استمرار الحرمان من الرعاية الطبية الكافية في سجون البحرين

أعربت منظمة العفو الدولية اليوم عن بواعث قلقها إزاء تواتر التقارير التي تصلها عن عدم توفير سجون البحرين الرعاية الطبية الكافية لنزلائها، وعلى نحو يؤدي في بعض الحالات إلى التسبب بأضرار صحية دائمة للأفراد الذين يعانون من الإصابات أو من الأمراض المزمنة المستعصية. وقد تأكدت منظمة العفو الدولية من تفاصيل الحرمان من الرعاية الطبية، وغيرها من ضروب المعاملة السيئة عن طريق التواصل مع أفراد عائلات وأقرباء 11 سجيناً، كما وصلتها مزاعم لا تخلو من مصداقية عن عدم توفير الرعاية الطبية الكافية في حالات أخرى عديدة من منظمات محلية لحقوق الإنسان، وناشطين بحرينيين في المنفى. وترسم رواياتهم، إلى جانب الأدلة الوثائقية الداعمة، صورة لإهمال متكرر ومستمر، ومتعمد في بعض الحالات، في توفير الرعاية الطبية ضمن نظام السجون البحريني. وفضلاً عن ذلك، يتحدث السجناء وعائلاتهم عن طيف واسع من التجاوزات الأقل شأناً، التي تتراوح ما بين المناكفات الصغيرة والقسوة غير المبررة. وبسبب الاحتمال القوي بأن تتعرض عائلات الأفراد الذين يفشون بمعلومات بشأن هذه الانتهاكات إلى المنظمات الدولية لأعمال انتقامية، فإن منظمة العفو الدولية لا تستطيع إعلان هوية مصادرها من الأفراد الذين ترد أقوالهم في هذا البيان.

طبيعة الرعاية الطبية المتوافرة في سجون البحرين

تشير الحالات التي قامت منظمة العفو الدولية باستعراضها إلى أن حالات منتظمة من الإهمال والتأخير والممارسة التعسفية للسلطة تشوب نظام السجون في البحرين، وإلى حد يصل في حالات بعينها إلى مستوى إساءة المعاملة المتعمدة، ويؤدي إلى الغياب التام للرعاية الكافية للمحتجزين والسجناء. ومع أن المعالجة الطبية تقدّم داخل نظام السجون، إلا أنها دون مستوى الحاجة، وكثيراً ما تخضع للانقطاع والتأخير والحرمان بسوء نية.

 ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2015، كان سجن البحرين الرئيسي، “مركز الإصلاح والتأهيل في جو” (سجن جو)، يضم ما يقرب من 2,500 سجين مسجلين رسمياً. ومع ذلك لا تضم هيئة العاملين في السجن سوى طبيبين (واحد لكل وردية)، بينما لا يزيد عدد المهنيين الطبيين الذين يقومون بالعمل في أي وقت عن اثنين أو ثلاثة. والطبيبان الموجودان في السجن هما طبيبان عامان؛ ولا وجود لأطباء مختصين، بينما تفتقر مرافق السجن إلى معدات تشخيص من قبيل جهاز التصوير بالأشعة السينية. ومع ذلك، غالباً ما يحرم السجناء الذين تتطلب حالتهم عناية طبية متخصصة- من قبيل جراحة الأسنان أو فقر الدم المنجلي أو التصلب المتعدد أو السرطان، إذا ما أردنا ذكر أمثلة على ما يورده هذا التقرير – من التحويل إلى المرافق الطبية المناسبة. وفي العادة، تصرف العيادة “البنادول” و”الرستامول”، الدارجة كأدوية مسكنة، كعلاج لكل ما يشتكي منه السجناء، بما في ذلك للأمراض التي لا علاقة لها بهذه المسكنات كالطفح الجلدي أو عسر الهضم.

حالات واضحة من سوء المعاملة والإهمال الطبي المتعمد

تملك البحرين الموارد المهنية والمالية لتوفير الرعاية الصحية الكافية لجميع السجناء. ومع ذلك، فقد امتنعت في حالات متعددة عن القيام بذلك، ليس بسبب نقص الإمكانات، وإنما بغرض الحرمان المتعمد من العلاج.

