لبنان 2023
تصاعدت الأعمال العدائية عند الحدود بين قوات حزب الله المسلحة، التي يقع مقرّها في لبنان، وبين الجيش الإسرائيلي في أعقاب الهجمات التي شنتها الجماعات المسلحة الفلسطينية في غزة على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول. وخلال الأزمة الاقتصادية المستمرة، تقاعست الحكومة اللبنانية عن توفير حماية كافية لحقوق الناس في الصحة، والضمان الاجتماعي، والسكن، ما كانت له آثار مدمرة على الجماعات المهمشة بالتحديد. وظل الإفلات من العقاب سائدًا، بما في ذلك عقاب المسؤولين عن انفجار مرفأ بيروت المميت عام 2020. وقد صعّدت السلطات من استخدام قوانين التحقير والقدح والذم الجزائية لخنق حرية التعبير والانتقام من المنتقدين، واستهدفت، على وجه الخصوص الصحفيين، والنقابيين، والنشطاء. وشنت السلطات هجومًا ممنهجًا على أفراد مجتمع الميم. وأثارت بعض السلطات العداء ضد اللاجئين.
خلفية
تعمّقت آثار الأزمة الاقتصادية التي بدأت في العام 2019. وأدّى تقاعس السلطات عن معالجة الأزمة إلى عجز ملايين الناس عن الحصول على حقوقهم، من بينها حقوقهم في الغذاء، والماء، والتعليم، والصحة. وبحسب اليونيسف، لم تستطع 86% من الأسر تحمل تكلفة الأساسيات. وفي 15 سبتمبر/أيلول، انتقد صندوق النقد الدولي “تقاعس” السلطات اللبنانية عن إجراء الإصلاحات الاقتصادية الملحّة اللازمة للحصول على حزمة مساعدة بقيمة تبلغ مليارات الدولارات.
وأعاق انسداد الأفق السياسي عملية صنع القرار: إذ واصلت الحكومة العمل بصفتها حكومة تصريف أعمال، ولم ينتخب مجلس النواب رئيسًا.
واعتبارًا من 7 أكتوبر/تشرين الأول، شهدت الأعمال القتالية على الحدود في جنوب لبنان تصعيدًا ملموسًا، اتسم بعمليات قصف شنتها القوات الإسرائيلية وأودت بحياة 20 مدنيًا في لبنان على الأقل، كما أدّت عمليات القصف التي نفذها حزب الله وغيره من الجماعات المسلحة الموجودة في لبنان على شمال إسرائيل إلى مصرع أربعة مدنيين إسرائيليين على الأقل.
انتهاكات القانون الإنساني الدولي
الجيش الإسرائيلي
أطلق الجيش الإسرائيلي قذائف مدفعية تحتوي على الفوسفور الأبيض في عمليات عسكرية على طول حدود لبنان الجنوبية بين 10 و16 أكتوبر/تشرين الأول. وطالبت منظمة العفو الدولية بالتحقيق في هجوم على بلدة الضهيرة، وقع في 16 أكتوبر/تشرين الأول، باعتباره جريمة حرب محتملة.1
قُتل ثلاثة صحفيين لبنانيين في جنوب لبنان أثناء تغطيتهم للأعمال العدائية. ففي 13 أكتوبر/تشرين الأول، أدت قذائف المدفعية الإسرائيلية التي أُطلقت على جنوب لبنان إلى مقتل الصحفي عصام عبد الله، الذي كان يعمل في وكالة “رويترز”، وإصابة ستة صحفيين آخرين. وقد تحققت منظمة العفو الدولية من صحة ما يزيد على 100 مقطع فيديو وصورة، وحلّلت شظايا الأسلحة التي أُخذت من الموقع، وأجرت مقابلات مع تسعة شهود. وتشير النتائج إلى أنه كان واضحًا أنّ المجموعة تضم صحفيين، وأن الجيش الإسرائيلي عرف أو كان يجب أن يعرف أنهم مدنيون، ومع ذلك هاجمهم بغارتين فصلت بينهما 37 ثانية. وقد خلُصت منظمة العفو الدولية إلى أنه من المرجح أن تكون كلتا الغارتين هجومًا مباشرًا على مدنيين يجب التحقيق فيه كجريمة حرب.2 وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني، قُتلت المراسلة فرح عمر والمصور ربيع المعماري من محطة تلفزيون الميادين، ومرافقهما المواطن حسين عقيل في غارة على قرية طير حرفا بقضاء صور.
