قالت منظمة العفو الدولية اليوم إنه يتعين على السلطات التونسية ضمان ألا تمضي القضايا البارزة المتعلقة بقسوة أعوان الأمن في السنة الفائتة دون عقاب، إذا ما كانت لديها أية نية في التصدي لإفلات أعوان الأمن المتهمين بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من العقاب.
فمنذ سنة، انضمت منظمة العفو الدولية، في مارس/آذار 2018، إلى 15 منظمة تونسية ودولية لحقوق الإنسان لمطالبة الحكومة التونسية باتخاذ خطوات ملموسة ضد أعوان قوات الأمن الذين يهددون القضاة أو يبتزونهم، من أجل وقف الإجراءات التي يُباشر بها ضدهم. فحتى يومنا هذا، لم تتخذ السلطات التونسية أية إجراءات ملموسة. وقد أصبح التقاعس عن التصدي للتهديدات التي تطلقها نقابات أعوان الأمن وسواها من النقابات الأمنية، التي يفترض أنها قد أنشئت للدفاع عن حقوق أعوان الأمن وسواهم من منتسبي القوات الأمنية، أحد العوامل الرئيسية التي تسهم في الإفلات من العقاب على انتهاكات حقوق الإنسان، بما يعنيه ذلك من خشية لدى قضاة التحقيق من التعرض للتهديدات أو الأعمال الانتقامية.
وقد قامت منظمة العفو الدولية بتوثيق أربع حالات توضيحية تسلط الضوء، مجدداً، على الحاجة الماسة إلى القيام بإصلاح جذري لقطاع الأمن، وإلى تمكين القضاء من وضع حد لإفلات أعوان الشرطة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة، بما في ذلك أعمال القتل غير القانونية المحتملة والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة من العقاب. الحالات الأربع هي حالات كل من عمر العبيدي؛ وعلي ويوسف بوزويدة؛ وإيهاب؛ وأيمن عثماني.
ويتضمن هذا البيان تفاصيل عن العنف الذي يرتكبه أعوان الشرطة ضد الأفراد، بما في ذلك الظروف التي أدت إلى حالتي وفاة؛ ويبرز بواعث قلق بالغة بشأن تقاعس الدولة عن إجراء التحقيقات حسب الأصول في مثل هذه الانتهاكات، ولا سيما:
- استخدام قوات الأمن القوة غير الضرورية والمفرطة، بما في ذلك فيما يخص حالة أطلقت فيها الذخيرة الحية على المتظاهرين دون سابق إنذار، على ما يبدو؛
- استهداف أعوان الأمن شباناً، عقب فعاليات رياضية بشكل خاص، بهجمات أدت إلى إصابات خطيرة ترقى إلى مرتبة المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وربما التعذيب؛
- مخالفات أحاطت بالتحقيقات في انتهاكات أعوان الأمن، بما يتضمن فقد تقارير طبية، وحرمان قوات الأمن عن قصد ضحايا استخدام القوة المفرطة أو التعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة من الرعاية الطبية، أو التأخر المتعمد في توفيرها لهم؛
- حالات من التأخر في مباشرة التحقيقات في الانتهاكات المزعومة من جانب أعوان الأمن أو تعطيلها كلياً، رافقها تقاعس بادٍ للعيان عن التصدي لعدم تقيد أعوان الأمن بإجراءات المثول أمام قاضي التحقيق.
يوضح تقاعس السلطات التونسية عن مساءلة أعوان قوات الأمن عما يرتكبون من انتهاكات خطيرة الثغرات الأساسية التي يعاني منها نظام العدالة الجنائية التونسي.
