في 30 يونيو/حزيران، أقرت أعلى هيئة تشريعية في الصين بالإجماع قانوناً جديداً للأمن القومي في هونغ كونغ، ودخل حيز التنفيذ في الإقليم في نفس اليوم، قبل منتصف الليل بقليل. القانون غامض وفضفاض بشكل خطير: فبموجب أحكامه، يمكن عملياً اعتبار أي شيء تهديداً “للأمن القومي” ، ويمكن أن ينطبق القانون على أي شخص على هذا الكوكب.
وفرضت السلطات الصينية القانون دون أي مُسائلة أو شفافية: إذ تم تمريره بعد أسابيع فقط من الإعلان عنه، متجاوزاً مجلس التشريع المحلي في هونغ كونغ، وأبقي نصه طي الكتمان عن الجمهور وحتى عن حكومة هونغ كونغ، بحسب مزاعم، إلى حين صدوره.
نورد تالياً، 10 أسباب تحدد لماذا ينبغي أن يقلق الجميع من هذا القانون الجديد:
-
يمكن أن يعني “تعريض الأمن القومي للخطر” أي شيء تقريباً
بموجب هذا القانون الجديد، تُعاقب الأفعال التي تقود إلى “الانفصال” و”التخريب” و”الإرهاب” و”التواطؤ مع قوى أجنبية” بعقوبات قصوى تصل إلى السجن مدى الحياة. لكن هذه الجنح واسعة التعريف بحيث يمكن بسهولة أن تنطبق على جميع المخالفات المنظورة أمام محاكمات ذات دوافع سياسية مع احتمال فرض عقوبات ثقيلة على مرتكبيها.
وسبق أن أعرب مكتبحقوق الانسان التابع للأمم المتحدة وهيئات الخبراء مراراً وتكراراً عن مخاوفهم بشأن قانون الأمن القومي، مشيرين إلى أنَّ التشريعات ذات الصيغة الفضفاضة يمكن أن تؤدي إلى “تفسير وإنفاذ تمييزيين أو تعسفيين يمكن أن يقوّضا حماية حقوق الإنسان”.
ولطالما اتهمت الحكومة المركزية الصينية وحكومة هونغ كونغ الأفراد ومنظمات المجتمع المدني بتلقي التوجيهات من قبل “جهات أجنبية” في أنشطتها، مثل التنظيم والمشاركة في الاحتجاجات السلمية، وتلقي التبرعات وانتقاد الحكومة. ومن المحتمل أن يتعرض أي شخص يشارك في هذه الأنشطة لخطر الاتهام “بالتواطؤ مع قوى أجنبية” و”الجرائم” الجديدة الأخرى.
وفي بر الصين الرئيسي، وثقت منظمة العفو الدولية الاستخدام الروتيني للحكومة الصينية لاتهامات “التخريب” في سجن صحفيين ومحامينونخب وناشطين. وفي عام 2017، حكمت محكمة في الصين على المعارض وو جان بالسجن ثماني سنوات، مشيرة إلى انتقاداته للحكومة على الإنترنت كدليل على “تقويض” سلطة الدولة.
-
لقد أسيء استخدام القانون منذ اليوم الأول
مباشرة بعد إقرار القانون، بدأت السلطات في استخدامه لقمع حرية التعبير السلمي والمشروع.
فقد ألقي القبض على أفراد لحيازتهم أعلام وملصقات ولافتات تحمل شعارات سياسية. وكذلك ادعت الشرطة والمسؤولون أنَّ الشعارات والقمصان والورق الأبيضوالأغاني يمكن أن تُعرّض الأمن القومي للخطر وتؤدي إلى الملاحقة الجنائية.
وبعد يومين من تمرير القانون، أعلنت حكومة هونغ كونغ أنَّ شعار “حرروا هونغ كونغ، ثورة عصرنا”، الشعار السياسي المشترك خلال احتجاجات العام الماضي “يحرض ضمناً على استقلال هونغ كونغ”، أو على فصل هونغ كونغ عن الصين، وحظرت استخدامه بشكل تام.
توضح هذه الأمثلة كيف يتعارض القانون الجديد واستخدامه مع القوانين والمعايير الدولية لحقوق الإنسان التي تنص على أن التعبير السلمي عن رأي الأشخاص بشأن الأنظمة السياسية لا يشكل تهديداً للأمن القومي.
