قالت منظمة العفو الدولية اليوم من شمال العراق إن العمليات العسكرية الرامية لاستعادة الموصل، والمناطق المحيطة بها، من سيطرة الجماعة المسلحة التي تُطلق على نفسها اسم تنظيم “الدولة الإسلامية” تمثل خطراً على المدنيين، الذين يقعون في مرمى النيران المتبادلة، أو يستخدمهم مقاتلو تنظيم “الدولة الإسلامية” كدروع بشرية في بعض الحالات.
وقد التقى فريق من باحثي المنظمة مع عدد من المدنيين الذين نزحوا من ديارهم في قرى تقع شمال الموصل خلال الأيام الأخيرة، ويقيمون حالياً في مخيمي زليكان وخازر في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة إقليم كردستان العراق. كما أجرى باحثو المنظمة حوارات عبر الهاتف مع أشخاص لا يزالون محاصرين في المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”، مما أتاح جمع أدلة جديدة تشير إلى وقوع وفيات وإصابات بين المدنيين، خلال الأيام الأخيرة.
وقالت لين معلوف، نائبة المدير الإقليمي لشؤون البحوث لمنظمة العفو الدولية في بيروت، “إن المخاطر على المدنيين تتزايد بشكل كبير، مع وجود أكثر من مليون نسمة يُعتقد أنهم ما زالوا محاصرين في الموصل وضواحيها. ومن شأن الاستخفاف التام بسلامة المدنيين من جانب تنظيم “الدولة الإسلامية” وتعمده، على ما يبدو، استخدام المدنيين كدروع بشرية أن يعرِّض الأشخاص العالقين في المناطق التي ينشط فيها النزاع لمزيد من المخاطر، مع تقدم القوات العراقية”.
وأضافت لين معلوف قائلةً: “حتى يتسنى تجنيب المدنيين خطر سفك الدماء، يجب على جميع أطراف النزاع اتخاذ كل الاحتياطات الممكنة التي تكفل عدم التعرض للمدنيين”.
حتى يتسنى تجنيب المدنيين خطر سفك الدماء، يجب على جميع أطراف النزاع اتخاذ كل الاحتياطات الممكنة التي تكفل عدم التعرض للمدنيين
لين معلوف، نائبة المدير الإقليمي لشؤون البحوث لمنظمة العفو الدولية في بيروت
وبحلول يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول 2016، كان ما يزيد عن 10500 شخص قد نزحوا من ديارهم منذ بدء العمليات العسكرية التي تشنها قوات التحالف الدولي لاستعادة الموصل، بينما يُعتقد أن حوالي مليون ونصف المليون شخص لا يزالون عالقين في الموصل وضواحيها.
استخدام دروع بشرية من جانب تنظيم “الدولة الإسلامية”
في مقابلات مع منظمة العفو الدولية، قال بعض المدنيين الذين تمكنوا من الفرار من القتال، أو الذين استعادت القوات الحكومية السيطرة على قراهم، إن مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” كانوا يمنعونهم عمداً من الفرار من مناطق النزاع. وكان مقاتلو تنظيم “الدولة الإسلامية” قد اندسوا في أوساط السكان المدنيين، واتخذوا مواقع لهم في مناطق سكنية، وفي بعض الحالات أجبروا مدنيين على الانتقال إلى مناطق خاضعة لسيطرتهم.
وتعليقاً على ذلك، قالت لين معلوف: “إن استخدام المدنيين كدروع للوقاية من الهجمات يُعتبر جريمة حرب. ولكن حتى في الحالات التي يلجأ فيها مقاتلو تنظيم “الدولة الإسلامية” لاحتجاز مدنيين كدروع بشرية، فإن ذلك لا يعفي القوات العراقية، وقوات التحالف، من واجبها في أن تأخذ بعين الاعتبار وجود أولئك المدنيين، وأن تتخذ جميع الاحتياطات الممكنة للحد من وقوع أضرار على المدنيين، وأن تتجنب شن هجمات قد تلحق أضراراً بالمدنيين على نحو غير متناسب”.
