الأمم المتحدة: لا تساهل أبداً مع الدول التي تخرق التزاماتها بموجب معاهدة تجارة الأسلحة

  •          ما برحت الدول الأطراف تقوم بعمليات نقل لامسؤولة للأسلحة، معرِّضة أرواح البشر وحقوق الإنسان للمخاطر
  •          لم تفِ أكثر من ربع الدول الأطراف بعد بالتزام الإبلاغ وإصدار التقارير عن نقل الأسلحة الذي تقتضيه المعاهدة
  •          وترفض بعد الدول الأطراف إخضاع عمليات نقلها للأسلحة للفحص والتدقيق العلني

قالت منظمة العفو الدولية اليوم إنه يتعين على الدول الأعضاء في “معاهدة تجارة الأسلحة” العالمية (المعاهدة) أن تفي بالوعود التي قطعتها المعاهدة، بإنقاذ أرواح البشر وحماية حقوق الإنسان من الآثار المدمرة للتجارة الدولية بالأسلحة، عن طريق اتخاذ خطوات ملموسة وشفافة من أجل التنفيذ الفعال لأحكام المعاهدة.

وسينعقد في جنيف، ما بين 22 و26 أغسطس/آب، “المؤتمر الثاني للدول الأطراف في معاهدة تجارة الأسلحة”، وسيحضره مئات المندوبين من ممثلي أكثر من 100 دولة. وهذه لحظة مواتية تماماً للدول الأطراف كي تخضع بعضها بعضاً للمحاسبة على تنفيذ المعاهدة، وتناقش الطرق الكفيلة بتعزيزها.

بإمكان ’معاهدة تجارة الأسلحة ‘ أن تنقذ ملايين الأرواح، وما يثير الفزع، على نحو خاص، أن تعتقد الدول التي وقعت على المعاهدة أو صادقت عليها، بأنها تستطيع مواصلة تزويد القوى التي عرف عنها ارتكابها جرائم حرب، وتسهِّل ارتكابها، بالأسلحة

برايان وود، رئيس برنامج الرقابة على الأسلحة وحقوق الإنسان في منظمة العفو الدولية

وتعليقاً على ما ينبغي على الدول القيام به، قال برايان وود، رئيس برنامج الرقابة على الأسلحة وحقوق الإنسان في منظمة العفو الدولية، إن “بإمكان ’معاهدة تجارة الأسلحة ‘أن تنقذ ملايين الأرواح، وما يثير الفزع، على نحو خاص، أن تعتقد الدول التي وقعت على المعاهدة أو صادقت عليها، بأنها تستطيع مواصلة تزويد القوى التي عرف عنها ارتكابها جرائم حرب، وتسهِّل ارتكابها، بالأسلحة؛ وإصدار التراخيص لتصدير الأسلحة حتى عندما يتضح بأن ثمة مخاطر بادية للعيان من أن تسهم هذه الأسلحة في ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.

“ومن غير الجائز أن يكون هناك تساهل أبداً، بأي صورة من الصور، حيال الدول التي تعتقد أن إطلاقها التصريحات الطنانة بشأن المعاهدة يعفيها من تنفيذها. فضرورة تنفيذ أحكام المعاهدة على نحو أكثر فعالية لا لبس فيها: فمن اليمن إلى سوريا إلى جنوب السودان، يذبح الأطفال كل يوم، وتقطِّع القذائف أوصالهم، بينما يُخضع المدنيون للتهديد ويحتجزون تحت تهديد السلاح، وترتكب الجماعات المسلحة الانتهاكات الفظيعة بأسلحة أنتجت في بلدان ملزمة باحترام أحكام المعاهدة.”

قل للأسلحة بلا ضمير 

واصلت الولايات المتحدة الأمريكية، التي وقعت على “معاهدة تجارة الأسلحة”، والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، التي صادقت عليها، بما فيها بلغاريا وجمهورية التشيك وفرنسا وإيطاليا، بإغداق الأسلحة الصغيرة، والأسلحة الخفيفة، والذخائر، والعربات المصفحة، والمعدات الشرطية على مصر، رغم حملة السلطات القمعية الوحشية المستمرة ضد الرأي المخالف، ومقتل مئات المحتجين خارج نطاق القانون، واعتقال الآلاف، وتواتر تقارير تعذيب المعتقلين منذ 2013.

