لماذا لا يتمكن مراقبو منظمة العفو الدولية من حضور جلسة استماع أسانج؟

في وقت سابق من الشهر الحالي، تحول الشارع إلى مهرجان خارج المحكمة الجنائية المركزية “أولد بيلي” في لندن، حيث عقدت جلسة استماع تسليم جوليان أسانج.

تحولت جلسة المحاكمة إلى فوضى داخل محكمة أولد بيلي. وكانت هناك صعوبات فنية متعددة، وفزع من وباء فيروس كوفيد-19، تسبب في توقف الإجراءات مؤقتاً، فضلاً عن العديد من المخالفات الإجرائية، من بينها قرار رئيس المحكمة بسحب الإذن من مراقب المحاكمة العادلة التابع لمنظمة العفو الدولية للوصول إلى قاعة المحكمة.

مهرجان خارج المحكمة وفوضى في قاعة المحكمة

ستيفان سيمانوفيتز من منظمة العفو الدولية

كان الوصول إلى المحكمة كل صباح بمثابة اعتداء على الحواس بضجيج فرق السامبا، وأنظمة الصوت وهتافات الحشود، ومنظر اللافتات والبالونات واللوحات في كل مكان.

وجذب اليوم الأول من جلسة الاستماع، التي بدأت يوم الإثنين 7 سبتمبر/أيلول، أكثر من مائتي شخص للتجمع خارج المحكمة. واختلط الأشخاص، الذين يرتدون ملابس مميزة، بفرق التصوير والصحفيين ومجموعة من المصورين الفضوليين الذين سيختفون بانتظام لملاحقة أي شاحنة أمن بيضاء متجهة إلى المحكمة، والضغط بعدساتهم الطويلة على نوافذها المعتمة.

وجاءت إحدى الشاحنات من سجن بيلمارش الأمني شديد الحراسة، وهو مكان إقامة جوليان أسانج طيلة الأشهر الستة عشر الماضية.

وكان مؤسس ويكيليكس في المحكمة لاستئناف الإجراءات التي ستتّخذ في نهاية المطاف قراراً بشأن طلب إدارة ترامب تسليمه إلى الولايات المتحدة. فيزعم المدعون العامون الأمريكيون بأنه تآمر مع المبلغين عن التجاوزات (تشيلسي مانينغ محللة استخبارات الجيش) للحصول على معلومات سرية. فهم يطالبون بمحاكمته في الولايات المتحدة بتهمة التجسس، حيث سيواجه عقوبة السجن لمدة تصل إلى 175 عاماً.

وقد بدأ محامو أسانج بطلب استبعاد النظر في الأدلة المزعومة في لائحة الاتهام الجديدة التي صدرت في يونيو/حزيران، نظراً لأنها جاءت متأخرة جداً. فرفضت القاضية هذا الطلب. وفي جلسة ما بعد الظهر، طلب المحامون تأجيل الجلسة حتى العام القادم لمنح محاميه الوقت للرد على لائحة الاتهام الجديدة للمدعي العام الأمريكي. وذكروا أنهم لم يمنحوا وقتاً كافياً لدراسة الادعاءات الجديدة، خاصة، وأن لديهم “إمكانية محدودة” فقط للوصول إلى أسانج المسجون. في الواقع، كانت هذه الجلسة الأخيرة هي المرة الأولى منذ أكثر من ستة أشهر التي تمكن فيها جوليان أسانج من الالتقاء بمحاميه. وقد رفضت القاضية هذا الطلب.

وتعقيباً على القرار، قالت لي كريستين هرافنسون رئيسة تحرير ويكيليكس: “إن القرار بمثابة إهانة لمحاكم المملكة المتحدة، وجوليان أسانج، وللعدالة. فرفض المحكمة طلب التأجيل ما هو إلا حرمان أسانج من حقوقه”.

كانت منظمة العفو الدولية قد طلبت الوصول إلى المحكمة لكي يقوم مراقب للمحاكمة بمتابعة جلسات الاستماع، لكن المحكمة رفضت تخصيص مقعد لنا في المحكمة.