الحق في الصحة
تقاعست الحكومة عن التخفيف من وطأة الأزمة الاقتصادية على حق الناس في الصحة. فبعد أن رفعت الدعم عن الأدوية في عامي 2021 و2022، شهدت الأسعار ارتفاعً جنونيًا. ونتيجة لذلك، زاد الطلب على الأدوية المجانية أو منخفضة التكلفة التي تقدمها مراكز الرعاية الصحيّة الأوليّة زيادة هائلة، في حين انخفض تمويل الحكومة لهذه المراكز، ما حرم الناس بشكل عام والجماعات المهمشة بشكل خاص من الحصول على الأدوية الضرورية للحياة.
وتبين في تحقيق نشرته منظمة العفو الدولية في يونيو/حزيران أن ارتفاعًا سريعًا في عدد الوفيات في الحجز بين عامي 2019 و2022 يُعزى جزئيًا إلى عدم توفّر الرعاية الصحية الوافية.3 ولا يوجد إلا عدد قليل جدًا من العاملين في المجال الطبي في السجون التي تفتقر إلى مستلزمات الطبابة الأساسية، وقد تقاعست الحكومة عن دفع الأموال اللازمة إلى المستشفيات الخاصة والعامة لمعالجة السجناء، ما دفع المستشفيات أحيانًا إلى رفض استقبال نزلاء السجون حتى عندما احتاجوا إلى علاج طارئ.
الحق في الضمان الاجتماعي
لم تتبنَّ الحكومة بعد برنامج حماية اجتماعية شاملًا أو تتخذ الخطوات الضرورية لتمويل هكذا برنامج. وليس لدى نسبة ملموسة من السكان، لاسيما العاملون في مهن غير منظّمة، أي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية، وغالبًا ما كانت قيمة المساعدة المقدمة لمستحقيها غير كافية تلبية الاحتياجات الأساسية. ولم تستطع برامج المساعدة النقدية المحدودة المخصصة لمواجهة الفقر مساعدة عدد كبير من الأشخاص الذين هم بحاجة ماسة للمساعدة.
الحق في السكن
شعر الناس في شتى أنحاء لبنان بتأثير الزلازل التي وقعت في فبراير/شباط في تركيا وسوريا. ويعيش أصلًا عدد كبير من السكان، لاسيما أولئك في مدينة طرابلس الساحلية اللبنانية، في مبانٍ معرّضة لخطر الانهيار. ولم تتحقق وعود الحكومة بتقييم السلامة البنيوية للمباني وتغطية تكلفة المساكن البديلة لمدة ثلاثة أشهر بالنسبة للأشخاص الذين عُدّت منازلهم بأنها معرّضة للخطر. وفي 16 أكتوبر/تشرين الأول، انهار مبنى في بلدة المنصورية بقضاء المتن في محافظة جبل لبنان، ما أودى بحياة ثمانية أشخاص.
الإفلات من العقاب
ظلت ظاهرة الإفلات من العقاب واسعة الانتشار.