منظمة العفو الدولية
ويوضح تقاعس السلطات التونسية عن مساءلة أعوان قوات الأمن عما يرتكبون من انتهاكات خطيرة الثغرات الأساسية التي يعاني منها نظام العدالة الجنائية التونسي، على الرغم من بعض التعديلات التي أدخلت عليه منذ انتفاضة 2011. فما زال التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة متفشيين على نطاق واسع عند القبض على الأشخاص وفي مراكز الإيقاف، وكثيراً ما تستخدم قوات الأمن القوة غير الضرورية والمفرطة في عملياتها لإنفاذ القوانين. والقضايا الأربع التي نوثِّقها في هذا البيان هي مجرد حالات رمزية لنمط أوسع نطاقاً من الانتهاكات، وتثير أسئلة جدية بشأن مدى شمولية التحقيقات وحيْدتها، وبشأن عدم الفصل بين سلطات الأمن وسلطات التحقيق والمقاضاة، ومدى غياب الشفافية في صنع القرارات. فحتى عندما لا تجرى التحقيقات بإشراف الأمن، فإن علاقة العمل اليومية بين قضاة التحقيق والأمن تعني أن ثمة مخاطر لا يستهان بها باحتمال أن تجرى التحقيقات بطريقة منحازة في القضايا التي يكون المشتبه بهم فيها من معاوني الأمن.
عمر العبيدي
في 31 مارس/آذار 2018، طاردت مجموعة من أعوان الشرطة عمر العبيدي، البالغ من العمر 19 سنة، بينما كان يغادر ملعب رادس في الضواحي الجنوبية لتونس العاصمة، برفقة مجموعة من مشجعي كرة القدم الآخرين، وقامت في نهاية المطاف بدفعه إلى النهر، فغرق ولقي مصرعه. وتسببت وفاة مشجع كرة القدم الفتي في موجة غضب بين أنصار كرة القدم التونسيين وفي وسائل التواصل الاجتماعي، حيث استخدم المحتجون هاشتاغ #تعلم_عوم. ورغم انقضاء سنة على وفاته، يبدو أن السلطات القضائية ما برحت تماطل بالتحقيق في مقتل عمر العبيدي غير القانوني على ما يبدو.
وأبلغ المحامي منظمة العفو الدولية أن 17 عوناً ينتسبون إلى الفرقة التي تم تحديد أنها ربما كانت مسؤولة عن الوفاة، أنكروا، أثناء التحقيقات الأولى، أنهم غادروا الملعب على الإطلاق. ولكن عندما عرضت عليهم أشرطة فيديو تظهرهم بوضوح وهم يطاردون أشخاصاً في محيط الملعب، اعترفوا بأنهم قد توافقوا فيما بينهم على توحيد روايتهم لما حدث.
وفي 14 ماي/أيار، وجّه قاضي التحقيق في المحكمة الابتدائية ببن عروس تهمتي “القتل غير العمد وعدم إنجاد شخص في حالة خطر” إلى 17 من أعوان الأمن. وإذا ثبتت إدانتهم، فقد يواجهون عقوبة بالسجن لمدة سبع سنوات. وقد أجريت معظم المقابلات مع الشهود في شهري ماي/أيار وجوان/حزيران من العام الماضي، ولكن يبدو أن العملية تباطأت منذ ذلك الحين. وفي الآونة الأخيرة، استمع قاضي التحقيق إلى متهمين وثمانية شهود في 7 جانفي/كانون الثاني، ثم 14 متهما وستة شهود في 31 جانفي/كانون الثاني. وحتى الآن، لا يزال جميع المتهمين أحرارا. ورغم انقضاء سنة على وفاة عمر العبيدي، يبدو أن السلطات القضائية تماطل بالتحقيق في مقتله غير القانوني على ما يبدو.
فطبقاً للمحامي، ما زال قاضي التحقيق ينتظر سماع شهادة آخر عون أمن مطلوب للشهادة، بعد أن تجاهل هذا تبليغه مرتين من قبل القاضي بالحضور، ولا يزال القاضي ينتظر إحضار تقرير الطب الشرعي النهائي، واسترداد شريط فيديو صوّره أحد الشهود من فرقة الأبحاث بالفرجاني. إن منظمة العفو الدولية تعرب عن قلقها بشأن سير التحقيق في قضية عمر العبيدي. وعلى وجه الخصوص بشأن تقاعس قاضي التحقيق عن إصدار طلب استدعاء رسمي (بدل الإبلاغ غير الملزم) لأحد أعوان الأمن كي يمثل أمامه كشاهد، ما يمكن اعتباره مؤشراً على غياب الحياد والفعالية.
