الأمريكيتان 2022
بعد مرور ثلاثة أعوام على تفشي فيروس كوفيد-19، ظلت منطقة الأمريكيتين تقاسي من الآثار المدمرة التي خلَّفها الوباء. ولم تعمل السلطات على ضمان سبل حصول ملايين الأشخاص على الحقوق الأساسية في الغذاء والمياه والصحة، بينما كانت أنظمة الرعاية الصحية لا تزال تفتقر إلى التمويل بصورة خطيرة. وفي ظل تراجع اقتصادي، كثفت السلطات في بلدان عديدة من استخدامها للأساليب القمعية لإسكات المعارضة وصور عديدة من التظاهر. وأعلنت عدة حكومات حالات طوارئ أدت إلى وقوع سلسلة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية والمحاكمات الجائرة وعمليات القتل غير المشروعة. وفي حالات أخرى، تضمنت الحملات القمعية الاستخدام المفرط للقوة ضد الأشخاص الذين يمارسون حقهم في التظاهر، والمراقبة غير المشروعة للنشطاء ورصدهم، والهجمات ضد الصحفيين. وكان السكان الأصليون والأشخاص السود، وأولئك الذين يواجهون التمييز العنصري المجحف، لا يزالون متضررين على نحو غير متناسب من انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الانتهاكات على أيدي الشرطة والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة داخل مراكز احتجاز المهاجرين. وشهدت الحقوق الجنسية والإنجابية انتكاسات كبرى، بينما أقرت السلطات في بلدان مختلفة تدابير قوضت إمكانية الحصول على الإجهاض، وحظرت التثقيف الجنسي الشامل. وظل العنف يُمارَس على نطاق واسع ضد النساء والفتيات، بينما كان أفراد مجتمع الميم لا يزالون عرضة للخطر، مع بلوغ حالات قتل الأشخاص العابرين جنسيًا مستويات قياسية في بعض البلدان. واتخذت السلطات في عدة بلدان إجراءات لإحضار بعض المسؤولين عن ارتكاب جرائم سابقة إلى ساحة العدالة، إلا أن مناخ الإفلات من العقاب على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ظل مترسخًا على وجه العموم. ولم تفِ الحكومات بالتزاماتها بشأن التغير المناخي. وفي مواجهة المستويات التاريخية التي وصلت إليها أعداد الأشخاص الذين يطلبون اللجوء أو يسعون إلى معيشة أفضل في الخارج، نفَّذت السلطات سياسات رجعية قوضت حقوق اللاجئين والمهاجرين وخالفت القانون الدولي.
الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
ظل عدد الأشخاص الذين يرزحون تحت وطأة الفقر أعلى من مستويات ما قبل تفشي الوباء. ولم تعالج العديد من الحكومات في أرجاء المنطقة العوائق الهيكلية التي كانت مسؤولة عن اندلاع الأزمة التي أشعل فتيلها الوباء: أوجه عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية القائمة قبلًا وانخفاض مستويات الضرائب والإنفاق العام على الصحة، وانعدام توفُّر المحددات الاجتماعية الأخرى للصحة، تحديدًا الأمن الغذائي والمياه النظيفة والبنية التحتية الأساسية.
وفاقم معدل التضخم من الصعوبات الاقتصادية. فوفقًا لصندوق النقد الدولي، كان التضخم ملحوظًا على وجه الخصوص في الأرجنتين وشيلي وفنزويلا وكولومبيا ونيكاراغوا وهايتي وهندوراس. ولم يكن ملايين الأشخاص في المنطقة يتمتعون بالحقوق الأساسية في الغذاء والصحة والمياه. ففي البرازيل، عانى أكثر من نصف سكان البلاد من نقص السبل الكافية والمضمونة للحصول على الغذاء، مع تضرُّر الأشخاص السود، والمجتمعات المحلية المُهمشة على نحو غير متناسب. وفي فنزويلا، عانى معظم سكان البلاد من انعدام الأمن الغذائي. ووفقًا للبنك الدولي، شهدت البلاد، بحلول أغسطس/آب، ثالث أعلى معدلاتٍ لتضخم أسعار الغذاء في العالم. وفي كوبا، اضطر الأشخاص للانتظار في طوابير لساعات كي يحصلوا على السلع الغذائية الأساسية بسبب نقص المواد الغذائية. وعانى ما يزيد على 40% من سكان هايتي من الجوعٍ الذي بلغ درجة الطوارئ، في ظل تفشي الكوليرا مجددًا. وفي الأرجنتين، كان يعيش 36.5% من السكان تحت وطأة الفقر خلال النصف الأول من العام.
ولم تُنفِّذ السلطات في معظم البلدان تدابير لتعزيز سبل الحماية للحق في الصحة، على الرغم من توافر دلائل خلال الوباء أشارت إلى حاجة أنظمة الصحة إلى إصلاحات كبرى. وأقر الكونغرس في البرازيل أدنى الموازنات المخصصة لوزارة الصحة منذ عقد، ما هدد بالتأثير على فرص الحصول على الرعاية الكافية واللوازم الطبية بالبلاد. وواصلت بلدان مثل باراغواي وغواتيمالا وهندوراس تخصيص حصص ضئيلة على نحو خطير من الإنفاق العام للصحة، بينما فاقت أعداد السكان الطاقة الاستيعابية للخدمات، ما تسبب في عجزٍ عن تلبية احتياجاتهم الأساسية. ورفضت الأغلبية العظمى من المواطنين في شيلي، في سبتمبر/أيلول، مقترحًا لدستور جديد كان سيُعزز تدابير الحماية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، في حين أن الإصلاحات المقترحة بشأن الحق في الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية ظلت قيد النظر في نهاية العام.
