إن صانعي القرار المتنفذين، من رؤساء الدول إلى الرؤساء التنفيذيين لشركات النفط، يريدون إقناعنا بأن مستقبل كوكبنا بين أيدينا، وأننا إذا قمنا بإعادة التدوير بما يكفي، أو أوقفنا استخدام البلاستيك الذي يستعمل لمرة واحدة، فإننا سنتمكن من وقف أزمة المناخ وانتهاكات حقوق الإنسان التي تترتب عليها.

يريدوننا أن نعتقد أن الحلَّ يكمن في العمل الفردي، وليس في وضع حد لجشع الشركات.

هذا ببساطة غير صحيح.

يستمد اقتصاد الوقود الأحفوري اليوم قوته وتمويله من الشركات والمسؤولين الحكوميين الذين ينتفعون من النظام الراهن. فهؤلاء هم الذين يقررون ما إذا كنا سنستمر في استخراج وحرق الوقود الأحفوري الذي يتسبب في إصابة الأطفال بالربو وغيره من الأمراض التنفسية في مدن شديدة التلوُّث، أو فقدان المزارعين وسائل عيشهم بسبب الجفاف أو الأمطار الغزيرة المدمرة.

لكن لا تزال هناك فسحة أمل. فالحكومات ملزمة قانونًا بتقليص انبعاثات الوقود الأحفوري بسرعة، والتخلص منها تدريجيًا، ويُعدُّ تقاعسها عن ذلك انتهاكًا لبعض حقوقنا الإنسانية الأساسية. ويتعين على حكومات البلدان الأكثر إسهامًا في تغيُّر المناخ، أن تتخذ إجراءات قبل غيرها، وأن تقلّص القدر الأكبر من الانبعاثات.

وتشمل هذه الحقوق الإنسانية الأساسية الحق في الصحة والغذاء والسكن، وحتى الحق في الحياة. وإذا عملنا معًا ورفعنا أصواتنا عاليًا بما يكفي، سنتمكن من خلق طريق ناجح للتغيير.

لم يَفُتْ الأوان لزرع بذور مستقبل ما بعد الوقود الأحفوري.

لقد كشفت الآثار المأساوية لتغيُّر المناخ بوضوح صادم كيف أن البيئة الصحية جزء لا يتجزأ من تمتعنا بجميع حقوقنا الأخرى.

أنياس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية

لماذا يُعتبر تقاعس قادتنا حيال تغيُّر المناخ إحدى قضايا حقوق الإنسان؟

يرتبط تغيُّر المناخ ارتباطًا وثيقًا بحقوق الإنسان بسبب تأثيره، ليس على البيئة فحسب، بل على رفاهنا، وبالتالي على بقائنا.

إن زعماء بلدان العالم، لا سيما البلدان مرتفعة الدخل التي تتحمل المسؤولية الأكبر عن انبعاثات غازات الدفيئة، لا يوفون بالتزاماتهم القانونية بوضع حد لتغيُّر المناخ ومساعدتنا على التكيف مع التغيُّر الذي حدث بالفعل. وإذا لم يتخذوا إجراءات سريعة، فإن الآثار الضارَّة لارتفاع درجة حرارة الكوكب ستستمر في الازدياد والتردي مع مرور الزمن، وستتسبب بالخراب للأجيال الحالية والمستقبلية.

ولهذا، فإن تقاعس الحكومات عن اتخاذ إجراءات بشأن أزمة المناخ على الرغم من الأدلة العلمية الدامغة، قد يشكل أفدح انتهاك لحقوق الإنسان في التاريخ عبر الأجيال.

وتتحمل الشركات أيضًا المسؤولية عن احترام حقوق الإنسان، ولكن العديد منها، ولاسيما شركات الوقود الأحفوري، يتهرَّب من مسؤولياتها عن الآثار المميتة من خلال الاستمرار في استخراج الوقود الأحفوري ومعالجته وبيعه وحرقه. كما أنها تنشر معلومات مضلِّلة بشأن تغيُّر المناخ، وتطبِّل للتحسينات الصغرى التي قامت بها باعتبارها أدلة على “مؤهلاتها الصديقة للبيئة”.

