حذّرت 20 وكالة إغاثة من أنه مع تكثيف الهجمات الإسرائيلية على رفح، بدا وكأن سبل إيصال المساعدات قد تحسّن بفعل التدفق غير المتوقع للمساعدات إلى غزّة؛ إلا أن الاستجابة الإنسانية في الواقع على وشك الانهيار. أدت الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على مخيم للنازحين قرب مرافق المساعدات التابعة للأمم المتحدة في رفح إلى مقتل عشرات الأشخاص، من بينهم أطفال، وإصابة كثيرين بجروح. لقد انهارت قدرة مجموعات الإغاثة والفرق الطبية على الاستجابة، مع وجود إصلاحات مؤقتة مثل ’الرصيف العائم‘ ونقاط عبور جديدة ليس لها أي تأثير يذكر.
وتخشى وكالات الإغاثة الآن من تسارع الوفيات الناجمة عن الجوع والمرض والحرمان من المساعدة الطبية، في حين تظل نقاط الدخول البرية والبحرية مغلقة فعليًا أمام المساعدات الإنسانية المُجدية – وخاصة الوقود الذي تشتد الحاجة إليه – وتتكثف الهجمات في المناطق التي تؤوي المدنيين.
وقالت 20 وكالة إغاثة إنّ العرقلة الممنهجة عند نقاط العبور التي تسيطر عليها إسرائيل، وتكثيف الأعمال العدائية، وانقطاع الاتصالات لفترات طويلة، أدت إلى خفض حجم المساعدات التي تدخل غزّة، بما في ذلك الغذاء والوقود والإمدادات الطبية، إلى بعض من أدنى المستويات التي شهدتها الأشهر السبعة الماضية.
لم تتمكن منظمة أطباء بلا حدود – وهي إحدى أكبر المنظمات الإنسانية والطّبية في غزّة – من إدخال أي إمدادات إلى القطاع منذ 6 مايو/أيار. ويُعرّض نقص إمدادات المياه النظيفة المرضى لخطر كبير بالإصابة بالأمراض. ومع ذلك، فإن السلطات الإسرائيلية ترفض في أغلب الأحيان استخدام وحدات تحلية المياه والمضخات الغاطسة لإنشاء أنظمة مياه مستدامة لتوفير المياه.
كما وصلت أيضًا التحديات التي تواجه توزيع المساعدات بأمان داخل القطاع إلى مستوى مرتفع جديد. ففي أقل من ثلاثة أسابيع، نزح ما يقرب من مليون فلسطيني حديثًا إلى مناطق مكتظة تفتقر إلى الوسائل اللازمة لتأمين الحياة البشرية. كما أنّ المخاوف المستمرة بشأن حماية عمليات تقديم المساعدات، بما في ذلك سلامة العاملين في مجال تقديم المساعدات، ونقاط التفتيش الإسرائيلية المنتشرة داخل غزّة، لا تزال تعيق الاستجابة الإنسانية.
وقالت زينب، وهي امرأة حامل قُتل زوجها في غارة جوية إسرائيلية، لمنظمة كير إنترناشونال (CARE International) في مارس/آذار، إنها فرّت من مدينة غزّة إلى رفح ثم إلى خانيونس. كان عليها أن تمشي لساعات طويلة إلى صيدليات ومستشفيات ومراكز صحية مختلفة للعثور على أدوية لمعالجة مضاعفات الحمل، ولم تتمكن من العثور على ما يكفي من مياه الشرب أو الطعام. قال طبيبها إنها تحتاج إلى عملية قيصرية، ومن المقرر أن تلد الأسبوع المقبل، ولكن هناك مخاوف من عدم وجود مكان في أي من المستشفيات المتبقية التي تعمل جزئيًا.
لقد تم فعليًا تفكيك النظام الصحي في غزّة. فكل مستشفى تقريبًا في غزّة إما يواجه ’أوامر إخلاء‘، أو يقع تحت الحصار الإسرائيلي، أو يشرف على نفاد الوقود والإمدادات. وأُجبر مستشفى أبو يوسف النجّار، وهو أكبر مستشفى في رفح، على الإغلاق بعد ’أمر إخلاء‘ أصدرته إسرائيل، ولا يوجد مستشفى في شمال غزّة يمكن الوصول إليه حاليًا. وقال العاملون في المجال الطبي في غزّة إن المرضى يتوفّون يوميًا بسبب نقص الإمدادات الطبية، بينما يستمر قتل الأطباء والممرضين وغيرهم من العاملين الصحيين أو تهجيرهم قسرًا.