 وفي إحدى الحوادث المريعة من هذا القبيل، أكرهت سلطات سجن جو أحمد ميرزا إسماعيل (الأخ غير الشقيق لعلي سلمان، زعيم “جمعية الوفاق الوطني الإسلامية” التي تم حلها) على التخلي عن حقه في أن ينقل إلى المستشفى بناء على موعد مسبق للعلاج من مضاعفات ألمت به بسبب إصابته بفقر الدم المنجلي. ففي صيف 2017، هدد حراس السجن بضربه وإيداعه في الحبس الانفرادي ما لم يوقع على أوراق لإلغاء الموعد. وجاء ذلك، على ما يبدو، كرد على زيارة قامت بها “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” للسجن وتحدث خلالها موظفو الصليب الأحمر مع إسماعيل. وقبل أن تلجأ سلطات السجن إلى عملية الإكراه هذه، ألغت عدة مرات مواعيد كانت مقررة له لمراجعة المستشفى بذرائع مختلفة. وكان إسماعيل بحاجة إلى عملية لإزالة مرارته منذ يوليو/تموز بسبب تراكم الحصى المزمن، وهو في العادة من مضاعفات الإصابة بفقر الدم المنجلي. وقد أدى غياب العلاج إلى إصابته بأزمة صحية حادة في ديسمبر/كانون الأول 2016، حيث انخفض تركيز الهيموغلوبين في دم إسماعيل إلى مستوى خطير، بينما ارتفع تركيز البيلوروبين (الذي يشخص عادة باليرقان). وأدى ذلك إلى نقله إلى المستشفى، حيث قضى شهر يناير/كانون الثاني 2017، وكانت تلك آخر مرة يعالج فيها بالمستشفى. ومنذ خروجه، لم يتلق أية رعاية متخصصة أو علاج، ولم يحصل حتى على المسكنات، مع أن فقر الدم المنجلي من الأمراض التي تتسبب بآلام مبرحة تحتاج إلى عناية لصيقة.

 مثال آخر صارخ على الإهمال ما حدث في حالة إلياس فيصل الملا، وهو شاب يبلغ من العمر 27 سنة من سترة. حيث قام العاملون الطبيون في عيادة سجن جو بضرب الملا، حسبما زعم، أثناء أعمال شغب وقعت في السجن في مارس/آذار 2015. وعقب ذلك جرى تشخيصه بأنه مصاب بالسرطان. و عقب دخوله المستشفى بسبب تقيؤه دماً في 1 أغسطس/آب 2015، ظلت إدارة السجن ترفض، لما يقرب من شهرين، أن تفرج عن تقاريره الطبية وتعطيها لعائلته، وأخبرتهم في إحدى المرات بأنه قد تزحلق في حمام السجن وكسر ساقه. وعندما حصلت عائلته على تقرير طبي، في نهاية المطاف، بعد أكثر من ثمانية أسابيع من دخوله المستشفى، تبين أن الملا يعاني من سرطان القولون من الدرجة الثالثة، وقد انتشر جزئياً في جهازه الليمفاوي. ورغم حقيقة أنه كان يعاني من المرض الشديد على نحو باد للعيان، أعيد نقله إلى سجن جو في شهر أغسطس/آب نفسه، عقب أقل من أسبوع على خضوعه لجراحة لأخذ خزعة من قولونه. وظل محتجزاً في سجن جو طيلة فترة العلاج الكيميائي التي خضع لها في 2015 و2016، بينما ظلت مواعيد المستشفى تؤجل أو تلغى على نحو تعسفي. ولا يزال الملا ينتظر أن يتلقى العلاج الذي وصف له في 7 أغسطس/آب 2018، في الفترة الأخيرة. حيث أعطي العلاج المخصص له إلى سجين آخر عن طريق الخطأ في عيادة السجن. ومع أن العائلة أبلغت العيادة فوراً بوقوع الخطأ، إلا أن الملا لم يكن قد تلقى العلاج بحلول أوائل سبتمبر/أيلول.

 وبالمثل، لم يتلق محمد علي جعفر، الذي يعاني من التصلب المتعدد منذ ما قبل اعتقاله، علاجه المقرر (جيلينيا) منذ أوائل سبتمبر/أيلول. كما لم يخضع لفحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي السنوية المقرة لمرضى التصلب المتعدد منذ يوم دخوله السجن في 2014.

