المغرب: حملة اعتقالات واسعة تستهدف متظاهري الريف

قالت منظمة العفو الدولية إن السلطات المغربية شنَّت حملة اعتقالات ضارية على مدار الأسبوع الماضي، قبضت خلالها على عشرات المتظاهرين والنشطاء والمدوِّنين في منطقة الريف، شمالي المغرب، وذلك في أعقاب شهور من الاحتجاجات المطالبة بوضع حد لتهميش السكان في هذه المنطقة، وبتحسين الخدمات فيها.

وحُرم بعض الذين قُبض عليهم من الاتصال على وجه السرعة بمحاميهم أثناء وجودهم في حجز الشرطة. وفي بعض الحالات، قال المحامون الذين تمكنوا من مقابلة موكليهم في المحكمة في مدينة الحسيمة، إنه كانت تبدو عليهم آثار إصابات ظاهرة، كما قالوا إنهم تعرضوا للضرب لدى القبض عليهم. وهناك مخاوف أيضاً من أن المتظاهرين السلميين والمدوِّنين الذين يغطون الاحتجاجات على مواقع التواصل الاجتماعي قد يكونون ضمن أولئك الذين يواجهون المحاكمة، وقد تُوجه لهم تهم تتعلق بأمن الدولة.

وقالت هبة مرايف، مديرة البحوث لشمال إفريقيا بمكتب تونس الإقليمي لمنظمة العفو الدولية، “إننا نخشى أن تكون حملة الاعتقالات هذه محاولة متعمدة لمعاقبة المحتجين في منطقة الريف على اعتراضهم السلمي طيلة شهور. ومن الضروري أن تحترم السلطات المغربية الحق في حرية التعبير والاجتماع. ويجب ألا يُحرم هؤلاء الذين وُجهت إليهم تهم معترف بها قانوناً من الحق في محاكمة عادلة. كما يجب على السلطات أن تكفل عدم إدانة النشطاء السلميين بتهم ملفقة عقاباً على مشاركتهم في الاحتجاجات في منطقة الريف”.

إننا نخشى أن تكون حملة الاعتقالات هذه محاولة متعمدة لمعاقبة المحتجين في منطقة الريف على اعتراضهم السلمي طيلة شهور.

هبة مرايف، مديرة البحوث لشمال إفريقيا بمكتب تونس الإقليمي لمنظمة العفو الدولية

وكانت حملة الاعتقالات الأخيرة قد بدأت عندما قام زعيم الاحتجاجات ناصر الزفزافي بانتقاد إمام أحد المساجد في مدينة الحسيمة علناً، بسبب أقوال له زُعم أنها تعارض الاحتجاجات الشعبية في الريف. وقد تداولت مواقع التواصل الاجتماعي فيما بعد لقطات فيديو للواقعة، وقُبض على ناصر الزفزافي بعدها بأيام.

وخلال الفترة من 26 مايو/أيار إلى 31 مايو/أيار 2017، قبضت قوات الأمن على ما لا يقل عن 71 شخصاً في أعقاب مظاهرات في الحسيمة وبلدتي إمزورن وبني بوعياش المجاورتين. وتطورت بعض المظاهرات إلى إلقاء الحجارة على قوات الأمن، التي ردت أحياناً بإطلاق خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع. ووردت أنباء عن وقوع إصابات في الطرفين. إلا إن كثيراً من النشطاء، بما في ذلك متظاهرون سلميون ومدوِّنون كانوا يوثِّقون الأحداث على مواقع التواصل الاجتماعي، قُبض عليهم بعد انتهاء المظاهرات.

ويمثل ما لا يقل عن 33 شخصاً للمحاكمة حالياً بعد أن وجه لهم الوكيل العام للملك في الحسيمة عدة تهم، من بينها الاعتداء على موظفين عموميين وإهانتهم، وإلقاء الحجارة، والعصيان، والتجمهر بدون تصريح. وقد رُفض التماس بالإفراج عن 26 من المقبوض عليهم من الاعتقال الاحتياطي السابق للمحاكمة، وتأجل نظر القضية إلى 6 يونيو/حزيران 2017. ولا يزال هؤلاء رهن الاحتجاز في سجن الحسيمة المحلي.

وقال محامون لمنظمة العفو الدولية إنهم رأوا إصابات ظاهرة على وجوه وأجساد بعض المتهمين الذين مثلوا أمام وكيل الملك في الحسيمة. وقال المحامون إن المتهمين وصفوا تعرضهم للضرب والركل والصفع على أيدي أفراد الشرطة لدى القبض عليهم، وأثناء نقلهم إلى مراكز الشرطة. وذكر كثيرون منهم أنهم تعرضوا للسب أو التهديد على أيدي الضباط الذين قبضوا عليهم، بما في ذلك التهديد باغتصابهم. وقال آخرون إنهم وقَّعوا على محاضر التحقيق ثم اكتشفوا أن هناك صفحات أخرى قد أُضيفت للمحاضر بدون موافقتهم. وفي عدة حالات، أمر وكيل الملك بإجراء فحوص طبية للمتهمين.

كما قال محامون لمنظمة العفو الدولية إنهم لم يتمكنوا من زيارة أي من موكِّليهم أثناء وجودهم في حجز الشرطة في الحسيمة. ولم تبلغ الشرطة القضائية أهالي المعتقلين بمكان وجودهم، مما منعهم من توكيل محامين لتمثيلهم، كما لم يتمكن المحامون من الحصول على التصاريح اللازمة من وكيل الملك لزيارة موكليهم قبل انقضاء المدة التي يقتضيها القانون المغربي، وهي 24 ساعة من القبض على الشخص المعني.

