السعودية: موجة اعتقالات تستهدف آخر ما تبقى من ملامح حرية التعبير

قالت منظمة العفو الدولية إن السلطات السعودية كثَّفت حملتها القمعية على حرية التعبير خلال الأسبوع الماضي، فقبضت على ما يزيد عن 20 من الشخصيات الدينية البارزة والكتاب والصحفيين والأكاديميين والنشطاء.

وقالت سماح حديد، مديرة الحملات بمكتب بيروت الإقليمي لمنظمة العفو الدولية، إنه “لم يحدث في غضون السنوات الماضية أن استُهدف هذا العدد الكبير من الشخصيات السعودية المرموقة خلال فترة زمنية قصيرة كتلك”.

واستطردت سماح حديد قائلةً: “من الواضح أن القيادة الجديدة في السعودية، بزعامة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، توجِّه رسالة مخيفة، مؤداها أنه لن يتم التسامح مع حرية التعبير وأن السلطات سوف تلاحق المنتقدين”.

ومن بين المقبوض عليهم عدد من رجال الدين البارزين، مثل الشيخ سلمان العودة، وهو شخصية دينية ذات تأثير، وله أكثر من 14 مليون متابع على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث قُبض عليه يوم 9 سبتمبر/أيلول 2017. ويُعرف الشيخ سلمان العودة بدعواته إلى إجراء إصلاحات ومناداته بتعزيز احترام حقوق الإنسان في إطار الشريعة الإسلامية.

وذكرت الأنباء أن عبد الله المالكي، وهو باحث أكاديمي وكاتب اشتهر بتأييده لإجراء إصلاحات ولتعزيز حقوق الإنسان، قد قُبض عليه يوم 12 سبتمبر/أيلول 2017. كما قُبض في اليوم نفسه على عصام الزامل، وهو خبير اقتصادي اشتهر بكتاباته عن ضرورة الإصلاح الاقتصادي.

ولم تصدر حتى الآن أية معلومات رسمية عن أماكن أي من الذين شملتهم الحملة. ولا يُعرف بعد عدد الذين قُبض عليهم، حيث تتواتر الأنباء على مواقع التواصل الاجتماعي عن مزيد من عمليات القبض.

وقالت سماح حديد: “إن منظمة العفو الدولية تشعر بالقلق العميق على سلامة المقبوض عليهم. ويجب على الحكومة السعودية أن تبادر فوراً بالإفصاح عن أماكن وجودهم، وأن تضمن حمايتهم من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، وأن تكفل لهم الاتصال بمحاميهم وذويهم”.

وأضافت سماح حديد قائلةً: “يجب على السلطات أن تفصح فوراً عن التهم الموجهة إلى أولئك المقبوض عليهم، ويجب الإفراج عنهم على الفور إذا كانوا قد اعتُقلوا بسبب ممارستهم السلمية لحقهم في حرية التعبير”.

ولم تتضح حتى الآن الأسباب الحقيقية لحملات القبض، إلا إن جهاز “رئاسة أمن الدولة”، وهو جهاز يتبع رئيس مجلس الوزراء وأُنشئ حديثاً بهدف تنسيق أنشطة مكافحة الإرهاب وجمع التحريات محلياً، أصدر بياناً يوم 11 سبتمبر/أيلول 2017 ذكر فيه أنه تمكن خلال الفترة الماضية من رصد “أنشطة استخباراتية لمجموعة من الأشخاص لصالح جهات خارجية ضد أمن المملكة ومصالحها ومنهجها ومقدراتها وسلمها الاجتماعي، بهدف إثارة الفتنة والمساس باللُحمة الوطنية”.

وتعليقاً على ذلك، قالت سماح حديد إن “بعض المقبوض عليهم شخصيات مرموقة عُرفوا بنشاطهم السلمي. وإذا ما انتهى الأمر إلى توجيه اتهامات لهم من قبيل “إثارة الفتنة” و”المساس باللُحمة الوطنية”، والتي تُعد جرائم إرهابية في السعودية، فإن آفاق حرية التعبير في السعودية تبدو حالكةً للغاية”.

ويُذكر أن وضع حقوق الإنسان في السعودية قد تدهور بشكل ملحوظ منذ أن تولى الأمير محمد بن سلمان منصب ولي العهد في 21 يونيو/حزيران 2017.

وقد واصلت السلطات إحالة مدافعين عن حقوق الإنسان للمحاكمة بتهم تتعلق بنشاطهم السلمي أمام “المحكمة الجزائية المتخصصة” في الرياض، وهي محكمة سيئة السمعة أُنشئت للنظر في القضايا الأمنية والقضايا المتعلقة بالإرهاب بموجب “قانون مكافحة الإرهاب” الصادر عام 2014. كما وثَّقت منظمة العفو الدولية تزايداً يبعث على القلق في عدد الإعدامات التي نُفِّذت بالإضافة إلى تأييد أحكام بالإعدام ضد معارضين سياسيين.

واختتمت سماح حديد تصريحها قائلةً: “إن أغلب المدافعين عن حقوق الإنسان في السعودية قد أصبحوا الآن إما في السجون يقضون الأحكام الصادرة ضدهم وإما أنهم يواجهون محاكمات فادحة الجور. أما القلائل الباقون فيخشون أن تكون أسماؤهم مُدرجة على “قوائم الملاحقة” الحكومية وأن يتم القبض عليهم في أي وقت”.

خلفية

منذ عام 2013، استهدفت السلطات السعودية عدداً من نشطاء المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان. وقد أُسكتت أصوات أبرز النشطاء المستقلين وغيرهم من المنتقدين في البلاد، أو تعرضوا للمحاكمة، أو حُكم عليهم بالسجن لمدد طويلة، أو اضطُروا للفرار من البلاد.

وقد حُوكم عدد من المدافعين عن حقوق الإنسان بتهم مبهمة ذات صياغات فضفاضة، بموجب “قانون مكافحة الإرهاب” لسنة 2014، وذلك بسبب أنشطتهم السلمية، وُحكم عليهم بالسجن لمدد متباينة بلغ أقصاها 15 سنة، إثر محاكمات فادحة الجور أمام “المحكمة الجزائية المتخصصة”، وهي محكمة سيئة السمعة، أُنشئت لنظر الجرائم الأمنية والجرائم المتعلقة بالإرهاب.

وفي يوليو/تموز 2017، تلقى عبد العزيز الشُبيلي، وهو آخر عضو مؤسس في “جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية” يصدر ضده حكم، إشعاراً من “المحكمة الجزائية المتخصصة” يفيد بتأييد الحكم الصادر ضده بالسجن ثماني سنوات، يعقبها المنع من السفر لمدة مماثلة، مع منعه من الكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي. وهو معرض حالياً للسجن في أي وقت.

وفي 21 أغسطس/آب 2017، أُحيل للمحاكمة أمام “المحكمة الجزائية المتخصصة” كل من عيسى النخيفي وعصام كوشك، وهما من المدافعين عن حقوق الإنسان، حيث وُجهت إليهما عدة تهم تتعلق بنشاطهما في مجال حقوق الإنسان وبتعليقاتهما على مواقع التواصل الاجتماعي.