إهمال طبي متعمد عقب مزاعم التعرض للضرب

في عدة حالات قامت منظمة العفو بتوثيقها، يحتاج السجناء إلى العلاج بسبب إصابات قديمة لحقت بهم، حسب زعمهم، جراء انتهاكات ارتكبتها قوات الأمن أو حرس السجن. فأحمد عبد الله العرب، الذي حوكم وهو ما زال قاصراً، تعرض للضرب، حسب ادعائه، في وقت احتجازه في 2015 ويعاني الآن من نوبات ألم في الظهر تمنعه من الوقوف أو الجلوس براحته. وقد نصح طبيب في عيادة السجن بنقله لتصويره بالأشعة السينية، ولكن هذا لم يحدث. وكان محمد ميرزا موسى بصحة جيدة قبل اعتقاله، حيث كان عضواً في فريق البحرين الوطني للجوجستو. وهو يعاني الآن من آلام حادة في الظهر بسبب ما تعرض له من ضرب عقب اعتقاله في 2011، حسبما زعم. وقد أبلغه أحد الأطباء بأنه بحاجة إلى فرشة طبية، ولكن إدارة سجن جو لم توفر له مثل هذه الفرشة.

 وقد أبلغ رضا ميرزا مشيم منظمة العفو الدولية أن سنّين من أسنانه كسرتا بسبب الضرب أثناء اعتقاله، وأن إصابة خطيرة لحقت بذراعه في 2012، قبل اعتقاله، عندما أصيب بعبوة غاز مسيل للدموع أطلقت قرب منزله في سنابس، ما استدعى خضوعه لعملية جراحية. واحتاج الأمر إلى زرع قضيب معدني في ذراعه يُفترض أن يُستخرج بعد أن تكون ذراعه قد شفيت. بيد أن السلطات البحرينية لم تسمح له منذ اعتقاله، في 2014، بإجراء هذه العملية، ما يتسبب له بآلام مبرحة. ويحتاج شاب يافع آخر من سنابس إلى جراحة سنية، بسبب إصابة زعم أنها لحقت به جراء تعرضه للضرب على يد قوات الأمن يوم اعتقاله أول مرة في 2013. حيث كسرت إحدى أسنانه في حينه، بينما تساقطت نحو سبعة أسنان بعد ذلك بسبب عدم تلقيه الرعاية الصحية السنية اللازمة. وهو الآن بحاجة إلى جراحة شاملة، بما في ذلك لمعالجة قنوات الأعصاب، وإلى خلع بعض أسنانه وزرع أخرى.

سجن النساء في مدينة عيسى

فيما يتعلق بسجن النساء ومرافق السجن في مدينة عيسى، بلغت منظمة العفو الدولية أنباء عن عدة أشكال من التقصير في توفير التشخيص و/أو المتابعة الطبية المناسبين. فعلى سبيل المثال، لم يسمح لهاجر منصور حسن، المسجونة بصورة انتقامية بسبب نشاط   زوج ابنتها سيد أحمد الوداعي في مجال حقوق الإنسان، بالحصول على سجلاتها الطبية،  ولم يقدم  لها تشخيص بشأن أكياس في صدرها مثيرة للقلق رغم طلباتها المتكررة.  وتعاني فوزية ماشالله حجي، البالغة من العمر 56 عاماً والمحتجزة في انتظار المحاكمة منذ ديسمبر/كانون الأول 2017، من مشكلات في القلب وخضعت لعملية في كلتا ركبتيها قبل أن أن تودع الحجز بتهم تتعلق بإيواء فارين من وجه العدالة. ولم توفر لها بعض العلاجات التي كانت تتناولها بعد احتجازها. وفي 11 مارس/آذار 2018، غابت عن الوعي في الحجز ونقلت إلى عيادة في مرفق تابع “لوزارة الداخلية” يعرف باسم القلعة. وعولجت لساعات قليلة فقط قبل أن تعاد إلى السجن. كما لم يستجب لطلبات السجينة مدينة عليّ بإجراء فحوص طبية شرعية لها لما تدعي أنه آثار للتعذيب منذ اعتقالها في مايو/أيار 2017.

وفي 16 سبتمبر/أيلول 2018، اعتدت حارسات في سجن مدينة عيسى، تقودهن آمرة السجن، جسدياً على هاجر منصور حسن ونجاح أحمد يوسف ومدينة علي، اللاتي يتشاركن الزنزانة نفسها، طبقاً لما قاله أفراد من عائلاتهن. وتعرضت هاجر لهبوط في معدل السكر بالدم إلى ما يقرب من 2.0 ميليمول/لتر (36 ميليغرام/ديسيلتر) – وهو مستوى منخفض جداً، وخطر وتطور مروع، نظراً لأنه لم يجر تشخيص هاجر من قبل بأنها تعاني من داء السكري- وكان لا بد من نقلها إلى المستشفى. وخلفت الضربات التي تلقتها كدمات، بينما احتجزت ثلاثتهن في الحبس الانفرادي لعدة ساعات في اليوم نفسه. وكانت هاجر قد نشطت بصورة خاصة في الاحتجاج على سوء المعاملة في السجن، حيث كان نقاش في مجلس العموم بالمملكة المتحدة قد تناول في الأسبوع الذي سبق ما تعرضن له من مظالم على يد إدارة السجن.

المشكلات الطبية الناجمة عن تدني مستوى النظافة في السجن

يعتبر تدني مستوى النظافة مشكلة كبيرة في سجن جو، وقد قامت “لجنة حقوق السجناء والمعتقلين في البحرين” بتوثيق ذلك جزئياً. إذ أشارت اللجنة في تقريرها لسنة 2016 إلى أن بعض المباني تعاني من “تردي مستوى النظافة”،  بالإضافة الى “انتشار الحشرات في بعض الغرف وتكسر مقاعد المراحيض وانعدام النظافة فيها إلى حد كبير”. وكثيراً ما تظهر حالات من الأمراض الجلدية وأعراض الحساسية على النزلاء. وقد أصيب كل من محمد علي جعفر وأحمد ميرزا إسماعيل بتشققات في الجلد بسبب التلوث البيئي المحيط بهما. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2017، أصيب نزيل سجن جو سيد أحمد رضا حميدان بالتهاب في عينيه بسبب رداءة مستوى الظروف الصحية في السجن. وتتبدى المشكلة أكثر ما تتبدى في المبنى رقم 4، بمجموعة الزنازين 1، حيث أبلغت منظمة محلية لحقوق الإنسان منظمة العفو الدولية أنها قد سجلت ما يزيد عن 30 حالة لأشخاص يعانون من الأمراض الجلدية.

التمييز الطائفي وغيره من أشكال المضايقة

أبلغت عائلات عدة سجناء منظمة العفو الدولية أن التمييز على أساس الطائفة متفش في سجن جو. وتتصاعد المضايقات والانتهاكات ضد النزلاء الشيعة، الذين يشكلون أغلبية نزلاء السجن، عند اقتراب مواعيد المناسبات الدينية الشيعية، ولا سيما في شهر محرم، الذي تقع فيه عدة مناسبات دينية مهمة يحتفل بها شيعة البحرين، وأهمها يوم عاشوراء، الذي يصادف العاشر من محرم. وقد أودع أحد الشبان الذين مارسوا الشعائر الدينية المعتادة للشيعة إبان شهر محرم 2017 في الحبس الانفرادي عقب أشهر من ذلك، وأخبره الحراس أن ذلك كان عقاباً له على ممارسته للشعائر الشيعية. وأبلغ سجناء آخرون عائلاتهم أنهم تلقوا تهديداً بالحبس الانفرادي أو بالحرمان من الزيارات الأسرية لردعهم عن ممارسة معتقداتهم. ولا يعترف حراس السجن  بممارسة الشعائر الشيعية إلا في يوم عاشوراء في شهر محرم، ويخشى السجناء عموماً من أداء هذه الشعائر في يوم عاشوراء دون الحصول على الموافقة الصريحة من حراس السجن. وفي سجن مدينة عيسى، لم يسمح لهاجر منصور حسن ونجاح أحمد يوسف ومدينة علي، وهن نزيلات زنزانة واحدة، بالانضمام إلى تجمع السجينات الأخريات اللاتي كن يحتفلن بعاشوراء، بينما لم يستجب لطلبهن الحصول على نسخ من النصوص الدينية التي تقرأ عادة في المناسبة.