ففي 2014، على سبيل المثال، أصدرت فرنسا تراخيص لتصدير الأسلحة شملت مجدداً عربات “شيربا” المصفحة المتطورة التي استخدمتها قوات الأمن لقتل مئات المتظاهرين المشاركين في اعتصام “رابعة العدوية”، قبل ذلك بعام واحد فقط. كما ظلت الأسلحة المشتراة من دول موقعة على المعاهدة تستعمل في تأجيج الحروب الأهلية. وعلى سبيل المثال، وافقت أوكراينا في 2014 على تصدير 830 رشاشاً خفيفاً و62 مدفعاً رشاشاً ثقيلاً إلى جنوب السودان. وعقب ستة أشهر من توقيعها على المعاهدة، أصدرت السلطات الأوكرانية رخصة تصدير، في 19 مارس/آذار 2015، لتزويد جنوب السودان بطائرات مروحية هجومية من طراز مي- 24 لم يكشف النقاب عن عددها. وقد دخلت ثلاث من هذه المروحيات الهجومية الخدمة حالياً من قبل القوات الحكومية لجنوب السودان، وهي تنتظر وصول أخرى، حسبما ذكر.

من المستحيل أن تنسجم قرارات أوكرانيا بتصدير الأسلحة هذه إلى جنوب السودان، حيث يتعرض المدنيون الذين يحتمون بالمستشفيات وبأماكن العبادة، ويعيشون في ظل حماية بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام، للهجمات وللقتل

برايان وود

وعلّق برايان وود قائلاً: “إن حكومة أوكرانيا قد وافقت بتوقيعها على’معاهدة تجارة الأسلحة‘على عدم القيام بأي خطوات من شأنها تقويض هدف الاتفاقية وغرضها، وهذا يشمل ضمان أن لا يتم نقل الأسلحة أبداً إذا ما توافرت معلومات بأنها يمكن أن تستخدم لارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك هجمات موجهة ضد المدنيين. ومن المستحيل أن تنسجم قرارات أوكرانيا بتصدير الأسلحة هذه إلى جنوب السودان، حيث يتعرض المدنيون الذين يحتمون بالمستشفيات وبأماكن العبادة، ويعيشون في ظل حماية بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام، للهجمات وللقتل، مع أحكام المعاهدة.

“ومن الصعوبة بمكان أيضاً تصور كيف تستطيع دول الاتحاد الأوروبي الأطراف في المعاهدة رؤية القمع العنيف الذي تمارسه الدولة في مصر، وتخلص إلى الاستنتاج بأن نقل الأسلحة إلى قوات الأمن الداخلي ينسجم مع قواعد المعاهدة.”

ثغرات في الإبلاغ

إن تغاضي بعض الدول الأطراف المستمر عن إصدار التقارير والإعلان عما تستورده وتصدره من أسلحة يشكل خرقاً للمعاهدة. فالمعاهدة تقتضي من الدول الأطراف إصدار تقريرين محددين: تقرير أولي بشأن التدابير المتخذة لتنفيذ المعاهدة، بما في ذلك إعمالها في القوانين والإجراءات والتدابير الإدارية الأخرى على الصعيد الوطني، وقد استحق منذ ديسمبر/كانون الأول 2015؛ وكذلك تقرير سنوي بشأن صادرات الأسلحة التي تم إصدار تراخيص لها أو صدِّرت فعلاً، وقد استحق في 31 مايو/أيار 2016.

وثمة شعور بالفزع يساور منظمة العفو الدولية من أن 27 بالمئة من الدول الأطراف التي استحق إصدار تقاريرها بحلول 17 أغسطس/ آب لم تكن قد قدمت تقارير التنفيذ الأولية بعد في هذا الموعد، بينما لم تقدم 27 بالمئة من الدول الأطراف تقاريرها السنوية بشأن وارداتها وصادراتها من الأسلحة حتى اليوم.

ولا يتوجب على الدول التي انضمت إلى “معاهدة تجارة الأسلحة” صراحة، في الوقت الراهن، أن تعلن تقاريرها على الملأ، بينما يحتوي النموذج المؤقت للإبلاغ عن واردات وصادرت الأسلحة صندوقاً، للإشارة بنعم أو لا، تستطيع ببساطة أن تعلن فيه أنها ترغب في القيام بذلك أم لا. وقد اختارت مولدوفا وسلوفاكيا أن تبقي على تقاريرها بشأن الواردات والصادرات سرية.

وقال برايان وود: “إن من شأن تخيير الحكومات بين أن تخفي تفاصيل بعض أو كل صادراتها ووارداتها من الأسلحة، أو تعلنها، أن يجعل من المستحيل على البرلمانات ووسائل الإعلام والمجتمع المدني تقييم ما إذا كانت قد تمت تلبية أهداف حقوق الإنسان الأساسية أم لا.

“ويتعين على جميع الدول أن تقدِّم التقارير المطلوبة في أقرب وقت ممكن، وأن تعلن تقاريرها على الملأ عبر الإنترنت، وأن توضح أسباب أي تأخير في هذا الصدد.”

ضمانات المستوردين بشأن المستخدم الأخيرلأسلحة حتى اليوم

تدعو منظمة العفو الدولية الدول المصدرة للأسلحة إلى التقيد بالمتطلب الأساسي المتمثل في عدم الموافقة على أية عملية نقل للأسلحة، إلى أن تقدِّم الدول المستوردة ضمانات ملزمة قانوناً تكفل أن يحترم المستخدم الأخير لتلك الأسلحة حقوق الإنسان، وحكم القانون.

