المملكة المتحدة 2023
استمرت حكومة المملكة المتحدة في انتهاج برنامج سياسات ينتهك التزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان ويقلِّص من أشكال حماية حقوق الإنسان. واستُهدف على وجه الخصوص الأشخاص الذين يسعون لطلب اللجوء وغيرهم من المهاجرين، بالإضافة إلى المتظاهرين. وكان من شأن تشريع حكومي جديد أن يزيد من تقليص حرية التجمع وحرية التعبير. وواجهت الشرطة نتائج تحقيق أثبت وجود عنصرية مؤسَّسية راسخة وغير ذلك من أشكال التمييز المُجحف. وأُلغي تجريم الإجهاض في أيرلندا الشمالية، ولكن استمرت العراقيل أمام الحصول على خدمات الإجهاض. وفي باقي أجزاء المملكة المتحدة، ظلَّ الإجهاض مُجرَّمًا فيما عدا الاستثناءات القانونية. وصدر تشريع بإنهاء التحقيقات والملاحقات القضائية المتعلقة بالانتهاكات السابقة لحقوق الإنسان خلال اضطرابات أيرلندا الشمالية. وفُرض في قطاعات عديدة الحد الأدنى من مستويات الخدمة خلال الإضرابات العمالية.
خلفية
اعتمد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في مارس/آذار، التقرير المُقدم من المملكة المتحدة بشأن نتائج الاستعراض الدوري الشامل. وسُحب رسميًا مشروع قانون الحقوق، الذي اقتُرح في عام 2022 ليحلَّ محل قانون حقوق الإنسان، إلا أن قانون حقوق الإنسان ظلَّ عُرضةً لاعتداء مستمر، بسبب عدم تطبيق أجزاء منه في تشريعات أخرى فضلًا عن الخطاب الحكومي المعادي. وتعرضت عضوية المملكة المتحدة في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لضغوط سياسية متزايدة. وعلى العكس من ذلك، بدأت الحكومة الإسكتلندية المفوَّضة مشاورات بشأن مشروع القانون الإسكتلندي الجديد لحقوق الإنسان، لتوسيع الحماية القانونية لحقوق الإنسان في إسكتلندا.
الحق في بيئة صحية
في سبتمبر/أيلول، أعلنت الحكومة عن تأجيل، أو إلغاء، سياسات أساسية تهدف إلى المساهمة في بلوغ صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050. وأُجِّل حظر على بيع سيارات جديدة تعمل بالبنزين والديزل اعتبارًا من عام 2030، لمدة خمس سنوات لكي يبدأ عام 2035. كما أُجِّل التخلص التدريجي من غلايات الغاز النفطي المُسال المُستخدمة في تدفئة المساكن من عام 2026 إلى عام 2035. وأُلغيت الشروط التي كانت تُلزم ملاك العقارات السكنية بزيادة عزل ممتلكاتهم بحلول عام 2028. وفي نوفمبر/تشرين الثاني، أعلنت الحكومة عن خطط لاعتماد تشريع جديد يُجيز لشركات الوقود الأحفوري تقديم طلبات بشكل سنوي للحصول على تراخيص جديدة للتنقيب عن النفط والغاز. ومن شأن جولات الطلبات هذه أن تستمر لفترة طويلة، حيث من المتوقع، في سنة معينة، أن تصبح واردات المملكة المتحدة من منتجات الوقود الأحفوري أكبر مما تُنتجه محليًا، كما إن الانبعاثات الكربونية الناتجة من عمليات الاستخراج المحلية الجديدة أقل من الانبعاثات المماثلة الناتجة من الوقود المستورد. وواصلت الحكومة الإصرار على أنها ستحقق هدف الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050، على الرغم من أن منظمات غير حكومية ادعت أن سياسات الحكومة لا تسير على الطريق الصحيح لتحقيق ذلك.
حرية التعبير والتجمع
في مايو/أيار، أقرَّ البرلمان قانون النظام العام، مما يعزِّز القمع التشريعي للتظاهر السلمي، الذي بدأ بقانون الشرطة والجريمة وإصدار الأحكام والمحاكم في عام 2022. ويجرِّم قانون النظام العام أشكالًا متنوعة من الاحتجاج السلمي، من قبيل “أن يربط المحتجون أنفسهم بمكان ما”، ويوسع صلاحيات الشرطة في إيقاف الأشخاص وتفتيشهم، ويستحدث أوامر بمنع التظاهر، ويمنح وزير الداخلية صلاحيات لاستصدار أوامر مدنية ضد المتظاهرين السلميين.