-
يشدد القانون الرقابة على التعليم والصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي
يمنح القانون الجديد، باسم الأمن القومي، الحكومتين المركزية الصينية وحكومة هونغ كونغ، سلطات موسعة جديدة للإشراف على المدارس والمنظمات الاجتماعية ووسائل الإعلام والإنترنت في هونغ كونغ وإدارتها.
وقد أعربت وسائل الإعلام عن مخاوف بشأن التأثير المحتمل للقانون على حرية الصحافة في هونغ كونغ. فعلى سبيل المثال، قررت صحيفة نيويورك تايمز نقل بعض موظفيها العاملين في هونغ كونغ إلى كوريا الجنوبية.
ويخشى الكثيرون من تطبيق تدابير مماثلة لتلك الموجودة في البر الرئيسي للصين للسيطرة على الصحفيين الأجانب. وفي الوقت الحالي، يتعين على الصحفيين الحصول على اعتماد من الحكومة الصينية قبل أن يتمكنوا من العمل بشكل قانوني في البر الرئيسي للصين.
كما حاولت حكومة هونغ كونغ تقييد حقوق الطلاب بالتمتع بحرية التعبير في الحرم الجامعي بشكل مفرط. وقالمسؤول التعليم المحلي إن الطلاب لا ينبغي لهم أن يغنوا الأغاني أو يرددوا الشعارات أو ينظموا فعاليات تتضمن رسائل سياسية. حتى مناقشة القضايا السياسية في الفصول الدراسية يمكن أن يخلق الآن مخاطر.
ويمنح القانون أجهزة إنفاذ القانون سلطة إزالة المحتوى على الإنترنت أو الحصول على بيانات المستخدم دون إذن قضائي. ورداً على هذه السلطات التنفيذية الجديدة وغير المقيدة، علّقت منصات رئيسية على الإنترنت مثل واتس آب وتويتر ولينكد إن وفيسبوك وغوغل النظر في الطلبات المقدمة من حكومة هونغ كونغ للحصول على بيانات المستخدمين.
-
يمكن نقل الأشخاص إلى البر الرئيسي للصين لتقديمهم لمحاكمات جائرة
بموجب قانون الأمن القومي، يمكن ترحيل المشتبه بهم إلى البر الرئيسي للصين، والتعامل معهم قضائياً ضمن نظام القضاء الجنائي في البر الرئيسي ومحاكمتهم بموجب القانون الصيني النافذ. هذه الإمكانية، هي نفسها التي أشعلت سلسلة احتجاجات واسعة النطاق منذ منتصف عام 2019.
ويمكن أن يؤدي الاتهام بارتكاب جريمة تتعلق بالأمن القومي في البر الرئيسي إلى الاعتقال التعسفي أو حتى السري. وقد لا يتمكن المتهمون من الاتصال بعائلاتهم وقد يُتركون دون اتصال بمحامين من اختيارهم إذا وضعوا رهن “الإقامة تحت المراقبة في مكان محدد”- وهو إجراء يمكّن المحققين من احتجاز الأفراد خارج نظام الاحتجاز الرسمي لفترة تصل إلى ستة أشهر. وكما هو الحال في كثير من الأحيان، فإن المعتقلين المحتجزين بهذه الطريقة معرضون بشدة لخطر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة. فقد تعرض محامي حقوق الإنسان لي هيبينج للضرب والتخدير والصدمات الكهربائية عندما اعتقل سراً خلال حملة قمع المحامين عام 2015.
-
ينطبق القانون على أي شخص يعيش على هذا الكوكب
تؤكد صياغة قانون الأمن القومي في هونغ كونغ نفاذ الاختصاص القضائي على الأشخاص من غير المقيمين في هونغ كونغ وحتى على أولئك الذين لم تطأ أقدامهم أرض البلاد. وهذا يعني أن أي شخص على وجه الأرض، بغض النظر عن جنسيته أو مكان تواجده، يمكن اعتباره عملياً قد انتهك هذا القانون ويواجه الاعتقال والمحاكمة إذا كان في ولاية قضائية صينية، حتى لو أثناء العبور. ويمكن ترحيل المتهمين من الرعايا الأجانب الذين لا يقيمون بشكل دائم في هونغ كونغ حتى قبل أي محاكمة أو صدور حكم.
فعلى سبيل المثال، يمكن مطالبة شركات وسائل التواصل الاجتماعي بإزالة المحتوى الذي تعتبره الحكومة الصينية غير مقبول، حتى إذا نُشر خارج هونغ كونغ أو إذا كانت مكاتب وخوادم الشركات موجودة في بلدان أخرى.