وقد تلقت منظمة العفو الدولية تقارير مختلفة عن سجناء حرموا من الحصول على مواد أو خدمات أساسية يحتاجونها لأسباب صحية، أو لأغراض النظافة والراحة وحفظ الكرامة. ففي الوقت الراهن، لا يتلقى السجناء في المبنى رقم 2، الزنزانة رقم 1 من سجن جو، كميات كافية من الطعام. وكثيراً ما تنقطع المياه في حمامات السجن. ويقضي جميع السجناء حالياً 23 ساعة في اليوم وراء قضبان زنازينهم الموصدة، أما خلال صيف 2018 فقد خصصت ساعة واحدة، في قيظ منتصف النهار، لخروج السجناء للفسحة من الزنازين، وعندما تكون الشمس في أقصى درجات سطوعها. وغالباً ما يتم إطفاء مكيفات الهواء في أشد الأيام حرارة في أشهر الصيف. وتضطر عائلات السجناء إلى دفع ثمن العديد من الحاجات الضرورية، بما في ذلك الفراش في الآونة الأخيرة، وذلك بوساطة مفوضية السجن، وفي العادة بأسعار أعلى من أسعار السوق. وهذا عبء اقتصادي يمكن أن يثقل كاهل العائلات التي فقدت معيليها، كما هو الحال بالنسبة لعائلة إلياس فيصل الملا، التي تعاني من تدني الدخل ومن الديون. وتحمّل كلفة المكالمات الهاتفية لعائلات السجناء، التي يتعين عليها شراء بطاقات الهاتف المستخدمة من مفوضية السجن، وتخضع للمراقبة الحثيثة من قبل حراس السجن، الذين يلازمون السجين أثناء اتصاله، أو يستمعون إلى المكالمة بواسطة هاتف آخر. وقبل مطلع 2018 بقليل، أبلغ الحراس في سجن مدينة عيسى فوزية ماشالله حاجي بأنهم سوف يحظرون عليها الاتصال بالهاتف، إذا أبلغت عائلتها بما تعانيه من متاعب صحية في مكان احتجازها. كما أبلغ السجناء الذين لا يرغبون في مغادرة زنازينهم في ساعة الفسحة بسبب الحر الشديد بأنه لن يسمح لهم بإجراء اتصالات هاتفية.

وفي 2017، جرى تقليص الفترة الزمنية الممنوحة للزيارات العائلية إلى نصف ساعة لكل زيارة، وهي مدة قصيرة للغاية إلى حد أن العديد من السجناء يرون أنها لا تستحق العبء الذي تتحمله العائلات للقيام بالزيارة، وخصوصاً بالنظر إلى عمليات الانتظار الطويلة التي تضطر إليها العائلات، وفي بعض الأحيان عمليات التفتيش المهينة التي تخضع لها، ويخضع لها السجناء أنفسهم أيضاً قبل الزيارة. وقد حددت الزيارات العائلية بمرتين في الشهر، ويطلب من العائلات عادة زيارة السجن بأنفسهم مرتين لترتيب الزيارة الواحدة.

آليات غير فعالة للمساءلة

أنشأت البحرين عدداً من الآليات التي يفترض أن تتصدى لبواعث القلق المتعلقة بحقوق الإنسان، بما في ذلك داخل السجون. وأكثر هذه أهمية “الأمانة العامة للتظلمات” التابع  لوزارة الداخلية، و”المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان”. وقد سبق لمنظمة العفو الدولية أن تحدثت عن تقاعس هيئات الإشراف هذه في أن توفر الحماية الفعالة أو الإنصاف في قضايا انتهاكات حقوق الإنسان، وهي سمة غالبة أيضاً في تعامل السلطات مع المظالم الطبية التي يشهدها نظام السجون.