وقالت منظمة إنقاذ الطفل (Save the Children) إنه لم يعد من الممكن إجلاء الأطفال طبيًا من غزّة، وإن الأطفال يكافحون من أجل التكيف مع الأهوال التي يواجهونها يوميًا، وفقدان الأسرة والأحباء، وهم في حاجة ماسة إلى الدعم النفسي والاجتماعي.
وقالت مؤسسة جذور الشريكة لمنظمة أوكسفام، في 19 مايو/أيار، إن ستة من الملاجئ المكتظة أصلًا التي تدعمها في جباليا شمال غزّة تدمرت بالكامل بسبب القصف الإسرائيلي. كانت الملاجئ توفر خدمات طبية، وتستضيف النازحين من المناطق المحيطة في الشمال. وقد عاد الموظفون الذين فروا من المنطقة ليجدوا أَسرّة المرضى محترقة، والمعدات والإمدادات الطبية الحيوية مدمرة.
وفي جنوب غزّة، تم قطع تدفق المساعدات بشكل كامل. واضطرت جميع المخابز في رفح إلى إغلاق أبوابها. وأدى تضاؤل الإمدادات، وعدم القدرة على الوصول إلى مستودعات تخزين المساعدات، وانعدام الأمن، إلى إجبار وكالات الإغاثة على تعليق عمليات التوزيع في الجنوب، وقد تضطر هذه الوكالات قريبًا إلى تعليق عملياتها في خانيونس ودير البلح ومدينة غزّة نظرًا لأن الإمدادات تستنفد بسرعة. ويعيش العديد من الفلسطينيين الآن على أقل من 3% من احتياجاتهم اليومية من المياه، مع ارتفاع درجات الحرارة بشكل خطير، وانتشار أمراض مثل الإسهال والتهاب الكبد بشكل سريع.
وقد أعطت الإعلانات عن استحداث نقاط عبور إضافية ومبادرات، بما فيها ’الرصيف العائم‘ الجديد، وهمًا بالتحسن، ولكنها كانت إلى حد كبير بمثابة تغييرات شكلية. وفي الفترة ما بين 7 و27 مايو/أيار، دخل ما يزيد قليلًا عن 1,000 شاحنة محملة بالمساعدات إلى غزّة عبر جميع نقاط العبور مجتمعة، بما فيها ’الرصيف العائم‘ الذي تم بناؤه حديثًا، وفقًا لإحصائيات الأمم المتحدة. وهذا الرقم منخفض بشكل مثير للقلق نظرًا للاحتياجات الإنسانية المتزايدة لسكان غزّة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، وهو أقل بكثير بالمقارنة مع معظم الفترات الأخرى في الأشهر السبعة الماضية.
أُغلِق معبر رفح، وهو أحد نقاط الدخول الرئيسية للمساعدات والعاملين في المجال الإنساني إلى غزّة، منذ أن استولت القوات الإسرائيلية عليه في 7 مايو/أيار. في هذه الأثناء، لا تزال أكثر من 2,000 شاحنة مساعدات تنتظر في العريش في مصر حتى تسمح إسرائيل لها بالدخول، مع تعفن الطعام وانتهاء صلاحية الأدوية بينما تواجه العائلات مستويات مرتفعة من المجاعة على بعد أميال قليلة. وفي حين أن معبر كرم أبو سالم لا يزال مفتوحًا رسميًا، فقد تم إعطاء الأولوية للشاحنات التجارية، ولا تزال حركة المساعدات غير متوقعة، وغير متسقة، ومنخفضة للغاية.
وتواصل وكالات الإغاثة ومنظمات حقوق الإنسان الدعوة إلى وقف فوري ومستدام لإطلاق النار من أجل الإنقاذ والحماية، وإلى إيجاد طرق ثابتة ويمكن التنبؤ بها لإدخال المساعدات إلى غزّة وتوزيعها فيها. ويجب على جميع الأطراف حماية إيصال المساعدات الإنسانية وتقديمها إلى الناس. وتدعو المنظماتُ الأطرافَ المتحاربة إلى الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، كما تحث إسرائيل على الالتزام بأحكام محكمة العدل الدولية، بما في ذلك قرارها الأخير بوقف إسرائيل هجومها العسكري على رفح. ويظل المجتمع الدولي، بما في ذلك حكومات الأطراف الثالثة وأعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ملزمًا بالتزاماته بموجب القانون الدولي الإنساني، وأحكام محكمة العدل الدولية، لضمان حماية الفلسطينيين.