-
تتمتع سلطات التحقيق بصلاحيات جديدة واسعة النطاق
بموجب القانون الجديد، يمكن لسلطات التحقيق تفتيش الممتلكات، تقييد السفر أو حظره، تجميد الأصول أو مصادرتها، فرض الرقابة على المحتوى عبر الإنترنت والمشاركة في عمليات المراقبة السرية، بما في ذلك اعتراض الاتصالات- كل ذلك دون أمر من المحكمة.
ويمكن للسلطات أيضاً أن تطلب معلومات من المنظمات والأفراد، حتى لو أدت المعلومات المعنية إلى تجريم الذات. ويمكن أن يؤدي عدم الامتثال للطلب إلى فرض غرامة أو حتى السجن. وبهذا، تزيل القضايا المتعلقة بالأمن القومي بشكل أساسي حق الشخص بالتزام الصمت، وهو عنصر أساسي في افتراض البراءة.
إنَّ حقوق الأشخاص في التزام الصمت أثناء الاستجواب وعدم إجبار الشخص على الإدلاء بشهادة تدينه معترف بها عموماً في القانون والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وتقع في صميم مفهوم المحاكمة العادلة. وهي مجموعة حقوق واسعة النطاق، وتنطبق أثناء الاستجواب من قبل الشرطة والمحاكمة وعلى أي جريمة، بغض النظر عن شدتها، وتحظر أي شكل من أشكال الإكراه، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، جسدية أو نفسية.
-
تمتلك الحكومة الصينية الآن ذراعاً للأمن القومي في هونغ كونغ
تنشأ الحكومة المركزية الصينية مكتباً لحماية الأمن القومي في قلب هونغ كونغ. ولا يخضع المكتب وموظفوه لولاية هونغ كونغ. وهذا يعني أن أي إجراءات، بما في ذلك عملياته في المدينة، لا تخضع للمراجعة من قبل المحاكم المحلية أو تخضع للقوانين المحلية. ولا يخضع موظفو المكتب للرقابة أو التفتيش أو الاحتجاز من قبل سلطات إنفاذ القانون المحلية في هونغ كونغ. ويتمتع المكتب وموظفوه في الواقع بالحصانة الكاملة. بغض النظر عن الجرائم أو انتهاكات حقوق الإنسان التي يُتهمون بها، في انتهاك لحقوق الضحايا في العدالة، وإثبات الحقيقة والحصول على تعويضات كاملة.
انتهك ضباط الأمن القومي في البر الرئيسي للصين بشكل روتيني حقوق الأفراد الذين يواجهون اتهامات تتعلق بالمس بالأمن القومي مع الإفلات من العقاب. وتراقب هذه الأجهزة بشكل منهجي المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين وتضايقهم وترهبهم وتحتجزهم، مع وجود أدلة على التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة.
-
أصبح لدى حكومة هونغ كونغ أيضاً هيئة جديدة غير خاضعة للرقابة
أنشأت حكومة هونغ كونغ هيئة جديدة أخرى، هي لجنة حماية الأمن القومي، يقدم لها “المشورة” مندوب عن الحكومة المركزية الصينية.
تتمتع هذه اللجنة بسلطة انتقاء موظفين في هيئات إنفاذ القانون والملاحقة القضائية لتولي متابعة القضايا المتعلقة بالأمن القومي. كما تتجاوز عملية إقرار ميزانية وتعيين موظفي لجنة حماية الأمن القومي التدقيق التشريعي. ويمكن للرئيس التنفيذي تعيين قضاة للتعامل مع قضايا الأمن القومي بطريقة يبدو أنها تقوض استقلالية القضاء.
وبموجب القانون الجديد، لا يتعين على اللجنة الكشف عن عملها. ولا تخضع قراراتها للمراجعة من قبل المحاكم.
بالإضافة إلى ذلك، أنشأت قوة شرطة هونغ كونغ قسماً جديداً للأمن القومي يمكنه إجراء عمليات المراقبة السرية دون رقابة قضائية.
يمكن القول إن هذا يعني أنه لا يمكن للجمهور استخدام الإجراءات القانونية كأداة رقابة ضد إساءة استخدام السلطة وخرق التزامات هونغ كونغ القانونية، بما في ذلك التزامات حقوق الإنسان بموجب القانون الدولي والمحلي.