يجب على الحكومات اتخاذ إجراءات فورية تكفل تكريس أقصى ما يمكن توفيره من الموارد لضمان الوفاء بالحد الأدنى من التزاماتها الأساسية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
عمليات الاحتجاز التعسفية والقتل غير المشروع والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة
واصلت السلطات في بلدان عديدة انتهاك حقوق الأشخاص في الحياة والحرية والمحاكمة العادلة والسلامة البدنية. ووقعت هذه الانتهاكات بصفة أساسية خلال شنّ الحكومات لحملاتها القمعية استجابةً للأزمات السياسية، أو في ظل حالات الطوارئ، أو ضمن أوجه التقصير على الصعيد الأشمل، من جانب قوات الأمن والأنظمة القضائية، ما تسبب في استجابات غير مشروعة وتعسفية وغير متناسبة.
وكان الاستخدام المفرط للقوة من جانب قوات الأمن، وعمليات القتل غير المشروع واسعة النطاق في أرجاء المنطقة وكثيرًا ما استهدفت الأحياء التي يقطنها ذوو الدخل المنخفض أو الأشخاص المصنفين بالانتماء إلى عرق معين، وذلك في بلدان تضمنت الأرجنتين والبرازيل والجمهورية الدومينيكية وفنزويلا وكولومبيا والمكسيك والولايات المتحدة الأمريكية. فقد نفَّذت قوات الأمن في فنزويلا 488 عملية إعدام خارج نطاق القضاء، كما زُعِم، في مناطق مختلفة من البلاد بين يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول. وفي البرازيل، أسفرت العمليات الشُرَطِية عن مقتل عشرات الأشخاص.
وكانت عمليات الاحتجاز التعسفية شائعة على نطاق واسع في الإكوادور والسلفادور وفنزويلا وكوبا وكولومبيا والمكسيك ونيكاراغوا. وكثيرًا ما تعرّض المُحتَجَزون للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة السيئة، وفي بعض الحالات، الإخفاء القسري. وفي مارس/آذار، أعلنت السلطات في السلفادور حالة الطوارئ استجابةً للارتفاع الكبير في جرائم القتل، التي زُعِم ارتكابها على أيدي العصابات. وتسبب هذا التدبير في وقوع انتهاكات فادحة لحقوق الإنسان، واعتقال أكثر من 60,000 شخص، وعقد محاكمات جائرة على نطاق واسع. وفي الإكوادور، قُتِل ما لا يقل عن 146 شخصًا حُرِموا من حريتهم في خِضَم أزمة في نظام السجون. واُتُّخِذَت قرارات إدارية وقضائية وتشريعية في الإكوادور والمكسيك لتوسيع نطاق دور القوات المسلحة في مهام الأمن العام.
قمع المعارضة وحرية التعبير
خرجت حركات اجتماعية ونشطاء إلى الشوارع في عدة بلدان، للمطالبة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأساسية، وبوضع حدٍ للعنف القائم على النوع الاجتماعي والإفراج عن الذين احتُجِزوا جورًا، وكذلك للدفاع عن البيئة. ودأبت السلطات على الرد على ذلك باستخدام القوة المفرطة وغير الضرورية. ففي الإكوادور، لقي ما لا يقل عن ستة أشخاص مصرعهم، بعد استخدام قوات الأمن للقوة المفرطة ضد السكان الأصليين خلال تظاهراتهم المتعلقة بقضايا اجتماعية وبيئية. وفي كولومبيا، أُردي أحد زعماء السكان الأصليين قتيلًا بالنيران خلال تظاهرة حول قضية بيئية. وفي تظاهرة أخرى بالعاصمة بوغوتا، تعرَّض أحد المتظاهرين لضرر في عينه بعدما أصابها مقذوف. وفي بيرو، لقي ثلاثة أشخاص على الأقل حتفهم خلال تظاهرات في النصف الأول من العام، بعد تدخُّلات للشرطة الوطنية. وفي الأسابيع الأخيرة من العام، قُتِل ما لا يقل عن 22 شخصًا خلال تظاهرات في خِضَم أزمة سياسية اندلعت في أعقاب الإطاحة بالرئيس السابق بيدرو كاستيلو في ديسمبر/كانون الأول.
وفي بوليفيا، قمع الموظفون المُكلَّفون بإنفاذ القانون بصورة عنيفة، وفي بعض الحالات احتجزوا تعسفيًا، منتجي أوراق نبات الكوكا الذين كانوا يتظاهرون للاحتجاج على محاولات القضاء على محاصيلهم. وفي الولايات المتحدة، اعتُقِل أكثر من 75 شخصًا على خلفية تظاهرات اندلعت بعد مقتل جايلاند ووكر، وهو رجل أسود، أُطلِق عليه النار 46 مرة في مدينة أكرون بولاية أوهايو في يونيو/حزيران. وواصلت الحكومة في المكسيك وصم النسويين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، الذين تظاهروا للاحتجاج على تقاعس الحكومة عن التصدي لحالات العنف القائم على النوع الاجتماعي، بينما اعتدت قوات الأمن بالضرب المُبرِّح على المتظاهرين في بعض الولايات واحتجزتهم تعسفيًا. وفي بورتو ريكو وكوبا، وردت أنباء عديدة حول الاستخدام المفرط للقوة من جانب الشرطة خلال تظاهرات للاحتجاج على انقطاع الكهرباء وللمناداة بمطالب اجتماعية أخرى، عقب إعصار إيان.
