قالت منظمة العفو الدولية إنه يتعين على السلطات المصرية أن تضمن استقلالية وحياد وفعالية التحقيق في مُلابسات الوفاة المشبوهة في الحجز للاقتصادي وعضو حزب الإصلاح والتنمية، أيمن هدهود، البالغ من العمر 48 عاماً، والذي توفي في مستشفى للصحة النفسية بعد اختفائه قسراً في 5 فبراير/شباط.
ويشير تحقيق جديد أجرته منظمة العفو الدولية، بناءً على فحص السجلات الرسمية، ومقابلات مع الشهود والمصادر، فضلاً عن تحليل خبراء مستقلين في الطب الشرعي فحصوا الصور المسربة لجثة هدهود، بقوة إلى أنَّ أيمن هدهود قد تعرض للتعذيب أو لسوء المعاملة قُبيل وفاته.
لم تُخطر السلطات عائلة أيمن هدهود بوفاته أو تأمر بتشريح جثته حتى تاريخ 9 و11 أبريل/نيسان، رغم أنه وفقًا لشهادة وفاته، توفي في 5 مارس/آذار. وأنكرت النيابة العامة ووزارة الداخلية أي مسؤولية، فيما قدمت في الوقت نفسه تفسيرات متناقضة وغير قابلة للتصديق لأسباب وظروف وفاته.
وقالت لين معلوف، نائبة مديرة مكتب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: “تستحق عائلة أيمن هدهود الإجابة على تساؤلاتها. لماذا قامت السلطات باحتجازه ثم نفي وجوده في الحجز، بينما كان قد توفي بالفعل قبل أكثر من شهر في ظروف مريبة؟ هذه الأسئلة تشير إلى ممارسات التعذيب والاختفاء القسري، والتي يجب على السلطات الإجابة عنها”.
“بعد أي حالة وفاة في الحجز، هناك افتراض بمسؤولية الدولة في الحرمان التعسفي من الحياة. فإخضاع السلطات أيمن هدهود للاختفاء القسري، وربما التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، وإخفاء وفاته عن أسرته لمدة شهر، أمور تدعو إلى القلق بشكل كبير. إنه لمن العار أن تواصل السلطات التشكيك بالصحة العقلية لأيمن هدهود بدلاً من إجراء تحقيق فعّال في أسباب وظروف وفاته”.
قابلت منظمة العفو الدولية 8 أشخاص على اطلاع مباشر بالقضية، بمن فيهم أصدقاء هدهود وأقاربه، وكذلك مصادر في مستشفى العباسية للصحة النفسية حيث توفي. كما راجعت المنظمة شهادة وفاته وتصريح دفن جثمانه، وقامت بتحليل البيانات الرسمية، وزودت خبراء مستقلين بالطب الشرعي بصور جثته لمعاينتها.
بعد وفاة هدهود، حذرت إدارة مستشفى العباسية موظفيها من الحديث عن القضية وهددت بإحالتهم إلى قطاع الأمن الوطني المصري إذا فعلوا ذلك.
الاختفاء القسري
فقدت عائلة هدهود الاتصال به مساء يوم 5 فبراير/شباط. وبعد ثلاثة أيام، استدعى ضباط قطاع الأمن الوطني أحد إخوته لاستجوابه حول عمل هدهود وتوجهاته السياسية وأنشطته، وأكدوا أنهم يحتجزونه في قسم شرطة الأميرية في القاهرة، لكن لم يسمحوا لأي من أفراد أسرته بمقابلته.
حاولت الأسرة زيارته في قسم الشرطة بعد أيام قليلة، لكن ضباط الشرطة المناوبين نفوا وجوده في القسم وطلبوا منهم عدم العودة مرة أخرى.
تستحق عائلة أيمن هدهود الإجابة على تساؤلاتها. لماذا قامت السلطات باحتجازه ثم نفي وجوده في الحجز، بينما كان قد توفي بالفعل قبل أكثر من شهر في ظروف مريبة؟
لين معلوف، منظمة العفو الدولية
علمت منظمة العفو الدولية من مصدر في مستشفى العباسية أن هدهود نُقل إلى المنشأة في 14 فبراير/شباط. وعلم أقاربه بشكل غير رسمي بنقله في 18 فبراير/شباط وحاولوا زيارته مراراً وتكراراً، لكن العاملين بالمستشفى إما أنكروا وجوده في المبنى أو طالبوا بالاطلاع على تصريح النيابة العامة.
في 23 فبراير/شباط، التقى وسيط بين أفراد الأسرة وعناصر الأمن بمدير مستشفى العباسية، الذي أكد له أنَّ هدهود كان تحت المراقبة في قسم الطب الشرعي لمدة 45 يومًا. وطبقاً لأصدقائه وعائلته، رفض مدير المستشفى طلبات مقابلته قائلاً إنَّ القسم يخضع لسيطرة قطاع الأمن الوطني.
