قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن الاحتجاجات التي تنفذّها أسر ضحايا انفجار مرفأ بيروت المميت ما هي إلا تذكير صارخ بأن العدالة لم تتحقق بعد. لقد تقاعست السلطات اللبنانية عن مساءلة أحد على انفجار أغسطس/آب 2020 الذي أودى بحياة 217 شخصاً وهجّر قسراً ما يزيد على 300,000 شخص في أعقاب الأضرار الجسيمة التي لحقت بعشرات آلاف المنازل. كما أنها تظل تعرقل فعلياً سير العدالة بزعمها أن مسؤولين رفيعي المستوى يتمتعون بحقوق الحصانة.
وفي 13 يوليو/تموز انضم عشرات المحتجين إلى أقرباء عدد من الضحايا في تجمّع خارج منزل محمد فهمي وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال الذي رفض طلب المحقق العدلي القاضي طارق بيطار للتحقيق مع عباس إبراهيم، أحد كبار الجنرالات في لبنان، بشأن دوره في المأساة. وقد ردت قوى الأمن باللجوء إلى القوة المفرطة مستخدمةً الغاز المسيل للدموع والهراوات ما أدى إلى وقوع عدة إصابات.
مطلب المحتجين بسيط: دعوا العدالة تأخذ مجراها. ونحن نقف إلى جانب العائلات في دعوة السلطات اللبنانية إلى رفع كافة الحصانات فوراً عن المسؤولين بصرف النظر عن دورهم أو منصبهم. وأي تقصير في القيام بذلك هو عرقلة لسير العدالة، وينتهك حقوق الضحايا وعائلاتهم في معرفة الحقيقة، ونيل العدالة، والحصول على تعويضات.
لين معلوف، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية
وقالت لين معلوف، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية إن “العائلات التي دعت إلى إقامة العدالة في بيروت نهار أمس حملت نعوشاً بيضاء وصوراً لأحبائها المتوفين قبل أن يتم صدّ أفرادها بالغاز المسيل للدموع. وكان ذلك تعبيراً صارخاً عن الألم الذي تشعر به أسر الضحايا تجاه تقاعس السلطات عن المضي قدماً في إجراء تحقيق محايد وفعال”.
“مطلب المحتجين بسيط: دعوا العدالة تأخذ مجراها. ونحن نقف إلى جانب العائلات في دعوة السلطات اللبنانية إلى رفع كافة الحصانات فوراً عن المسؤولين بصرف النظر عن دورهم أو منصبهم. وأي تقصير في القيام بذلك هو عرقلة لسير العدالة، وينتهك حقوق الضحايا وعائلاتهم في معرفة الحقيقة، ونيل العدالة، والحصول على تعويضات”.
وفي يوليو/تموز 2021 طلب المحقق العدلي القاضي طارق بيطار الإذن للتحقيق مع أعضاء في المجلس النيابي ومسؤولين أمنيين رفيعي المستوى، من بينهم النائب ووزير المالية السابق علي حسن خليل، والنائب ووزير الأشغال العامة السابق غازي زعيتر، والنائب ووزير الداخلية السابق نهاد المشنوق، ومدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ومدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا بشأن الانفجار.
وفي 2 يوليو/تموز أبلغ الوزير فهمي محطة تلفزيون “أل بي سي آي” أنه سيمنح القاضي بيطار الإذن بمقاضاة عباس إبراهيم، لكنه في ما بعد سحب تصريحه ورفض طلب القاضي. ومنذ ذلك الحين ما برحت عائلات الضحايا تقوم باحتجاجات لمساندة إجراء تحقيق محايد وفعال.
وقال الصليب الأحمر اللبناني إنه أرسل على عجل أربع فرق إلى منزل محمد فهمي الليلة الماضية لمعالجة المحتجين الجرحى في مسرح الاحتجاجات ونقل المصابين بجروح أكثر خطورة إلى المستشفيات، لكنه لم يعلن مجموع عدد المحتجين الجرحى. وفي بيان أصدرته قوى الأمن الداخلي الليلة الماضية زعمت إصابة 20 شرطياً بجروح جراء الزجاج المتساقط أو الهجمات التي شنها المحتجون.
وقالت لين معلوف إن “منظمة العفو الدولية تقف إلى جانب ضحايا انفجار مرفأ بيروت في كفاحهم من أجل العدالة. لقد اتسم عهد ما بعد النزاع بترسخ ظاهرة الإفلات من العقاب التي اجتاحت كل جانب من جوانب حياة الناس في لبنان”.
“إن التحقيق المحايد والمستقل حقاً في انفجار مرفأ بيروت ضروري لبناء مستقبل أفضل للبنان تحظى فيه حقوق الإنسان بالحماية ويقام فيه العدل”.
خلفية
دمّر أحد أضخم الانفجارات غير النووية في التاريخ الذي وقع في 4 أغسطس/آب 2020 مرفأ بيروت وألحق أضراراً بأكثر من نصف المدينة. وأدى الانفجار إلى سقوط 217 قتيلاً و7000 جريح، أُصيب 150 منهم بإعاقة جسدية. كذلك تسبّب الانفجار بأذى نفسي لا يوصف وبتضرُّر 77,000 شقة سكنية، ما أدى إلى التهجير القسري لما يزيد على 300,000 نسمة. وقد توفى ثلاثة أطفال على الأقل تراوحت أعمارهم بين سنتين إلى 15 سنة.
وفي يونيو/حزيران بعثت منظمة العفو الدولية برسالة إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ضمن ائتلاف ضم أكثر من 50 منظمة لبنانية ودولية دعت إلى إرسال بعثة تحقيق دولية من قبيل بعثة لتقصي الحقائق لمدة سنة بشأن انفجار بيروت وذلك بسبب مجموعة من الشوائب الإجرائية والنظامية التي تمنع لبنان من الوفاء بالواجبات الدولية المترتبة عليه لتقديم سبيل انتصاف إلى الضحايا. وهي تشمل التدخل السياسي الفاضح، وانعدام الاحترام لمعايير المحاكمة العادلة، وانتهاك الاجراءات القانونية الواجبة، فضلاً عن الحصانة التي يتمتع بها كبار المسؤولين السياسيين.
وفي الواقع تنص المادة 40 من الدستور اللبناني على أنه “لا يجوز في أثناء دور الانعقاد اتخاذ إجراءات جزائية نحو أي عضو من أعضاء المجلس أو إلقاء القبض عليه إذا اقترف جرماً جزائياً إلا بإذن المجلس ما خلا حالة التلبس بالجريمة (الجرم المشهود)”.
بيد أن هذا يتعارض مباشرة مع الواجبات المترتبة على لبنان بموجب بروتوكول مينسوتا للأمم المتحدة لسنة 2016 الذي يهدف إلى حماية الحق في الحياة وتعزيز العدالة، والمساءلة، والحق في الانتصاف. ويُعرّف البروتوكول الوفاة التي يُحتمل أن تكون غير مشروعة بأنها تحدث “عندما تتقاعس الدولة عن الوفاء بالتزاماتها بحماية الحياة”، وينص أيضاً على أن “الإفلات من العقاب، الناجم على سبيل المثال عن قصر مدة قوانين التقادم بشكل غير معقول، أو عن العفو الشامل (الإفلات من العقاب بحكم القانون)، أو عن تقاعس أجهزة الادعاء، أو عن التدخل السياسي (الإفلات من العقاب بحكم الواقع)، يتنافى مع هذا الواجب”.