مُدرس ضمن أحدث ضحايا موجة الإعدامات خارج نطاق القضاء في مصر

تشير معلومات جمعتها منظمة العفو الدولية إلى أن قوات الأمن المصرية أخفت قسراً، وأعدمت خارج نطاق القضاء مدرساً كان مفقوداً منذ القبض عليه في 9 إبريل/نيسان 2017، وذلك في أحدث الدلائل على النمط البغيض من أعمال القتل بشكل غير قانوني في مصر.

وتبين أقوال شهود العيان وزملاء الضحية وأفراد أسرته، بالإضافة إلى بعض المستندات، أن قوات الأمن قبضت على محمد عبد الستار من المدرسة التي يعمل بها في محافظة البحيرة. ويتناقض ذلك مع بيان أمني صدر عن وزارة الداخلية المصرية، في 6 مايو/أيار 2017، وادعى أن محمد عبد الستار قُتل في تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن.

وتعليقاً على ذلك، قالت نجية بونعيم، مديرة الحملات لشمال إفريقيا بمكتب تونس الإقليمي لمنظمة العفو الدولية، إن “اختفاء محمد عبد الستار ثم وفاته وهو رهن الاحتجاز هو أحدث واقعة في سلسلة عمليات الإعدام المروِّعة خارج نطاق القضاء في مصر. وعادةً ما يتم الاحتفاء بأعمال القتل غير القانونية هذه باعتبارها دليلاً على نجاح الشرطة في “تصفية الإرهابيين”، ويظل أفراد الشرطة بمأمن لعلمهم أنه ليس هناك ما يدعوهم للخوف من التحقيق في جرائمهم”.

ومضت نجية بونعيم قائلة: “يجب على السلطات المصرية أن تبادر على وجه السرعة بإجراء تحقيق وافٍ ونزيه في ملابسات اختفاء محمد عبد الستار ووفاته. كما يجب على السلطات أن تقدم المسؤولين عن هذه الأفعال إلى ساحة العدالة، للتدليل على أنها كفَّت عن إعطاء قوات الأمن الضوء الأخضر لارتكاب جرائم بشعة دون خوف من العقاب”.

اختفاء محمد عبد الستار ثم وفاته وهو رهن الاحتجاز هو أحدث واقعة في سلسلة عمليات الإعدام المروِّعة خارج نطاق القضاء في مصر

نجية بونعيم، مديرة الحملات لشمال إفريقيا بمكتب تونس الإقليمي لمنظمة العفو الدولية

وقد أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع اثنين من أقارب محمد عبد الستار وثلاثة من زملائه في العمل، كما اطلعت على 10 مستندات، بينها خطابات من جهة عمله، وسجل الحضور في مدرسته، بالإضافة إلى شكاوى قدمها أقاربه بخصوص القبض عليه واختفائه. وتشير الأدلة التي جمعتها المنظمة إلى أن محمد عبد الستار قُبض عليه من “معهد عبد السميع سلومة الأزهري”، يوم 9 إبريل/نيسان 2017، قبل اختفائه قسراً وإعدامه خارج نطاق القضاء.

وقال أحمد عبد الستار، شقيق محمد عبد الستار، إن المرة الأخيرة التي شاهدت فيها الأسرة شقيقه كانت عندما توجه إلى عمله في صباح اليوم الذي اختفى فيه. وقد توجهت الأسرة عدة مرات إلى قسم الشرطة ومقر النيابة العامة في المنطقة للاستفسار عنه، ولكنها لم تتلق أية معلومات عنه إلى أن أعلنت وزارة الداخلية وفاته.

وبالرغم من أن الشرطة ألقت القبض على محمد عبد الستار من محل عمله، فقد ادعت وزارة الداخلية في بيان أمني أنه قُتل مع شخص آخر، يُدعى عبد الله رجب، خلال تبادل لإطلاق النار مع الشرطة في مدينة طنطا، بمحافظة الغربية، بعدما قاوما القبض عليهما.

كما ادعى البيان أن الرجلين ينتميان إلى جماعتين مسلحتين، وهما “حسم” و”لواء الثورة”، وأنهما كانا مطلوبين لاتهامهما بمساعدة “الجماعات الإرهابية”. وليس لدى منظمة العفو الدولية علم بأية أدلة قدمتها وزارة الداخلية لتأييد تلك الادعاءات.

ويُذكر أن السلطات المصرية أصدرت منذ عام 2015 سلسلة من البيانات المماثلة، ولكنها أحجمت مراراً عن ذكر أية معلومات بخصوص ملابسات تلك العمليات أو ملابسات الوفيات على وجه الدقة.

وفي مقابلة مع منظمة العفو الدولية، قال أحد زملاء محمد عبد الستار في العمل، وكان حاضراً وقت القبض عليه، إنه شاهد سيارة حمراء تتوقف أمام بوابة المدرسة في الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم 9 إبريل/نيسان 2017، وإنه رأى عدة أشخاص في ملابس مدنية داخل السيارة، ثم دخل شخص يرتدي بذلة إلى مبنى المدرسة وأمر محمد عبد الستار بأن يستقل السيارة. وتجدر الإشارة إلى أن ضباط قطاع الأمن الوطني عادةً ما يرتدون ملابس مدنية، ويستخدمون سيارات مدنية في عملياتهم.