يخضع قسم الطب الشرعي رسمياً لإشراف المجلس القومي للصحة النفسية، ولكن وفقًا لمصدرين في مستشفى العباسية للأمراض النفسية، يعمل القسم بشكل أساسي كمركز احتجاز تديره وزارة الداخلية، حيث لا يُسمح للأشخاص بالتنقل بحرية وهم عُرضة بشكل كبير لخطر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة على أيدي ضباط الأمن.
في 4 أبريل/نيسان، تلقى أحد أصدقاء هدهود مكالمة من أحد العاملين في مستشفى العباسية، وأكد له أنَّ هدهود قد توفي قبل شهر. وبعد خمسة أيام، أبلغ ضابط شرطة شقيق هدهود بوفاته وطلب منه استلام الجثة.
عندما طلبت الأسرة الاطلاع على تصريح الدفن، أخبرهم وكيل النيابة أنَّه تم إصدار تصريح بدفنه بمقابر الصدقة التي تُستخدم لدفن مجهولي الهوية أو أولئك الذين لم يطالب أقاربهم بجثامينهم.
سبب الوفاة: غير معروف
أعلنت النيابة العامة رسمياً أنها فتحت تحقيقاً في ظروف الوفاة في 12 أبريل/نيسان، قائلة إنها “ليست مشبوهة”، مشيرة إلى أن هدهود ربما يكون قد أصيب بفيروس كوفيد-19.
وبعد غضب عام إثر تسريب نبأ وفاته، أمرت النيابة العامة في النهاية بتشريح جثته في 11 أبريل/نيسان. وبعد مناظرة النيابة، نفت في 12 أبريل/نيسان وجود إصابات في جثة هدهود، مشيرةً إلى أنَّ “هبوطاً حاداً في الدورة الدموية وتوقف عضلة القلب” هما سبب الوفاة. ولم تتلقَ عائلة هدهود تقرير تشريح الجثة حتى الآن.
وقال ديريك باوندر، اختصاصي مستقل في الطب الشرعي الذي فحص صور جثة هدهود بعد التشريح، لمنظمة العفو الدولية إنَّ الصور تظهر علامات على ساعديه والجانب الأيسر من وجهه، مما يشير بقوة إلى أنه تعرض لإصابات عديدة قبل وفاته. وقال إنّ هذه العلامات لا يمكن تفسيرها بالعمليات الطبيعية التي تحدث عندما تتحلل الأجسام، وهي عبارة عن جروح. وأضاف أنَّ توزيع هذه العلامات “يشير بقوة إلى الإيذاء الممنهج المتكرر عندما كان هدهود على قيد الحياة، أي سوء المعاملة/التعذيب”، وهي على الأرجح ناجمة عن حروق وليس ضرب. كما أشار باوندر إلى الاختلاف بين الندبات الناتجة عن تشريح الجثة والإصابات التي لحقت بجسده قبل وفاته.
ينسجم تحليل باوندر مع شهادات اثنين من شهود العيان، قال كل منهما إنهما لاحظا إصابات في وجهه ورأسه في مشرحة المستشفى في 10 أبريل/نيسان – قبل إجراء تشريح الجثة.
تفسيرات متناقضة
نفت كل من وزارة الداخلية والنيابة العامة ارتكاب أي مخالفات من قبل مسؤولي الدولة، وأشارت إلى اضطراب هدهود النفسي واتهمته باقتحام شقة.
وزعم بيان صادر عن وزارة الداخلية في 10 أبريل/نيسان وآخر صادر عن النيابة في 12 أبريل/نيسان أنَّ بوابًا في حي الزمالك بالقاهرة منع هدهود من اقتحام شقة في 6 فبراير/شباط. وقالت وزارة الداخلية إن هدهود “قام بتصرفات غير مسؤولة”، في حين قالت النيابة إنه يعاني من “اضطراب الفصام )…( وضعيف التركيز والانتباه، ويعاني من ضلالات اضطهادية، وضلالات عظمة، وكان يتحدث بشكل غير مفهوم”. وأقرَّ بيان النيابة بإحالة هدهود إلى مستشفى للصحة النفسية في 7 فبراير/شباط، بالرغم من حقيقة أنَّ ضباط الشرطة في المستشفى نفسه أنكروا لعائلته باستمرار وجوده قيد الاحتجاز حتى 23 فبراير/شباط.
وقالت الأسرة إنَّ ادعاءات النيابة ووزارة الداخلية تتعارض مع رواية ضابط شرطة في المستشفى الذي قال لهم إنَّ هدهود محتجز بتهمة “محاولة سرقة سيارة”.
وبالرغم من إقرار أصدقاء هدهود وعائلته بأن أيمن كان يعاني بالفعل من ضغوط وقلق مالي قبل اعتقاله، إلا أنهم يخشون أن السلطات استخدمت تلك المخاوف للتستر على وفاته في الحجز. ووفقًا لمحامي الأسرة، تحقيق النيابة مع شقيق هدهود ركز بشكل كبير على اضطراب أخيه النفسي حين استجوبوه في 12 أبريل/نيسان.
وكان أيمن ينشر بانتظام على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي محتوى ينتقد من خلاله السياسات الاقتصادية للسلطات.