السودان 2024
واصلت جميع أطراف النزاع ارتكاب انتهاكات وتجاوزات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وانتهاكات للقانون الدولي الإنساني، ما أسفر عن وقوع عدد كبير من الإصابات في صفوف المدنيين. وقدّمت الدول أسلحة للأطراف المتحاربة، بما في ذلك في دارفور، في انتهاك لحظر الأسلحة الذي فرضه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وتعرضت النساء والفتيات للعنف الجنسي المرتبط بالنزاع على نطاق واسع. وتعرضت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للانتهاك من جراء نهب ممتلكات المدنيين وتدميرها. وأدى الانقطاع شبه الكامل للاتصالات إلى تقييد الحق في حرية التعبير، وقدرة المنظمات الإنسانية على توصيل المساعدات. واستمر الإفلات من العقاب على الانتهاكات والتجاوزات المرتبطة بالنزاع. ونزح ملايين الأشخاص داخليًا أو لجأوا إلى البلدان المجاورة منذ أبريل/نيسان 2023، وعاشوا في ظروف مزرية. بينما أعادت السلطات المصرية قسرًا مئات اللاجئين السودانيين إلى السودان.
خلفية
واصل النزاع المسلح، الذي اندلع في أبريل/نيسان 2023 في العاصمة الخرطوم بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، امتداده إلى مختلف أرجاء البلاد، من بينها ولايات الجزيرة وسنار وشمال دارفور. وخلال هذه الفترة، انضمت جماعات مسلحة وجهات فاعلة أخرى إلى النزاع، إذ تحالفت إما مع القوات المسلحة السودانية أو قوات الدعم السريع.
وعلى الرغم من العمليات السياسية المتعددة، فقد احتدم القتال طوال العام. ولم يتخذ المجتمع الدولي، بما في ذلك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي التدابير الكافية لحماية المدنيين، أو وضع حد للانتهاكات، أو وقف إمدادات الأسلحة وغير ذلك من صور الدعم للطرفين المتحاربين.
انتهاكات القانون الدولي الإنساني
علق العديد من المدنيين في مرمى النيران المتبادلة، إذ شنت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، إلى جانب المليشيات والجماعات المسلحة الأخرى، هجمات داخل أو من مناطق مكتظة بالمدنيين، مستخدمةً في كثير من الأحيان أسلحة متفجِّرة ذات آثار واسعة النطاق. فوفقًا لما ذكرته الأمم المتحدة بحلول ديسمبر/كانون الأول، كان قد لقي أكثر من 27,000 شخص حتفهم وأُصيب أكثر من 33,000 آخرين، أغلبهم من المدنيين، منذ أبريل/نيسان 2023، من جراء الغارات الجوية والقصف المدفعي المُكثَّف والهجمات البرية على منازلهم وقراهم.
وبعد انشقاق قائد قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة، أبو عاقلة كيكل، في 20 أكتوبر/تشرين الأول وانضمامه إلى القوات المسلحة السودانية، شنت قوات الدعم السريع هجمات انتقامية على عدة بلدات وقرى في شرق ولاية الجزيرة، من بينها تمبول ورفاعة والهلالية والسريحة والعزيبة. واستهدفت قوات الدعم السريع أشخاصًا داخل منازلهم وفي الأسواق والشوارع. وذكرت الأمم المتحدة أنه بين 20 و26 أكتوبر/تشرين الأول لقي 124 مدنيًا على الأقل مصرعهم، وأُصيب عشرات الآخرين ونزح نحو 119,400 شخص من ولاية الجزيرة، بينما وَرَدت 25 حالة عنف جنسي، على الأقل، في عدة قرى بشرق الولاية.
عمليات نقل الأسلحة غير المسؤولة
في سبتمبر/أيلول، مدد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حظر توريد الأسلحة، الذي فُرِض منذ 2004 على منطقة دارفور فقط، إلى عام آخر. ولم يُوسِّع نطاق تنفيذ الحظر على سائر مناطق السودان. كما أن حظر توريد الأسلحة القائم حاليًا لا يُنفَّذ على نحو فعَّال وكثيرًا ما يُنتهَك، بينما لا يُلبي بالكامل الاحتياجات التي يفرضها التعاطي مع الأزمة الحالية.