يوسف وعلي بوزويدة
لا أعرف كيف أركض، وآخرون لا يعرفون السباحة؛ نجوت من الموت، ولكن آخرين ماتوا.
علي بوزويدة يتحدث إلى منظمة العفو الدولية
“أؤمن [بالكيان] الذي ندعوه الدولة وبالنظام وحكم القانون. وإذا ما كنت قد ارتكبت خطأ، ينبغي أن أخضع للمحاسبة، ولكن إذا ما أخضعت للظلم، ينبغي أن أنشد العدالة. لا أعرف كيف أركض، آوآخرون لا يعرفون السباحة؛ نجوت من الموت، ولكن آخرين ماتوا. آمل أن خيبة أملي في الدولة تصلحها الدولة.” – علي بوزويدة يتحدث إلى منظمة العفو الدولية
في 5 ماي/أيار 2018، اعتدى أعوان الأمن على علي ويوسف بوزويدة، وهما أخوان يبلغ عمرهما، على التوالي، 32 و26 سنة، بعد اندلاع مصادمات بين أعوان الأمن ومشجعين عقب مباراة لكرة السلة في رادس، في الضواحي الجنوبية لتونس العاصمة. وحتى يومنا هذا، ما برح الأخوان ينتظران مباشرة تحقيق فيما تعرضا له من اعتداء، وتقديم الجناة للعدالة.
وطبقاً لأقوال علي بوزويدة، الذي روى قصته على شريط فيديو نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي، غادر الشقيقان البيت في وقت متأخر من بعد الظهر للبحث عن والديهما، الذي كان قد ذهب لمشاهدة مباراة لكرة السلة. إذ كانا يشعران بالقلق من أن يكون الوالد قد واجه صعوبة في التنفس بسبب الغاز المسيل للدموع الذي رد به أعوان الأمن على أعمال العنف. وفي طريقهما إلى الملعب، التقيا بما لا يقل عن 15 من أعوان الأمن في منطقة من رادس خلت من المصادمات. ووفق ما أكده علي، صرخ أحد أعوان الشرطة: “إنهما هنا!” وراح يطاردهما. ويقول الأخوان إنهما كانا يسيران على نحو مسالم، وإنهما لم يشاركا في أي أعمال عنف في ذلك الوقت.
وذكر علي لمنظمة العفو الدولية أن أعوان الأمن أمسكوا بهما وانهالوا عليهما بالضرب بالهراوات على رأسيهما وجميع أنحاء جسميهما دون توقف، لمدة حوالي 20 دقيقة، حتى فقد يوسف الوعي. وقام أحد المقيمين في المنطقة بتصوير لقطات فيديو لمدة 30 ثانية تظهر العنف الذي أخضع له الأخوان.
ووصل أعوان الحماية المدنية، الذين لا يتبعون قوات الشرطة وكانوا في المنطقة، إلى مسرح الحادثة وقاموا بنقل يوسف إلى المستشفى. بيد أن أعوان الأمن اقتادوا علي إلى مركز الأمن، ومنعوا أعوان الحماية المدنية من نقله إلى المستشفى. وعقب نحو 10 ساعات، أحضر يوسف، الذي كان قد استرد وعيه في المستشفى، إلى مركز الأمن أيضاً. وفي حوالي الساعة 5 فجراً، أفرج عنهما دون توجيه تهمة إليهما، وتمكن علي، في نهاية المطاف، من الذهاب إلى المستشفى للحصول على غرز في رأسه، وإجراء فحوصات طبية للتأكد من أنه لا يعاني من أي نزف داخلي. وقال إن جسمه كان مغطىً بالكدمات.
