عام على أزمة الخليج: العائلات تواجه مستقبلًا مجهولاً

منذ عام، فرضت حكومات المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة ومصر قيوداً شديدة على العلاقات مع قطر كجزء من النزاع السياسي. ففي غضون 24 ساعة، تم تعليق الرحلات إلى أجل غير مسمى، وأغلقت الحدود مع تفاقم النزاع إلى حد أزمة، ما أضرّ بحياة العديد من الأشخاص الذين يعيشون في هذه البلدان.

أما بالنسبة للآلاف من العائلات والأفراد، فلم تعد الحياة كما كانت عليه من قبل. ففي منطقة يتألف فيها النسيج الاجتماعي من الزواج والعلاقات عبر جميع البلدان، تمزقت العائلات من الجنسيات المختلطة، واضطر الطلاب إلى وقف تعليمهم، وفقد آخرون وظائفهم، ومنع الحجاج من قطر من الوصول إلى مكة والمدينة بالمملكة العربية السعودية. وقد تأثر العمال المهاجرون أيضاً، وغالبيتهم من ذوي الدخول المنخفضة، بشكل سلبي، بارتفاع أسعار المواد الغذائية نتيجة للأزمة السياسية.

وبعد مرور عام، لم يتحسن الوضع. ولا يزال سكان المنطقة يواجهون مستقبلًا مجهولاً؛ ولا تزال العائلات تنتظر لمّ شملها بأحبائها، ولا يزال الأطفال ينتظرون عودة آبائهم إلى منازلهم بانتظام، لا يزال الطلاب ينتظرون مواصلة تعليمهم؛ ولا يزال الحجاج في انتظار الوصول إلى مكة والمدينة.

وتعد قصة سناء *، وهي معلمة قطرية متزوجة من رجل بحريني، ولديها طفلان (18 و10)، وكلاهما من ذوي الاحتياجات الخاصة، سوى واحدة من العديد من العائلات التي تضررت من هذا الوضع.

***

عندما تزوجت منذ 23 عاماً، كنت أرغب في حياة عائلية يسودها الاستقرار والهدوء.

فقد وقعت في حب زوجي لأنه كان لطيفاً ومليئاً بالحب والحنان. ولم يكن هناك فرق بيننا على أساس أنني قطرية. فشعبنا شعب واحد. لقد استقرينا في البحرين لأن هذا هو المكان الذي كان يعمل فيه، وقمنا بتكوين أسرة جميلة معًا. ورزقت بطفليّ بعد ثماني سنوات، وكلاهما من ذوي الاحتياجات الخاصة. فحالتهما لديها تحدياتها، لكنني أستطعت أنا وزوجي تجاوز ذلك معاً، فنحن نحبهما ونهتم بهما، ونحرص على أن يعيشا حياة آمنة ومستقرة.

تلك كانت السنوات الجميلة.

وبعد الاضطرابات التي شهدتها البحرين في 2011، كان علينا اتخاذ قرار صعب. لذلك قررت أن أذهب معهما إلى قطر، بينما بقي زوجي في البحرين، حيث كان يعمل هناك. وهذا ما فعلناه في عام 2012، فمنذ ذلك الحين، عشت أنا أولادي في قطر. وفي كل أسبوع، كان زوجي يأتي في رحلة طويلة عن طريق البر (حوالي 100 ميل) لرؤيتنا. فكان ذلك أرخص بكثير من تذاكر الطائرة، التي لا يمكننا تحملها.

خريطة الخليج العربي
خريطة الخليج العربي

اعتاد أطفالي على أسلوب معين – وهذا الأسلوب مهم للغاية بالنسبة لهم – فقد كبرا على رؤية والدهما في المنزل في نهاية كل أسبوع. فكانا (وما زالا) متعلقين به للغاية.

ففي 5 يونيو/حزيران من العام الماضي، استيقظنا، مثل ملايين المواطنين العرب في الخليج، على أخبار اندلاع أزمة الخليج. كان الأمر مفاجئًا وغير متوقع. فلم نكن نعتقد بالتأكيد أنه سيغير حياتنا، ولكن بينما كان الواقع اليومي للحصار يضربنا، أصبحت حياتنا أشد صعوبة. وأُغلقت الحدود ولم يعد زوجي يقوم برحلات عن طريق البر، فكانت الطائرات خياره الوحيد، ولم تكن حتى الرحلات القصيرة. فعليه الآن أن يسافر لساعات طويلة عبر الكويت للوصول إلى الدوحة – وهي رحلة تستغرق 12 ساعة، وهي أغلى ثمنا مما كانت عليه في الأصل. وهذا يعني أنه يمكنه زيارتنا مرة واحدة فقط كل أربعة أو ستة أسابيع.