واستمر تأجيج النزاع جراء تدفق إمدادات الأسلحة والذخائر، بدون أي عوائق تقريبًا، إلى السودان، بما في ذلك دارفور، من الجهات الفاعلة من الدول والشركات من مختلف أنحاء العالم. وقد استخدمت الدول والجماعات المسلحة المختلفة في السودان، البلدان المجاورة لتكون بمثابة خطوط إمداد لإجراء عمليات نقل الأسلحة إلى داخل البلاد وحولها.1
وقد جرى استيراد كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات العسكرية المُصنَّعة حديثًا من الإمارات العربية المتحدة وتركيا وروسيا والصين، من بين بلدان أخرى، إلى السودان وتوجيه مسارها أو تهريبها إلى دارفور، حيثما يُحتمَل استخدامها بشكل كبير في ارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
وقد صدّرت بعض الشركات في تركيا وروسيا أنواعًا مختلفة من الأسلحة الخفيفة، التي تُباع عادةً في الأسواق للمدنيين، لتجار الأسلحة الذين تربطهم صلات وثيقة بالقوات المسلحة السودانية. إضافةً إلى ذلك، صدرت شركات في تركيا إلى السودان مئات الآلاف من المسدسات الخُلبية (التي تُعَد من الأسلحة الأقل فتكًا)، إلى جانب ملايين الخراطيش الخُلبية، لتحويلها، على الأرجح إلى أسلحة فتاكة.
العنف الجنسي والقائم على أساس النوع الاجتماعي
استمر تعرّض النساء والفتيات للعنف الجنسي المرتبط بالنزاع؛ إذ وجدت بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان أن العنف الجنسي والقائم على أساس النوع الاجتماعي، على وجه الخصوص الاغتصاب والاغتصاب الجماعي، كان منتشرًا على نطاق واسع في أرجاء السودان. وتبيَّن لها أيضًا أن عناصر قوات الدعم السريع ارتكبت أعمال عنف جنسي على نطاق واسع خلال الهجمات التي شنتها على المدن في منطقة دارفور والخرطوم الكبرى.
وفي العديد من الحالات، تعرضت النساء والفتيات في منطقة دارفور وولاية الجزيرة للاغتصاب، والاغتصاب الجماعي، على مرأى من أفراد أسرهن من قبل قوات الدعم السريع. وفي إحدى الحالات، في 27 مايو/أيار، تعرضت امرأة في حي الثورة-جنوب بمدينة الفاشر شمال دارفور، للاغتصاب الجماعي على أيدي ثلاثة جنود من قوات الدعم السريع على مرأى من زوجها، وابنها البالغ من العمر خمسة أعوام.
حقوق الأشخاص النازحين داخليًا
أسفر تصاعد حدة النزاع عن آثار مدمرة على نحو متزايد على المدنيين.
فقد نزح ما يزيد عن 11 مليون شخص داخليًا، من بينهم 8.6 مليون شخص كانوا نازحين منذ أبريل/نيسان 2023، ما يجعل السودان مكانًا لأكبر أزمة نزوح في العالم أجمع. وقد اضطرت أعداد متزايدة من الأشخاص إلى الفرار من منازلهم خلال العام، ما فاقم من الأوضاع الإنسانية المتردية أصلًا.
حقوق اللاجئين والمهاجرين
منذ أبريل/نيسان 2023، لاذ أكثر من 3.2 مليون شخص بالفرار إلى البلدان المجاورة للسودان: أثيوبيا وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب السودان وليبيا ومصر، حيث عاشوا في ظل ظروف مزرية.
نفذت قوات حرس الحدود المصرية العاملة تحت إشراف وزارة الدفاع، وقوات الشرطة العاملة تحت إشراف وزارة الداخلية، اعتقالات جماعية تعسفية، واحتجزت النساء والرجال والأطفال في ظروف قاسية ولاإنسانية، في انتظار إعادتهم قسرًا إلى السودان. بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار، أعادت السلطات المصرية قسرًا ما يُقدّر بـ800 مواطن سوداني في 12 حادثة بدون إجراء تقييمات فردية أو منحهم حقهم في طلب الحماية الدولية أو الطعن في قرارات الترحيل (انظروا باب مصر). وتزامنت هذه الحالات مع امتداد رقعة النزاع لتشمل ولايتي الجزيرة وسنار ومناطق أخرى، ما أرغم الكثير من العائدين على الفرار مجددًا إلى مصر أو بلدان أخرى.
الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
أشارت الأمم المتحدة إلى ظروف المجاعة التي تسود مخيم زمزم للنازحين داخليًا بشمال دارفور، والذي يستضيف أكثر من 400,000 شخص. وبلغ انعدام الأمن الغذائي الشديد في أرجاء السودان مستويات قياسية، ليبلغ عدد المتأثرين 25.6 مليون شخص، أي أكثر من نصف سكان البلاد. وقد تفاقم الوضع بارتفاع أسعار الغذاء، لا سيما في المناطق التي سُجِّلَت فيها ظروف مجاعة؛ ففي إحدى مناطق مدينة الفاشر، ارتفعت أسعار الذرة الرفيعة والدُخن بأكثر من ثلاث أضعاف منذ 2023، بينما ازدادت أسعار القمح بأكثر من ضعفين.
