الصومال: بادروا إلى إلغاء أحكام الإدانة الصادرة بحق أحد الصحفيين، وضحية حادثة الاغتصاب المزعومة

صرحت خمس منظمات عاملة في مجالي حقوق الإنسان والإعلام اليوم أن إدانة محكمة صومالية لامرأة زعمت قيام عناصر قوات الأمن باغتصابها، والصحفي الذي أجرى المقابلة معها، تُعتبر بمثابة انتكاسة خطيرة لجهود وقف العنف الجنسي، وحماية الحريات الصحفية.  كما صرحت تلك المنظمات أنه ينبغي على الحكومة إسقاط القضية الباطلة التي رُفعت ضد الصحفي والمرأة المذكورة، وأنه يتعين عليها أن تُخلي سبيل الصحفي فوراً. ولم تتضح الأسس التي اتُخذ قرار الإدانة بناءً عليها، بيد أنه يظهر أن المحكمة قد أدانت الاثنين طبقاً لأحكام قانون العقوبات الصومالي، والتهم الجديدة المستحدثة بموجب أحكام الشريعة الإسلامية.  ولقد حُكم على الصحفي عبدي عزيز عبدي نور إبراهيم بالسجن سنة واحدة بتهمة اختلاق مزاعم باطلة – على الرغم من أنه لم يقم أبداً بنشر تلك المزاعم في أي مكان أو وسيلة إعلامية –، ودخول منزل شخص آخر دون إذنه، وتوجيه اتهامات باطلة لهيئة حكومية بارتكاب جريمة من شأنها أن تضر بالأمن القومي.  كما حُكم على المرأة بالسجن سنة واحدة بتهمة اختلاق واقعة الاغتصاب التي من شأنها أن تضر بأمن الدولة.  بيد أن المحكمة قد أجلت تنفيذ الحكم الصادر بحق المرأة مدة عام واحد نظراً لكونها مُرضعة.  ويُحتجز عبدي عزيز عبدي نور حالياً في سجن مقديشو المركزي.  ولقد أمرت المحكمة بإخلاء سبيل زوج المرأة المذكورة، واثنين آخرين نظراً لعدم كفاية الأدلة.   وفي معرض تعليقها على الموضوع، قالت مدير برنامج إفريقيا بمنظمة العفو الدولية، نيتسانيت بيلاي: “يعني صدور أحكام الإدانة هذه أن أية صومالية تتعرض للاغتصاب، وغيره من الانتهاكات على أيدي عناصر قوات الأمن الصومالية سوف تتردد وتفكر ملياً قبل أن تقوم بإبلاغ الشرطة عن الحادثة، وكذلك فسوف يتوخى الصحفيون الحذر قبيل إجراء مقابلات مع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان.”  وأضافت بيلاي القول إنه ينبغي “على الحكومة أن تقوم بإخلاء سبيل الصحفي فوراً”.  وتتضمن مجموعة المنظمات التي دعت إلى إلغاء أحكام الإدانة، وإطلاق سراح الصحفي كلاً من الاتحاد الوطني للصحفيين الصوماليين، ومنظمة سيستر صوماليا، وهيومان رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية،، ولجنة حماية الصحفيين. ولقد بُنيت هذه الأحكام على مقابلة أجراها الصحفي عبدي عزيز عبدي نور مع المرأة في 8 يناير/ كانون الثاني 2013 حول ما زعمته عن تعرضها للاغتصاب على أيدي عناصر قوات الأمن الحكومية في أغسطس/ آب من عام 2012. ولم يقم عبدي عزيز عبدي نور بنشر القصة عبر أي وسيلة من وسائل الإعلام.  وفي 10 يناير الماضي، استُدعي عبدي عزيز لمراجعة دائرة التحقيقات المركزية التابعة للشرطة الصومالية؛ ولدى امتثاله للطلب وذهابه إلى هناك، جرى احتجازه دون تهمة.  وخضع بعدها للاستجواب بشكل متكرر، وقامت السلطات بتفتيش منزله مرات عدة.وفي باديء الأمر، سحبت المرأة مزاعمها بعد قيام الشرطة باستجوابها على مدار يومين دون حضور محامٍ أثناء العملية.  