وألغت السلطات في نيكاراغوا الوضع القانوني لأكثر من 1000 منظمة خلال العام، وأغلقت 12 جامعة على الأقل، وسجنت صحفيين، وضايقت نشطاء، ومعارضين سياسيين. وفي فنزويلا، واصلت أجهزة الاستخبارات وقوات الأمن الأخرى، بموافقة النظام القضائي، احتجاز الأشخاص الذين يُفترض أنهم من معارضي الحكومة تعسفيًا وتعريضهم للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة.
وقُتل مدافعون عن حقوق الإنسان في البرازيل وبوليفيا وبيرو وغواتيمالا وفنزويلا وكولومبيا والمكسيك وهندوراس بسبب عملهم. وإضافة إلى ذلك، تعرَّضوا إما للتهديد أو المضايقة أو المقاضاة الجنائية أو الاعتقال التعسفي في الإكوادور وباراغواي والبرازيل وبوليفيا وبيرو والسلفادور وشيلي وغواتيمالا وفنزويلا وكولومبيا وكوبا والمكسيك ونيكاراغوا وهندوراس، من بين بلدان أخرى. وفي كولومبيا، قُتِل ما لا يقل عن 189 من القيادات الاجتماعية والمدافعين عن حقوق الإنسان خلال العام. وفي فنزويلا، كان 396 مدافعًا عن حقوق الإنسان، على الأقل، هدفًا للترهيب والوصم والتهديدات. وحُوكِم العشرات من المعارضين والمنتقدين المُحتَجَزين في نيكاراغوا، في إطار اجراءات افتقرت إلى الضمانات الأساسية لمراعاة الأصول الواجبة. وظل يواجه النشطاء في باراغواي تهمًا مُلفّقة، بسبب مشاركتهم في تظاهرات للاحتجاج على سياسات الدولة بشأن الصحة. وفي غواتيمالا، واجه قضاة ووكلاء نيابة ومدافعون عن حقوق الإنسان ومتظاهرون اجراءات جنائية لا تستند إلى أي أسس قانونية. أما في بوليفيا، فقد واجه مدافعون عن حقوق الإنسان المقاضاة بسبب انتقادهم للحكومة.
وظلت حرية الصحافة في أنحاء المنطقة عرضة للخطر. إذ قُتل صحفيون في فنزويلا وكولومبيا والمكسيك وهايتي. وشهدت المكسيك عامها الأكثر دموية على صعيد مجال الصحافة، مع مقتل 13 صحفيًا على الأقل. وفي فنزويلا ونيكاراغوا، أُغلِقَت المنافذ الإعلامية على نحو تعسفي. وفي غواتيمالا، كثيرًا ما واجه الصحفيون الذين تناولت تقاريرهم قضايا الفساد والإفلات من العقاب بلاغات جنائية لا تستند إلى أي أساس، وحملات تشويه. أما في السلفادور، فقد سُجِّلت هجمات ضد عشرات الصحفيين.
ووُثِّق استخدام برمجية التجسس بيغاسوس (Pegasus) في السلفادور والمكسيك لمراقبة النشطاء والصحفيين بصورة غير مشروعة.
واستخدمت السلطات أيضًا قوانين تحتوي على أحكام ذات صياغة مبهمة وفضفاضة على نحو كبير لإسكات المنتقدين. ففي السلفادور، أُجرِيَت تعديلات على قانون العقوبات لينص على أحكام بالسجن لمدد تتراوح بين 10 أعوام و15 عامًا على إثارة “القلق” أو “الذعر” بالإبلاغ عن العصابات. وفي نيكاراغوا، كان القانون العام لتنظيم وضبط المنظمات غير الربحية الأحدث في سلسلة القوانين التي أُصدِرَت منذ الحملة القمعية التي شُنَّت في 2018، التي قوضت منظمات المجتمع المدني. وفي كوبا، دخل قانون جديد للعقوبات حيز النفاذ في ديسمبر/كانون الأول، وهدد بترسيخ القيود المفروضة منذ أمد طويل على الحقين في حرية التعبير والتجمع السلمي. وفي الأرجنتين، قدمت حكومة إقليم خوخوي مشروع قانون لتعديل دستور الإقليم كي يقيد التظاهرات بحظر غلق الطرق، و”الاستيلاء على الساحات العامة”.
يجب على الحكومات احترام وحماية وتسهيل ممارسة الحقوق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها والتجمع السلمي بما في ذلك ضمان تمكين الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان وأولئك الذين يُفترَض أنهم معارضون سياسيون من مُباشَرة عملهم وممارسة حقوقهم في بيئة آمنة ومواتية بدون التعرُّض للمضايقة أو العنف أو المراقبة غير المشروعة.
ويجب على الحكومات ضمان تمكّن الأشخاص من ممارسة حقهم في التظاهر السلمي، وضمان أن يكون أي استخدام للقوة من جانب أجهزة الأمن ضروريًا ومتناسبًا ومشروعًا.
الحقوق الجنسية والإنجابية
اتخذت السلطات في عدة بلدان بالمنطقة إجراءات مثّلت تهديدات خطيرة على الحقوق الجنسية والإنجابية. ففي السلفادور، كان الحظر الشامل الذي فُرِض على الإجهاض لا يزال ساريًا. واستمر سجن امرأتين على الأقل بسبب تهمٍ تتعلق بحالات طارئة متعلقة بالتوليد، وكانت إحداهما تقضي عقوبة قصوى لمدة 50 عامًا. وفي الجمهورية الدومينيكية، لم يطرح الكونغرس مجددًا القانون الجنائي المُعَدَّل الذي ينزع الصفة الجُرمية عن الإجهاض.