وأفادت البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان بأن أعمال النهب والتدمير التي طالت الممتلكات على أيدي قوات الدعم السريع وحلفائها بصفة أساسية، قد أضرت بالمجتمعات غير العربية، وعلى وجه الخصوص جماعة المساليت؛ فقد تعرضت سبل عيش هذه المجتمعات للتقويض، وكذلك البنية الأساسية المدنية، التي شملت المآوي ومصادر الحصول على الغذاء والمياه والأنظمة الصحية، ومحطات المياه، والمكاتب والمنشآت العامة. وخلصت البعثة الدولية المستقلة إلى أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للسكان المدنيين قد انتُهِكَت من جراء تلك الأعمال، لا سيما حقوقهم المتعلقة بالصحة البدنية والعقلية وحقوقهم في الغذاء والمياه والسكن.
الحق في الحصول على المعلومات
أدّى انقطاع الاتصالات بشكل شبه كامل، في أعقاب حجب شبكات وخدمات الاتصال في مطلع فبراير/شباط، إلى تقييد الحق في حرية التعبير، وشكّل مخاطر شديدة على سبل تنسيق المساعدات الطارئة، والخدمات الإنسانية المُقدَّمة إلى ملايين الأشخاص العالقين في النزاع. ووفقًا لما ذكرته منظمة أكسس ناو (Access Now) غير الحكومية، سيطرت قوات الدعم السريع على مراكز البيانات التابعة للشركات المُقدِّمة لخدمة الإنترنت في الخرطوم قبل انقطاع الاتصالات.
وفي 7 فبراير/شباط، أعلنت منظمة نيتبلوكس (Netblocks) غير الحكومية انقطاع اتصال شركة زين، إحدى الشركات الرائدة في مجال اتصالات الهاتف المحمول، إلى حد كبير. واستمرت حالات انقطاع الإنترنت طوال العام في العديد من المناطق. ونتيجة لذلك، لم يتمكن مراقبو ومدافعو حقوق الإنسان من توثيق انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان.
ومن ناحية أخرى، لم يتمكن السودانيون في المهجر وأولئك الذين ينسقون الاستجابات لحالات الطوارئ على الأرض، من إرسال أو تحويل الأموال إلى السودان وداخله عبر تطبيقات الخدمات المصرفية على الهاتف المحمول، والتي تُعَد إحدى الوسائل القليلة المتبقية لتحويل الأموال. وأحيانًا لم يتمكن مستلمو الأموال المُحوَّلة من الحصول عليها، عند تحويلها.
الحق في معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة والحصول على التعويض
استمر الإفلات من العقاب على الانتهاكات والتجاوزات المرتبطة بالنزاع. ولم يكُن قد سُلِّم ثلاثة رجال، من بينهم الرئيس الأسبق عمر البشير، لمحاكمتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية، بعد أن وجهت إليهم تهمًا.
وفي أغسطس/آب، أصدرت اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب قرارًا بتشكيل بعثة مشتركة مع إدارة الشؤون السياسية والسلام والأمن التابعة للاتحاد الإفريقي لتقصي الحقائق بشأن أوضاع حقوق الإنسان في السودان، ونشر النتائج التي تتوصل إليها في غضون ثلاثة أشهر. ولم تكُن قد صدرت أي نتائج أو توصيات بحلول نهاية العام.
وخلصت بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان، في أول تقرير لها صدر في سبتمبر/أيلول، إلى أن القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع، قد ارتكبتا جرائم حرب، وأن قوات الدعم السريع قد ارتكبت أيضًا جرائم ضد الإنسانية. وقدمت في التقرير توصيات بشأن إحقاق المساءلة وإتاحة سبل التماس العدالة أمام الضحايا، وتضمنت توسيع نطاق الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية ليمتد من دارفور ويشمل سائر مناطق السودان، وإرساء آلية قضائية دولية، وتوسيع نطاق استخدام الدول للولاية القضائية العالمية، وإنشاء هيئة معنية بالكشف عن الحقيقة، ومكتب لدعم الضحايا وتقديم التعويضات إليهم. وفي أكتوبر/تشرين الأول، أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارًا بتمديد ولاية البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في السودان لعام آخر.