بيد أنها رفضت فيما بعد التنصل من إدعاءاتها خلال لقاءاتها مع المدعي العام.  ولقد جرى إخلاء سبيلها بيد أنه طُلب منها مراجعة الشرطة بشكل يومي، فيما احتُجز زوجها عوضاً عنها.  وأفادت مصادر محلية موثوقة أن الزوج قد ساند زوجته بكل عزيمة وإصرار في كل إدعاءاتها.  كما اعتُقل رجل وامرأة آخران في نفس الوقت تقريباً، وذلك لمساعدتهما المرأة على اللقاء بالصحفي. ولقد زعم مفوض الشرطة، ومدعي عام الدولة أن عبدي عزيز عبدي نور كان ضالعاً في إعداد تقرير إخباري بُث بتاريخ 6 يناير على قناة الجزيرة حول موضوع الاغتصاب في مخيمات النازحين بمقديشو، وهو ما نفته قناة الجزيرة جملة وتفصيلاً في مناسبات عدة.  وحتى إن كان لعبدي عزيز أي دور في إعداد التقرير المذكور، فلا ينبغي أن يشكل ذلك أي جرم، أو أرضية لاحتجازه.  ولقد شابت مرحلتي المحاكمة وما قبلها خروقات خطيرة وواضحة لحقوق المتهميْن في اتباع الإجراءات حسب الأصول.  فلقد أوقفت الشرطة عبدي عزيز عبدي نور قبيل المحاكمة لمدة 19 يوماً دون تهمة، ومنعته من الاستعانة بمحامٍ، أو طبيب، أو الحصول على الدواء الذي طالب به غير مرة.  ولقد صرح مسؤولون كبار في الحكومة علناً أن المتهمين مدانين حتى قبل المحاكمة، الأمر الذي قوض بالتالي من احترام مبدأ فرضية  الأخذ بالبراءة حتى تثبت الإدانة.  فعلى سبيل المثال، صرح وزير الداخلية لوسائل الإعلام في 18 يناير الماضي أن “الحكومة لن تتهاون مع التغطيات الإعلامية التي من شأنها تحريض الرأي العام، أو خلق أزمة تقوض من الأمن القومي أو أوضاع الأمن في البلاد”.  كما زعم الوزير تحديداً أن عبدي عزيز عبدي نور قد دفع رشوة للمرأة المذكورة. كما أخفق الإدعاء العام في إبراز أية أدلة تبرر إدانة المتهمين بارتكاب الجرائم المنسوبة إليهما، بحسب ما أفادت به المنظمات.  فلقد استدعى الإدعاء ثلاثة من الشهود، أكد اثنان منهم أنهما قدما المساعدة للمرأة عقب تعرضها للاغتصاب، فيما كانت الشاهد الثالث إحدى الممرضات التي لم تقم بفحص المرأة سريرياً أبداً.  ولقد أدلت إحدى القابلات في أول أيام المحاكمة (أي 2 فبراير) بشهادة تفيد أنها خلُصت إلى استنتاج مفاده عدم تعرض المرأة للاغتصاب، وذلك عقب قيامها بفحصها بشكل بدائي باستخدام “إصبعها”، وهي ممارسة غير علمية ومهينة، ولطالما كانت ممارسة منقوصة كونها لا تُعتبر اختباراً موثوقاً لتحديد فيما إذا كانت الضحية قد تعرضت للاغتصاب أم لا.  ولقد رفض القاضي السماح لمحامي الدفاع باستدعاء شهود النفي إلى المحكمة، كما أنه لم يُسمح له بإبراز الأدلة الطبية التي تدحض تأكيدات الإدعاء.  ولقد عزم المتهمان على التقدم باستئناف ضد الأحكام الصادرة، بحسب ما أفاد به محاميهما.وفي معرض تعليقه على القضية، قال مدير برنامج إفريقيا بمنظمة هيومان رايتس ووتش، دانييل بيكيلي:”لقد شابت هذه القضية المعيبة منذ بدايتها خروقات خطيرة للحق في اتباع الإجراءات حسب الأصول”.  