وفي اليوم التالي، نشرت وزارة الداخلية بلاغاً تحدث عن الإصابات التي لحقت بأعوان الأمن، الذين كانوا “يحمون الجمهور والممتلكات العامة والخاصة من عناصر مشاغبة تعمدت رشق أعوان الأمن بالمواد الصلبة والحجارة”، مضيفاً أنه تم إلقاء القبض على عدد 04 منهم، وباستشارة النيابة العمومية أذنت بفتح محضر عدلي بحث موضوعه “رشق أعوان أمن بالحجارة”.
وعندما نشر شريط الفيديو الخاص بعلي ويوسف على وسائل الإعلام الاجتماعي، ربطه من شاهدوه بقضية عمر العبيدي، وبدأت حملة تعليقات على منابر التواصل الاجتماعي تحمل هاشتاغ #تعلم_اجري.
وعندما يقوم أعوان الأمن بضرب الأشخاص الخاضعين لسيطرتهم دون مقاومة فإن هذا يرقى إلى مرتبة المعاملة أو العقوبة القاسية واللاإنسانية والمهينة؛ وبحسب مدى قسوة هذه الأفعال والغرض منها، فمن الممكن أن ترقى إلى مرتبة التعذيب. والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة محظوران حظراً مطلقاً، وفي جميع الأحوال، بموجب طيف عريض من المعاهدات التي انضمت إليها تونس كدولة طرف. وبناء عليه، يتعين أن تباشر هيئة محايدة ومستقلة تحقيقات في جميع الشكاوى المتعلقة بالتعذيب وبغيره من ضروب المعاملة السيئة، على وجه السرعة وبفعالية، وحيثما وجدت أدلة كافية ومقبولة، ينبغي تقديم المشتبه بهم إلى العدالة، في محاكمات تلبي شروط المحاكمة العادلة.
وأبلغ علي منظمة العفو الدولية أن محاميه قد رفع شكوى ضد قوات الأمن، متهماً إياهم بالعنف. وقال إن أعوان الأمن قد قاموا، بدورهم، برفع شكوى ضده واتهموه برشقهم بالحجارة، وهي تهمة أنكرها كلا الأخوين، اللذين قالا إنهما لم يشاركا في المصادمات التي أعقبت المباراة. ورغم انقضاء عشرة أشهر على الحادثة، أكد علي لمنظمة العفو الدولية أنه ما زال ينتظر حتى يومنا هذا أن يباشَر بالتحقيق.
أيمن العثماني
“لو كنت إلى جانب ولدي عندما حدث هذا لحميته وتلقيت الرصاصة بنفسي بدلاً عنه. لم يبق لي من العمر كثيراً، وكنت سأتركه ليعيش حياته. ولدي كان صغيراً جداً، ولم يرتكب أي خطأ”. – والدة أيمن لمنظمة العفو الدولية
بعد ظهر 23 أكتوبر/كانون الأول 2018، أطلق أعوان الديوانة (الجمارك) النار على أيمن العثماني، البالغ من العمر 19 سنة، أثناء اقتحامهم لمستودع في حي سيدي حسين بتونس العاصمة، لاعتقادهم أنه يجري تخزين بضائع مهربة فيه. وقال شهود عيان إن الأعوان أحاطوا بأيمن العثماني وهو غائب عن الوعي، عقب إطلاق النار عليه، وانهالوا عليه بالضرب لما لا يقل عن عشر دقائق. وتوفي متأثراً بجراحه. وطبقاً لعائلته ومحاميته، اللتين اطلعتا على تقرير الطبيب الشرعي للحادثة، أطلق عليه النار في ظهره وأعلى ساقه.