وفي يونيو/حزيران، أُقرت اللوائح التنظيمية لقانون النظام العام لسنة 1986 (التعطيل الخطير لحياة المجتمع). ووسَّع هذا التشريع الفرعي نطاق الظروف التي يمكن للشرطة فيها فرض شروط على المظاهرات، مُعزَّزة بعقوبات بالسجن. ويمكن أن تشمل هذه الشروط أي شيء تعتبره الشرطة ضروريًا لمنع “التعطيل الخطير”، والذي تعرِّفه اللوائح التنظيمية بأنه أي تعطيل يتسبَّب في “أكثر من مجرد تعويق بسيط للأنشطة اليومية”.
وفي مايو/أيار، اعتُقل عشرات المتظاهرين السلميين خلال وفي محيط مراسم تنصيب الملك تشارلز الثالث، بما في ذلك عمليات اعتقال استباقية. وقد أُسقطت أغلب التهم لاحقًا.
واستمرت على مدار عام 2023 عمليات اعتقال ومقاضاة وسجن متظاهرين مدافعين عن البيئة. وفي بعض الحالات، كان القضاة يمنعون المتظاهرين الذين وُجهت إليهم تهم من الاستشهاد بتغيُّر المناخ أو غيره من بواعث القلق المتعلقة بالبيئة خلال دفاعهم أمام هيئات المحلفين. وكان من يتجاهلون هذه الأوامر يواجهون الملاحقة القضائية بتهمة ازدراء المحكمة ويتعرضون لأحكام بالسجن.
وإثر هجمات حركة حماس في إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وما أعقبها من قيام إسرائيل بقصف قطاع غزة واجتياحه بريًا، اندلعت مظاهرات واسعة وسلمية بصفة منتظمة تدعو إلى وقف إطلاق النار. وسعت وزيرة الداخلية آنذاك، وغيرها من وزراء الحكومة، إلى الضغط على الشرطة لمنع تلك المظاهرات، واصفين إياها بأنها “مسيرات كراهية”. وردَّ قادة الشرطة على ذلك بأنهم لا يملكون صلاحيات قانونية لمنع المظاهرات. وأشارت الحكومة إلى أنها تعتزم إصدار تشريعات توسِّع صلاحيات حفظ الأمن في التدخل ضد المظاهرات غير العنيفة.
وتعرَّض بعض الأشخاص في المملكة المتحدة، ممن لديهم تأشيرات دخول مؤقتة، لاستمرار القيود على مغادرتهم، بسبب اشتراكهم في مظاهرات مؤيدة لفلسطين.
عمليات نقل الأسلحة غير المشروعة
في يونيو/حزيران، رفضت المحكمة العليا دعوى للمراجعة القضائية رفعتها الحملة ضد تجارة الأسلحة (CAAT) للطعن في قرار الحكومة باستئناف مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية في سياق النزاع الدائر في اليمن. وقضت المحكمة بأن الحكومة لم تتصرف على نحو غير عقلاني في استئناف مبيعات الأسلحة.
وأعربت منظمات غير حكومية عن القلق بشأن استمرار نقل مكونات الطائرات المقاتلة إلى إسرائيل. وفي ديسمبر/كانون الأول، قدمت مجموعة من المنظمات غير الحكومية طلبًا لإجراء مراجعة قضائية لتراخيص تصدير المعدات العسكرية التي يمكن أن تستخدمها القوات الإسرائيلية في غزة. وكانت القضية لا تزال منظورة بحلول نهاية العام.
التمييز المُجحف
في يناير/كانون الثاني، منعت حكومة المملكة المتحدة صدور قانون إصلاح الاعتراف بالنوع الاجتماعي، الذي أقرَّه برلمان إسكتلندا. وطعنت الحكومة الأسكتلندية المفوَّضة في القرار أمام المحكمة المدنية العليا، ولكنها خسرت دعوى الطعن في ديسمبر/كانون الأول.