وأضاف بيكيلي قائلاً: “إن ممارسات من قبيل احتجاز المتهمين لفترات طويلة بانتظار المحاكمة، والقيام بحملة رسمية لتشويه سمعة المتهمين في وسائل الإعلام، والجهود المسيئة التي قامت بها الشرطة للتشكيك في مصداقية امرأة وترهيبها لزعمها أنها تعرضت للاغتصاب، تشير في مجملها إلى أن الحكومة معنية بصد النقد الموجه إليها أكثر مما هي معنية بحماية المواطنين العاديين”. وما من شك أنه سوف يكون لهذه الأحكام تأثيراً سلبياً على حرية الإعلام، والجهود المبذولة في سبيل مكافحة العنف الجنسي في الصومال، بحسب ما أفادت به المنظمات.وتظل الصومال إحدى أكثر البلدان في العالم من حيث الخطورة التي يشكلها العمل فيها على حياة الصحفيين؛ فلقد كان عام 2012 الأكثر فتكاً بالصحفيين حتى تاريخه.  وعلى الرغم من أن عدد الصحفيين الذين قُتلوا كان كبيراً، فلم يجر التحقيق في ايٍّ من عمليات القتل التي استهدفتهم.  ومن الجوهري بناء علاقة تقوم على الثقة بين السلطات الجديدة ووسائل الإعلام في الصومال، بيد أن هذه القضية قد ألقت بظلال من الشك على مدى التزام الحكومة بضمان حرية الصحافة.  وقال محمدإبراهيم من الاتحاد الوطني للصحفيين الصوماليين: “يناقض الحكم بإدانة الصحفي تعهدات الحكومة بضمان حرية التعبير عن الرأي والصحافة؛ وينبغي على الحكومة أن تسخر مواردها، وتركز عملها على التحقيق في موجة قتل الصحفيين في الصومال”.وصرحت المنظمات أن العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي لطالما شكل معضلة طوال فترات النزاع الصومالي.  ووبوصفهن من الفئات الأكثر ضعفاً، فلقد أضحت النساء والفتيات النازحات عرضة للاغتصاب كما هي حالة الضحية المزعومة في هذه القضية.  بيد أنهن غالباً ما يُحجمن عن إبلاغ السلطات عما يتعرضن له من اغتصاب وانتهاكات خوفاً من الانتقام منهن، ولغياب الثقة في السلطات، ويعانين علاوة على ذلك نقص الخدمات الطبية والنفسية والقانونية المطلوبة.  وعليه، فإن هذه القضية قد تخلق المزيد من انعدام الثقة بالسلطات.وقالت فارتون عبدي سلام عدان من مأوى سيستر صوماليا للناجيات من ضحايا الاغتصاب في مقديشو الذي يديره مركز إيلمان للسلام وحقوق الإنسان: “ينبغي على الحكومة أن تركز على بناء الثقة، وضمان محاسبة مرتكبي الانتهاكات، بدلاً من أن تقوم بترهيب الأفراد الأكثر ضعفاً”.وينبغي على المجتمع الدولي، وخصوصاً كبار المانحين من قبيل المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، واليابان، والاتحاد الأوروبي، أن يدعو علناً إلى إلغاء الأحكام، وإلى إطلاق سراح الصحفي فوراً.  ويتعين على المانحين الذين يقدمون الدعم لجهاز الشرطة أن يقوموا بمراجعة مباشرة لبرامجهم في سبيل ضمان عدم مساهمتها فيما تقوم به الشرطة من محاولات لإسكات ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان.واختتم مستشار لجنة حماية الصحفيين لشؤون شرق إفريقيا، توم رودز، تعليق المنظمات قائلاً: “ينبغي أن يشعر الصحفيون الصوماليون بالأمان عندما يقومون بإجراء مقابلات مع كل من يزعم تعرضه لانتهاكات لحقوق الإنسان؛ وإن المناخ السائد من رقابة وتوزيع الاتهامات جزافاً يعني أن الأمر محفوف بالمخاطر لكل من أراد القيام بخطوة على طريق تحقيق المساءلة والعدالة”.