنصوص عليها في الدستور والقانون المصري، ناهيك عن الالتزامات الدولية في مجال حقوق الإنسان- حدٌ تقشعر له الأبدان حقاً. أما القضاء المصري فيبدو غير قادر أو غير راغب في وقف ما يرتكب من انتهاكات خطيرة من قبيل الاختفاء القسري والتعذيب والوفاة أثناء الاحتجاز.

والمنظمة التي انتمي إليها، “المفوضية المصرية للحقوق والحريات“، في الصفوف الأمامية من المعركة الرامية إلى وضع حد لحالات الاختفاء القسري في مصر، حيث اختفى عشرات الأشخاص على يد الحكومة. وقد أجبرت حملتنا “أوقفوا الاختفاء القسري“، التي عبأت النشطاء عبر وسائل التواصل الاجتماعية ودعم أسر المختفين، وتزويدهم بالوثائق والمساعدة القانونية – أجبرت وسائل الإعلام، في نهاية المطاف، على الحديث عن هذه القضية. ونتيجة لذلك، اضطر “المجلس القومي لحقوق الإنسان” إلى إبلاغ وزارة الداخلية بأكثر من 100 حالة من حالات الاختفاء. وبعد النفي الأولي، وفي انعطافة تبعث على الدهشة، اضطرت وزارة الداخلية إلى أن نعترف بأن الأسماء التي قدمها “المجلس القومي لحقوق الإنسان” كانت في الواقع بين من تعتقلهم السلطات.

ولربما كانت هذه الحملة أحد الأسباب الرئيسية لتعرض منظمتنا وموظفيها الآن للترهيب الروتيني، الذي يأتي في إطار هجوم منتظم في وسائل الإعلام.

لقد خلص تقريرنا الأخير حول هذه المسألة إلى أن “جهاز الأمن الوطني”، الذي يعمل تحت إشراف وزارة الداخلية، و”إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع” التابعة للجيش، قد شاركت في اختطاف واحتجاز المعتقلين بمعزل عن العالم الخارجي في عدد من المواقع، بما في ذلك سجن العزولي العسكري سيء السمعة.

إن كل مدافع عن حقوق الإنسان يعرف أن ثمة ثمناً باهظاً يمكن أن يُدفع لقول الحقيقة في وجه الإجراءات الحكومية الظالمة. ولكن العمل السلمي، الذي يهتدي ببوصلة المبادئ الإنسانية، هو أقوى من كل أدوات القمع.

ولذا، يتعين على المدافعين عن حقوق الإنسان التمسك ببوصلة حقوق الإنسان في داخلهم، لا سيما في مواجهة الترهيب الذي لا يرحم. فالكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان في كل مكان من العالم يظل مصدر إلهام لا ينضب، ويجعل جميع المدافعين عن حقوق الإنسان أقوى في بلدانهم. وكل كسب لمعركة حقوق الإنسان في بلد ما، يقربنا خطوة من الحرية والعدالة.

محمد لطفي هو الرئيس التنفيذي للمفوضية المصرية للحقوق والحريات في مصر، وباحث سابق لدى منظمة العفو الدولية

نشرت نسخة محررة من هذه المدونة للمرة الأولى من قبل “أصوات مستقلة