بقي التحقيق في انفجار مرفأ بيروت الذي وقع عام 2020 معلقًا منذ ديسمبر/كانون الأول 2021 بسبب الشكاوى القانونية التي قدمها ضد قاضي التحقيق السياسيون الذين استُدعوا للاستجواب أو وُجهت إليهم تهم تتعلق بالقضية.4 وفي 25 يناير/كانون الثاني، بعد يومين من محاولة المحقق العدلي القاضي طارق بيطار استئناف التحقيق، قدَّم النائب العام التمييزي شكاوى ضده، بما في ذلك “اغتصاب السلطة واستغلال المركز”، وأمر بإطلاق سراح جميع الموقوفين على خلفية التحقيق في الانفجار. وقالت نقابة المحامين في بيروت ونادي قضاة لبنان إن قرار إطلاق سراح جميع المتهمين المتبقين كان غير قانوني. وفي مارس/آذار، ألقت أستراليا بيانًا مشتركًا نيابة عن 38 دولة أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أعربت فيه عن قلقها من أن التحقيق المحلي في الانفجار قد “تعرض لعرقلة منهجية، وتدخل وترهيب، ومأزق سياسي”.
لم يُحرَز أي تقدم حقيقي في التحقيق في اغتيال الناشط والمفكّر لقمان سليم الذي عُثر عليه مقتولًا بالرصاص في 4 فبراير/شباط 2021 داخل سيارته في جنوب لبنان.5 وفي 2 فبراير/شباط، أعرب خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة عن قلقهم العميق إزاء عدم إحراز تقدم لضمان المساءلة على الجريمة.
حرية التعبير
استخدمت السلطات على نحو متزايد قوانين التحقير والقدح والذم الجزائية لخنق الأصوات المنتقدة، والانتقام من منتقديها، أو مضايقتهم، أو ترهيبهم.
وثّقت منظمة العفو الدولية حالات 10 صحفيين، ونقابيين، ونشطاء استُدعوا للاستجواب بموجب دعاوى التحقير والقدح والذم التي رفعها ضدهم أشخاص من ذوي النفوذ بسبب انتقاداتهم. وتقاعست الأجهزة الأمنية والعسكرية التي استدعت أولئك المستهدفين واستجوبتهم عن حماية حقوقهم في الإجراءات القانونية الواجبة، وانخرطت في سلوك تخويفي، كتهديد الأفراد بالاحتجاز أو الضغط عليهم لتوقيع تعهدات يذكرون فيها أنهم سيتوقفون عن انتقاد مقدِم الشكوى. وترد النصوص المتعلقة بالتحقير والقدح والذم في قانون العقوبات، وقانون المطبوعات، وقانون القضاء العسكري، ويُعاقَب عليها بالحبس مدة تصل إلى ثلاث سنوات.
وفي 11 يوليو/تموز، حُكم على الصحفية ديما صادق بالسجن سنة واحدة وبغرامة بناءً على تهم جزائية بالتحقير والتحريض بعدما انتقدت على منصة تويتر (X حاليًا) أعضاءً في حزب سياسي.
حقوق أفراد مجتمع الميم
شنت السلطات هجومًا ممنهجًا على الحقوق الإنسانية لأفراد مجتمع الميم، وحرّضت على ارتكاب أعمال عنف ضدهم.
وفي يوليو/تموز، قدم تسعة أعضاء في مجلس النواب مشروع قانون لإلغاء المادة 534 من قانون العقوبات التي تُعاقِب على “كل مجامعة على خلاف الطبيعة” بالحبس مدة تصل إلى سنة واحدة وبدفع غرامة. وردًا على ذلك، قدَّم أحد أعضاء مجلس النواب ووزير الثقافة مشروعيْ قانونين منفصلين يُجرّمان صراحة العلاقات الجنسية المثلية بالتراضي و”الترويج للمثلية”.
وفي 23 أغسطس/آب، هاجم أعضاء جماعة جنود الرب، وهي مجموعة متطرفة مسيحية، أشخاصًا كانوا يحضرون عرض “دراغ” في إحدى حانات بيروت، وهددوا بارتكاب مزيد من العنف ضد أفراد مجتمع الميم. وقد وصلت قوى الأمن الداخلي خلال الهجوم، لكنها لم تُلقِ القبض على أحد.
وفي 25 أغسطس/آب، أصدرت 18 منظمة إعلامية بيانًا مشتركًا ضد قمع الحريات، ومن ضمن ذلك استهداف أفراد مجتمع الميم.