وفي فبراير/شباط، نشرت الحكومة تقرير مراجعة شوكروس بخصوص فحص استراتيجية الحكومة لمكافحة الإرهاب، المعروفة باسم خطة “المنع”. وقدمت المراجعة عدة توصيات، من بينها أن خطة المنع يجب أن تركِّز بشكل أكبر على ما أسمته المراجعة “التطرف الإسلامي غير العنيف”، وأن تحدَّ من تركيز نهجها على ما أسمته “اليمين المتطرف”. وخلصت البحوث التي أجرتها منظمة العفو الدولية بشأن خطة المنع إلى أنها تنطوي على التمييز المُجحف وتتنافى مع حرية الفكر والتعبير.1
وفي مارس/آذار، نُشر تقرير كيسي، الذي أُعد بتكليف من الحكومة، بخصوص معايير السلوك والثقافة السائدة في شرطة العاصمة. وخلص التقرير إلى وجود مشاكل عديدة، بما في ذلك التجذُّر المؤسَّسي للعنصرية، والتحيُّز الجنسي، ورهاب المثلية. وفي مايو/أيار، ألقى قائد شرطة إسكتلندا المنتهية ولايته خطابًا اعترف فيه بتجذُّر العنصرية، والتحيُّز الجنسي، وكراهية النساء، والتمييز المُجحف، بشكل مؤسَّسي في قوة الشرطة.
وفي مارس/آذار ويونيو/حزيران، على التوالي، نشر كل من مفوَّضة شؤون الأطفال لإنجلترا وويلز؛ ومجلس حفظ الأمن لأيرلندا الشمالية بحثين عن استخدام أسلوب التفتيش بالتجريد من الثياب من جانب الشرطة ضد أطفال. وخلص تقرير مفوَّضة الأطفال، ضمن بواعث القلق الكثيرة الأخرى، إلى أن احتمال تعرُّض الأطفال السود للتفتيش بالتجريد من الثياب أكثر من مثيله بالنسبة للأطفال الآخرين بما يصل إلى ست مرات.
وبعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، تزايدت بشكل كبير أنباء جرائم الكراهية المتمثِّلة في معاداة السامية ورهاب الإسلام. فخلال الفترة من 1 أكتوبر/تشرين الأول إلى 13 نوفمبر/تشرين الثاني، أفادت شرطة العاصمة بتسجيل 779 جريمة معاداة للسامية، أي بزيادة قدرها 1,200% مقارنةً بالفترة نفسها من العام السابق. وخلال الفترة نفسها، سُجلت 343 جريمة رهاب الإسلام، بزيادة قدرها 236%.
الحقوق الجنسية والإنجابية
بالرغم من إلغاء تجريم الإجهاض في أيرلندا الشمالية، فقد ظلَّ مُجرَّما في إنجلترا وويلز وإسكتلندا، فيما عدا الاستثناءات القانونية التي يقرِّرها الأطباء. وفي عام 2023، وُجهت إلى ست نساء تهمٌ بإجراء عمليات إجهاض غير قانونية. وفي يوليو/تموز، حُكم على امرأة بالسجن 14 شهرًا مع وقف التنفيذ، بعد أن أقرَّت بأنها أجرت لنفسها عملية إجهاض بالمخالفة للحدود الزمنية القانونية.
وكانت هناك عقبات مستمرة تعوق الحصول على خدمات الإجهاض في أيرلندا الشمالية، عقب إلغاء تجريم الإجهاض، بما في ذلك أوجه التقاعس المتعددة من جانب الحكومة المفوَّضة، وافتقار الخدمات إلى ما يكفي من الموارد والموظفين، والرفض القائم على أساس الضمير، وشيوع المعلومات الخاطئة ووصمة العار.2
الإفلات من العقاب
في سبتمبر/أيلول، أُقر مشروع القانون المتعلق باضطرابات أيرلندا الشمالية (الإرث والمصالحة). وأدى القانون فعليًا إلى إصدار عفو وإنهاء جميع التحريات والتحقيقات بخصوص أعمال القتل وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان المتصلة بالاضطرابات. وأُقرّ أن تحلّ محلها مراجعة بسيطة من جانب لجنة جديدة، هي اللجنة المستقلة للمصالحة واستعادة المعلومات. وتعرَّض القانون لانتقادات واسعة النطاق من الضحايا، ومن أحزاب سياسية في أيرلندا الشمالية، ومن حكومة جمهورية أيرلندا، وكذلك من مجموعة من مراقبي حقوق الإنسان الدوليين. وقُوبل القانون بطعون قانونية فورية من جانب بعض الضحايا والعائلات. في ديسمبر/كانون الأول، أعلنت الحكومة الأيرلندية عن عزمها رفع قضية مشتركة بين الدول ضد المملكة المتحدة في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، بحجة أن أحكام القانون تنتهك الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
