مع ظهور أدلة على أن سلطات المملكة المتحدة استغلت تعذيب المشتبه في علاقتهم بالإرهاب على أيدي وكالات المخابرات الأجنبية، كررت منظمة العفو الدولية مطالبة الحكومة البريطانية بإجراء تحقيق علني لتحديد المسؤولين عن ذلك وإخضاعهم للمساءلة.
وتحدث وزير الداخلية السابق في حكومة الظل ديفيد ديفيز خلال نقاش جرى في البرلمان يوم الثلاثاء الماضي، عن سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها السلطات البريطانية، وقال عنها إنها أدت إلى تعذيب المواطن البريطاني رانغزيب أحمد على أيدي عملاء المخابرات الباكستانية.
وقال ديفيد ديفيز إن سلطات الممكلة المتحدة سمحت لرانغزيب أحمد، عمداً، بالسفر من المملكة المتحدة إلى باكستان في عام 2006 على الرغم من وجود أدلة كافية على إمكانية توجيه تهم إليه ومحاكمته على جرائم إرهابية خطيرة، وإن الحكومة البريطانية أبلغت السلطات الباكستانية بوصوله.
كما زعم أن أجهزة المخابرات البريطانية كتبت إلى نظيراتها في باكستان “مقترحة” إلقاء القبض على رانغزيب أحمد، وأن هذه المعلومات أدت بشكل مباشر إلى القبض عليه واستجوابه. ووفقاً لديفيد ديفيز فإن ضباط الشرطة والمخابرات البريطانية تعاونوا في وضع قائمة بالأسئلة التي ينبغي طرحها أثناء الاستجواب، وزودت السلطات الباكستانية بها.
وزعم رانغزيب أحمد أنه تعرض للتعذيب في الحجز الباكستاني، وقال إنه تعرض للضرب بالعصي والجَلد بالأسلاك الكهربائية والسياط المطاطية والإذلال الجنسي والحرمان من النوم. وتؤكد أدلة طبية مستقلة أنه تم خلع عدد من أظافره. كما ادعى أنه أبلغ اثنين من ضباط المخابرات البريطانية، اللذين قاما بزيارته أثناء احتجازه، بأنه تعرض للتعذيب.
وتُظهر البحوث التي أجرتها منظمة العفو الدولية وغيرها من المنظمات أن الأشخاص الذين تعتقلهم إدارة المخابرات الداخلية الباكستانية يواجهون خطر التعذيب أو إساءة المعاملة. إذ أن التعذيب من قبل إدارة المخابرات الداخلية الباكستانية ممارسة متفشية وموثَّقة بشكل جيد، بما في ذلك في شهادات الأشخاص الذين أُطلق سراحهم من حجز المخابرات الباكستانية، وفي تقارير لجنة حقوق الإنسان الباكستانية غير الحكومية. وقالت منظمة العفو الدولية إن سلطات المملكة المتحدة يجب أن تعمل على أساس افتراض أن كل شخص محتجز لدى إدارة المخابرات الداخلية الباكستانية أو غيرها من أجهزة المخابرات الباكستانية يُرجح أن يكون عرضة للتعذيب وغيره من ضروب إساءة المعاملة.
وأحد هؤلاء الأشخاص هو صلاح الدين أمين الذي احتُجز في باكستان في عام 2004. وقد استجوبه عملاء إدارة المخابرات الداخلية الباكستانية في المعتقل نفسه الذي كان احتُجز فيه رانغزيب أحمد في النهاية بحسب ما يعتقد محاميه، الذي قال لمنظمة العفو الدولية: “إن صلاح الدين أمين قد احتُجز وتعرض للتعذيب وأُرغم على الإدلاء باعترافات من قبل عملاء إدارة المخابرات الداخلية الباكستانية في عام 2004، قبل إعادته إلى المملكة المتحدة واعتقاله لدى وصوله. وكانت السلطات البريطانية على علم بهذه المزاعم في عام 2005، أي قبل السماح له بمغادرة المملكة المتحدة إلى باكستان بوقت طويل.”
وقالت أماندا كمبرلاند، الباحثة في فريق الاتحاد الأوروبي في منظمة العفو الدولية: “إن تنامي المؤشرات على أن المملكة المتحدة غضَّت الطرف عن التعذيب أو إساءة المعاملة، وسعتْ على ما يبدو إلى الاستفادة من نتائج إساءة المعاملة، يثير أسئلة خطيرة حول فهم المملكة لالتزاماتها الخاصة بحقوق الإنسان والقانون الإنساني واحترامها.”
وقالت منظمة العفو الدولية إن التحقيقات الجنائية في هذه الحادثة وغيرها من الحوادث المشابهة يجب ألا تقتصر في تركيزها على دور الضباط الصغار في خط المواجهة. وأضافت أماندا كمبرلاند تقول: “يجب أن نعرف ما إذا كان عملاء المملكة المتحدة مخوَّلين بغض الطرف عن التعذيب وإساءة المعاملة أم لا، وإلى أي مدى وصل ذلك التخويل. وينبغي مساءلة كل من سمح بارتكاب أفعال لا تتماشى مع التزامات المملكة المتحدة بمنع ومناهضة التعذيب وغيره من ضروب إساءة المعاملة، أو تواطأ في ارتكابها.”
وبالإضافة إلى الالتزامات الأخرى، فإن اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب تنص على أن جميع الأفعال التي يرتكبها أي شخص بموجب الولاية القضائية للمملكة المتحدة وتشكل “توطؤاً أو مشاركة في التعذيب” ينبغي مقاضاة مرتكبيها باعتبارها جرائم جنائية.
وتُبرز حوادث مشابهة أخرى الحاجة إلى إجراء تحقيق علني أوسع نطاقاً. إن منظمة العفو الدولية على علم بأن سلطات المملكة المتحدة قدمت معلومات أدت إلى اعتقال عدة رجال تعرضوا بالنتيجة إلى نقلهم وتسليمهم وتعذيبهم على أيدي وكالة المخابرات المركزية.
ففي غامبيا قُبض على جميل البنا وبشر الراوي، وهما من سكان بريطانيا، وتم نقلهما إلى حجز الولايات المتحدة في أفغانستان قبل أن يظهرا مجدداً في النهاية في خليج غوانتامو.
وفي قضية بنيام محمد، المقيم في بريطانيا، كانت عملية استجوابه من قبل عملاء بريطانيين في باكستان بمثابة تمهيد لنقله وتسليمه بصورة غير قانونية وتعذيبه واعتقاله في الحجز السري في المغرب وأفغانستان، أعقبتها سنوات في خليج غوانتنامو.
فقد قال خالد المقطري، وهو يمني قبضت عليه القوات الأمريكية في العراق عام 2004، إن عملاء المملكة المتحدة قاموا باستجوابه في الوقت الذي كانت آثار التعذيب لا تزال بادية على جسده. وقال إن عملاء المملكة المتحدة لم يسيئوا معاملته، ولكنهم لم يبذلوا أي جهد لمعرفة ما حدث له. وبدلاً من ذلك، نقلوه عبر شوارع بغداد المظلمة وطلبوا منه التعرف على مواقع مشتبه فيها قبل إعادته فجراً إلى سجن أبو غريب. وبعد مرور ثلاثة أيام، اختفى المقطري في السجون السرية لوكالة المخابرات المركزية، ولم يظهر مجدداً لمدة تزيد على سنتين.
وخلصت أماندا كمبرلاند إلى القول: “إن الحكومة البريطانية يجب أن تجري تحقيقاً علنياً مستقلاً تماماً في المزاعم المتعلقة بمختلف أشكال التورط البريطاني في عمليات تعذيب المعتقلين في الخارج.”