وفي يونيو/حزيران، ألغت المحكمة الأمريكية العليا تدابير الحماية الفيدرالية لحقوق الإجهاض، بإبطال قضية رو ضد ويد (Roe v. Wade) ما ألغى نحو 50 عامًا من الاجتهاد القضائي. وبعد قرار المحكمة، أصدرت مجالس تشريعية في عدة ولايات أمريكية قوانين إما حظرت أو قيدت إمكانية الحصول على الإجهاض. وعلى النقيض من ذلك، صوَّتت الأغلبية الكاسحة من المواطنين في ولايات أمريكية مختلفة لصالح حماية الحق في الإجهاض. وفي بورتو ريكو، رُفِضت خمسة مشاريع قوانين ترمي إلى تقييد إمكانية الحصول على الإجهاض. وطُرِح مشروع قانون أمام الكونغرس في بيرو، من شأنه أن يهدد إمكانية الحصول على الإجهاض، حال الموافقة عليه. وفي الأرجنتين، استمرت العقبات الكبرى التي اعترضت إمكانية الحصول على خدمات الإجهاض، على الرغم من قانون عام 2020 الذي نزع الصفة الجُرمية عن الإجهاض خلال الأسابيع الـ14 الأولى من الحمل وأضفى عليه الصبغة القانونية.
ومن ناحية أخرى، تحقق بعض التقدم على صعيد الحقوق الجنسية والإنجابية. فقد أصدرت المحكمة الدستورية في كولومبيا حكمًا في فبراير/شباط ينزع الصفة الجُرمية عن الإجهاض خلال ما يصل إلى الأسبوع الرابع والعشرين من الحمل. وفي المكسيك، نزعت أربع ولايات أخرى الصفة الجُرمية عن الإجهاض، ليصل إجمالي عدد تلك الولايات إلى 11 من أصل 32 ولاية مكسيكية. وفي الإكوادور، وقَّع الرئيس مشروع قانون ينزع الصفة الجُرمية عن الإجهاض في حالات الاغتصاب، ليصبح قانونًا ساريًا. ومع هذا، تضمن القانون بعض العناصر التقييدية التي حدت من الحقوق الإنجابية.
وتقاعست السلطات في عدة بلدان عن حماية الحق في التثقيف الجنسي الشامل. فقد واصلت السلطات في الأرجنتين (إقليم تشاكو) وباراغواي وبيرو وعدة ولايات أمريكية تقييد فرص التثقيف المتعلق بالنشاط الجنسي، والتنوع في ما يخص النوع الاجتماعي في الأوساط التعليمية.
يجب على الحكومات ضمان إتاحة المجال للتمتُّع بالحقوق الجنسية والإنجابية، بما في ذلك إمكانية الحصول على خدمات الإجهاض الآمن.
العنف والتمييز المجحف ضد النساء والفتيات ومجتمع الميم
تقاعست السلطات عن حماية النساء والفتيات من العنف المترسخ والقائم على النوع الاجتماعي، وعن التصدي للإفلات من العقاب على مثل هذه الجرائم. ففي الأرجنتين، سُجِّلت 233 حالة قتل قائمة على النوع الاجتماعي (جرائم قتل إناث) وفقًا لأرقام جمعتها منظمات غير حكومية؛ ووقع 91% منها في بيئات أسرية. وأُبلِغ في المكسيك عن وقوع 858 حالة قتل إناث في ظل تقاعس من جانب الدولة (حالات قتل قائمة على النوع الاجتماعي يُسهّل ارتكابها الإفلات من العقاب، حيث تتحمل المؤسسات الحكومية والقانونية المسؤولية عن هذه الجرائم) بين يناير/كانون الثاني ونوفمبر/تشرين الثاني. وفي فنزويلا، أبلغت المنظمات المحلية عن 199 جرائم قتل إناث إجمالًا منذ يناير/كانون الثاني وحتى سبتمبر/أيلول. وسجَّل مرصد للمجتمع المدني في أوروغواي ارتفاعًا في عدد جرائم قتل الإناث، مقارنةً بالعام الماضي، بينما سُجِّلت في بيرو 124 جريمة قتل إناث.
وأٌقر الكونغرس الأمريكي قانون مكافحة العنف ضد النساء الذي انقضت مدته قبلًا ووقَّع عليه الرئيس بايدن. ويُعَد القانون آلية التمويل الرئيسية لمكافحة حالات العنف ضد النساء في الولايات المتحدة والاستجابة لها.
وكان أفراد مجتمع الميم لا يزالون عرضة للقتل والهجوم والتمييز المجحف والتهديدات، وواجهوا عقبات أمام الاعتراف القانوني في بلدان مختلفة بالمنطقة. وكان الأشخاص العابرون جنسيًا على وجه الخصوص مُعرَّضين للقتل في البرازيل وغواتيمالا وكولومبيا والمكسيك وهندوراس. فقد أظهرت البيانات التي نُشِرت في يناير/كانون الثاني أن البرازيل لا تزال البلد الأكثر تسجيلًا لحالات قتل الأشخاص العابرين جنسيًا حول العالم للعام الثالث عشر على التوالي. ومع ذلك، اُنتُخِبت امرأتان عابرتان جنسيًا لعضوية الكونغرس الاتحادي للمرة الأولى في تاريخ البرازيل.