إذ يخشى بعض السجناء من الحديث بصراحة مع موظفي الأمانة العامة للتظلمات عما يرتكب من تجاوزات داخل السجون بسبب الخوف من التعرض للانتقام. ففي إحدى الحالات، تعرض أحد السجناء للتهديد بالضرب والحبس الانفرادي إذا ما تكلم بصراحة مع الأمانة العامة للتظلمات حول ما يتلقى من معاملة. واحتجز لاحقاً في الحبس الانفرادي لفترتين تزيد كل منهما على أسبوعين، انتقاماً منه بسبب محاولات عائلته متابعة الأمر.

ولا تقتصر المشكلة على عدم القدرة على الحماية، وإنما يضاف إلى ذلك عدم وجود إرادة للتعامل بجدية مع شكاوى السجناء وعائلاتهم. ففي معظم الحالات التي قامت منظمة العفو بتوثيقها لأغراض هذا التقرير، كان السجناء أو عائلاتهم قد تقدموا بشكوى إلى الأمانة العامة للتظلمات دونما جدوى. وفي معظم الحالات التي باشر فيها الأمانة العامة للتظلمات اتخاذ إجراء بشأنها- بمقابلة سلطات السجن و/أو السجناء – لم تجر متابعة فعالة بعد ذلك. فعلى سبيل المثال، لم تكن عائلة محمد علي جعفر، حتى وقت كتابة هذا التقرير، قد تلقت أي أخبار عن زيارة للسجن أو أي إجراء آخر من جانب الأمانة العامة للتظلمات لضمان تسليمه الدواء الذي يحتاج لمعالجة التصلب المتعدد. وعلى وجه العموم، تفتقر إجراءات الأمانة العامة للتظلمات للشفافية. فالمكتب لا يقدم أي شكل من أشكال المتابعة الورقية لأفراد الجمهور البحريني، وعندما تراجع عائلات المعتقلين الهيئة، لا تعطى أي سجل رسمي بملف الحالة سوى رقم الملف أحياناً. وفي وقت سابق من الشهر الحالي، أصدرت الأمانة العامة للتظلمات بياناً تحدث فيه عما توصل إليه من معطيات بشأن قضية سجين الرأي حسن مشيمع. حيث أشار المكتب إلى أنه راض عن تأكيدات إدارة سجن جو بأن إصرارها على تكبيل مشيمع كلما أخذ إلى موعد طبي “لا يحول دون تقديم خدمات الرعاية الطبية المطلوبة له عندما لا تكون هناك حاجة ملحة أو ضرورة طبية لذلك”. إن هذا البيان لا يعير اهتماماً لحقيقة أن باعث القلق الطبي الرئيسي لدى مشيمع هو صرف جميع العلاجات اللازمة له بانتظام ودون تأخير. ويمكن القيام بذلك ببساطة بإيصالها إلى زنزانته، ودونما حاجة إلى إجراء مذل وثقيل لا ضرورة له كتكبيله وإحضاره إلى عيادة السجن. ومن جراء ذلك، لم يتلق مشيمع وجبات علاجه الموصوفة له جميعها كاملة لأشهر قبل أن تؤدي التغطية الدولية لما يحدث، وأن يعلن ابنه، علي، الإضراب عن الطعام أمام سفارة البحرين في لندن، الأمر الذي يرجح أنه قد دفع سلطات السجن والأمانة العامة للتظلمات إلى الاستجابة لمطلبه المشروع.

ولا يخلو سجل “المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان” من مثالب مماثلة. فعلى ما يبدو، لم تتخذ المؤسسة أي إجراء بشأن إلياس فيصل الملا، بالرغم من تلقيها العديد من التقارير من عائلته حول تطورات إصابته بالسرطان؛ وكذلك بشأن محمد علي جعفر، السجين الذي يعاني من التصلب المتعدد، مع أن المؤسسة قد أبلغت بتفاصيل حالته؛ أو بشأن محمد ميرزا موسى، على الرغم من تلقيها تقارير بأنه يحتاج إلى جراحة لإزالة البواصير التي يعاني منها، إضافة إلى حاجته إلى فرشة طبية للتخفيف من آلام ظهره المزمنه. وفي حالة أحمد ميرزا إسماعيل، يبدو أن الغرض الوحيد من نقله إلى المستشفى في وقت سابق من السنة الحالية، حيث لم تجر له أية فحوصات أو يتلقى أي علاج، كان إفساح المجال أمام المؤسسة الوطنية لإدراج المسألة في سجلاتها.

