قالت منظمة العفو الدولية إن الحكم اليوم بإدانة الرئيس التشادي السابق، حسين حبري، يمثل لحظة هامة بالنسبة إلى العدالة الدولية، كما يعتبر مناسبة للتنفيس بشدة عن معاناة عشرات الآلاف من الضحايا الذين اضطروا إلى الانتظار لأكثر من 25 عاماً حتى يروا هذا اليوم.
وقضت محكمة تابعة للاتحاد الأفريقي تسمى “الغرف الأفريقية الاستثنائية” بدأت عملها في شهر يوليو/تموز من السنة الماضية على حبري بالسجن المؤبد في عاصمة دكار بالسنغال بعدما وجدته مذنبا بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب والتعذيب في تشاد بين عامي 1982 و 1990. ووجدت المحكمة أيضا أنه ارتكب شخصياً جرائم الاغتصاب. ورفضت المحكمة مصادرة ممتلكاته التي جمدت منذ بدء محاكمته.
وقال الباحث المختص بشؤون غرب أفريقيا في منظمة العفو الدولية، غايتن موتو، “إن الحكم انتصار بالنسبة إلى أولئك الضحايا الذين كافحوا دون كلل حتى لا يفلت حسين حبري من العقاب بسبب الجرائم المرتكبة بموجب القانون الدولي. ويبين هذا الحكم أنه عندما تتوفر الإرادة السياسة الكافية، يمكن للدول أن تعمل معاً وبفعالية من أجل إنهاء حالات الإفلات من العقاب حتى في أشد الأوضاع تعقيدا.”
إن الحكم انتصار بالنسبة إلى أولئك الضحايا الذين كافحوا دون كلل حتى لا يفلت حسين حبري من العقاب بسبب الجرائم المرتكبة بموجب القانون الدولي.
غايتن موتو، الباحث المختص بشؤون غرب أفريقيا في منظمة العفو الدولية
وأضاف غايتن موتو قائلاً إن مثل هذه اللحظات هي التي يمكن أن يُعوِّل عليها الضحايا في مختلف أنحاء العالم عندما تبدو العدالة بعيدة المنال. فمن شأن حكم اليوم أن يمنحهم الأمل ويمدهم بالقوة اللازمة للكفاح من أجل ما يرونه صواباً. هذا القرار التاريخي ينبغي أن يوفر أيضاً الحافز بالنسبة إلى الاتحاد الأفريقي أو بالنسبة إلى البلدان الأفريقية كل على حدة حتى تقتدي بهذه الجهود في سبيل تحقيق العدالة لصالح الضحايا في بلدان أخرى بالقارة.”
افتتحت محاكمة حسين حبري في السنغال يوم 20 يوليو/تموز 2015 بحضور 69 ضحية، و23 شاهداً، و10 شهود خبراء قدموا شهاداتهم خلال المرافعات. واعتمدت هيئة الادعاء العام في المحكمة، من ضمن أدلة أخرى، على التقارير البحثية التي أنجزتها منظمة العفو الدولية بدءاً من الثمانينيات من القرن العشرين. وقد قدم أيضاً موظف سابق في منظمة العفو الدولية، بصفته خبيراً، شهادته خلال المحاكمة. وقد توفي ضحيتان كانا قد ساهما في رفع هذه القضية ضد حسين حبري خلال المحاكمة. وسوف يرى أبناؤهما وأقاربهما أن العدالة قد تحققت أخيراً.
وتضع هذه القضية معياراً جديداً لقياس الجهود الهادفة إلى إنهاء الإفلات من العقاب في أفريقيا، لأنها أول حالة تندرج ضمن الولاية القضائية العالمية في القارة الأفريقية، وأول مرة يُقاضى خلالها رئيس دولة سابق على جرائم بموجب القانون الدولي أمام محكمة في بلد أفريقي آخر غير بلده الأصلي.
