قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن السلطات المصرية تسيء استخدام قوانين مكافحة الإرهاب من أجل احتجاز رجل أعمال بارز وابنه بشكل تعسفي، في ظروف ترقى إلى التعذيب، وذلك انتقاماً منهما لرفضهما تسليم أصول شركتهما.
وتتزايد المخاوف على صحة رجل الأعمال صفوان ثابت، 75 عاماً، وهو مؤسس شركة “جُهينه”، أكبر شركة لمنتجات الألبان والعصائر في مصر، ويمتلك أغلب أسهمها وكان رئيسها التنفيذي، حيث يُحتجز رهن الحبس الانفرادي المطوَّل منذ القبض عليه تعسفياً قبل 10 أشهر. وقد قُبض على ابنه سيف، 40 عاماً، بعد شهرين، في فبراير/شباط 2021، ولا يزال مُحتجزاً أيضاً رهن الحبس الانفرادي في ظروف ترقى إلى التعذيب. وقبل القبض على رجل الأعمال وابنه، كان مسؤولون أمنيون مصريون قد طلبوا منهما التخلي عن أصول شركة “جُهينه”.
وقال فيليب لوثر، مدير البحوث وكسب التأييد للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، “إن صفوان وسيف ثابت يتعرضان للعقاب لمجرد التجرؤ على رفض طلبات مسؤولين أمنيين مصريين بالتخلي عن أصول شركة “جُهينه” المعروفة في مصر والتي تمتلكها عائلتهما. وقد أبديا شجاعةً نادرة في مقاومة محاولة المسؤولين لابتزازهما. وتهيب منظمة العفو الدولية بالسلطات المصرية أن تُفرج عن الرجلين، اللذين ما كان ينبغي القبض عليهما أصلاً”.
وأضاف فيليب لوثر قائلاً: “بالإضافة إلى حرمان صفوان وسيف ثابت من حق الطعن في قانونية احتجازهما، فإنهما يتعرضان للتعذيب باحتجازهما رهن الحبس الانفرادي المطوَّل إلى أجل غير مُسمى. ولطالما استخدمت السلطات المصرية التهم المتعلقة بالإرهاب لقمع المعارضة السياسية، وها هي الآن تستخدم الأسلوب نفسه لاستهداف رجال أعمال لأنهم يرفضون الإذعان للأوامر التعسفية بالاستيلاء على أصولهم”. وقد تحدثت منظمة العفو الدولية مع ثلاثة أشخاص على علمٍ بوضع عائلة ثابت وشركة “جُهينه”، كما اطلعت على وثائق قضائية ومقالات إعلامية وتصريحات رسمية تتعلق بالقبض على الرجلين واحتجازهما.
استحواذ عدائي
في الساعات الأولى من فجر يوم 2 ديسمبر/كانون الأول 2020، داهم حوالي 50 من عناصر الشرطة المسلحين في أربع سيارات مُدرَّعة بقيادة ضابط من “قطاع الأمن الوطني”، وهو جهاز شُرطي متخصص في التعامل الأمني مع قضايا الإرهاب والتهديدات الأمنية، منزل صفوان ثابت في القاهرة وقبضوا عليه.
وبعد أربعة أيام، أُحيل إلى نيابة أمن الدولة العليا. وأبلغه محققو النيابة أنه متهم بالانضمام إلى جماعة إرهابية وتمويلها، وذلك استناداً إلى تقرير تحريات سري من “قطاع الأمن الوطني”، لم يُسمح لصفوان ثابت ولا لمحاميه الاطلاع عليه. ولم تُقدّم أي أدلة على ضلوع صفوان ثابت في أي من الجرائم المتعارف عليها، وكان تقرير “قطاع الأمن الوطني” السري هو الأساس الوحيد الذي استند إليه أمر حبسه.
وقد أفادت وسائل إعلام مصرية رسمية أنه قُبض على صفوان ثابت بسبب ادعاءات عن تمويله لجماعة “الإخوان المسلمين”، التي تعتبرها السلطات المصرية جماعةً إرهابية. ولم تقدّم السلطات أي أدلة تؤيد ادعاءها بانتماء صفوان ثابت إلى الجماعة، كما نفى خبراء مستقلون هذا الادعاء.
وذكر مصدر على علمٍ بأعمال شركة “جُهينه” أن مسؤولاً مصرياً كبيراً كان قد طلب من صفوان ثابت، قبل وقت قصير من القبض عليه، التنازل عن جزء من شركته لصالح كيان مملوك للحكومة.
وفي 31 يناير/كانون الثاني 2021، أي بعد شهرين من القبض على صفوان ثابت، تلقى ابنه سيف ثابت أمر استدعاء إلى “قطاع الأمن الوطني”. ولم يُسمح له باصطحاب محام معه، كما أمره مسؤول أمني بالتنازل عن جميع أسهم العائلة في شركة “جُهينه” وإلا فإنه سيواجه مصيراً مماثلاً لوالده. ولا تزال عائلة ثابت ترفض التنازل عن أصول شركتها.
وفي 2 فبراير/شباط 2021، استُدعي سيف ثابت مجدداً إلى مقر “قطاع الأمن الوطني”، ولكنه لم يخرج، بل اقتادته قوات الأمن إلى نيابة أمن الدولة العليا يوم 6 فبراير/شباط، حيث أخبره محقق النيابة أنه متهم بالانضمام إلى جماعة إرهابية وتمويلها، وذلك أيضاً استناداً إلى تقارير تحريات سرية من “قطاع الأمن الوطني”، ولم يُسمح له بالاطلاع عليها. وفي بادئ الأمر، رفضت السلطات الإفصاح عن مكانه، إلى أن تمكنت العائلة أخيراً، يوم 14 فبراير/شباط، من معرفة مكان وجوده في “سجن العقرب” ذي السمعة السيئة، وهو جزء من “مجمع سجون طُرة”.