مدنيون عالقون في مرمى النيران المتبادلة
قال بعض الأهالي لمنظمة العفو الدولية إن قريباً لهم يعمل مزارعاً ولديه ثمانية أبناء من قرية طوبزاوه في ناحية بعشيقة بمحافظة نينوى، شمال شرقي الموصل، كان في بيته مع تسعة من أفراد عائلته عندما لقي مصرعه من جراء إصابات لحقت به خلال اشتباكات بين قوات تنظيم “الدولة الإسلامية” والقوات الحكومية يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول 2016. ومنذ ذلك الحين، تمكنت القوات العراقية، بما في ذلك الفرقة المعروفة باسم “الفرقة الذهبية” التي تتبع “جهاز مكافحة الإرهاب”، من استعادة السيطرة على القرية، وقامت بإخلاء المدنيين وتسليمهم إلى القوات الكردية.
وفي اليوم نفسه، أُصيب طفلان شقيقان، أحدهما يبلغ من العمر ستة أعوام والثاني خمسة أعوام، من جراء شظايا بينما كانا في بيتهما في قرية طبوزاوه. وقال والد الطفلين لمنظمة العفو الدولية إن ما يُعتقد أنه صاروخ سقط على سور البيت، فانهار عليه وعلى طفليه بينما كانوا يركضون للاحتماء في خندق كانوا قد حفروه في حديقة البيت. وأضاف الأب قائلاً:
“أُصيب ولداي، ولم نستطع حتى أن ننقلهما إلى مستشفى أو عيادة لأن القتال كان محتدماً. كل ما حاولنا أن نفعله هو وقف النزيف وتنظيف الجروح. وفي صباح اليوم التالي، نُقل الاثنان في سيارة إسعاف إلى مستشفى في أربيل، وأُجريت جراحة لابني الأكبر في ظهره”.
وفي هذا الصدد قالت لين معلوف: “ينبغي على جميع أطراف النزاع أن تتجنب استخدام الصواريخ غير الموجهة وقذائف المدفعية والهاون وغيرها من الأسلحة التفجيرية التي لها تأثير على نطاق واسع بالقرب من المناطق ذات الكثافة السكانية من المدنيين. وينبغي تأجيل أو إلغاء الهجمات التي يُحتمل أن تكون غير متناسبة أو عشوائية”.
وقال بعض سكان قرية طبوزاوه لمنظمة العفو الدولية إن مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” كانوا يستخدمون منازل أهل القرية الشاغرة أو المأهولة وأسطح المنازل لشن هجماتهم.
كما وقع مدنيون في قريتي ديرج وجنجي بناحية بعشيقة في مرمى النيران المتبادلة. فقد ذكر رجل فرَّ من قرية ديرج لمنظمة العفو الدولية أن شقيقه البالغ من العمر 17 عاماً أُصيب بعيار ناري في ساقه بينما كان في منزله، أثناء اشتباكات بين قوات تنظيم “الدولة الإسلامية” وقوات “البيشمركة” (القوات المسلحة الكردية) يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول 2016.
أُصيبت زوجتي بجرحٍ تحت القفص الصدري مباشرةً… وقد تُوفيت عندئذ، ولم أستطع أن أفعل أي شيء لإنقاذها
محمد الذي فقد زوجته خلال اشتباكات بين قوات تنظيم "الدولة الإسلامية" وقوات "البيشمركة
ووصف الرجل ما حدث آنذاك قائلاً:
“كان مقاتلو تنظيم “الدولة الإسلامية” يتمركزون في منزل جارنا ويطلقون النار من هناك. وبعد أن أُصيب أخي، بقينا محاصرين داخل المنزل بينما كان القتال مستمراً، وحاولنا فقط أن نوقف النزيف… وبعد يومين، كان قد بدأ يفقد الوعي ولم يعد يستطيع التحكم في حركات جسده. انتهزنا فرصة وجود غارة جوية على “داعش” [التسمية الشائعة لتنظيم “الدولة الإسلامية] وفررنا للنجاة بأنفسنا ونحن نحمله إلى أن قابلنا قوات “البيشمركة”. وهو يُعالج حالياً في المستشفى في دهوك”.
وفي مقابلة مع منظمة العفو الدولية، قال مزارع من قرية جنجي، يُشار إليه باسم محمد (وهو اسم مستعار)، إنه فقد زوجته وصبياً من أقاربه يبلغ من العمر 13 عاماً خلال اشتباكات بين قوات تنظيم “الدولة الإسلامية وقوات “البيشمركة” يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول 2016. وذكر محمد أن مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” منعوهم من مغادرة المنطقة.
وكان نحو 70 شخصاً قد تجمعوا في أحد المنازل الواقعة في الطرف الشمالي للقرية، عندما بدأت تنهال قذائف الهاون في حوالي الساعة الواحدة ظهراً، وفقاً لما ذكره بعض الشهود. وقد تُوفي الصبي البالغ من العمر 13 عاماً على الفور من جراء إصابات في الرأس، كما أُصيب ثلاثة أطفال، تتراوح أعمارهم بين أربعة أعوام و13 عاماً.
واستطرد محمد قائلاً:
“أُصيبت زوجتي بجرحٍ تحت القفص الصدري مباشرةً، ومع مرور الوقت أخذت تشكو من ألم شديد وتزايد النزيف، حتى غطى الدم جميع ملابسها. كنا محاصرين داخل المنزل بينما كان القتال مستمراً. وقد تُوفيت عندئذ، ولم أستطع أن أفعل أي شيء لإنقاذها. كنا قد طلبنا من [مقاتلي] “داعش” السماح لنا بالمغادرة حتى في اتجاه الموصل، ولكنهم رفضوا، بل وأطلقوا النار على بعض جيراننا الذين حاولوا الهرب”.
وفي بعض الحالات، أجبر مقاتلو تنظيم “الدولة الإسلامية” مدنيين من قرى تقع جنوب الموصل على الانتقال إلى مناطق خاضعة لسيطرة التنظيم، بينما كان هؤلاء المقاتلون يتراجعون أمام هجمات القوات العراقية. وقال مسؤولون محليون ونشطاء وأحد السكان من ناحية القيَّارة، ممن استطاعوا التحدث هاتفياً مع باحثي منظمة العفو الدولية من منطقة خاضعة لسيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”، إن عدداً من المدنيين احتُجزوا في مدارس وبيوت، وغيرها من المواقع القريبة من مواقع مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية”، في منطقة حمام العليل، وذلك بعد أن أُجبروا على الانتقال من ديارهم الواقعة في الجنوب.
خلفية
تمكن بعض المدنيين من الفرار إلى المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة إقليم كردستان العراق، منذ بدء العمليات العسكرية لاستعادة الموصل، وهم يقيمون حالياً في مخيمي زليكان وخازر، ولا يُسمح لهم بمغادرة المخيمين إلا للحصول على العلاج الطبي في حالات الضرورة القصوى. وحتى في مثل هذه الحالات، لا يُسمح للأقارب بمصاحبة ذويهم المرضى، بما في ذلك الأطفال. وتُطبق هذه القيود، بالإضافة إلى منع القادمين الجدد من استخدام الهواتف النقالة، حتى على أولئك الذين خضعوا لفحص أمني لمعرفة ما إذا كانت لهم صلات مع تنظيم “الدولة الإسلامية”. وتبرر السلطات الكردية هذه القيود بدواعٍ أمنية. ويُذكر أن منظمة العفو الدولية دعت السلطات الكردية مراراً إلى إلغاء جميع القيود التعسفية التي تتسم بالتمييز على حرية التنقل بالنسبة للنازحين داخلياً.