لبنان: قضية زياد عيتاني تختبر نيّة السلطات في مناهضة التعذيب

قالت منظمة العفو الدولية اليوم أن الممثل اللبناني زياد عيتاني، بعد مرور عامٍ على إطلاق سراحه، لم يقترب بعد من الحصول على العدالة عما تعرض له من تعذيب مروّع في السجن. ما يشكّل مؤشراً مقلقاً لمدى جدية السلطات اللبنانية في مكافحة التعذيب في لبنان بشكل عام وفي مراكز الاحتجاز بشكل خاص.

في 13 مارس/آذار 2018، برأت محكمة عسكرية زياد عيتاني من تهمة التجسّس لصالح إسرائيل، وأفرجت عنه. وكان قد أمضى ثلاثة أشهر ونصف قيد الاحتجاز، استناداً إلى تهم ملفقة. وقد أفاد عيتاني لـ”منظمة العفو الدولية” بأنه احتجز في الحبس الانفرادي، وتعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة أثناء احتجازه، ومُنع من الاتصال بمحام. وقد أفاد عيتاني أن أول مثولٍ له امام المحكمة العسكرية أتى بعد مرور شهرٍ تقريباً على احتجازه، وأنه أبلغ خلاله القاضي العسكري بتعرّضه للتعذيب وبأن اعترافاته انتزعت تحت التعذيب، لكن المحكمة العسكرية تقاعست عن التعامل مع هذه التقارير تبعاً للآلية التي يمليها القانون.

بعد مرور عام على إطلاق سراحه، لا يزال زياد عيتاني يحمل الجروح البدنية والنفسية الناتجة عن التعذيب الذي تعرض له في الاحتجاز. وهو بذلك يكون قد تعرّض للظلم في المرة الأولى عندما تم توقيفه واحتجازه وهو بريء؛ ثم ثانيةً عندما تلقّى التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة

سحر مندور، الباحثة في الشؤون اللبنانية في منظمة العفو الدولية

وفي منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أي بعد إطلاق سراحه بسبعة أشهر، رفع عيتاني دعوى مدنية ضد الضباط والمساعدين المدنيين الذين شاركوا بتلفيق التهمة له، وتعذيبه، وابتزازه وتشويه سمعته. لكن النائب العام لدى محكمة التمييز أحال القضية إلى مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، على الرغم من أن القانون الدولي والمحلي يتطلبان التحقيق في هذه التقارير في إطار نظام العدالة الجنائية المدنية.

وقالت سحر مندور، الباحثة في الشؤون اللبنانية في منظمة العفو الدولية: “بعد مرور عام على إطلاق سراحه، لا يزال زياد عيتاني يحمل الجروح البدنية والنفسية الناتجة عن التعذيب الذي تعرض له في الاحتجاز. وهو بذلك يكون قد تعرّض للظلم في المرة الأولى عندما تم توقيفه واحتجازه وهو بريء؛ ثم ثانيةً عندما تلقّى التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، والآن يتعرض للظلم مرة ثالثة بسبب تقاعس السلطات عن ضمان إجراء المساءلة عن التعذيب الذي عانى منه ولا يزال يحمل آثاره”.

“في سبتمبر/أيلول 2017، اتخذت السلطات خطوة لمواءمة لبنان مع التزاماته الدولية عبر التصديق على قانون لمناهضة التعذيب. وفي الأسبوع الماضي فقط، عيّنت الحكومة لجنة الوقاية من التعذيب ضمن الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان. إن قضية زياد عيتاني هي بمثابة اختبار حقيقي لإثبات نيّة السلطات إزاء تطبيق القانون ومناهضة التعذيب بطريقة مجدية”.

في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، قامت المديرية العامة لأمن الدولة، وهي مؤسسة أمنية ضمن “المجلس الأعلى للدفاع” تقع مباشرةً تحت إشراف رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، بتوقيف زياد عيتاني بتهم ملفقة بالتجسس لصالح إسرائيل. وأُخذ من بيته بطريقة عنيفة، ولم يُسمح له بالاتصال بمحامٍ. وقال زياد عيتاني لـ”منظمة العفو الدولية” أن ضباط وعساكر أمن الدولة الذين يرتدون الزي العسكري والزي المدني ضربوه بالكابلات الكهربائية، وربطوا جسده في وضعية مجهدة باستخدام سلاسل حديدية، وعلقوه من معصميه لساعات، وركلوه ولكموه في وجهه، وهددوه باغتصابه .

وقال إن الضباط قاموا بوضع قلم في يده قسراً، وأجبروه على التوقيع على اعتراف بينما كان منهار الجسد غير قادرٍ على الوقوف بعد جلسة تعذيب طويلة. ووصف أيضًا كيف أحضر الضبّاط إلى غرفة الاستجواب اثنين من جيران عائلته اللذين قاما بإهانته، وبصقا عليه، وهددا بإلحاق الأذى بأسرته وحرق منزلهم. وقال إن الضباط استعملوا هذه الواقعة ليبتزوه للاعتراف بالتجسّس مقابل حماية أسرته.

بعد إطلاق سراح زياد عيتاني، بقيت يداه ترتعشان باستمرار، وظّل فيما يزيد عن ثلاثة أشهر في حال اضطراب وعدم استقرار نفسيّ، يدخل فجأة في نوبات غضب وحزنٍ عميق، تسوده أحاسيس الخسارة والقهر، ويجهش بالبكاء خلال نومه. وقد اطلعت منظمة العفو الدولية على السجلات الطبية المتعلقة بالأضرار التي لحقت بأسنانه ومعصميه.

يجب على السلطات اللبنانية ضمان إجراء التحقيق في قضية تعذيب زياد عيتاني عبر محكمة مدنية بشكلٍ فوريّ وفعّال، وضمان محاسبة الجناة

سحر مندور

في 25 يناير/ كانون الثاني 2019، فتحت المحكمة العسكرية تحقيقاتها في ملف الأدلة الملفقة التي أدت إلى توقيف عيتاني؛ إلا أنه لم يتحقق أي تقدم في التحقيقات المتعلقة بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة.

وبموجب قانون مكافحة التعذيب اللبناني، كان ينبغي إحالة ادعاء التعذيب فوراً إلى محكمة مدنية، والتحقيق فيها خلال 48 ساعة.

وعلى الرغم من أن قانون مكافحة التعذيب اللبناني أتى متماشياً إلى حد كبير مع المعايير الدولية، فقد سبق لمنظمة العفو الدولية أن سجّلت قلقها إزاء حقيقة أن القانون لم يمنع المحكمة العسكرية صراحةً من التحقيق في تقارير التعذيب.

واختتمت سحر مندور قائلة: “يجب على السلطات اللبنانية ضمان إجراء التحقيق في قضية تعذيب زياد عيتاني عبر محكمة مدنية بشكلٍ فوريّ وفعّال، وضمان محاسبة الجناة. فمن خلال تنفيذ القانون فقط، تظهر السلطات وجود نية حقيقية للتصدي للتعذيب في البلاد، وفي مراكز الاحتجاز أولاً”.

خلفية

في الأسبوع الماضي، وافقت الحكومة اللبنانية على تعيين خمسة أعضاء في لجنة الوقاية من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة. وبموجب البروتوكول الاختياري لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، وكلاهما – أي البروتوكول والاتفاقية – صدّق عليهما لبنان، فإن هذه اللجنة مكلفة بزيارة جميع أماكن الاحتجاز والتوصية باتخاذ إجراءات لمنع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة.