- لا بد من توفير الحماية للعاملين بأجر يومي وللنازحين بسبب الصراعات والعاملين في الرعاية الصحية ونزلاء السجون
في الوقت الذي يتصاعد فيه عدد المصابين بمرض كوفيد-19 في إقليم جنوب آسيا، وهو من أفقر مناطق العالم وأكثرها سكاناً، تحث منظمة العفو الدولية حكومات هذا الإقليم على وضع حقوق الإنسان نصب أعينها وجعلها في صميم ما تبذله من جهود للتصدي لهذا الوباء المتفشي، وتكثيف الجهود لحماية الفئات المهمشة والضعيفة الأشد عرضة للإصابة بالمرض، ومن بينها العاملون بأجر يومي، والنازحون بسبب الصراعات، والعاملون في قطاع الرعاية الصحية، والسجناء.
وقد بات من المرجح أن يصاب الآلاف من الأشخاص بمرض كوفيد-19 في جنوب آسيا، في الوقت الذي قامت فيه حكومات الإقليم بفرض حظر صارم على التجول، ومنع السكان من الخروج من منازلهم وسط مخاوف من أن يتفشى الفيروس في المناطق المكتظة بالسكان، مما يثقل كاهل مرافق الرعاية الصحية التي تعاني أصلاً من القصور والنقص الشديد في الموارد، ويمحق سبل كسب الرزق في هذا الإقليم الذي يرزح أكثر من 600 مليون نسمة من سكانه تحت وطأة الفقر.
وقد أفادت الحكومة الباكستانية أن عدد حالات المصابين بالمرض بلغ 1026 حالة في 25 مارس/آذار، وتوفي سبعة مرضى حتى الآن؛ وجاءت الهند في المرتبة الثانية بعد باكستان من حيث ارتفاع عدد الإصابات، إذ بلغ عدد حالات الإصابة 606، والوفيات 10. ولا تزال هذه الأرقام ترتفع ارتفاعاً حاداً يوماً بعد يوم، وترجح التقديرات أن الأعداد الحقيقية أعلى بكثير من الأرقام المعلن عنها نظراً لقلة الفحوص التشخيصية.
ويقول بيراج باتنايك، مدير برنامج جنوب آسيا بمنظمة العفو الدولية إنه في الوقت الذي تتصاعد فيه حالات الإصابة بمرض كوفيد-19 على نحو مطرد في جنوب آسيا، بات لزاماً على زعماء دول الإقليم “إيلاء اهتمام خاص بالفئات الأكثر عرضة للإصابة والفئات المهمشة في هذه الأزمة؛ ويجب على الزعماء توفير الحماية للعمال الذين يعني اضطرارهم للبقاء في بيوتهم حرمانهم من مصادر الرزق؛ وللأشخاص الذين فقدوا بيوتهم بسبب الصراعات، وانتهى بهم المطاف إلى العيش في مخيمات شديدة الازدحام؛ وللسجناء المحشورين في زنازين ضيقة؛ ولا بد من إتاحة سبل الحماية لفئة أخرى لا تقل أهمية عن سائر الفئات، وهي فئة الأطباء والممرضين الشجعان الذين لم تُتح لهم قط الموارد اللازمة للقيام بواجبهم، وباتوا الآن يخاطرون بصحتهم من أجل إنقاذ الآخرين”.
الحصول على المعلومات
من الأمور التي ساهمت في تفاقم أزمة كوفيد-19 في جنوب آسيا تقاعس سلطات دول الإقليم عن إتاحة معلومات دقيقة تستند إلى أدلة موثوقة عن الفيروس، وعن سبل وقاية الناس منه، وما تبذله الحكومات من جهود لمساعدتهم.
وخلال الأسابيع الأخيرة، سعى بعض كبار المسؤولين الحكوميين في دول الإقليم إما للتهوين من خطورة الأزمة، أو حجب المعلومات التي تكشف نطاقها الحقيقي؛ بل في أسوأ الحالات وأشدها ضرراً، عمد بعضهم إلى تقديم معلومات زائفة عن آثار الأزمة، مما أدى إلى تقويض فعالية أي استجابة للصحة العامة، وهو الأمر الذي قد يقوض بدوره حق الناس في الصحة.
ومن أشد الناس تضرراً من نقص المعلومات الموثوق بها عن مرض كوفيد-19 أهالي المناطق الريفية التي تسودها الأمية وتفتقر أشد الافتقار لخدمات الرعاية الصحية.
ففي أفغانستان وصلت المعلومات ببطء شديد إلى المناطق النائية أو المتضررة من الصراع المستمر؛ ويعاني السكان في طول البلاد وعرضها بوجه عام من صعوبة الوصول إلى مرافق الرعاية الصحية، إلى جانب قلة ما يجري من الاختبارات التشخيصية، ولكن النساء والفتيات في المناطق النائية بوجه خاص يكنّ أكثر عرضة من غيرهن للحرمان من الاستفادة من تدابير التصدي للوباء – ولا سيما حينما تكون التقاليد المحلية الضارة سبباً في حرمانهن من الرعاية الصحية.
وفي منطقة كوكس بازار ببنغلاديش، حيث ظهرت أول حالة إصابة بمرض كوفيد-19 هذا الأسبوع، تقاعست السلطات عن تقديم معلومات دقيقة عن الفيروس للاجئين من الروهينغيا، مما أفسح المجال لتردد شائعات مفزعة في أوساط المخيمات، مفادها أن السلطات تعتزم إعدام أي شخص تثبت إصابته بالفيروس. وظلت المخيمات خاضعة لحجب مستمر للاتصالات السلكية واللاسلكية.
وقال بيراج باتنايك “تتحمل الدول المسؤولية عن إتاحة معلومات دقيقة قائمة على أدلة موثوقة عن مرض كوفيد-19، وإيصالها إلى الناس بلغات يفهمونها من خلال وسائل الإعلام المتيسرة لهم. وفي الوقت ذاته، لا بد من تضافر الجهود لتصحيح أي معلومات مغلوطة عن الفيروس من شأنها أن تلحق الضرر بالناس، وحماية المجتمعات المهمشة من الوصم والتشنيع.”
اللاجئون والنازحون داخليًا
تتحمل حكومات دول جنوب آسيا المسؤولية ليس فقط عن مواطنيها، وإنما أيضاً جميع الأفراد الخاضعين لولايتها، بما في ذلك اللاجئون وطالبو اللجوء.
ويعد إقليم جنوب آسيا من الأقاليم التي توجد بها أكبر تجمعات للاجئين في العالم، بما في ذلك ثلاثة ملايين من اللاجئين الأفغان المسجلين وغير المسجلين في باكستان، وأكثر من مليون من لاجئي الروهينغيا في بنغلاديش.
وفي أفغانستان، أدى الصراع المستمر إلى نزوح أكثر من مليوني شخص داخل البلاد، ولا تزال أفغانستان تستقبل الآلاف من الأشخاص الذين أعيدوا قسراً من بلدان أخرى، بما في ذلك إيران المجاورة.
وليس بالإمكان فرض التباعد الاجتماعي في أوساط مخيمات الروهينغيا المكتظة بالخيام في مستوطنة كوتوبالونغ في بنغلاديش؛ ويتعين على اللاجئين قطع مسافة عبر المخيمات سيراً على الأقدام للحصول على الخدمات الأساسية؛ والمرافق الطبية في المخيمات محدودة للغاية، ولا تتوفر خدمات الطوارئ بالقرب منها.
وقال شاب من لاجئي الروهينغيا في منطقة كوكس بازار، يدعى ياسين عبده مناب، لمنظمة العفو الدولية “في هذا الوقت، كان ينبغي أن يكون لدينا مطهرات الأيدي، والصابون، والكمامات، للحفاظ على صحتنا ونظافتنا؛ ولكننا لم نشهد أي محاولة لتوزيع لتلك المواد منذ تفشي الوباء.”
وفي أفغانستان، ينتشر النازحون داخل البلاد في مختلف المخيمات، وكثير منها تقع في مناطق نائية يصعب الوصول إليها، حيث يتعذر عليهم الوصول إلى مرافق الخدمات الصحية الأساسية منذ سنوات؛ وقد يتسنى لبعضهم أحياناً الوصول إلى العيادات المتنقلة، ويضطرون لقطع مسافات طويلة بحثاً عن الماء والغذاء.
ويتعذر على النساء والفتيات في مخيمات النازحين داخل أفغانستان الوصول إلى مرافق الرعاية الصحية إلا في أضيق الحدود؛ وفي مخيمات لاجئي الروهينغيا في بنغلاديش، لا يتيسر للنساء الحصول على ما يحتجن إليه من الدواء.
وقال بيراج باتنايك “ليس التباعد الاجتماعي خياراً متاحاً للنازحين بسبب الصراعات، إذ لا يتيسر لهم الحصول على الرعاية الصحية، ويخوضون صراعاً يومياً من أجل تدبير احتياجاتهم الأساسية. وليست الحكومات ملزمة فحسب بأن تضمن أن جميع الإجراءات التي تتخذها تصدياً لوباء كوفيد-19 تشمل النازحين داخل أوطانهم، بل يجب عليها أيضاً التكفل بتلبية احتياجاتهم الخاصة.”
العاملون باليومية
يكسب أغلب العاملين في جنوب آسيا أرزاقهم في إطار نظام اقتصادي غير رسمي، ويتقاضى معظمهم أجوراً يومية. وتقول منظمة العمل الدولية إن هذا القطاع غير الرسمي “يشكل نسبة 80% من إجمالي القوى العاملة” في جنوب آسيا.
وتشمل هذه ا لفئة من العاملين الباعة المتجولين في الشوارع، وعمال الصرف الصحي، والسائقين، وعمال البناء، وعمال التنظيف، والعاملين في مزارع الشاي، وصيادي الأسماك، والحمالين، والطباخين، وعمال الخدمة المنزلية، ومن بين هؤلاء الكثير من العمال المهاجرين داخل بلادهم الذين يعيشون بعيداً عن عائلاتهم.
ومع دخول إجراءات العزل وحظر التجول حيز التنفيذ، سوف يُحرم معظم هؤلاء العمال من سبل كسب الرزق؛ وفي مثل هذه المنطقة التي تتسم بانخفاض دخول العاملين، ومحدودية أنظمة الضمان الاجتماعي، لن يجد هؤلاء العمال أي شبكة للأمان الاجتماعي يمكنهم الاعتماد عليها في هذه الظروف. ففي سري لنكا، لم يكد يبدأ تنفيذ حظر التجول في البلاد في الأسبوع الماضي حتى ظهرت الطوابير خارج محلات الرهان، مما يسلط الضوء على الظروف البائسة التي يواجهها الناس.
وقد أعلنت بعض بلدان جنوب آسيا، ومن بينها الهند وسري لنكا وباكستان، عن حزمة من الحوافز الاقتصادية هذا الأسبوع، ولكن هذه الحوافز تستهدف القطاعات الصناعية في المقام الأول. وهناك حاجة لاتخاذ إجراءات محددة تستهدف العاملين في القطاع غير الرسمي إعمالاً للحق في الضمان الاجتماعي حتى يتسنى لهم التمتع بحقهم في مستوى معيشي ملائم.
وقال بيراج باتنايك “لا ينبغي أن يوضع أحد أمام هذا الخيار الوبيل بين الجوع والمرض؛ إن اقتصاديات دول جنوب آسيا تعتمد على الكدح اليومي للعمال المجبرين على السعي لكسب أرزاقهم في ظروف غير آمنة وغير ملائمة في كثير من الأحيان؛ ويجب على الدول أن تسعى جهدها لحماية أسباب رزقهم أثناء الأزمة الحالية. وسوف يتطلب التعافي من هذه الأزمة تضامناً دولياً على المدى البعيد؛ فهذه جائحة عالمية وتحتاج إلى حل عالمي.”
العمال الصحيون
يتسم كل بلد من البلدان الثمانية في إقليم جنوب آسيا بأقل نسبة من الأطباء بالقياس إلى عدد السكان، وفقاً لأرقام البنك الدولي. وتتراوح هذه النسبة من 0.3 طبيب لكل 1000 نسمة (أفغانستان) إلى طبيب واحد لكل 1000 نسمة (المالديف، وباكستان، وسري لنكا). وفي أفضل الأحوال، تفتقر هذه البلدان افتقاراً شديداً للعاملين في قطاع الرعاية الصحية، وللموارد اللازمة.
وقد بدأ العاملون في مجال الرعاية الصحية في أفغانستان وبنغلاديش والهند ونيبال وباكستان بالفعل في الإعراب عن قلقهم بشأن نقص معدات الحماية الشخصية اللازمة لهم أثناء علاج المصابين بمرض كوفيد-19.
ففي بنغلاديش، ظهرت أعراض المرض على عشرة أطباء وتم عزلهم؛ وفي باكستان، توفي طبيب من إقليم جلجت بلتستان في الأسبوع الماضي؛ وفي مؤتمر صحفي عُقد في العاصمة الباكستانية إسلام آباد، قال الدكتور أصفنديار خان، رئيس المعهد الباكستاني للعلوم الطبية “إن علاج المرضى بدون حماية هو أشبه بالانتحار”، وحذر خان من أن الأطباء قد يقدمون على الإضراب عن العمل ما لم يتم تزويدهم بما يحتاجون إليه من المعدات الواقية.
ومع التزايد المطرد في أعداد المصابين بمرض فيروس كوفيد-19، من المرجح أن يزداد العبء الواقع على عاتق العاملين في قطاع الرعاية الصحية وغيرهم من العاملين في المرافق الصحية، ممن يرابطون في الخطوط الأمامية لمكافحة الأزمة الراهنة، ويعملون ساعات طويلة، يتحملون خلالها قدراً كبيراً من المعاناة النفسية والإجهاد البدني. ويتعين عليهم كذلك حماية عائلاتهم من التعرض للفيروس أثناء معالجتهم للمرضى.
وقال بيراج باتنايك “إن العاملين في الخطوط الأمامية من قطاع الرعاية الصحية هم الأبطال الذين نعتمد عليهم في هذه الأزمة؛ فهم يخاطرون بصحتهم من أجل الحفاظ على صحة الآخرين، وأقل شيء ينتظرونه من حكوماتهم هو تزويدهم بما يحتاجونه من المعدات الواقية. والحكومات ملزمة بضمان حمايتهم بشتى السبل، بما في ذلك إتاحة التدريب الملائم لهم، وتقديم الدعم النفسي لهم ولذويهم.”
السجناء
من المعهود عن سجون بلدان جنوب آسيا اكتظاظها الشديد بالسجناء؛ ففي بنغلاديش، يتجاوز عدد نزلاء السجون ضعف سعتها المفترضة؛ ولا يزال أكثر من 70 في المائة من مجموع نزلاء السجون البنغلاديشية في انتظار محاكماتهم؛ أما في نيبال، فإن عدد السجناء يزيد على 150 في المائة من الطاقة الاستيعابية للسجون؛ بل في بعض السجون، يتجاوز عدد السجناء ثلاثة أضعاف السعة المفترضة للسجون.
وكثيراً ما يخضع السجناء لظروف غير إنسانية، من بينها سوء التهوية وسوء الصرف الصحي، الأمر الذي يعرض صحتهم للخطر. وفي وقت سابق من العام، سلطت لجنة تحقيق قضائية في باكستان الضوء على افتقار السجون للرعاية الصحية، مشيرة إلى أن 1823 سجيناً يعانون من التهاب الكبد، وأن 425 سجيناً مصابون بفيروس نقص المناعة البشرية، و173 مصابون بالسل، وجميعهم أصيبوا بهذه الأمراض في السجن.
وفي سري لنكا، قتل حراس سجن أنورادهابورا اثنين من السجناء وأصابوا آخرين بجروح في الأسبوع الماضي، عندما اندلعت احتجاجات في السجن تتعلق بمرض فيروس كوفيد-19. وأفادت الأنباء الواردة في باكستان هذا الأسبوع بوقوع أول إصابة بمرض فيروس كوفيد-19 في سجن كامب جايل في لاهور، حيث يتجاوز عدد السجناء نحو ثلاثة أضعاف سعة السجن، وأغلبهم محبوسون على ذمة المحاكمة.
ووفقاً للقانون والمعايير الدولية لحقوق الإنسان فإنه يجب على السلطات ضمان توفر الرعاية الطبية للسجناء على الفور، وتمتع السجناء بنفس معايير الرعاية الطبية المتيسرة لأفراد المجتمع، بما في ذلك تيسر الفحوص التشخيصية، وسبل الوقاية والعلاج للمصابين بمرض كوفيد-19.
وقد اتخذ بعض دول جنوب آسيا خطوات جديرة بالترحيب نحو الإفراج عن بعض السجناء، ومن بين هذه الدول الهند وباكستان ونيبال وسري لنكا وبنغلاديش، ولكن لم يتم بعد تنفيذ هذه الخطوات أو تطبيقها على نحو متسق.
وقال بيراج باتنايك “إن سجون جنوب آسيا هي آفة مشينة يندى لها جبين الإقليم؛ فهي سجون سيئة السمعة عرفت باكتظاظها الشديد وظروفها غير الصحية، وبما يسودها من أعمال عنف، وافتقارها لمرافق الرعاية الصحية، مما يعرض نزلاءها لخطر العدوى بشكل كبير. ولا بد من بذل جهود عاجلة للحد من الاكتظاظ، بما في ذلك النظر في الإفراج عن قدامى المعتقلين والسجناء المؤهلين للإفراج المبكر المشروط الذين لا يشكلون أي خطر على السلامة العامة. كما يجب أن يكون الافتراض القائم بالنسبة للمحبوسين بتهم جنائية على ذمة المحاكمة هو أنه سوف يتم الإفراج عنهم. أما السجناء الذين لن يتم الإفراج عنهم فلا بد أن تتاح لهم نفس معايير الرعاية الصحية المتاحة لسائر الناس في البلاد، بما في ذلك نقلهم إلى منشآت طبية إذا كانوا بحاجة لرعاية متخصصة.”