بعد مضي عشرين عاماً ينبغي على بايدن إغلاق غوانتنامو نهائياً

في مظاهرة جرت مؤخراً خارج البيت الأبيض للدعوة إلى إغلاق السجن العسكري الأمريكي في القاعدة البحرية بخليج غوانتنامو، اقترب مراهق من زميلة ليسألها لِمَ هذا الاحتجاج. وقال لها إنه لم يسمع قط بمرفق الاحتجاز.

لقد مضى عشرون عاماً وتعاقبت على الحكم أربع إدارات رئاسية منذ افتتاح غوانتنامو، لكن بالنسبة للذين وُلدوا منذ ذلك الحين، فإن حكاياته المرعبة تبدو أشبه بحبكة فيلم رعب خيالي. إنه تركة مشينة لا يمكننا ببساطة توريثها لأجيال المستقبل.

لقد احتُجز في غوانتنامو – الذي افتُتح رداً على هجمات 11 سبتمبر/أيلول – قرابة 780 رجلاً وفتى مسلماً. وقبل احتجازهم اللامحدود في غوانتنامو، اختُطف العديد منهم وتعرّضوا للاختفاء وعُذبوا بصورة وحشية في سجون سرية تديرها الولايات المتحدة أو ما يُسمّى بالحلفاء في “الحرب على الإرهاب”. وفي غوانتنامو تعرضوا للتعذيب، واتُهمت قلة قليلة منهم فقط بارتكاب جرائم، ولم يحظ أي منهم بمحاكمة عادلة. وقد أثبتت اللجان العسكرية الكافكية العبثية التي أنشئت لمحاكمتهم عدم فعاليتها وجورها؛ إذ حرمت المتهمين من حَكَم نزيه ومن إمكانية الاطلاع على أدلة في غاية الأهمية، وحرمت الضحايا من حقهم في العدالة. وفي هذه الأثناء انتظرت أسر ضحايا 11/9 عبثاً إقامة العدل.

وقد أطلقت منظمة العفو الدولية وجهات عديدة غيرها حول العالم بإصرار حملات لإغلاق السجن منذ افتتاحه. ووعد الرئيس بايدن – شأنه شأن أوباما قبله – بإغلاقه، لكنه تقاعس حتى الآن عن القيام بذلك. ونقلت إدارته أحد المعتقلين إلى خارج المرفق في يوليو/تموز الماضي، لكنها لم تُعِد بعد إنشاء مكتب المبعوث الخاص في وزارة الخارجية المخصص لإغلاق السجن. بل على العكس أعلنت الإدارة تواً خططاً لبناء قاعة محكمة جديدة في غوانتنامو لمواصلة العمل الذي تقوم به اللجان العسكرية – وهذا يتناقض تماماً مع مخطط إغلاق المكان المذكور.

ولا يتعلق الأمر فقط بإغلاق غوانتنامو، بل أيضاً بتحقيق المساءلة على الانتهاكات التي ارتُكبت ضمن أسواره؛ ففي العام الماضي سمعنا محتجزين سابقين مثل ماجد خان، وأبو زبيدة، ومحمدو صلاحي وهم يصفون الانتهاكات التي تعرضوا لها في “مواقع سوداء” تديرها الولايات المتحدة في الخارج وفي غوانتنامو. وقد جرى تمثيل التعذيب الذي تعرض له صلاحي – الذي بات الآن صاحب كتاب من الأكثر رواجاً ومدافعاً عن حقوق الإنسان – في الفيلم الذي يحمل عنوان الموريتاني، في حين أن خان وصف تحمله للأوضاع الجسدية المجهدة، وعمليات الضرب، وإطعامه قسراً باستخدام أنابيب مغطاة من إحدى الجهات بصلصة حارة، وإدخال خرطوم ماء في شرجه.

غوانتنامو وصمة عار لا تُمحى في تاريخ الولايات المتحدة، وفصل يجب أن تسدل الستار عليه الآن ولا تكرّره بتاتاً.

الدكتورة أنياس كالامار

وقد أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أحكاماً في دعاوى مدنية ضد إيطاليا، وليثوانيا، ومقدونيا، وبولندا، ورومانيا بسبب تواطئها في ممارسة التعذيب والإخفاء القسري لأشخاص في سياق برامج التسليم والاحتجاز السري الأمريكية، لكن لم تحصل قط أي مساءلة جادة في الولايات المتحدة. وبدءاً من الذين أذنوا بممارسة التعذيب على أعلى المستويات في الحكومة وانتهاءً بالذين نفذوا “أساليب الاستجواب المعززة” غير القانونية، لم يتمّ تحميل أحد بتاتاً المسؤولية على الجرائم المرتكبة. ويجب أن تبدأ المساءلة بنزع صفة السرية عن تقرير لجنة مجلس الشيوخ الأمريكي المعنية بالمخابرات حول التعذيب الممارس من جانب وكالة المخابرات المركزية سي آي إيه، ونشره كاملاً.

يظل تسعة وثلاثون رجلاً محتجزين في غوانتنامو. ولا يزال ثلاثة عشر منهم رهن الاحتجاز اللامحدود-  برغم صدور موافقة على نقلهم إلى خارج غوانتنامو – وجاءت هذه الموافقة لبعضهم منذ أكثر من عقد من الزمن. ويواجه اثنا عشر منهم تهماً في اللجان العسكرية، في حين يعيش الأربعة عشر الآخرون في وضع من عدم اليقين أشبه بالجحيم: لم يؤذن بعد بنقلهم، ومع ذلك لم يُتهموا بتاتاً بارتكاب أي جرم. وتُعدّ محنتهم أثراً متبقياً من المبدأين المهيمنين اللذين سادا في غوانتنامو منذ إنشائه ألا وهما القسوة والتعسف.

ينبغي على الحكومة الأمريكية اتخاذ إجراء عاجل لتصحيح الخطأ الحاصل من خلال: الالتزام بتسوية قضية كل محتجز من خلال نقله والإفراج عنه دون المزيد من التأخير ووفقاً للقانون الدولي. أو إذا توفرت أدلة مقبولة كافية بموجب القانون الدولي للمقاضاة بارتكاب جرائم جنائية معترف بها دولياً، فيجب إجراء ذلك عبر قرار قضائي عادل أمام محكمة فدرالية مكوّنة بصورة نظامية من دون اللجوء إلى عقوبة الإعدام.

غوانتنامو وصمة عار لا تُمحى في تاريخ الولايات المتحدة، وفصل يجب أن تسدل الستار عليه الآن ولا تكرّره بتاتاً. والرئيس بايدن مدين لنا جميعاً – لأولئك الذين اختبروا أو راقبوا غوانتنامو بذعر على مر السنين، والأجيال الجديدة والصاعدة التي بدأت تواً تعرف عنه – بإغلاقه نهائياً وإلى الأبد.

أنياس كالامار هي الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية.

تمّ نشر هذه المقالة أولاً على موقع الجزيرة