واعتُمِدت عدة تدابير تشريعية خلال العام بشأن حقوق أفراد مجتمع الميم. ففي كولومبيا، اعترفت المحكمة الدستورية بخانة النوع الاجتماعي غير الثنائي في تسجيل بطاقات الهوية. وجاء ذلك بمثابة سابقة قانونية في ما يتعلق بالتنوع في النوع الاجتماعي. وفي سبتمبر/أيلول، وافقت كوبا، بعد عقد استفتاء، على قانون جديد للأسرة أضفى الصبغة القانونية على زواج المثليين، وأجاز للأزواج المثليين تبني الأطفال. وفي أكتوبر/تشرين الأول، أضفت ولاية تاماوليباس في المكسيك الصبغة القانونية على زواج المثليين، ليصبح قانونيًا في البلاد بأسرها. وفي الولايات المتحدة، صدر قانون احترام الزواج في ديسمبر/كانون الأول، والذي منح بعض الحماية الفيدرالية للزيجات المثلية. وعلى النقيض من ذلك، تراجعت هيئة حقوق الإنسان وشؤون العمل في بورتو ريكو، في مايو/أيار، عن مقترحاتها لمشروع قانون بشأن حقوق أفراد مجتمع الميم.
يجب على الحكومات في أنحاء المنطقة اتخاذ إجراءات عاجلة لمكافحة جرائم قتل الإناث وجرائم قتلهن في ظل تقاعس من جانب الدولة وقتل أفراد مجتمع الميم، وإحضار المسؤولين عن هذه الجرائم إلى ساحة العدالة، وضمان إرساء ضمانات عدم التكرار.
التمييز المجحف ضد السكان الأصليين والأشخاص السود
ظل الأشخاص الذين تعرَّضوا للتمييز العنصري المجحف تاريخيًا متضررين على نحو غير متناسب من انتهاكات حقوق الإنسان. إذ قُتِلَ زعماء السكان الأصليين في سياق نزاعات متعلقة بالأراضي في الإكوادور والبرازيل وكولومبيا والمكسيك. ففي كولومبيا، تعرَّض زعماء ومدافعون من السكان الأصليين للهجوم والقتل، وفي المناطق التي تواصل فيها جماعات المعارضة المسلحة أنشطتها، تعرَّض أبناء السكان الأصليين ومجتمعات المنحدرين من أصول إفريقية للنزوح القسري، وواجه بعضهم أزمات إنسانية. ولم تستجب سلطات باراغواي بالقدر الكافي، حينما كان يتعرَّض السكان الأصليون لعمليات الإخلاء القسري من أراضيهم. وفي نيكاراغوا، نزح السكان الأصليون قسرًا وتعرضوا للعنف على أيدي أفراد مسلحين.
ومضت الحكومات قدمًا في المشاريع الاستخراجية والزراعية ومشاريع البنى التحتية، بدون الحصول على الموافقة الحرة والمُسبَقة والمستنيرة من السكان الأصليين المتضررين في عدة بلدان، من بينها الأرجنتين وباراغواي والبرازيل وبيرو وغواتيمالا وفنزويلا وكندا والمكسيك وهندوراس. ففي الأرجنتين، ظل السكان الأصليون يواجهون صعوبات بالغة في التمتُّع بحقوقهم الجماعية في الأراضي. واستمرت عمليات القتل والتهديدات التي استهدفت زعماء ومدافعين من السكان الأصليين في الإكوادور. وظل السكان الأصليون في الأمازون الإكوادورية بدون تعويض عن الأضرار التي لحقت بهم من جراء تسرُّب كميات كبيرة من النفط في يناير/كانون الثاني، ولا عن الأضرار الناجمة عن تسرُّب آخر حدث في 2020.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، استمرت النساء من السكان الأصليين في مواجهة مستويات الاغتصاب والعنف الجنسي المرتفعة على نحو غير متناسب وافتقرن إلى خدمات الرعاية الأساسية اللاحقة لحالات الاغتصاب، كما واجهن معدلات عالية من الاختفاء والقتل. وفي كندا، أبلغت النساء من السكان الأصليين من العديد من الأمم الأولى ومجتمعات الإنويت (Innuit) في كيبك عن تعرُّضهن للتعقيم القسري وغيره من العنف المتعلق بالتوليد.
واعترف رئيس الوزراء الكندي ترودو رسميًا بدور الكنيسة الكاثوليكية والحكومة الكندية في إنشاء نظام المدارس الداخلية وتشغيله والحفاظ عليه، والذي اعترف مجلس العموم بالإجماع في أكتوبر/تشرين الأول به كجريمة إبادة جماعية بحق السكان الأصليين.