وقد نُقل 31 شخصاً، من بين الذين قُبض عليهم بين يومي 26 مايو/أيار و31 مايو/أيار 2017 وعددهم 71 شخصاً، إلى مدينة الدار البيضاء للتحقيق معهم بمعرفة الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وهي هيئة شرطية معنية بالتصدي للجرائم الخطيرة، بما في ذلك الجرائم التي تمس أمن الدولة وجرائم الإرهاب. وبالرغم من عدم توجيه التهم رسمياً للمعتقلين، فإن هذا الإجراء يثير مخاوف من احتمال أن توجه لهم السلطات تهماً تتعلق بأمن الدولة.

وقالت هبة مرايف: “مما يثير القلق العميق أن السلطات ربما تفكر في توجيه تهم تتعلق بأمن الدولة لمعاقبة النشطاء الذين شاركوا في الاحتجاجات”.

ولم يتمكن المحامون من زيارة 22 من المحتجزين في الدار البيضاء، وعددهم 31، إلا يوم 1 يونيو/حزيران 2017. وأبلغ معظمهم المحامين بأن ضباط الشرطة سبوهم وهددوهم، وفي بعض الأحيان تعدوا عليهم بالضرب والركل، لدى القبض عليهم أو أثناء نقلهم إلى مركز الشرطة أو داخل مركز الشرطة في الحسيمة. وأفاد المعتقلون بأن ظروف الاحتجاز ملائمة في حجز الفرقة الوطنية للشرطة القضائية. وبعد وقت قصير، سوف يُنقل هؤلاء المعتقلون مرة أخرى للمثول أمام الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف في الحسيمة.

ولم يتمكن المحامون حتى الآن من زيارة سبعة معتقلين آخرين، من بينهم زعيم الاحتجاجات ناصر الزفزافي، الذي أخَّرت السلطات القضائية اتصاله بالمحامين. ومن المتوقع أن يتلقى هؤلاء المعتقلون زيارة من محاميهم يوم 5 يونيو/حزيران 2017. وهناك شخصان آخران، قُبض عليهما يوم 31 مايو/أيار 2017، ولم يتلقيا أية زيارات من المحامين حتى الآن.

ويُذكر أن “قانون المسطرة الجنائية” (قانون الإجراءات الجنائية) في المغرب تجيز احتجاز المشتبه به بدون تهمة في حجز الشرطة لمدة أقصاها ثلاثة أيام، في حالة الجرائم العادية، وتجيز احتجازه لمدة أطول أقصاها ثمانية أيام، في حالة الجرائم المتعلقة بأمن الدولة، ولمدة 12 يوماً، في حالة الجرائم المتعلقة بالإرهاب. كما يجيز القانون للسلطات القضائية أن تؤخر اتصال المشتبه به بالمحامين، إذا كان ذلك لازماً لمصلحة التحقيق.

إن المعتقلين يكونون أكثر عرضةً لانتهاكات حقوق الإنسان خلال الساعات الأولى التي تعقب القبض عليهم، وخاصةً إذا كانوا معزولين تماماً عن العالم الخارجي.

هبة مرايف

وأضافت هبة مرايف قائلةً: “إن المعتقلين يكونون أكثر عرضةً لانتهاكات حقوق الإنسان خلال الساعات الأولى التي تعقب القبض عليهم، وخاصةً إذا كانوا معزولين تماماً عن العالم الخارجي. ومن ثم، فإن من الضروري إبلاغ أهالي المعتقلين والسماح لهم بالاتصال بالمحامين على وجه السرعة”.

وقد طلبت منظمة العفو الدولية من السلطات المغربية أن تراعي في عملية إصلاح قوانين الإجراءات الجنائية الحالية إدراج الحق في حضور محام مع المشتبه به أثناء التحقيق بالنسبة لجميع المشتبه بهم.

وبعد وقت قصير من الواقعة التي حدثت في مسجد الحسيمة وأدت إلى موجة من المظاهرات، داهم أفراد من قوات الأمن منزل زعيم الاحتجاجات ناصر الزفزافي في غيابه، وحطموا بعض الممتلكات، وصادروا كتباً تخص والديه المسنَّين، اللذين يعيش معهما. وبعد عدة أيام، وتحديداً يوم 29 مايو/ايار 2017، قُبض على ناصر الزفزافي بعد عملية تعقب موسعة شملت مداهمة منازل مجاورة لمنزله، ثم نُقل بطائرة مروحية إلى مقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في الدار البيضاء.

وتخشى منظمة العفو الدولية أن تكون الطريقة التي قُبض بها على ناصر الزفزافي، والتصريحات الرسمية التي فصَّلت التهم المنسوبة له قبل توجيه الاتهام إليه رسمياً، قد مثلت انتهاكاً لحقه وحق النشطاء الآخرين الذين قُبض عليهم معه في افتراض براءتهم. وقد تسربت صور ولقطات فيديو لعملية القبض عليه، ظهر فيها وهو معصوب العينين ويُجبر على أن يحني رأسه، مما يثير مخاوف من احتمال أن يكون قد عُومل على نحو مهين.