تغيُّر المناخ والحق في الحياة

لكل منا حق في الحياة والعيش بحرية وأمان. بيد أن تغيُّر المناخ يهدد حياة وسلامة مليارات البشر على هذا الكوكب. وأوضح مثال على ذلك هو الظواهر المرتبطة بالأحوال الجوية القاسية، من قبيل العواصف والفيضانات وحرائق الغابات.

وهناك عدة طرق أقل وضوحًا يشكل بها تغيُّر المناخ تهديدًا لحياة البشر. وتتوقع منظمة الصحة العالمية أن يتسبب تغيُّر المناخ بوفاة 250,000 شخص سنويًا في الفترة بين عاميْ 2030 و2050.

تغيُّر المناخ والحق في الصحة

لكل منا حق في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والنفسية. وفقًا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ، فإن الآثار الصحية الرئيسية لتغيُّر المناخ تشمل:

  • زيادة مخاطر التعرض للإصابات.
  • انتشار الأمراض والوفيات الناجمة عن أسباب منها موجات الحر والحرائق الأكثر حدة.
  • زيادة مخاطر نقص التغذية نتيجة لانخفاض إنتاج الأغذية.
  • زيادة مخاطر الأمراض الناجمة عن الأطعمة والمياه ونواقل العدوى.

إن الأشخاص، وخاصةً الأطفال، المعرَّضين للحوادث المسببة للصدمة النفسية، من قبيل الكوارث الطبيعية التي تتفاقم بتأثير تغيُّر المناخ، يمكن أن يعانوا من اضطرابات ما بعد الصدمة.

كما أن استخراج الوقود الأحفوري وحرقه يسببان لنا أضرارًا تتعدى التأثير على المناخ. وثمة أدلة علمية دامغة على وجود ارتباط مباشر بين التعرض لتلوث الهواء ووفاة 1.2 مليون شخص في عام 2020 وحده. إذ إن حرق الوقود الأحفوري وصنع المواد البتروكيماوية لا يسببان تلوث الهواء فحسب، بل إن الاحترار العالمي الناتج عنهما يجعل تلوث الهواء أكثر سوءًا.

تغيُّر المناخ والحق في السكن

إن لنا ولأُسرنا جميعًا الحق في مستوى معيشة لائق، بما في ذلك السكن اللائق.

لكن ما لم تتخذ الحكومات مزيدًا من الإجراءات للمساعدة على وقف تغيُّر المناخ، فإن الظواهر المناخية القاسية، من قبيل الفيضانات وحرائق الغابات، ستستمر في تدمير منازل الناس وتهجيرهم. كما يمكن أن يؤدي الجفاف إلى تغييرات ضارة كبرى في البيئة، بينما يشكل ارتفاع منسوب مياه البحار تهديدًا لمنازل ملايين الأشخاص حول العالم في المناطق المنخفضة.

وثمة أُناس مهجَّرون بالفعل نتيجة لتغيُّر المناخ، كما هو الحال في تباسكو بالمكسيك، حيث يؤدي ارتفاع منسوب مياه البحر إلى محو مجتمعات بأكملها.

تغيُّر المناخ والحق في المياه والصرف الصحي

لكل منا حق في الحصول على المياه الصالحة للاستخدام ومرافق الصرف الصحي التي تكفل لنا التمتع بحالة صحية جيدة.

لكن هناك مجموعة عوامل تُظهر أن تغيُّر المناخ يؤثر في نوعية المصادر المائية وكميتها، مثل ذوبان الثلوج والجليد، وانخفاض معدل سقوط الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة وارتفاع منسوب مياه البحار. وهناك حاليًا 785 مليون شخص لا يمكنهم الحصول على مصدر آمن للمياه أو الصرف الصحي، وتغيُّر المناخ سيزيد الأمر سوءًا.