صندوق ائتماني لجميع الضحايا
يحق لحسين حبري أن يستأنف حكم الإدانة الصادر ضده، وأن تُخصص الموارد الكافية لمحكمة “الغرف الأفريقية الاستثنائية” بهدف استكمال القضية التي تنظرها، وبشكل فعال، حتى نهايتها الطبيعية. ومن المقرر، أيضاً، أن تعقد “الغرف الأفريقية الاستثنائية” جلسات للنظر في التعويضات التي يطالب بها الضحايا وأقاربهم، وسيكون عليها بموجب القانون إنشاء صندوق ائتماني خاص بجميع الضحايا، سواء الذين شاركوا في الإجراءات القضائية أم الذين لم يشاركوا فيها.
وينبغي على المحكمة أن تنشئ الصندوق الائتماني الخاص بالضحايا بدون تأخير، على أن توفر له الموارد ووسائل الدعم الأخرى، بما في ذلك من قبل الاتحاد الأفريقي.
وكذلك، لا يجب أن تقتصر الجهود الهادفة إلى معالجة حالات الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة في تشاد عند هذه المرحلة.
وقال غايتن موتو إن “الضغوط على تشاد، وعلى دول أخرى يحتمل أنها ضالعة في انتهاكات حقوق الإنسان، يجب أن تتواصل بهدف التحقيق مع آخرين متهمين بارتكاب انتهاكات جسيمة ما بين 1982 و1990 ومقاضاتهم، بما في ذلك جرائم العنف الجنسي والجرائم التي استهدفت جنساً معيناً، في محاكمات عادلة بدون اللجوء إلى عقوبة الإعدام، ولاسيما أن تشاد مطالبة أن تحقق في الجرائم التي شملت القتل الجماعي الذي ارتكب في سبتمبر/أيلول 1984 في جنوب البلد.”
خلفية
ظلت منظمة العفو الدولية ولا تزال تناضل منذ السبعينيات من القرن العشرين لصالح ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في تشاد. أوصت المنظمة بأن يقدم من ارتكبوا انتهاكات حقوق الإنسان خلال نظام حسين حبري إلى العدالة. وبالرغم من العوائق السياسية الرئيسية، فإن الضحايا، الذين يعملون مع مجموعات المجتمع المدني، نجحوا في قيادة حملة وطنية، وإقليمية، وعالمية لا تعرف الكلل انتهت بإنشاء محكمة “الغرف الأفريقية الاستثنائية” في أغسطس/آب 2012 .
وأشارت تقديرات المفوضية الوطنية المكلفة بالتحقيق في الانتهاكات في تشاد إلى أن 40000 شخص قد يكونون لقوا حتفهم على يد قوات الأمن ما بين 1982 و 1990. فقد قامت القوات الحكومية خلال هذه المدة بعمليات تعذيب، واعتقالات عشوائية، وإعدامات خارج نطاق القضاء، واختفاءات قسرية. وقد عثر على أكثر من 50000 رسالة وبطاقة تعود لأعضاء في منظمة العفو الدولية في أرشيف مديرية التوثيق والأمن في تشاد.
إن مثل هذه اللحظات هي التي يمكن أن يُعوِّل عليها الضحايا في مختلف أنحاء العالم عندما تبدو العدالة بعيدة المنال. فمن شأن حكم اليوم أن يمنحهم الأمل ويمدهم بالقوة اللازمة للكفاح من أجل ما يرونه صواباً
غايتن موتو، الباحث المختص بشؤون غرب أفريقيا في منظمة العفو الدولية
وبالرغم من أن منظمة العفو الدولية ترحب بهذا القرار التاريخي فيما يخص قضية حسين حبري، فإنها تعبر عن قلقها بشأن عدم تعاون السلطات التشادية فيما يخص عدة حالات، وعدم استجابة الاتحاد الإفريقي بشأن هذه الحالات، إضافة إلى مخاوف تتعلق بتوفير الحماية لبعض الشهود والمحامين. ومنذ بدء المحاكمة، أوصت منظمة العفو الدولية بإجراء المحاكمة وفقا لمعايير المحاكمة الدولية العادلة.