ففي الوقت الراهن، لا تجري تقييمات مناسبة للآثار التي ترتبها عمليات نقل الأسلحة على حقوق الإنسان في كل حالة على حدة، كما تقتضي “معاهدة تجارة الأسلحة”. وعلى سبيل المثال، أقرت وزارة خارجية الولايات المتحدة، منذ مارس/آذار 2015، مبيعات محتملة من المعدات العسكرية والدعم اللوجستي إلى المملكة العربية السعودية بقيمة تزيد على 24 مليار دولار أمريكي، بينما أقرت المملكة المتحدة، ما بين مارس/آذار 2015 ويونيو/حزيران 2016، تصدير ما قيمته 3.4 مليار جنيه استرليني من الأسلحة إلى السعودية. وصدرت هذه الموافقات بينما كان الائتلاف الذي تتزعمه السعودية يشن ضربات جوية متواصلة وعشوائية وغير متناسبة، وهجمات برية، على المدنيين في اليمن، يمكن أن يكون بعضها قد ارتقى إلى مستوى جرائم حرب.

واختتم برايان وود بالقول: “إن إنقاذ أرواح البشر، واحترام القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، يجب أن يكونا شرطاً لضمانات المستخدم الأخير.

“ومن شأن الضمانات المحكمة بشأن المستخدم الأخير كذلك أن تخفف من مخاطر نقل الأسلحة، أو تحويل وجهتها إلى جماعات من غير المسموح أن تصل إليها، أو استعمالها لغايات لم تُنقل من أجلها أصلاً، وربما في عمليات غير قانونية تشكل خرقاً لأحكام معاهدة ’تجارة الأسلحة‘.”

خلفية

بعد 20 سنة من جهود كسب التأييد والحملات المثابرة التي بذلتها منظمة العفو الدولية وشركاؤها من المنظمات غير الحكومية الأخرى، صوتت الجمعية العمومية للأمم المتحدة بإقبال شديد”، في 2 أبريل/نيسان 2013، إلى جانب تبني نص “معاهدة تجارة الأسلحة. ودخلت المعاهدة حيز النفاذ في 24 ديسمبر/كانون الأول 2014، مما يعني أنها قد أصبحت جزءاً رسمياً من القانون الدولي بالنسبة لجميع الدول التي صدقت عليها أو انضمت إليها.

و”معاهدة تجارة الأسلحة” معاهدة عالمية كرّست، وللمرة الأولى، محظورات لوقف العمليات الدولية لنقل الأسلحة والذخائر، وما يتصل بها من بنود، فيما بين الدول، عندما يعرف بأنها سوف تستخدم لارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، أو جرائم ضد الإنسانية، أو جرائم حرب، أو لتسهيل ارتكاب مثل هذه الجرائم.

أما الأحكام الأبرز المتعلقة بحقوق الإنسان في المعاهدة فقد وردت في المادة 6، التي تحرِّم عمليات نقل الأسلحة حيثما تنشأ بواعث قلق معقولة بشأن حقوق الإنسان؛ والمادة 7، التي تقتضي إجراء تقييم بشأن مخاطر أن يكون للأسلحة المصدرة “عواقب سلبية” على السلم والأمن وحقوق الإنسان. ولا تقتضي المعاهدة “الموازنة” بين مخاطر التصدير والفائدة المرجوة منه، وإنما تقتضي من الدول إجراء تجري تقييم وافٍ للمخاطر المترتبة على “العواقب السلبية” لعملية التصدير موضوع البحث.

وبعد أكثر من سنتين بقليل من تبني المعاهدة، بلغ عدد الدول التي وقعت عليها 130 دولة، وهو رقم مشجع للغاية، بينما وقعت 43 على المعاهدة، ولكن دون أن تصدق عليها بعد. وبما يتجاوز توقعات بعض الدبلوماسيين، بلغ مجموع الدول التي صدقت على المعاهدة حتى الآن 87 دولة، بينها خمس من الدول الأكثر تصديراً للأسلحة في العالم: وهي فرنسا وألمانيا وإيطاليا وأسبانيا والمملكة المتحدة. بيد أن دولتين مصدرتين كبيرتين للأسلحة، هما روسيا والصين، لم تنضما إلى المعاهدة، وقد قامتا بتزويد منتهكين فظيعين لحقوق الإنسان بالأسلحة.

وسيحضر “المؤتمر الثاني للدول الأطراف في اتفاقية معاهدة الأسلحة”، في جنيف، وفد لمنظمة العفو الدولية من سبعة أشخاص، بهدف كسب التأييد لقضايا رئيسية، وجمع معلومات حول وضع الدول التي لم تصدق على المعاهدة أو تنضم إليها بعد.

اطلع على القائمة الكاملة للدول الأطراف والدول الموقعة على المعاهدة