وأشعل اقتحام المستودع بالقوة مصادمات عنيفة بين أعوان الديوانية وشباب من الحي، عندما راح بعضهم يرشق هؤلاء بالحجارة. وفوجئ أهالي الحي بعملية الاقتحام غير العادية وراحوا يتجمعون في الشارع لمعرفة ما يحدث. وطبقاً لما قالته والدة أيمن، حوصر ابنها وسط الاشتباكات حوالي الساعة 3 من بعد الظهر، وهو عائد إلى عمله في موقع للبناء، عقب تناوله طعام الغداء في البيت. وذكر ما لا يقل عن ثلاثة شهود عيان، في مقابلات نشرها المنبر الإعلامي المستقل “نواة”، و نشرت كذلك على وسائل للتواصل الاجتماعي نقلاً عن ممثلة “هيومان رايتس ووتش”، أن أعوان الديوانة كانوا يطلقون الذخيرة الحية على الأشخاص الذين كانوا يرشقون الحجارة.
وتحسم أقوال شهود العيان الذين شاهدوا أيمن أثناء المصادمات بأنه لم يشارك في رشق الحجارة، وحاول الاختباء خلف برميل ماء، والهرب بعد ذلك؛ وتبين ذلك في المقابلات المنشورة التي قامت منظمة العفو الدولية بالاطلاع عليها، وأشرطة الفيديو التي شاهدتها من خلال عائلة الضحية. وتضيف حقيقة أن النار أطلقت على أيمن من الخلف، كما هو باد للعيان، تأكيدات إضافية إلى رواية أنه كان يحاول الهرب.
وأبلغ عماد العثماني، شقيق أيمن، منظمة العفو الدولية أن الأعوان كانوا قد سحقوا وجه أيمن بأحذيتهم وهو ملقى على الأرض، ثم راحوا يجرونه من كتفيه. وتدعم لقطات فيديو صورها الجيران، وأطلع عماد منظمة العفو الدولية عليها، ادعاءاته. وأبلغت العائلة منظمة العفو الدولية كذلك أن أيمن نقل إلى المستشفى قرابة الساعة 5 بعد الظهر، أي عقب ساعتين من بدء المصادمات. وزعموا أن الأعوان منعوا الجيران من استدعاء سيارة إسعاف، مدعين أنهم قد استدعوا سيارة إسعاف هم أنفسهم. وعندما لم تصل سيارة الإسعاف بعد طول انتظار، نقل أحد الجيران أيمن إلى المستشفى بسيارته؛ وفارق الحياة قبيل منتصف الليل.
وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، أصدرت الإدارة العامة للديوانة بلاغاً ادعت فيه أن الأعوان تقيدوا بالبروتوكول المناسب للتصعيد في استخدام القوة الضرورية. ويدعي البلاغ أن “الدوريّة حاولت صدّ المعتدين والتنبيه عليهم بالانسحاب، إلا أنّهم واصلوا هجومهم إلى حدّ محاولة الالتحام بأعوان الدورية وافتكاك أسلحتهم الفردية”. وطبقاً للبلاغ، قام الأعوان بالتنبيه مجّددا على المعتدين بضرورة التراجع إلى الخلف لفسح المجال لمغادرة الدورية، وأثناء انسحاب سيارات الدورية لاحظ الأعوان أن أحد المعتدين سقط أرضا. وعلى الرغم من الشهادات التي أكدت أن أيمن كان موجوداً هناك بالصدفة، وصفه البلاغ بأنه كان أحد “المعتدين”.
وعلى ما بدا، فإن الأدلة التي جمعتها منظمة العفو الدولية وهيئات أخرى تبيِّن أن أيمن العثماني لم يكن يشكل تهديداً مباشراً ووشيكاً لحياة أعوان قوات الأمن والآخرين.
في 7 مارس/آذار 2019، أكد قاضي التحقيق توجيه تهمة القتل على وجه الخطأ إلى اثنين من أعوان الديوانة، وتهمة عدم الإنجاد القانوني إلى ثلاثة آخرين، وأحال القضية إلى المجلس الجناحي بالمحكمة الابتدائية تونس 2. وتسعى المحامية الآن إلى استصدار قرار تعقيب للتهم لتصعيدها، وتصف النتيجة التي توصل إليها التحقيق بأنها غير مرضية.