حقوق اللاجئين والمهاجرين
وفي يونيو/حزيران، أُقر “قانون الهجرة غير الشرعية”. وتعارض نص القانون والخطاب الحكومي حوله مع أحكام اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. وحظر القانون قيام الحكومة بنظر طلبات اللجوء المقدَّمة من أشخاص وصلوا إلى البلاد بدون تصريح مُسبق، كما يُلزم الحكومة بإبعادهم وبعدم السماح لهم مطلقًا بالإقامة بشكل قانوني في المملكة المتحدة. وعزَّز هذا القانون من السياسة القائمة المتمثِّلة في رفض نظر طلبات اللجوء المُقدمة من أشخاص يُعتبر أنهم وصلوا بشكل غير قانوني من بلدان تُعد آمنة. وقد أثَّرت هذه السياسة على أغلب طالبي اللجوء في المملكة المتحدة.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني، قضت المحكمة العليا بعدم قانونية سياسة الحكومة المتمثِّلة في إبعاد طالبي اللجوء في المملكة المتحدة إلى رواندا. وردًا على ذلك، وقَّعت الحكومة معاهدة جديدة مع الحكومة الرواندية، وطرحت مشروع قانون في البرلمان يُلزم المحاكم بمعاملة رواندا باعتبارها بلدًا آمنًا، ما يوقف تطبيق أجزاء كبيرة من قانون حقوق الإنسان وغيره من الصكوك القانونية التي توفر حماية للحقوق، كما يحدُّ بصورة كبيرة من قدرة المحاكم على التدخل. وكانت العملية التشريعية لا تزال منظورة بحلول نهاية العام.
وفي سبتمبر/أيلول، نُشر تقرير تحقيق أُجري بتكليف من الحكومة بخصوص إساءات تعرَّض لها أشخاص احتُجزوا في مركز بروك هاوس لترحيل المهاجرين. وخلص التقرير إلى تفشي مناخ من الإيذاء، بما في ذلك 19 حالة من حالات المعاملة المُهينة أو اللاإنسانية لأشخاص مُحتجزين على أيدي موظفين في غضون خمسة أشهر. ومع ذلك، نصَّ “قانون الهجرة غير الشرعية”، الصادر عام 2023، على منح صلاحيات جديدة لاحتجاز أشخاص لأغراض تتعلق بالهجرة بدون وجود إشراف قضائي فعَّال.
وعلى مدار العام، تزايد الخطاب العدائي من جانب الحكومة ووسائل الإعلام ضد المهاجرين. ففي سبتمبر/أيلول، اختصَّت وزيرة الداخلية آنذاك ضحايا الاتجار بالبشر واللاجئين واللاجئات المثليين والمثليات. وبموجب “قانون الهجرة غير الشرعية”، أُلغيت أو خُفضت الضمانات للمهاجرين من ضحايا الاتجار بالبشر والأطفال غير المصحوبين بذويهم. وفي الوقت نفسه، فُرضت زيادات باهظة على رسوم تأشيرات الدخول، مما يزيد من إفقار المهاجرين في المملكة المتحدة.
حقوق العمال
ردًا على إضرابات واسعة النطاق في القطاع العام، متمثلًا في المدارس والجامعات والمستشفيات وخدمات السكك الحديدية، أقر البرلمان، في يوليو/تموز، قانون الإضرابات (الحد الأدنى من مستويات الخدمة)، الذي يُحتمل أن يمثِّل انتهاكًا للحق في حرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها. ونصَّ القانون على منح الوزراء صلاحيات واسعة لتحديد مستويات الخدمة التي يجب الإبقاء عليها خلال الإضرابات العمالية في مجموعة من القطاعات المُعرَّفة تعريفًا فضفاضًا، مثل “الصحة” و”التعليم” و”النقل”. وفي حالة عدم الامتثال “لإشعارات العمل”، يفقد العمال الحماية المكفولة لهم ضد الفصل التعسفي. كما نصَّ القانون على نأنه إذا تقاعست أي نقابة على ضمان قيام أعضائها الذين حُددت أسماؤهم بكسر الإضراب، فإنها ستواجه عقوبات مالية شديدة.