شابَّة تغسل الأطباق في دلو خارج خيمة زرقاء ملفوفة بقماش ملوّن. ويوجد حبل غسيل أمام الخيمة، وصبي صغير يجلس على الأرض ويحدق في الأفق البعيد.
شابَّة وطفل هجَّرتهما الأمطار الغزيرة في منطقة بلدوين في الصومال، يجلسان خارج خيمتهما أثناء غسل الأطباق. لقد أدى تغيُّر المناخ إلى حدوث دورات من الفيضانات وموجات الجفاف، عرَّضت مئات آلاف الأشخاص في الصومال للأخطار والتهجير.
صبي يجلس على أنبوب صدئ قديم، يطل على أنقاض مدينة تضررت جرَّاء الفيضانات.
صبي يشاهد فرق الإنقاذ وهي تبحث تحت الأنقاض في مدينة سوسة شرق البلاد عقب الفيضانات المفاجئة المميتة في عام 2023.
صبي صغير يغسل يديه في حوض كبير، ولا يوجد ماء جارٍ.
طفل يغسل يده في منطقة بامبلونا آلتا، حيث ما زال سكانها يكابدون من أجل الحصول على مياه نظيفة في حياتهم اليومية. إن عدم إمكانية الحصول على مياه الشرب يرغم الناس على شرائها من شاحنات التوصيل.

ما الذي يسبِّب تغيُّر المناخ؟

  • حرق الوقود الأحفوري
  • الزراعة وإزالة الغابات
  • تغيير أغراض استخدام الأراضي

ترتفع درجة حرارة الكوكب بوتيرة أسرع من أي وقت مضى بسبب مجموعة من العوامل التي صنعها الإنسان.

يؤدي حرق الوقود الأحفوري لأغراض الطاقة والمواصلات -مثل ما يُسمى ’الغاز الطبيعي‘ والنفط والفحم- إلى انبعاث تلوث سام من شأنه أن يسمم هواءنا ورئتينا، وهو مسؤول عن أكثر من 70 بالمئة من انبعاثات غازات الدفيئة. وعند إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون والميثان في الهواء، فإنهما يحبسان الطاقة في الجو، مما يسبب ارتفاع درجة حرارة الكوكب.

إن الآثار الضارة لانبعاثات الوقود الأحفوري تتعمَّق بمعدلات مقلقة، نظرًا لأن حكوماتنا لا تعمل على إبعاد اقتصاداتنا عن الاعتماد على الوقود الأحفوري بسرعة كافية. وفي حين أنه في العديد من أنحاء العالم كان هناك استثمار متزايد في الطاقة المتجددة، فإن استخدام الوقود الأحفوري لا يتناقص لأن إجمالي استخدام الطاقة في ازدياد مستمر.

يتعين على حكوماتنا -ولا سيما في البلدان مرتفعة الدخل والانبعاثات المرتفعة- أن تركز على الانتقال من الوقود الأحفوري إلى الحلول العادلة والأكثر استدامة للطاقة، وعلى مساعدة البلدان متدنية الدخل على القيام بذلك أيضًا.

ما هي الصناعات الأكثر إسهامًا في تغيُّر المناخ؟

إن جميع قطاعات الصناعة تقريبًا تشارك في حرق الوقود الأحفوري، ولكن بعضها يسهم في انبعاثات غازات الدفيئة أكثر من غيرها. ومن غير المفاجئ أن يكون القطاع الذي ينتج معظم انبعاثات الوقود الأحفوري هو قطاع الطاقة، الذي يبيع منتجًا يضر بطبيعته بالمناخ.

أما ثاني أكثر القطاعات تلويثًا للبيئة فهو القطاع الزراعي. إذ إن ممارسات من قبيل تربية المواشي لأغراض الإنتاج الصناعي، وإزالة الغابات، وتغيير أغراض استخدام الأراضي، لا تُسهم في انبعاثات غازات الدفيئة في هوائنا فحسب، بل تدمر دفاعنا الطبيعي ضد زيادة مستويات ثاني أُكسيد الكربون. تمتص الغابات والأشجار ثاني أكسيد الكربون وتلعب دورًا كبيرًا في حماية الجو، لكنها تتعرض للتدمير بانتظام جراء حرائق الغابات المتعمدة التي تهدف إلى تمهيد الأرض لأغراض الزراعة التجارية.