أصبح الطفلان يفتقدان والدهما، فهما يسألانني دائما عنه. لذلك أقوم أحيانًا بإجراء مكالمات عن طريق الفيديو حتى يتمكنا من رؤيته، لكن هذا لا يكفي. ويعتصر قلبي ألماً عندما يحاول ابني البالغ من العمر 10 سنوات استعراض ألعابه التي يلعب بها في مكالمة الفيديو مع أبيه. فهو لا يعي تماما المشكلة. وفي بعض الأحيان يجلس أمام باب الحمام ظناً منه أن والده في الداخل، وسيخرج ليعانقه.

لقد عشت في البحرين 17 عامًا، وكنت أعمل معلمة هناك. فالبحرين كانت موطنا لي، لكنني أشعر الآن أنني شخص غير مرغوب فيه هناك بعد الآن. فكل قرار يُتخذ يخيفني أكثر. ولا أفهم لماذا أحتاج إلى تأشيرة الآن، أشعر بأنني شخص غريب في مكان اعتبرته يوما ما بمثابة بلدي. لقد اضطررت إلى التأقلم على غياب زوجي لفترات طويلة. أحاول أن أشغل الأولاد بكل ما يمكن أن يسعدهما عبر أخذهما إلى الشاطئ أو الحدائق أو اللعب حتى ينسيا، فينجح هذا الأسلوب لفترة قصيرة، إلى أن يعودا بالسؤال مرة أخرى عن والدهما.

الجانب القطري من معبر أبو سمرة الحدودي مع المملكة العربية السعودية في 23 يونيو/حزيران 2017. في 5 يونيو/تموز، قطعت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها جميع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وسحبوا سفرائهم من البلد الغني بالغاز، وإعطاء مواطنيهم أسبوعين كموعد نهائي لمغادرة أراضيها. وشملت الإجراءات أيضا إغلاق الحدود البرية الوحيدة لقطر وحظر طائراتها من استخدام مجالها الجوي، ومنع المواطنين القطريين من المرور عبر مطاراتها. 
© AFP PHOTO / KARIM JAAFAR
الجانب القطري من معبر أبو سمرة الحدودي مع المملكة العربية السعودية في 23 يونيو/حزيران 2017. في 5 يونيو/تموز، قطعت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها جميع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وسحبوا سفرائهم من البلد الغني بالغاز، وإعطاء مواطنيهم أسبوعين كموعد نهائي لمغادرة أراضيها. وشملت الإجراءات أيضا إغلاق الحدود البرية الوحيدة لقطر وحظر طائراتها من استخدام مجالها الجوي، ومنع المواطنين القطريين من المرور عبر مطاراتها. © AFP PHOTO / KARIM JAAFAR

أدعو الله أن تُحل هذه الأزمة قريباً حتى يتسنى لعائلتنا أن تلم شملها مرة أخرى.

لقد مر عام منذ فرض الحصار، وحياة العديد من الناس تواجه مستقبلاً مجهولاً. فقد أثر ذلك على نفسيتنا. فيضطر طفلاي للعيش بدون والدهما. من الصعب عليهما أن يفهما. فمتى ستسنح الفرصة أن يرونه؟ انا لا اعرف.

آمل أن تنتهي هذه الأزمة بالسرعة التي بدأت بها، لكن في الوقت الحالي كل يوم يمر وأطفالي لا يريان والدهما ويؤثر عليهما بشكل سيء. لقد حرمت الأزمة أولادي من وجود والدهما الذي هما في أمس الحاجة إليه.

وليس لدي سوى طلب واحد: تسهيل انتقال العائلات عبر البلدان حتى يمكننا رؤية بعضنا البعض. فأنا متعبة حقًا، لقد تركت وحدي لرعاية طفليّ، ولديهما احتياجات خاصة تتطلب رعاية إضافية، لا أستطيع أن أفعل ذلك بنفسي، وأحتاج لزوجي بجانبي، فطفليّ في أمس الحاجة إلى وجود والدهما بجوارهما.

***

تدعو منظمة العفو الدولية جميع الدول المشاركة في الأزمة إلى ضمان ألا تؤدي أعمالها إلى انتهاكات لحقوق الإنسان. ونواصل دعوة المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة إلى رفع جميع القيود التعسفية المفروضة على حرية تنقل المواطنين والمقيمين الخليجيين، بما في ذلك حق المواطنين القطريين والأجانب المقيمين في قطر في الوصول إلى أماكن الشعائر المقدسة في المملكة العربية السعودية.

وينبغي على السلطات القطرية أن تسمح للنساء القطريات بنقل جنسيتهن لأطفالهن تلقائياً، وعدم السماح لهن فقط بتمرير الحق في الإقامة الدائمة لهم؛ كما يجب أن تتخذ خطوات للتخفيف من آثار ارتفاع الأسعار التي تسببها الأزمة على الحقوق في مستوى معيشي لائق، بما في ذلك الحصول على الغذاء الكافي.

  * تم تغيير الاسم حفاظاً على حماية هويتها