تحدي محرَّمات رُهاب المثلية في تونس

بقلم مجدولينا مغربي، الباحثة في شؤون شمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية

أشعلتْ حالة الطالب البالغ من العمر 22 عاماً الذي حُكم عليه بالسجن لمدة سنة بسبب ارتباطه “بعلاقات جنسية مثلية” شرارة نقاش عام بشأن العلاقات المثلية في تونس. وبالإسبوع الماضى، أطلق وزير العدل محمد صالح بن عيسى دعوة عامة جديدة من نوعها إلى إلغاء تجريم العلاقات الجنسية المثلية.

ففي 22سبتمبر/أيلول أدانت إحدى المحاكم في سوسة الرجل المعروف بالاسم المستعار “مروان” إثر إرغامه على إجراء فحص للشرج بغرض “إثبات” ممارسة الجنسعن طريق الشرج.و تعتبر منظمة العفو الدولية الأشخاص الذين يتم اعتقالهم واحتجازهم فقط على أساس التوجه الجنسي أو هوية جنسهم من سجناء الرأي.

وفي 6 سبتمبر/أيلول استدعت الشرطة مروان على خلفية مقتل رجل في سوسة. وقد نفى أية علاقة له بالجريمة، ولكنه بعد تهديد الشرطة بتوجيه تهمة القتل له، اعترف بأنه أقام علاقة جنسية بالضحية. وعندئذ وجَّهت له الشرطة تهمة “اللواط” بموجب المادة 230 من قانون العقوبات، التي تعاقب على هذه التهمة بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات. كما تنص هذه المادة على تجريم “العلاقات الجنسية بين المثليات”، ولكنها نادراً ما تُستخدم لاحتجاز المثليات.

استدعت الشرطة مروان على خلفية مقتل رجل في سوسة. وقد نفى أية علاقة له بالجريمة، ولكنه بعد تهديد الشرطة بتوجيه تهمة القتل له، اعترف بأنه أقام علاقة جنسية بالضحية. وعندئذ وجَّهت له الشرطة تهمة “اللواط” بموجب المادة 230 من قانون العقوبات.

مجدولينا مغربي، الباحثة في شؤون شمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية

وسرعان ما تبنى النشطاء في جماعات الدفاع عن ذوي الميول الجنسية المثلية والثنائية والمتحولين إلى الجنس الآخر ومختلطي الجنس قضية مروان. وقد أصبحت هذه الجماعات أكثر جرأة على نحو متزايد في الأشهر الأخيرة، حيث شجَّعها تشكيل حكومة ائتلافية جديدة أكثر ليبرالية في وقت سابق من هذا العام. وشنَّت حملات ضد تجريم العلاقات الجنسية المثلية بالتراضي، وشددت على أن تلك المادة تنتهك حقيْن أساسييْن يكفلهما الدستور التونسي الجديد- وهما الحق في الحياة الخاصة، والحق في عدم التعرض للتمييز.

وقامت بعض الجماعات بحملات على الانترنت، ودعتْ إلى وضع حد للفحوص الشرجية القسرية- وهي خطوة غير مسبوقة في تونس.

وفي مقابلة أُجريت مع مروان بعد أيام من صدور الحكم عليه، اعترف وزير العدل محمد صالح بن عيسى بأن المادة 230 تنتهك الحق الدستوري في الحياة الخاصة، وينبغي إلغاؤها. ويتعين على المدافعين عن حقوق الإنسان في تونس اغتنام هذه الفرصة وتغيير اتجاه الخطاب السائد في البلاد بشأن هذه القضية، وذلك لضمان تحويل الأقوال إلى أفعال.ومن المحزن أن حالة مروان ليست معزولة، إذ أن منظمة العفو الدولية، وكجزء من حملتها من أجل وضع حد للعنف الجنسي والعنف على أساس النوع الاجتماعي، وثَّقت في الآونة الأخيرة العديد من حالات التوقيف والاحتجاز والملاحقة القضائية للرجال المثليين خلال الفترة من عام 2009 إلى عام 2014، ولكن النشطاء يقولون إن حالات عديدة أخرى لا يتم الإبلاغ عنها.

وقال رجال مثليون في تونس لمنظمة العفو الدولية إنهم اعتُقلوا لا لشيء إلا لأن مظهرهم “أنثوي” أو لأنهم شوهدوا وهم يتحدثون مع رجال في منطقة معروفة لدى الشرطة بتردد المثليين عليها. ومثلما حدث لمروان، فقد قُبض على العديد من الرجال بدون أدلة، واُرغموا على الخضوع لفحص الشرج لإثبات ممارسة الجنس عن طريق الشرج، على الرغم من عدم توفر أي أساس علمي لمثل هذا الفحص. إن منظمة العفو الدولية تعتقد أن الفحص الشرجي يصل إلى حد التعذيب أو غيره من ضروب إساءة المعاملة.

وفي مقابلة أُجريت مع مروان بعد أيام من صدور الحكم عليه، اعترف وزير العدل محمد صالح بن عيسى بأن المادة 230 تنتهك الحق الدستوري في الحياة الخاصة

مجدولينا مغربي

وفي حالات أخرى قال أشخاص من المتحولين إلى الجنس الآخر لمنظمة العفو الدولية إنهم اعتُقلوا وحوكموا بتهمة الإخلال بالآداب العامة، وذلك بسبب عدم اتساقهم مع النمطية المتعلقة بنوع الجنس والمعايير الاجتماعية المكرسة.

بيد أن الآثار الضارة لهذه القوانين تتجاوز المخاطر المستمرة للاعتقال والمحاكمة. حول العالم, تجريم العلاقات الجنسية المثلية يؤجج العنف ضد الأشخاص ذوي الميول الجنسية المثلية والثنائية والمتحولين إلى الجنس الآخر ومختلطي الجنس، ويخلق بيئة تسمح بتعرضهم إلى إساءة المعاملة من قبل الشرطة والمضايقة والترهيب من قبل عائلاتهم ومجتمعاتهم المحلية. ومن المؤسف أن تونس لا تشكل استثناءً.

وتحدثت منظمة العفو الدولية إلى أشخاص من ذوي الميول الجنسية المثلية والثنائية والمتحولين إلى الجنس الآخر ومختلطي الجنس، ممن تعرضوا للطعن أو الجرح بالسكاكين والركل في الرأس والحرق بالسجائر والتهديد بالقتل بسبب هويتهم أو ميولهم الجنسية. إلا أن البلاغات المقدمة إلى الشرطة غالباً ما كانت تُرفض أو يتم تجاهلها بسبب أحكام المادة 230.

وفي بعض الحالات، وبدلاً من إجراء التحقيقات الواجبة في هذه الجرائم النابعة من رهاب المثلية أو رهاب التحول إلى الجنس الآخر- كما يقتضي الالتزام بالقانون الدولي- قامت الشرطة بتحذير أو تهديد الناجين، بمن فيهم النساء المثليات، لحملهم على سحب شكاواهم، إذا أرادوا ألا يخضعوا هم أنفسهم للملاحقة القضائية. وفي حالات أخرى استغلَّ أفراد الشرطة مخاوف الأشخاص ذوي الميول الجنسية المثلية والثنائية والمتحولين إلى الجنس الآخر ومختلطي الجنس من الملاحقة القضائية بغية إخضاعهم إلى الابتزاز والاستغلال وإساءة المعاملة الجنسية في بعض الأوقات. وغالباً ما يُرغم الرجال المثليون أو الأشخاص المتحولون إلى الجنس الآخر، الذين لا يريدون أن يتم اعتقالهم، على رشوة أفراد الشرطة والتخلي عن هواتفهم أو غيرها من المقتنيات الثمينة.

وبسبب ذلك، فإن الناجين من عمليات الاغتصاب وغيره من الاعتداءات الجنسية من الأشخاص ذوي الميول الجنسية المثلية والثنائية والمتحولين إلى الجنس الآخر ومختلطي الجنس، غالباً ما يترددون في إبلاغ الشرطة بمثل تلك الاعتداءات.

إن تجريم العلاقات الجنسية المثلية بالتراضي، سواء في تونس أو في غيرها من بلدان العالم، يعتبر أمراً مخالفاً للقانون الدولي والمعايير الدولية.

وإن الخطوات التي اتُخذت مؤخراً بهدف فتح حوار عام حقيقي بشأن حقوق ذوي الميول الجنسية المثلية والثنائية والمتحولين إلى الجنس الآخر ومختلطي الجنس، تعطي بصيص أمل بأن تونس تتخذ أخيراً خطوات حيوية صغيرة لكن هامة في الاتجاه الصحيح من أجل إحراز تقدم في هذا الشأن.

بيد أنه في نهاية المطاف، لن يكون لدى السلطات التونسية أي أمل في توفير الحماية من العنف وضمان عدم التعرض للتمييز إلا بإلغاء المادة 230 من قانون العقوبات وإلغاء تجريم العلاقات الجنسية المثلية بالتراضي مرة وإلى الأبد.

ويتعين على السلطات التونسية إطلاق سراح مروان فوراً، والبدء بعملية تعديل القوانين لضمان عدم اعتقال ومقاضاة أي شخص بسبب هويته وميوله الجنسية.

للاطلاع على المزيد من المعلومات بشأن حملة منظمة العفو الدولية “هذا جسدي، هذه حقوقي”، أنظر:

 https://www.amnesty.org/ar/get-involved/my-body-my-rights/