عمود نار ضخم يخرج من أنبوب العادم
ألسنة اللهب تتصاعد من أنبوب العادم في أحد حقول شركة شل للنفط (Shell) في بومو بنيجيريا. إن تاريخ الخداع الطويل لشركة شل في دلتا النيجر ابتلى المنطقة بالتسرب النفطي الكارثي والممارسات القمعية العنيفة لأنشطة جماعة أوغوني المحلية.
عمودان ضخمان في محطة جيانغيو في الصين، وأمامهما جرافات ورافعات صفراء تزحف على تلال رملية داكنة من الفحم.
جرافة تدفع الفحم إلى حزام ناقل في محطة جيانغيو للطاقة في 28 يناير/كانون الثاني 2022 في جيانغيو، مدينة ميانيانغ، مقاطعة سيشوان الصينية.

مَن هو الأكثر تضررًا من تقاعس الحكومات عن مواجهة تغيُّر المناخ؟


سيظل تغيُّر المناخ يلحق الضرر بنا جميعًا ما لم تتخذ الحكومات الإجراءات الضرورية وتطلب المساعدة في اتخاذها إذا اقتضى الأمر. غير أن آثاره على الأرجح أكثر حدة على مجتمعات ومجموعات معينة، فضلًا عن الفئات المحرومة التي تتعرض للتمييز أصلًا، وتشمل الفئات الآتية، ولا تنحصر فيها:

الشعوب في البلدان النامية، وخاصة البلدان الساحلية ودول الجزر الصغيرة

إن سكان البلدان متدنية الدخل، وخاصةً دول الجزر الصغيرة المنخفضة والبلدان الأقل نموًا، هم من بين الأكثر تضررًا من تغيُّر المناخ. ليس لشعوب هذه البلدان إسهام يُذكر في انبعاثات غازات الدفيئة، لكن بلدانهم هي من بين الأكثر تضررًا منها.

في حين أن بعض البلدان عُرضة بشكل خاص لتغيُّر المناخ بسبب الجغرافيا -من قبيل دول الجزر- فإنه ليس من باب الصدفة أن تعاني البلدان متدنية الدخل من الخسائر والأضرار أكثر من غيرها. ولا يُعزى ذلك إلى تعرضها للكوارث المتصلة بالمناخ فحسب، وإنما أيضًا إلى العواقب الدائمة التي خلَّفها الاستعمار وإرثه المتمثل في التوزيع غير المتكافئ للموارد بين البلدان. وقد تعزَّزت هذه الفوارق في القوة في الوقت الراهن بالعنصرية والمواقف الاستعمارية الجديدة.

تفتقد البلدان متدنية الدخل إلى المال اللازم للتكيف مع الآثار الضارة لتغيُّر المناخ. ومع ذلك، فإن مَن يمتلكون الموارد الضرورية، من قبيل الشركات وحكومات البلدان مرتفعة الدخل، يتجاهلون بشكل منتظم مسؤولياتهم والتزاماتهم القانونية بالتصدي لهذه الأضرار.

وعلى الرغم من الاختلال العميق في موازين القوى، فإن العديد من الحكومات والنشطاء في البلدان متدنية الدخل يواصلون نضالهم. فعلى سبيل المثال، أسفرت حملة قامت بها حكومة فانواتو وطلبة من الجزيرة الصغيرة في المحيط الهادئ عن إجراء تصويت تاريخي في الأمم المتحدة، أدى إلى تعزيز دعواتها إلى اعتبار التقاعس عن التصدي لتغيُّر المناخ إحدى قضايا العدالة الدولية.

المجتمعات المحلية التي تعاني من العنصرية البيئية

إن آثار تغيُّر المناخ والتلوث المرتبط بالوقود الأحفوري تسري كذلك على أسس عرقية وغيرها من أشكال التفاوت الاجتماعي.