وذكر زميل آخر، لم يشاهد واقعة القبض على محمد عبد الستار، ولكنه كان حاضراً في المدرسة في ذلك الوقت، أن عدداً آخر من العاملين والطلاب بالمدرسة أخبروه بأنهم شاهدوا واقعة القبض في الساعة العاشرة والنصف.

وقد اطَّلعت منظمة العفو الدولية على عدد من المستندات، من بينها رسائل موجَّهة من مدير المدرسة إلى قسم شرطة أبو المطامير وإلى منطقة البحيرة الأزهرية، تؤكد القبض على محمد عبد الستار من المدرسة في ذلك التاريخ وتطلب الإفادة بتفاصيل أخرى عنه.

واطَّلعت المنظمة على نسخ من سجل الحضور بالمدرسة، والذي يوقِّع فيه العاملون لدى حضورهم وانصرافهم كل يوم، وقد أُثبت فيه حضور محمد عبد الستار إلى المدرسة في ذلك اليوم، ولكن لم يُثبت فيه انصرافه، بل دُوِّنت ملاحظة أمام اسمه تفيد بأنه “تم القبض عليه من المدرسة خلال ساعات العمل”.

واطَّلعت المنظمة أيضاً على دفتر تحضير الدروس الخاص بمحمد عبد الستار، والذي تُسجل فيه بيانات التدريس يوماً بيوم، وهو يؤكد بالمثل أن اليوم الأخير الذي حضر فيه محمد عبد الستار بالمدرسة كان يوم 9 إبريل/نيسان 2017.

وذكر أحمد عبد الستار لمنظمة العفو الدولية أنه لاحظ، عندما تسلم جثة شقيقه من المشرحة يوم 8 مايو/أيار 2017، وجود خدوش كبيرة على يده اليمنى وجرحين ناجمين عن عيارات نارية في ظهره.

لقد كان محمد عبد الستار في حجز الشرطة طيلة ما لا يقل عن 27 يوماً، بينما كانت أسرته تبحث عنه دون جدوى، إلى أن وجدت أخيراً جثته في المشرحة مصابة بطلقات نارية

نجية بونعيم، مديرة الحملات لشمال إفريقيا بمكتب تونس الإقليمي لمنظمة العفو الدولية

وقالت نجية بونعيم: “لقد كان محمد عبد الستار في حجز الشرطة طيلة ما لا يقل عن 27 يوماً، بينما كانت أسرته تبحث عنه دون جدوى، إلى أن وجدت أخيراً جثته في المشرحة مصابة بطلقات نارية”.  

واستطردت نجية بونعيم قائلةً: “إن مثل هذه الجرائم البغيضة هي دليل واضح على أن أجهزة الأمن في مصر قد أُطلق لها العنان في الوقت الراهن لارتكاب انتهاكات دون مساءلة أو عقاب. ويجب على السلطات أن توقف فوراً هذا التصاعد في حوادث الاختفاء القسري وعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء”.

كما اطَّلعت منظمة العفو الدولية على شكاوى قدمتها أسرة محمد عبد الستار إلى النائب العام، يوم 9 إبريل/نيسان 2017، وإلى منطقة البحيرة الأزهرية، وإلى النيابة العامة بالبحيرة، يوم 24 إبريل/نيسان 2017. وقد قال أحمد عبد الستار إن النيابة العامة استدعته لسماع أقواله يوم 11 إبريل/نيسان 2017، إلا إنه لم يتلق أية معلومات أخرى عن سير التحقيق.

وقد سبق لمنظمة العفو الدولية أن وثَّقت عدة حالات يُشتبه أنها عمليات إعدام خارج نطاق القضاء على أيدي قوات الأمن في عام 2017. ودعت المنظمة مؤخراً إلى إجراء تحقيق بخصوص مقتل أربعة أشخاص يومي 20 و23 يونيو/حزيران 2017، بعدما اختفوا قسراً وتعرضوا للتعذيب طيلة ما يقرب من أربعة أسابيع، على حد قول أهالي الضحايا. وفي واقعة أخرى، في إبريل/نيسان 2017، أظهرت لقطات فيديو مُسرَّبة، حللتها منظمة العفو الدولية، أفراداً من القوات المسلحة في شمال سيناء وهم يقومون بإعدام سبعة أشخاص عُزَّل خارج نطاق القضاء، وبينهم فتى يبلغ من العمر 17 عاماً. وفي 13 يناير/كانون الثاني، أعدمت قوات الشرطة خارج نطاق القضاء ستة أشخاص في سيناء، كانوا محتجزين بمعزل عن العالم الخارجي لنحو ثلاثة أشهر قبل مقتلهم.