إيهاب
في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2018، أمسك أعوان الأمن بإيهاب (نتحفظ على الاسم الكامل) وهو تلميذ في المدرسة الثانوية يبلغ من العمر 19 سنة- وانهالوا عليه بالضرب بينما كان يغادر ملعب رادس، عقب مشاهدة مباراة لكرة القدم. وتقدمت عائلة إيهاب بشكوى ضد التعذيب، وحتى يومنا هذا، لم تحرز القضية أي تقدم.
ففي وقت متأخر من بعد ظهر السبت، 27 أكتوبر/تشرين الأول 2018، كان إيهاب يغادر ملعب رادس عقب مشاهدة مباراة لكرة القدم. وأبلغ منظمة العفو الدولية أن مشجعين لكرة القدم تصادموا مع أعوان الأمن، ولذا انتظر حتى تهدأ الحالة قبل أن يغادر الملعب. وأكد أنه لم يشارك في أي أعمال عنف.
وعندما وصل إلى أسفل الدرج، أمسك به أعوان الأمن وراحوا يضربونه. وأبلغ إيهاب منظمة العفو الدولة أن ما لا يقل عن ستة من أعوان الشرطة انهالوا بالضرب بلا هوادة على رأسه وعلى جميع أنحاء جسمه بالهراوات، وكانوا يصرخون بأنه يهين الأمن، إلى أن بدأ ينزف من رأسه. وقال إيهاب إنه بدأ يشعر بالدوار. فوضع في سيارة نقل تابعة للأمن، حيث قاموا بتكبيل يديه، وواصلوا ضربه واتهموه ببيع المخدرات في الملعب- وهي مزاعم أنكرها تماماً. ووصف كيف أن أعوان الأمن أطلقوا تهديدات أثناء نقله باغتصابه:
“لم يخبروني بأنهم يقبضون علي أو بشأن المكان الذي يقتادونني إليه. ولم تكن لدي فكرة بشأن ما يحدث، لأنني كنت أنزف وأشعر بالدوار. وفي الطريق، أوقف أعوان الأمن السيارة وراح اثنان منهم والسائق يهددونني بالاغتصاب. واعتقدت أنهم سيقومون بذلك فعلاً إلى أن غيّر أحدهم رأيه، وقال للآخرين إن الأمر لا يستحق”.
راح اثنان من أعوان الأمن […] يهددونني بالاغتصاب
إيهاب، تلميذ في المدرسة الثانوية يبلغ من العمر 19 سنة
إن قيام أعوان الأمن بضرب المعتقل إلى حد أن يستدعى ذلك نقله للعلاج في المستشفى مجتمعاً مع التهديد بالاغتصاب إلى حد تصديق الضحية ذلك، يشكلان بوضوح معاملة قاسية ولاإنسانية ومهينة، وربما يرقيان إلى مرتبة التعذيب.
في نهاية المطاف، اقتاد أعوان الأمن إيهاب إلى مقر الأمن بالمدينة الجديدة. وأبلغ إيهاب منظمة العفو الدولية أنه طلب منهم على نحو متكرر نقله إلى المستشفى، وتمكينه من الاتصال بوالديه. وفي مقر الأمن، أخضع إيهاب للاستجواب، ونفى جميع التهم التي وجهها إليه أعوان الأمن بأنه كان يحمل مخدرات في جيوبه.
وعقب توقيعه إفادته، نقل أعوان الأمن إيهاب إلى مستشفى شارل نيكول. وأرسلته الطبيبة المعالجة إلى غرفة أخرى للحصول على غرز وقالت إنها تريد فحصه مرة أخرى. بيد أن أعوان الشرطة منعوه من العودة إلى الطبيبة وقاموا باقتياده بالسيارة إلى مركز الإيقاف ببوشوشة. ولم يسمح له بالاتصال بوالديه، وبقي محتجزاً في بوشوشة لثلاثة أيام قبل أن يخلى سبيله في 30 أكتوبر/تشرين الأول.