ففي أميركا الشمالية على سبيل المثال، غالبًا ما تضطر المجتمعات الأفقر من أصحاب البشرة الملونة إلى تنفس الهواء السام، لأنه من المحتمل جدًا أن تقع أحياؤها بالقرب من محطات الطاقة والمنشآت البتروكيماوية ومصافي النفط. ويعاني أفرادها من الأمراض التنفسية والسرطانات بمعدلات أعلى بشكل ملحوظ. كما أن الأميركيين الأفارقة عرضة للموت بسبب تلوث الهواء أكثر بثلاث مرات من إجمالي سكان الولايات المتحدة.

النساء والفتيات المهمَّشات

غالبًا ما تنحصر أدوار النساء والفتيات في الأدوار والوظائف التي تجعلهن أكثر اعتمادًا على الموارد الطبيعية. ونظرًا لأنهن يواجهن عقبات في الحصول على الموارد المالية أو التقنية، أو يُحرمن من ملكية الأراضي، فإنهن يصبحن أقل قدرة على التكيف مع تغيُّر المناخ. وهذا يعني أنهن أكثر عرضة لمخاطر الحوادث المرتبطة بالمناخ، لأنهن أقل قدرة على حماية أنفسهن من تلك المخاطر، وسيجدن صعوبة أكبر في التعافي من آثارها.

الأطفال

يعاني الأطفال والشبان أصلًا بسبب احتياجاتهم الجسدية والتنموية وتلك المتعلقة بعمليات الأيض في أجسامهم. وهذا يعني مثلًا أن النزوح القسري الذي تواجهه المجتمعات ويؤثر على طيف كامل من الحقوق -من الماء والصرف الصحي والغذاء إلى السكن اللائق والصحة والتعليم والتنمية- من المرجح أن يلحق الضرر بالأطفال على وجه الخصوص.

عائلة تسير على قاع النهر. تتكون أرضية النهر من تربة بيضاء مكسَّرة، تمتد حتى الأفق. وتتألف العائلة من امرأة ترتدي قماشة وردية تلفُّ رأسها، وطفل صغير يحمل عنزة صغيرة بيضاء، ورجل يرتدي بلوزة حمراء ويحمل جهاز تلفزيون.
قرويون محليون على قاع النهر الجاف في ساتخيرا، بنغلاديش. تعتبر بنغلاديش واحدة من أكثر بلدان القارة تعرضًا لتغيُّر المناخ.
Marinel is walking away from the camera down a dirt path. She is surrounded by lush gree trees and foliage.
الناشطة في مجال المناخ مارينيل أوبالدو تسير باتجاه شاطئ يولاندا في شرق سامار، الفلبين.
رجل يسكب دلو ماء على رأسه، وسط أرض جافة ومغبرَّة، وخلفه جدار من الطوب المقام حديثًا.
عامل في قمينة طوب في السبعين من العمر يسكب الماء على رأسه للتخفيف من وطأة الحر.

دراسة حالة: باكستان

في عام 2023، نشرت منظمة العفو الدولية بحثًا سلَّطت فيه الضوء على نضالات السكان الذين يرزحون تحت نير الفقر في بعض المدن الأعلى حرارة في العالم، ومنها لاهور وجاكوب أباد في باكستان.

وتأتي باكستان في مقدمة البلدان المتأثرة بأزمة المناخ، كما يتضح من سلسلة موجات الحر الشديد التي ضربتها، مما ألحق أضرارًا كبيرة بأوضاع حقوق الإنسان. وفي حين أن أثر الحرارة الشديدة يشعر به كل شخص، فإن بعض الأشخاص يشعرون بأثر أسوأ بكثير بسبب وضعهم الاجتماعي والاقتصادي.