والمؤسسة الثالثة التي تتمتع بصلاحيات المراقبة هي “وحدة التحقيق الخاصة”، التي جرى تأسيسها بأمر إداري ضمن “النيابة العامة” بغرض التحقيق في مزاعم الانتهاكات على أيدي ممثلي الدولة. وقد قامت منظمة العفو بمراجعة وثيقة لأحد المحامين تعود إلى سنة 2015 ويطب فيها فتح تحقيق في قضية اعتداء جسدي من قبل حراس سجن جو. ولا يبدو أن أية إجراءات قد اتخذت استجابة لذلك. كما رفض مكتب النائب العام أيضاً مقابلة عائلة فوزية ماشالله حاجي، الموقوفة في انتظار المحاكمة، في أبريل/نيسان من العام الحالي، لمناقشة إمكانية الإفراج عنها بكفالة للعلاج الطبي. ويتبدى وجه آخر لانعدام المساءلة في التحفظ الجزئي أو الكلي على السجلات الطبية. فقد أبلغت عائلة أحمد ميرزا إسماعيل بأنها لن تحصل على ملفه في المستشفى لأنه جزء من “قضية شرطية”. وقد أشرنا فيما سبق إلى الصعوبات التي واجهتها عائلة إلياس فيصل الملا في الحصول على تشخيص حالته المتقدمة من السرطان، وكذلك إلى عدم تقديم تشخيص لحالة هاجر منصور حسن. وقد أبلغت عائلات السجناء منظمة العفو كذلك، أنه لا يتم الكشف عن أسماء الموظفين الطبيين في سجن جو، مثلهم مثل الحراس، ما يقوّض كل إمكانية للشفافية والمساءلة عندما يزعم بأن إهمالاً طبياً أو سوء معاملة قد وقع.

التزامات سلطات السجن

تدعو منظمة العفو الدولية سلطات سجن جو وسجن النساء في مدينة عيسى، وجميع أماكن الاحتجاز في البحرين إلى التقيد بأحكام القانون والمعايير الدوليين لحقوق الإنسان في معاملتها للمعتقلين والسجناء.

فالبحرين ملزمة قانوناً، بصفتها دولة طرفاً في “العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”، باحترام وحماية وإعمال “حق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه.” كما توضح القاعدة 24 من “قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء” (قواعد نيلسون مانديلا) بأن “تتـولَّى الدولـة مسـؤولية تـوفير الرعايـة الصـحية للسـجناء. وينبغـي أن يحصـل السجناء على نفس مستوى الرعاية الصحية المتـاح في المجتمع” دون تمييز. وتنص قواعد نيلسون مانديلا كذلك على أنه يتعين نقل السجناء الذين تتطلب حالتهم علاجاً متخصصاً إلى مؤسسات متخصصة، أو إلى مستشفيات خارج السجن عندما لا يكون مثل هذا العلاج متوافراً في السجن (القاعدة 27). وبحسب “مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن”، وكذلك “قواعد نيلسون مانديلا”، يجب أن تكون الرعاية الصحية التي تقدم للأفراد في الحجز دون مقابل ومجانية (المبدأ 24)

وقد يشكل عدم تقديم الرعاية الصحية الكافية للسجناء انتهاكاً للحظر المطلق المفروض على التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، بما في ذلك للمادة 7 من “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، الذي انضمت إليه البحرين كدولة طرف. ويصدق هذا على نحو خاص عندما يكون التقصير نتيجة تدابير متعمدة من جانب الموظفين الرسميين.

إن منظمة العفو الدولية تحض البحرين على اتخاذ تدابير فورية للوفاء بالتزاماتها حيال الحقوق الإنسانية لجميع من يحتجزون في مرافق الدولة، وإلى اعتماد ممارسات تضمن عدم الوقوع في التقصير فيما يتعلق بتوفير الرعاية الطبية للسجناء.

شاركوا على تويتر

دليل قاطع على عدم قيام مملكة البحرين بتوفير الرعاية الطبية اللازمة للسجناء المرضى