واستمر تضرُّر الأشخاص السود على نحو غير متناسب من عنف الدولة في عدة بلدان بالمنطقة. ففي البرازيل، أسفرت عدة عمليات شُرَطِية عن مقتل الكثير، مثل العملية التي نُفِّذت في مايو/أيار بحي فيلا كروزيرو بريو دي جنيرو التي أودت بحياة 23 شخصًا. وكشفت بيانات المجتمع المدني المُجمَّعة عن أن 84% من جميع الأشخاص الذين قُتلوا على أيدي الشرطة في البرازيل كانوا من السود. وعلى نحو مماثل، أظهرت البيانات حول حالات القتل على أيدي الشرطة في بورتو ريكو أن الأشخاص الذين يعيشون في المجتمعات المحلية مختلطة الأعراق ذات الدخل المنخفض أكثر عرضةً للقتل على أيدي أفراد الشرطة، مقارنةً بأولئك الذين يعيشون في المجتمعات التي يقطنها البيض ذوو الدخل المنخفض. وأخضعت السلطات في الولايات المتحدة طالبي اللجوء الهايتيين السود للاحتجاز التعسفي، والمعاملة التمييزية المجحفة والمهينة التي بلغت حد التعذيب القائم على أساس العرق. وفي الولايات المتحدة أيضًا، أشارت البيانات العامة التي توفّرت بشكل محدود إلى تضرُّر الأشخاص السود على نحو غير متناسب من استخدام الشرطة للقوة المميتة. ولم يقر مجلس الشيوخ الأمريكي قانون جورج فلويد للعدالة في عمليات حفظ الأمن. وكان مجلس النواب الأمريكي أقر مشروع القانون في 2021، والذي كان يهدف إلى معالجة مجموعة واسعة من السياسات والمسائل المتعلقة بالممارسات الشُرَطِية لحفظ الأمن ومحاسبة موظفي إنفاذ القانون. وفي كندا، أشار جهاز شرطة تورونتو إلى الاستخدام غير المتناسب للقوة، وعمليات التفتيش بعد خلع الملابس، ضد المجتمعات المُصَنَّفة بالانتماء إلى عرق معين، ومجتمعات السود على وجه الخصوص.
يجب على السلطات احترام حق السكان الأصليين في تقرير المصير، وضمان الحصول على موافقتهم الحرة والمُسبَقة والمستنيرة على أي مشاريع تُقام على أراضيهم. ويجب إجراء التحقيقات العاجلة والمحايدة والفعَّالة بشأن حالات قتل السكان الأصليين.
ويجب على السلطات اتخاذ إجراءات حاسمة لتفكيك العنصرية الممنهجة التي تشوب العمليات الشُرَطِية لحفظ الأمن وأنظمة الهجرة، وتصميم أنظمة لجمع البيانات المُصَنَّفة حسب العرق، بمشاركة جميع المجتمعات المحلية المتضررة على نحو كامل وفعَّال.
الإفلات من العقاب وغياب المحاسبة
أحرزت السلطات في عدة بلدان تقدمًا مهمًا لكن محدودًا في ما يتعلق بالمحاسبة عن انتهاكات حقوق الإنسان، من بينها الجرائم بموجب القانون الدولي، التي ارتُكِبت في العقود الماضية. وعلى النقيض من ذلك، تقاعست الحكومات على وجه العموم عن مقاضاة الأشخاص المُشتبَه بمسؤوليتهم عن هذه الجرائم، وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة التي ارتُكِبت في الآونة الأخيرة، بينما ظل الإفلات المترسخ من العقاب سمة شائعة في الأنظمة القضائية في أرجاء المنطقة.
وأحرزت السلطات في الأرجنتين وأوروغواي وبوليفيا وشيلي وغواتيمالا وكولومبيا تقدمًا إما في إجراء التحقيقات بشأن انتهاكات حقوق الإنسان المُرتكَبة في عهد الأنظمة العسكرية السابقة أو خلال النزاعات المسلحة الداخلية، أو في توجيه التهم بشأنها. ففي كولومبيا، وُجِّهَت تهم ضد العشرات من أفراد الجيش السابقين بحلول نهاية العام، في إطار الولاية القضائية الخاصة من أجل السلام.
وعلى صعيد آخر، لم تحرز السلطات في السلفادور تقدمًا يُذكَر بشأن مقاضاة المتهمين بارتكاب جرائم وانتهاكات لحقوق الإنسان خلال النزاع المسلح (بين عامي 1980 و1992). وفي الولايات المتحدة، لم يُحضَر إلى ساحة العدالة أي شخص في ما يتعلق بنظام الاحتجاز السري الذي كانت تديره وكالة الاستخبارات المركزية (وكان مسموحًا باستخدامه بين عامي 2001 و2009)، الذي انطوى على انتهاكات لحقوق الإنسان على نطاق واسع تضمنت الإخفاء القسري والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة. وتقاعست السلطات في غواتيمالا عن حماية القضاة ووكلاء النيابة الذين يعملون على دعاوى تتعلق بالنزاع المسلح الداخلي (بين عامي 1960 و1996) من الترهيب والمضايقات المستمرة والمقاضاة الجنائية التي لا تستند إلى أي أسس.
واستمر الإفلات من العقاب في ما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها السلطات في بوليفيا وشيلي وفنزويلا وكولومبيا ونيكاراغوا وهندوراس، خلال التظاهرات التي قُوبِلت بحملات قمعية شنتها الحكومات بين عامي 2017 و2021. وفي المكسيك، تجاوز إجمالي عدد المفقودين أو المختفين منذ ستينيات القرن الماضي 109,000 شخص، ما يربو على 90,000 شخص منهم منذ 2006.
وسلطت تقارير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن فنزويلا الضوء على التلاعب بالنظام القضائي لحماية ضباط الشرطة والجيش المسؤولين عن ارتكاب الانتهاكات من تقديمهم إلى ساحة العدالة. وحددت التسلسل القيادي الذي ربط الجناة المشتبه بهم بحكومة نيكولاس مادورو. وبدأ مكتب المُدَّعِي العام للمحكمة الجنائية الدولية تحقيقًا بشأن جرائم ضد الإنسانية مزعومة في فنزويلا، ويُعَد التحقيق الأول من نوعه في المنطقة.
وفي شيلي، ظل الأشخاص المتهمون بارتكاب جرائم مزعومة خلال التظاهرات الجماعية التي أُقيمت في 2019 رهن الاحتجاز، بعضهم بسبب تهم لا تستند إلى أي أساس. ومن ناحية أخرى، أعلنت الحكومة برنامجًا جديدًا لتقديم التعويضات لأكثر من 400 شخص تعرَّضوا لرضح في أعينهم خلال التظاهرات. وظل 225 شخصًا رهن الاحتجاز في نيكاراغوا بحلول نهاية العام، على خلفية أزمة حقوق الإنسان التي اندلعت في 2018.
وفي البرازيل، طلب المُدَّعِي العام إلى المحكمة العليا حفظ سبعة من 10 تحقيقات فُتِحَت ضد الرئيس بولسونارو، بعد تقرير لجنة برلمانية للتحقيق بشأن إدارة الحكومة لوباء كوفيد-19، أوصى بتوجيه تهم إليه بالدجل وسوء التصرف وجرائم ضد الإنسانية. وظل الإفلات من العقاب على عمليات القتل غير المشروع من جانب قوات الأمن وضباط الشرطة البرازيلية سائدًا.
واستمر الاكتظاظ المزمن للسجون في الإكوادور وأوروغواي والسلفادور وشيلي وفنزويلا.
وظل خمسة وثلاثون رجلًا مسلمًا مُحتَجَزين تعسفيًا ولأجل غير مسمى على أيدي الجيش الأمريكي بمنشأة الاحتجاز في القاعدة البحرية بخليج غوانتانامو في كوبا، في انتهاك للقانون الدولي.
يجب على السلطات التصدي للإفلات من العقاب بإجراء تحقيقات عاجلة ومستقلة ومحايدة وفعَّالة بشأن جميع الجرائم بموجب القانون الدولي وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان، سواء تلك التي ارتُكِبت في الماضي أو الحاضر. ويجب على السلطات مقاضاة أولئك الذين يُشتبَه بمسؤوليتهم الجنائية عن ارتكاب الجرائم بموجب القانون الدولي، وضمان تحقيق العدالة والكشف عن الحقيقة وتقديم التعويضات للضحايا والناجين.
التقاعس عن التصدي لأزمة المناخ والتدهور البيئي
تقاعست الحكومات عن تنفيذ التدابير الكافية للتصدي لمدى حجم الأزمة المناخية، بينما تعرَّض النشطاء والسكان الأصليون الذين يعملون على حماية البيئة للهجوم، بسبب محاولاتهم لمعالجة الأزمة. وعلى الرغم من خطاب العديد من بلدان المنطقة الداعم لخفض الانبعاثات العالمية، لم تقرن السلطات هذه الأقوال بالعمل. وذكرت منظمة جلوبال ويتنس (Global Witness)، في تقريرها لعام 2022، أن ثلاثة أرباع عمليات قتل المدافعين عن الأراضي والبيئة خلال 2021 وقعت في أمريكا اللاتينية. وسُجِّلت هذه العمليات في الأرجنتين والإكوادور والبرازيل وبوليفيا وبيرو وغواتيمالا وفنزويلا وكولومبيا والمكسيك ونيكاراغوا وهندوراس.
وظلت أمريكا اللاتينية، إلى جانب إفريقيا، واحدةً من المناطق التي لديها أعلى معدلات صافية لفقدان رقعة الغطاء الحرجي الطبيعي، بحسب ما ذكرته منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو). ففي البرازيل، بلغ معدل إزالة الغابات في الأمازون البرازيلية أعلى مستوياته منذ 2015 بين يناير/كانون الثاني وأكتوبر/تشرين الأول. أما في بوليفيا، على الرغم من التزام السلطات بالحفاظ على الغطاء الحرجي ومكافحة إزالة الغابات بصورة غير قانونية، أُحرِق أكثر من مليون هكتار من الأراضي، للتوسُّع في أنشطة زراعية في أغلب الأحوال.
وتعهدت عدة حكومات بالتزامات وأصدرت تشريعات بشأن التغير المناخي، ولكن لم يُضَاهِ أيٌ منها حجم الأزمة التي تلوح في الأفق. فخلال الدورة السابعة والعشرين من مؤتمر أطراف الاتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 27) في نوفمبر/تشرين الثاني، لم ترفع كندا ولا الولايات المتحدة مستهدفاتهما لخفض الانبعاثات لعام 2030.
وفي حين أصدر الكونغرس الأمريكي حزمة من التشريعات الخاصة بالتغير المناخي لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة، أعاد العمل بالمقابل بمزادات سابقة لعقود النفط والغاز في الأراضي الفيدرالية وخليج المكسيك، التي حاولت إدارة الرئيس بايدن إلغاءها، وأرغم الإدارة على عقد عدة مزادات جديدة، بدأت في سبتمبر/أيلول.
وأعلن رئيس البرازيل المنتخب، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، أنه سيُعزز حماية المناطق الأحيائية في البلاد، مع التركيز بصفة خاصة على منطقة الأمازون، التي أعلنت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أنها شديدة التعرُّض للجفاف وارتفاع درجات الحرارة. وفي حين أن الرئيس الكولومبي، غوستافو بيترو، أعلن خلال مؤتمر كوب27 عن خطة انتقالية بشأن الطاقة تركز على مصادر الطاقة المتجددة غير التقليدية، نددت منظمات مثل ناسيون وايو (Nación Wayuu) وانديباز (Indepaz) بانتهاكات حق السكان الأصليين في التشاور الحر والمُسبَق والمستنير بشأن تطوير عدة محطات لتوليد الطاقة من الرياح في مقاطعة غواخيرا.