-
آليات حماية حقوق الإنسان عرضة لخطر الإبطال
بالرغم من أن قانون الأمن القومي يتضمن ضمانة عامة باحترام حقوق الإنسان، بما في ذلك معاهدات حقوق الإنسان الأساسية مثل “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” و”العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”، إلا أن أحكاماً أخرى في القانون يمكن أن تُبطل هذه الحماية.
ويمنح القانون حصانات وإعفاءات كبيرة لمؤسسات الأمن القومي وموظفيها، وينص صراحة في الواقع على أنه يتفوق على أي قوانين في هونغ كونغ في حالة النزاع. وهذا يعني أنه، في الظاهر، يمكن اعتبار أن قانون الأمن القومي يبطل أي حماية قائمة لحقوق الإنسان في الإقليم.
يتضمن قانون الأمن القومي الصيني بنداً مماثلاً فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان، ولكن هذا لم يوفر حماية تذكر للأشخاص المستهدفين: هناك محامون وباحثون وصحفيون وقساوسةوعاملون في منظمات غير حكومية أدينوا جميعاً بجرائم تتعلق بالأمن القومي لمجرد ممارسة حريتهم في التعبير ودفاعهم عن حقوق الإنسان.
ولقد بررت الرئيسة التنفيذية لهونغ كونغ غير مرّة تقييد حقوق الإنسان باسم الأمن القومي، بما في ذلك الأساليب التي تنتهك المعايير الدولية.
-
بث القانون بالفعل موجة فورية من الرعب
يتسم هذا القانون الصارم بالغموض الشديد لدرجة أنه يمنع الأشخاص من معرفة كيف ومتى قد ينتهكونه وبالتالي كان له تأثير مرعب انتشر مباشرةً عبر أراضي الإقليم.
وأغلق العديد من مواطني هونغ كونغ الذين كانوا يشاركون الأخبار عبر الإنترنت حول الاحتجاجات بانتظام منذ يونيو/حزيران 2019 حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي خوفاً من انتهاك القانون، بينما أزالت المتاجر والمطاعم اللافتات والملصقات التي سبق أن نشرتها لدعم الحركة الاحتجاجية قبل سريان القانون. وفي غضون أيام، بدأت المكتبات العامة في فرز الكتب التي تتناول قضايا “حساسة” لمؤلفيها من الناشطين المنتقدين للحكومة.
وبعد مرور ساعة على إقرار القانون، انسحب الناشط البارز جوشوا وونغ من مجموعة ديموسيستو المؤيدة للديمقراطية التي كان أحد قياداتها، ولاحقاً أعلنت ديموسيستو عن حل نفسها، وأعلن قيادي رئيسي آخر، ناثان لو، عن مغادرته هونغ كونغ. وكان لو يشعر بالقلق من أن استمرار عمله في مجال كسب التأييد الدولي في هونغ كونغ يمكن أن يشكل تهديداً وشيكاً لسلامته الشخصية.
وفي غضون أسبوع واحد على سن القانون، تم حل سبع مجموعات سياسية نشطة على الأقل.
أخفق قانون الأمن القومي في هونغ كونغ في حماية الأمن القومي بشكل حقيقي بالتوازي مع حماية حقوق الإنسان. إن العواقب وخيمة- الطبيعة غير المحددة لجوانب رئيسية للقانون ولّدت الخوف بين الناس في هونغ كونغ، حيث لا يعرف أحد ما يمكن أن يشكل أساساً لجريمة “تعريض الأمن القومي للخطر”، ويعرضهم بالتالي لخطر الملاحقة الجنائية، الإبعاد إلى البر الرئيسي أو الترحيل عن الإقليم.
من المسلم به أن لكل حكومة الحق والواجب في حماية مواطنيها وأن لدى بعض الدول مخاوف أمنية معينة. ولكن تلك المخاوف لا يمكن أن تستخدم مطلقاً كذريعة لحرمان الناس من الحق في التعبير عن وجهات نظر سياسية مختلفة أو ممارسة حقوقهم الإنسانية الأخرى المحمية بالمعايير القانونية الدولية. من الواضح تماماُ أن قانون الأمن القومي في هونغ كونغ هو مثال آخر على استخدام الحكومة لمفهوم “الأمن القومي” لقمع المعارضة السياسية، بالتوازي مع مخاطر كبيرة تطال المدافعين عن حقوق الإنسان وحرية بث التقارير الإعلامية الناقدة والمجتمع المدني بشكل عام.