إذا أخذنا استراحة، لا نحصل على أجر يومي… بسبب الفقر نحن مجبرون على العمل بصرف النظر عن حالة الطقس

سائق محراث في جاكوب أباد، حيث وصلت درجة الحرارة إلى 52 درجة مئوية

ما هي العدالة المناخية؟

ينبغي النظر إلى تغيُّر المناخ كقضية ممارسات غير عادلة، على غرار الانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان. فتغيُّر المناخ ناتج عن اتخاذ مجموعة صغيرة من الأشخاص المتنفذين إجراءات تلحق ضررًا بمجموعة أخرى من الأشخاص، وهم بقيتنا. يعاني المهمشون أكثر من غيرهم، كالأشخاص في البلدان متدنية الدخل، وأولئك الذين يواجهون التمييز في البلدان مرتفعة الدخل.

لهذا السبب ربما تكونون قد سمعتم الكثير من النشطاء والحركات الاجتماعية يستخدمون عبارة “العدالة المناخية”، التي تستخدم مقاربة تركز على الإنسان للحديث عن السياسات المتعلقة بإحداث تغيير بطريقة عادلة وغير متحيزة.

إن نهج العدالة المناخية ينظر إلى الأسباب الجذرية لأزمة المناخ، وكيف يفاقم تغيُّر المناخ أوجه عدم المساواة، ويدعو المؤسسات القوية إلى معالجة الاختلالات والمظالم، وإرساء أُسس العمل من أجل مستقبل لا يكرر التمييز الذي يحدث في الوقت الحاضر والذي حدث في الماضي.

تركز أي حركة من أجل العدالة المناخية على مطالب وتجارب ومعارف المجموعات والمجتمعات الأكثر تضررًا من أزمة المناخ.

وتدعونا جميعًا إلى إدراك كم نحن محظوظون عند تنظيم حملات وحشد الناس من أجل مستقبل عادل ومنصف.

إن العدالة بين فئات النوع الاجتماعي، والعدالة العرقية، والطبقية، والإثنية، وتلك المتعلقة بذوي الإعاقة وكذلك العدالة العابرة للأجيال، تُعتبر أساسية لتحقيق العدالة المناخية بحق.

مجموعة من النساء بالزي التقليدي لمجتمع الماساي ترفع لافتات كُتب عليها "أنقذوا مجتمع الماساي" و"البشر وليس الأرباح".
نساء من مجتمع الماساي يشاركن في إضراب مناخي عالمي نظَّمته حركة “تظاهرات يوم الجمعة من أجل المستقبل” للمطالبة بتعويضات مناخية، ومبادرة قادة العالم بالتحرك، واتخاذ إجراءات مناخية حقيقية.
رجلان يقفان أمام مسطَّح مائي مُحاط بأشجار ونباتات خضراء، ويرتدي كلاهما قبعة بيسبول وقميصًا ملونًا.
العم بول والعم باباي من زعماء السكان الأصليين لشعب غودا مالويليجال في مضيق توريس في أقصى شمال أُستراليا. يقول الزعيمان إن الحكومة الأُسترالية لا تتخذ الإجراءات الكافية لمنع الضرر الناجم عن تغيُّر المناخ، مما يؤدي إلى تدمير أراضيهما وثقافتهما.

دراسة حالة: أُستراليا

يتولى السكان الأصليون في العديد من أنحاء العالم زمام النضال من أجل العدالة المناخية، وذلك بسبب التهديد غير المسبوق الذي يشكله تغيُّر المناخ على أراضيهم وأسلوب حياتهم.

فعلى سبيل المثال، رفعَ اثنان من زعماء أمة غودا مالويليجال دعوى قضائية ضد الحكومة الأسترالية لمطالبتها باتخاذ إجراءات تمنع وقوع مزيد من التدمير للمواقع الثقافية المقدسة والبنية التحتية في جُزرهم.

وما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة، سيُرغَم العديد من سكان جزر مضيق توريس على مغادرة منازلهم، لأن مناطق واسعة ستمسي غير صالحة للسكن، ما سيكون له تأثير مدمر على مجتمعاتهم.