ولم تفِ سلطات بلدان المنطقة بالتزاماتها التي وقَّعتها قبلًا بصفتها أطرافًا في اتفاق باريس، بل ودعمت على نحو فاعل مشاريع الوقود الأحفوري في بعض الحالات. ففي البرازيل، قدمت السلطات مساهمة محددة وطنيًا لم تكن بمثابة مقابل كافٍ لمساهمة البلاد في التغير المناخي. وبحلول منتصف العام، قدمت وكالة تنمية الصادرات الكندية تمويلًا بقيمة 3.4 مليار دولار كندي (2.5 مليار دولار أمريكي) إلى قطاع النفط والغاز داخل البلاد وخارجها. وفي الوقت نفسه، أطلقت كندا خطةً للإنهاء التدريجي للتمويل العام لمشاريع الوقود الأحفوري الجديدة.
يجب على السلطات اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من انبعاثاتها الكربونية، ووقف تمويل مشاريع الوقود الأحفوري، وضمان الحماية للسكان الأصليين والمدافعين عن حقوق الإنسان ضمن سياسات كل دولة بشأن البيئة.
كما يجب على البلدان الأكثر ثراءً في المنطقة تكثيف التمويل المناخي للبلدان المنخفضة الدخل على نحو عاجل، والالتزام بتقديم تمويل إضافي مخصص للخسائر والأضرار.
حقوق اللاجئين والمهاجرين
أفضت أزمات حقوق الإنسان والأزمات الإنسانية العميقة في أنحاء المنطقة إلى الارتفاع الشديد في أعداد الأشخاص الذين يغادرون بلدانهم بحثًا عن الحماية. وفي يونيو/حزيران، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) أن الأطفال الذين عبروا طريق دارين غاب بين كولومبيا وبنما تجاوز عددهم 5,000 منذ بداية 2022، ضعف العدد المُسجَّل خلال الفترة نفسها في 2021. وتشير تقديرات منصة التنسيق الإقليمية المشتركة بين الوكالات للاجئين والمهاجرين من فنزويلا إلى مغادرة 7.13 مليون فنزويلي لبلادهم، بحلول نهاية 2022؛ ويطلب 84% منهم الحماية في 17 بلدًا بأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. وازداد أيضًا عدد الأشخاص الذين غادروا كوبا وهايتي بصورة كبيرة مقارنةً بالأعوام الأخيرة، إضافةً إلى العدد المطَّرد للأشخاص الذين يفرون من فنزويلا وأمريكا الوسطى. وظل اللاجئون والمهاجرون بدون أي حماية، بسبب استمرار انعدام وجود أي أنظمة فعَّالة للحماية الدولية في الأرجنتين وبيرو وترينيداد وتوباغو وشيلي وكندا وكولومبيا والمكسيك والولايات المتحدة.
وأيدت المحاكم الفيدرالية في الولايات المتحدة بروتوكولات حماية المهاجرين والفصل 42 من القانون الأمريكي، ما ألحق أضرارًا يتعذر إصلاحها لعشرات الآلاف من طالبي اللجوء الذين طُرِدوا إلى المكسيك حيثما يهددهم الخطر. وواصلت السلطات المكسيكية تعاونها مع نظيراتها الأمريكية لتهيئة المجال أمام تنفيذ هذه السياسات التي تخرق مبدأ عدم الإعادة القسرية. وفي الولايات المتحدة، واصلت السلطات انتهاج نظام الاحتجاز الجماعي التعسفي للمهاجرين، مع توفيرها التمويل لاحتجاز 34,000 شخص يوميًا في 2022. وطردت الولايات المتحدة أكثر من 25,000 مواطن هايتي بين سبتمبر/أيلول 2021 ومايو/أيار 2022، بدون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، في انتهاك للقانون الوطني والدولي. واحتجزت السلطات المكسيكية ما لا يقل عن 281,149 شخصًا داخل مراكز مكتظة لاحتجاز المهاجرين ورحَّلت 98,299 شخصًا على الأقل؛ معظمهم من أمريكا الوسطى، وكان من بينهم آلاف الأطفال غير المصحوبين بذويهم.
وظلت ترينيداد وتوباغو واحدةً من البلدان القليلة في الأمريكيتين التي لا توجد بها تشريعات وطنية بشأن اللجوء. وأعربت الأمم المتحدة عن قلقها حيال ممارسات السلطات في رد طالبي اللجوء الفنزويليين على أعقابهم واحتجازهم في ظل ظروف لاإنسانية وترحيلهم. ومن ناحية أخرى، تعرَّضت اللاجئات الفنزويليات للعنف القائم على النوع الاجتماعي والتمييز، على الأقل، في الإكوادور وبيرو وترينيداد وتوباغو وكولومبيا، حيث تقاعست السلطات عن ضمان حقوقهن في حياة بدون التعرُّض للعنف أو التمييز المجحف. وفي بيرو، ظل نظام النظر في طلبات اللجوء مُعلَّقًا.
وتابعت السلطات في شيلي مجددًا عمليات الطرد الفوري للمواطنين الأجانب بدون تقييم حاجتهم للحماية الدولية أو المخاطر التي قد يتعرضون لها لدى العودة إلى بلدانهم. وفي الأرجنتين، لم تصدر السلطات لوائح تنظيمية تتيح لطالبي اللجوء واللاجئين فرصًا أكبر للحصول على الحقوق الأساسية مثل التعليم والعمل والرعاية الصحية.
يجب على السلطات وقف عمليات الترحيل غير المشروعة للاجئين والمهاجرين على وجه السرعة، والكف عن احتجازهم، وضمان تلبية حاجتهم للحماية الدولية.