ودأب محققو نيابة أمن الدولة العليا، ومن بعدهم القضاة في الدوائر المختصة بقضايا الإرهاب في المحاكم الجنائية، بتمديد حبس صفوان وسيف ثابت مراراً على ذمة التحقيقات، بل وكان المحققون يمددون أوامر الحبس في غياب الرجلين ومحاميهما، ومن دون السماح لهما في أي مرحلة بالطعن في قانونية احتجازهما.
ظروف غير إنسانية
يعاني صفوان ثابت من قُرح في المعدة، ومن ارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم، ومن مرض الكبد الدُهني، فضلاً عن استبدال مفصلي الركبتين وإصابات في الكتف. وهو مُحتجز منذ القبض عليه في زنزانة انفرادية داخل “سجن ملحق مزرعة طُرة”، وهو جزء من “مجمع سجون طرة”. ورفضت إدارة السجن إدخال الأطعمة والأدوية والملابس بانتظام إليه. وكان من شأن هذه الظروف القاسية، بالإضافة إلى حرمانه من العلاج الطبي، أن تضاعف المخاوف على صحته.
ووفقاً لمصدر مطّلع، يُحتجز سيف ثابت رهن الحبس الانفرادي المطوَّل في زنزانة تعشّش فيها الحشرات، ويُمنع من استخدام المرحاض أو الاستحمام، ويُحرم من تلقي ما يكفي من الغذاء والمياه. كما حُرمت أسرته من الحق في زيارته بصفة منتظمة، ولم يُسمح لها برؤيته إلا نادراً. وينام سيف ثابت على بطانيات مفروشة على الأرض، ويُمنع من تلقي أي أغراض شخصية أو ملابس وأغطية ملائمة للمناخ.
وترى منظمة العفو الدولية أن هذه المعاملة من جانب سلطات السجن ترقى إلى التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، كما تمثل انتهاكاً لالتزامات مصر بموجب القانون الدولي. فبالإضافة إلى احتجاز صفوان وسيف ثابت طيلة أشهر رهن الحبس الانفرادي المطوَّل إلى أجل غير مُسمى، فإنهما مُحتجزان في ظروف غير إنسانية، ولا يُقدم إليهما الغذاء الكافي، كما يُحرمان من الأدوية والعلاج ومن تلقي زيارات عائلية بصفة منتظمة.
ويتعيَّن على السلطات المصرية، لحين الإفراج عن الرجلين، أن تضمن نقلهما من الحبس الانفرادي، والسماح لهما بتلقي رعاية طبية ملائمة، وزيارات منتظمة من أفراد الأسرة والمحامين، وكذلك الحصول على ما يكفي من الطعام والمياه، واستعمال المرافق الصحية.
وينبغي على النائب العام أن يبادر على وجه السرعة بفتح تحقيق في وقائع الاختفاء القسري للرجلين، وتعرضهما للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، ومحاسبة المسؤولين عن ذلك.
المضايقات للشركة
في يناير/كانون الثاني 2017، أضافت إحدى المحاكم اسم صفوان ثابت وحوالي 1500 آخرين إلى “قائمة الإرهابيين”، من دون مراعاة الإجراءات الواجبة. وبالرغم من أن محكمة النقض ألغت هذا الأمر في يوليو/تموز 2018، فقد قضت محكمة أخرى بإعادة إدراج اسم صفوان ثابت في القائمة، في أبريل/نيسان 2018، وهو قرار أيَّدته محكمة النقض في مارس/آذار 2021. ونتيجةً لذلك يخضع صفوان ثابت لأمر منع السفر وتجميد أصوله.
وفي تصريح لمنظمة العفو الدولية، ذكر مصدر على علم بأعمال شركة “جُهينه” أن عناصر الشرطة المتمركزين أمام بعض منشآت الشركة دأبوا على إيقاف سائقي الشركة ومصادرة سياراتهم أو رخص القيادة الخاصة بهم، وكذلك على احتجاز بعضهم أحياناً لفترات وجيزة، وخاصةً قبيل مواسم التوزيع الواسع، بما في ذلك في أبريل/نيسان 2021. وقد ذكرت وسائل إعلامية مصرية ودولية، في مايو/أيار 2021، أن شركة “جُهينه” قدمت بلاغاً رسمياً بشأن تعطيل أعمالها.
ويُذكر أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد أصدر توجيهات للمسؤولين، في عام 2020، بتوسيع وتطوير قدرات مصر في تجميع الألبان. وخلال عام 2021، نشرت وسائل إعلام مصرية مؤيدة للحكومة مقالات تدعو إلى استحواذ الدولة على شركة “جُهينه” وتتهم صفوان وسيف ثابت بالإرهاب.
وقال فيليب لوثر: “يوضح الهجوم على شركة “جُهينه” إلى أي مدى يمكن أن تذهب السلطات المصرية من أجل إحكام سيطرتها، كما يكشف كيف تُستغل التهم المتعلقة بالإرهاب بلا رحمة في مصر اليوم، في تجاهل تام لأثر تلك الإجراءات على حياة وأرزاق الأشخاص المتضررين”.