طالبوا الحكومة الأُسترالية بخفض انبعاثات الكربون وحماية حقوق مجتمعات الأمم الأولى

لماذا يُعتبر التحول في مجال الطاقة مهمًا؟

يُعدُّ التحول السريع من نظام الطاقة القائم على الوقود الأحفوري إلى البنية التحتية للطاقة المتجددة أمرًا ضروريًا لخفض انبعاثات غازات الدفيئة على مستوى العالم بنسبة 43% بحلول عام 2030، والوصول إلى صفر بحلول عام 2050، مقارنة بمستويات عام 2019.

من الضروري أن تقود حكومات اليوم التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة والتقنيات التي أثبتت فعاليتها، وأن تتبنى حلولًا حقيقية لا تضحي بالكوكب ولا بالبشر. ويجب ألا تجعلها مشكلة الأجيال القادمة. يجب على الحكومات مطالبة الشركات قانونًا باحترام حقوق الإنسان أثناء عملية التحول في مجال الطاقة.

فبعد سنوات من الممارسات الصناعية غير المنظمة، يظهر الأثر الضار لطفرة صناعة البطاريات على المجتمعات التي تعيش في البلدان الغنية بالموارد المعدنية، مثل تلك الموجودة في ’مثلث الليثيوم‘ في الأرجنتين، وتشيلي، وبوليفيا، ومنطقة تعدين الكوبالت في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

عامل يرتدي خوذة بيضاء وسترة عاكسة، ويمشي بين صفوف من الألواح الشمسية.
عامل تقني يسير بالقرب من الألواح الشمسية الكهروضوئية في محطة الطاقة أوميغا 1 في بيولينك، جنوب فرنسا.

أوقفوا عمليات الإخلاء القسري في كولويزي بجمهورية الكونغو الديمقراطية

كيف تُحمِّل منظمة العفو الدولية قادة الدول المسؤولية، وتحثهم على وضع حد لاستخدام الوقود الأحفوري؟

يتعين على صانعي القرار الأقوياء أن يقدموا الإنسان على الربح، وأن يضعوا حدًا لاستخدام الوقود الأحفوري بشكل تام وسريع.

فالعدالة الحقيقية تشمل وضع حدٍ لتدمير الكوكب، وتقديم التعويضات والدعم إلى الذين تضرَّرت حياتهم أكثر من غيرهم.

إن الحكومات والرؤساء التنفيذيين للشركات ينتهكون حقوقنا الإنسانية عندما يختارون الاستمرار في تدمير البيئة. وهذا الأمر ليس مجرد مسألة حُسن نوايا، بل التزام قانوني ينطبق على جميع الحكومات والشركات. وينبغي أن يتم تنفيذ وقف إنتاج واستخدام الوقود الأحفوري على مراحل بصورة عادلة، أي أنه يتعين على البلدان مرتفعة الدخل المسؤولة عن القسط الأكبر من الانبعاثات تاريخيًا أن تحمل على كاهلها العبء الأكبر من تحقيق العدالة المناخية. ويجب على هذه البلدان تقديم الدعم المالي للدول متدنية الدخل، كي تتمكن جميع الأطراف من الإيفاء بأهدافها المتعلقة بتقليص الانبعاثات.

إننا نسعى لتحقيق العدالة بشأن الآثار الضارة لتغيُّر المناخ. حيث أننا نجمع الأدلة ونجري البحوث لنطلب ممن يتقلدون المناصب النافذة اتخاذ إجراءات فعالة، ولندعم الدعوى القضائية المقدمة ضدهم.

ولعلَّ ما هو أكثر أهمية أننا نناضل مع أشخاص مثلكم، ممن يستطيعون مساعدتنا في رفع أصواتنا عاليًا، ليصبح واضحًا أن التقاعس عن اتخاذ إجراءات لمواجهة تغيُّر المناخ لن يمر مرور الكرام.

مجموعة من نشطاء منظمة العفو الدولية يرفعون يافطات، ويرتدون قمصانًا صفراء وبيضاء وسوداء، ويتظاهرون من أجل حقنا في كوكب آمن وصحي.
مسيرة مناخية تنظمها “حركة تظاهرات يوم الجمعة من أجل المستقبل” في مدريد، إسبانيا، 6 ديسمبر/كانون الأول 2019.