وفي 5 سبتمبر/أيلول، حض تحالف الدفاع عن حرية الرأي والتعبير في لبنان، الذي يضم 15 منظمة لبنانية ودولية من بينها منظمة العفو الدولية، السلطات على إلغاء فورًا اقتراحات القوانين المعادية لأفراد مجتمع الميم وإنهاء الاعتداءات على الحقوق والحريات.6
حقوق اللاجئين والمهاجرين
استمر لبنان باستضافة أكبر عدد من اللاجئين في العالم بالنسبة لعدد سكانه، بوجود ما يُقدَّر بـ 1.5 مليون لاجئ سوري، من ضمنهم 795,322 شخصًا مسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، وهي وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، و13,715 لاجئًا من جنسيات أخرى. وبحسب المفوضية المذكورة، كان 90% من اللاجئين السوريين يعيشون في فقر مدقع.
وفي النصف الأول من السنة، تفاقمت البيئة المعادية للاجئين إثر تزايد مرعب في الخطاب المناهض للاجئين، الذي أججته، في بعض الحالات، السلطات المحلية والسياسيون.
وفي أبريل/نيسان ومايو/أيار، داهم الجيش اللبناني منازل لاجئين سوريين، معظمهم مسجل لدى مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين أو معروف لديها، وذلك في مختلف أنحاء لبنان، ومن ضمنها جبل لبنان، وجونية، وقب الياس، وبرج حمود، وبادر على الفور إلى ترحيل معظمهم. وقد اختفى بعضهم أو اعتُقل لدى عودته إلى سوريا. وقال المرحّلون لمنظمة العفو الدولية إنهم حُرموا من الحق في الاعتراض على ترحيلهم أو الدفاع عن حقهم بالحماية.
وفي 11 مايو/أيار، دعت 20 منظمة وطنية ودولية السلطات إلى “وقف عمليات الترحيل بموجب إجراءات موجزة إلى سوريا تنتهك مبدأ عدم الإعادة القسريّة”. كذلك أهابت بالمجتمع الدولي زيادة مساعداته للبنان وإعادة توطين المزيد من اللاجئين الذين يعيشون فيه.
وفي سبتمبر/أيلول، داهم الجيش مخيمات اللاجئين في منطقة البقاع وبلدة عرسال وصادر صناديق إنترنت، وألواح للطاقة الشمسية، وبطاريات.
الحق في بيئة صحية
أخفقت السلطات اللبنانية في الانتقال التدريجي عن استخدام زيت الوقود الثقيل لتزويد محطاتها بالطاقة بما يتماشى مع خطة كهرباء عام 2022 التي أعدتها الحكومة. وفي هذه الأثناء، أرغمت حالات النقص واسعة النطاق في كهرباء الدولة الناس على الاعتماد على مولدات الديزل الخاصة المكلفة والملوثة جدًا للبيئة.
- “لبنان: أدلة على استخدام إسرائيل غير القانوني للفسفور الأبيض في جنوب لبنان وسط تصاعد القتال عند الحدود”، 31 أكتوبر/تشرين الأول.
- “لبنان: يجب التحقيق في الهجوم الإسرائيلي القاتل على الصحفيين كجريمة حرب”، 7 ديسمبر/كانون الأول
- “لبنان: الزيادة الحادة في الوفيات في الحجز يجب أن تكون جرس إنذار للسلطات”، 7 يونيو/حزيران
- “لبنان: غياب غير مقبول للعدالة والحقيقة والتعويض بعد مرور ثلاث سنوات على انفجار مرفأ بيروت”، 3 أغسطس/آب
- “لبنان: يجب تقديم قتلة الناشط لقمان سليم إلى ساحة العدالة”، 3 فبراير/شباط
- “لبنان: الهجوم على الحريات يستهدف أفراد مجتمع الميم عَيْن، تشريعات قمعية وتضييق غير قانوني”، 5 سبتمبر/أيلول