ستيفان سيمانوفيتز من منظمة العفو الدولية

كانت منظمة العفو الدولية قد طلبت الوصول إلى المحكمة لكي يقوم مراقب للمحاكمة يتتبّع جلسات الاستماع، لكن المحكمة رفضت تخصيص مقعد لنا في المحكمة. في البداية حصل مراقبنا على إذن بالوصول إلى التقنية اللازمة لإجراء المراقبة عن بُعد، ولكن في صباح اليوم الذي بدأت فيه جلسة الاستماع تلقَى رسالة بالبريد الإلكتروني يخبرنا فيها بأن القاضية قد ألغت السماح لمنظمة العفو الدولية بمراقبة الجلسة عن بُعد.

وقد تقدمنا مرة أخرى بطلب للاطلاع على الإجراءات يوم الثلاثاء 8 سبتمبر/أيلول، مبينا أهمية المراقبة والخبرة الواسعة لمنظمة العفو الدولية في مراقبة المحاكمات حتى في بعض البلدان الأشد قمعاً.

وكتبت القاضية مرة أخرى معربة عن “أسفها” على قرارها قائلة: “أدرك تماماً أنه ينبغي أن تقام العدالة على الملأ”. ورغم شعورها بالأسف وإقرارها بأن عملية التدقيق تشكل عنصراً بالغ الأهمية في علنية العدالة، فإن القاضية لم تغير قرارها.

وإذا أرادت منظمة العفو الدولية، والمراقبون الآخرون، حضور الجلسة، فسيتعين عليهم البقاء في قائمة الانتظار للحصول على أحد المقاعد الأربعة المتاحة في المكان المخصص للجمهور. وقدمنا طلبا ثالثاً للوصول المباشر إلى القاعة الاحتياطية في المحكمة حيث تعرض بعض وسائل الإعلام البث المباشر، ولكن قوبل ذلك بالرفض أيضاً.

لقد قامت منظمة العفو الدولية بمراقبة المحاكمات من خليج غوانتانامو إلى البحرين والإكوادور إلى تركيا. ومُنع مراقبنا من الوصول إلى المحكمة يقوض بشدة إقامة العدالة العلنية.

ستيفان سيمانوفيتز من منظمة العفو الدولية

إن رفض القاضية إعطاء أي “إذن خاص” لخبراء مراقبي المحاكمة العادلة أمر يثير القلق البالغ. ومن خلال رفضها، تكون المحكمة قد تقاعست عن الإقرار بعنصر رئيسي من عناصر العدالة العلنية: ألا وهو الطريقة التي يراقب بها مراقبو المحاكمات الدوليون جلسة الاستماع للتأكد من امتثالها للقانون المحلي والدولي. فهم متواجدون هناك لتقييم مدى عدالة المحاكمة من خلال توفير سجل محايد لما حدث في قاعة المحكمة، وتعزيز معايير المحاكمة العادلة من خلال إخطار جميع الأطراف بأنهم خاضعون لعملية التدقيق.

لقد قامت منظمة العفو الدولية بمراقبة المحاكمات من خليج غوانتانامو إلى البحرين والإكوادور إلى تركيا. ومُنع مراقبنا من الوصول إلى المحكمة يقوض بشدة إقامة العدالة العلنية.

وفي المحكمة، واجهت القاعة الاحتياطية مشاكل فنية مستمرة مع جودة الصوت والفيديو. وبعد مضي أكثر من أسبوع على بدء الإجراءات، لم يتم التغلب على هذه الصعوبات التقنية الأساسية بشكل صحيح، كما أن أجزاء كبيرة من أدلة الشهود غير مسموعة. ولم تقتصر هذه الصعوبات التقنية على القاعة الاحتياطية. ففي المحكمة، لم يتمكن بعض الشهود الذين حاولوا “الاتصال” بقاعة المحكمة من الوصول إليها الأسبوع الماضي. وقد أعاقت هذه الصعوبات التقنية الأساسية قدرة أولئك الموجودين في قاعة المحكمة على متابعة الإجراءات.