وعندما عاد إيهاب إلى المستشفى للحصول على نسخة من التقرير الطبي، قال موظفو المستشفى إنهم لا يستطيعون العثور عليه. ونتيجة لذلك، لم يتمكن من الحصول إلا على وثيقة تسجيل دخوله إلى المستشفى، ما يعني أنه لا يستطيع إثبات سوى أنه دخل المستشفى في 27 أكتوبر/تشرين الأول، ولكن دون تقييم طبي لما لحق به من إصابات. ويعتقد أن تقرير الطبيب لم يتمّ كتابته قط في محاولة للتستر على ما حدث. وطبقاً لشهادة أصدرها طبيب شرعي خاص بتكليف من عائلة إيهاب وقامت منظمة العفو الدولية بالاطلاع عليه، فقد لحقت بالشاب إصابة في كتفه الأيسر، أدت إلى خلعه، كما أصيب بارتجاج في الدماغ وكسور وجروح في جميع أنحاء جسمه، بما في ذلك بفخذه.
وفي 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، تقدمت عائلة إيهاب بشكوى، ضد أعوان الأمن المتورطين في الاعتداء. وفوّضت النيابة العامة للإدارة الفرعية للقضايا الاجرامية بحي الخضراء في تونس العاصمة بإجراء تحقيق أولي. وفي 6 ديسمبر/كانون الأول 2018، استدعي إيهاب من جانب الأمن لسماع أقواله. ومع ذلك، لم تحصل أي تطورات في القضية حتى يومنا هذا، ولم يقدّم أي من الجناة إلى العدالة بعد.
إصلاحات ضرورية لأجهزة الأمن
إن على السلطات التونسية أن تقوم بإصلاحات لأجهزة الأمن دون إبطاء لضمان الرقابة عليها وتقيُّدها بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، وضمان استقلالية ونجاعة التحقيقات، وتيسير إجرائها دونما تدخل لا مبرر له، وبناء الثقة بنظام العدالة الجنائية. وعلى سبيل الأولوية، توصي منظمة العفو الدولية بما يلي:
- إجراء السلطات تحقيقات وافية وسريعة وفعالة ومحايدة في جميع مزاعم التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، وفي جميع الحوادث التي يبدو أن قوات الأمن قد استخدمت فيها القوة غير الضرورية والمفرطة؛ وتقديم من تتبين مسؤوليتهم عنها إلى العدالة ومعاقبتهم، إذا ما توافرت أدلة كافية مقبولة لذلك؛
- إصدار وزارة الداخلية أوامر إلى من يشتبه بأنهم الجناة كي يمثلوا أمام المحاكم عند استدعاء القضاة لهم؛
- مباشرة وكلاء الجمهورية تحقيقات بشأن عدم مثول المشتبه بهم من أعوان الأمن أمام المحكمة؛
- منع وزارة الداخلية قوات الأمن ونقاباتها من تهديد القضاة الذين يجرون التحقيقات بشأن انتهاكات ارتكبها أعوان الأمن، أو ممارسة أي ضغوط عليهم، وإجراء تحقيق بشأن رفض أعوانها الخدمة أو القيام بواجباتهم؛
- وقف وزارة الداخلية أعوان الأمن المتهمين بارتكاب الانتهاكات عن الأداء الفعلي لمهامهم، إلى حين الانتهاء من التحقيقات المتعلقة بهم؛
- إجراء وزارة الداخلية مراجعات مستمرة بشأن التدريب المقدم إلى الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين لمنع تكرار الأخطاء أو النتائج غير المرغوب فيها لممارسات هؤلاء الموظفين؛
- وضع السلطات إطاراً لحماية ضحايا الانتهاكات التي ترتكبها قوات الأمن والشهود عليها.