من جانبها، تعمل وكالات الإغاثة على مدار الساعة، في محاولة لتقديم المساعدات المنقذة للحياة في ظل ظروف مستحيلة، ولكن لا يوجد الكثير مما يمكن القيام به إذا استمرت الدول في التنصل من التزاماتها القانونية ومسؤوليتها الأخلاقية لتأمين وقف إطلاق النار.
تنويه المحررين
- لقد حذرت وكالات الإغاثة، مرارًا وتكرارًا، من أن أي محاولات لإيصال المساعدات إلى غزّة عن طريق الجو والبحر – والتي تظل غير فعالة ومكلفة وحتى خطيرة – لا يمكن أن تحل محل المعابر البرية، وتخاطر بالتحول إلى عملية إلهاء عن معالجة العوائق التي تواجهها وكالات الإغاثة على الأرض. كان متوسط عدد الشاحنات التي تدخل غزّة قبل الأزمة 500 شاحنة يوميًا خلال أيام العمل، بما في ذلك الوقود.
- في الفترة من 7 إلى 23 مايو/أيار، دخلت 906 شاحنات محملة بالمساعدات إلى قطاع غزّة عبر جميع نقاط العبور البرية والبحرية مجتمعة، ودخلت 160 شاحنة أخرى محملة بالمساعدات في الفترة من 24 إلى 26 مايو/أيار، بإجمالي 1,066 شاحنة.
- لا يزال أكثر من 81,026 من الفلسطينيين في غزّة مصابين بجروح خطيرة، وقد توقفت جميع عمليات الإجلاء الطبي من غزّة منذ استيلاء إسرائيل على معبر رفح في 7 مايو/أيار. ويحتاج ما يقدر بنحو 14,000 مصاب ومريض يعاني من أمراض خطيرة إلى علاج منقذ للحياة في الخارج.
- لا يزال إجمالي 4,500 شاحنة، بما فيها شاحنات تجارية وشاحنات محملة بالمساعدات، ينتظر على الجانب المصري من معبر رفح الحدودي.
- عند معبر كرم أبو سالم البري، تعطي السلطات الإسرائيلية الآن الأولوية للشاحنات التجارية على حساب شاحنات المساعدات، مما يعني أن المواد الغذائية والإمدادات الأخرى التي تدخل لن تصل إلى من هم في أمس الحاجة إليها.
- لا يزال الوصول عبر معبر إيريز الغربي (زيكيم) مقيدًا بشدة.
- قُتل أكثر من 266 من العاملين في مجال الإغاثة، معظمهم من الفلسطينيين.
- منذ 7 مايو/أيار، لم تتمكن المنظمات الإنسانية في المجموعة اللوجستية من الوصول إلى مرافق التخزين أو تسهيل خدمات التخزين أو تشغيل نظام إخطار الشحن لدعم الجهات الإنسانية الفاعلة.
- اعتبارًا من 7 مايو/أيار، كان هناك أكثر من 450,000 شخص في منطقة المواصي، وفقًا للأونروا، وقد زاد هذا العدد منذ تكثيف الهجمات على رفح.
الوكالات الموقعة:
- الإغاثة الإسلامية
- أطباء العالم أسبانيا (Médecins du Monde Spain)
- أطباء العالم سويسرا (Médecins du Monde Switzerland)
- أطباء العالم فرنسا (Médecins du Monde France)
- أطباء بلا حدود
- أكشين إيد
- أكشين فور هيومانتي (Action For Humanity)
- أوكسفام
- بلان إنترناشونال (Plan International)
- تحالف وور تشايلد (War Child Alliance)
- سكور إيسلاميك فرنس (الإعانة الإسلامية فرنسا)
- كير إنترناشونال (CARE International)
- المجلس الدنماركي للاجئين
- المجلس النرويجي للاجئين
- المساعدات الشعبية النروجية
- منظمة الإغاثة الأولية الدولية (Première Urgence Internationale)
- منظمة الإنسانية والدمج-هاندي كاب انترناشونال (Humanity & Inclusion – Handicap International)
- منظمة العفو الدولية
- منظمة إنقاذ الطفل (Save the Children)
- ميرسي كور (Mercy Corps)