إذا تم إسكات صوت جوليان أسانج، فسيتم تكميم أفواه آخرين كذلك إما بشكل مباشر أو بسبب الخوف من الاضطهاد والملاحقة القضائية.

ستيفان سيمانوفيتز من منظمة العفو الدولية

وما زلنا نأمل أن يتم إيجاد وسيلة لخبيرنا القانوني لمراقبة الجلسة لأن القرار في هذه القضية له أهمية كبيرة. إن ذلك يتصل بجوهر المبادئ الأساسية لحرية وسائل الإعلام التي يرتكز عليها الحق في حرية التعبير، وحق الجمهور في الوصول إلى المعلومات.

إن ملاحقة حكومة الولايات المتحدة المتواصلة لجوليان أسانج بسبب نشره وثائق  ما هو إلا اعتداء شامل على الحق في حرية التعبير”. فالتأثير المروع المحتمل على الصحفيين، ممن يكشفون عن ارتكاب مخالفات رسمية من خلال نشر معلومات تم الكشف عنها من قبل مصادر موثوقة، يمكن أن يكون له تأثير عميق على حق الجمهور في معرفة ما تفعله حكومتهم.

وإذا تم إسكات صوت جوليان أسانج، فسيتم تكميم أفواه آخرين كذلك إما بشكل مباشر أو بسبب الخوف من الاضطهاد والملاحقة القضائية التي ستكون سيفاً مسلطاً على رقبة مجتمع إعلامي عالمي يتعرض أصلاً للهجوم في الولايات المتحدة، وفي العديد من البلدان الأخرى في جميع أنحاء العالم.

فوزارة العدل الأمريكية لا تقاضي فحسب ناشراً لديه التزام بعدم الإفصاح، ولكن ناشراً ليس مواطناً أمريكياً، وليس في أمريكا. إن الحكومة الولايات المتحدة تتصرف كما لو كانت لها ولاية قضائية في جميع أنحاء العالم لملاحقة أي شخص يتلقى وينشر معلومات عن ما ترتكبه الحكومة من مخالفات.

وإذا قامت المملكة المتحدة بتسليم أسانج، فسيواجه المحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية بتهم تجسس يمكن أن تفضي به إلى السجن بقية حياته – ربما في منشأة للمحتجزين تتسم بأشدّ إجراءات الأمن وخاضعة لأشد الأنظمة اليومية صرامة، بما في ذلك الحبس الانفرادي المطول. وكل ذلك بسبب القيام بشيء يفعله محررو الأخبار في جميع أنحاء العالم – نشر المعلومات المقدمة إليهم من المصادر، وهذا في مصلحة الجمهور الأوسع.

إنه من المفارقات ألا تتم مقاضاة أي شخص مسؤول عن جرائم الحرب المحتملة في العراق وأفغانستان، ناهيك عن معاقبته.

ستيفان سيمانوفيتز من منظمة العفو الدولية

وخارج المحكمة، اصطدمت بإريك ليفي، البالغ من العمر 92 عاماً. واهتمامه بقضية أسانج على أساس شخصي. وكان في بغداد خلال القصف الأمريكي بأسلوب “الصدمة والرعب” في عام 2003، بعد أن سافر إلى العراق كجزء من “حركة الدرع البشري” التي تهدف إلى وقف الحرب و– في حالة التقاعس عن ذلك – لحماية السكان العراقيين.

وقال: “أنا هنا اليوم لنفس سبب وجودي في العراق. لأنني أؤمن بإقامة العدالة وأؤمن بالسلام”. “وجوليان أسانج ليس مطلوباً حقاً بتهمة التجسس فهو مطلوب لأنه جعل أمريكا تبدو وكأنها مجرمة حرب”.

وفي الواقع، إنه من المفارقات ألا تتم مقاضاة أي شخص مسؤول عن جرائم الحرب المحتملة في العراق وأفغانستان، ناهيك عن معاقبته. ومع ذلك، فإن الناشر الذي كشف جرائمهم هو الذي يقبع في قفص الاتهام، ويواجه السجن مدى الحياة.