بعد 50 عاماً من جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، يجب على العالم أن يتحرك ويحظر منتجات المستوطنات الإسرائيلية
“لكل إنسان الحق في أن يعيش في وطنه، ولا يجوز أن يقتلعه أحدٌ منها”
كانت هذه كلمات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في خطابه خلال احتفال للكنيست هذا الأسبوع بمناسبة مرور 50 عاماً على الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، والتي تعهد فيها بتعزيز “المشروع الاستيطاني” الإسرائيلي.
إلا إن الحق الذي أشار إليه نتنياهو في خطابه لا ينطبق، فيما يبدو، على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
فقيام إسرائيل بشكل غير مشروع ببناء وتوسيع المستوطنات، وما يتصل بها من مرافق البنية الأساسية، على الأراضي الفلسطينية هو أحد السمات المميِّزة للاحتلال الإسرائيلي، وقد أسهم في وقوع انتهاكات واسعة النطاق ضد الفلسطينيين على مدى العقود الخمسة الماضية.
لكل إنسان الحق في أن يعيش في وطنه، ولا يجوز أن يقتلعه أحدٌ منها
كلمات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في خطابه خلال احتفال للكنيست هذا الأسبوع بمناسبة مرور 50 عاماً على الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية
فقد هُدمت عشرات الألوف من منازل الفلسطينيين وممتلكاتهم، مما أدى إلى تشريد مجتمعات بأكملها من ديارها، كما استولت إسرائيل على ما لا يقل عن 100 ألف هكتار من الأراضي لأغراض المشروع الاستيطاني الإسرائيلي، بما في ذلك أغراض البناء والزراعة.
وتُعد المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطنية المحتلة بمثابة جرائم حرب بموجب القانون الدولي، بل إنها فضلاً عن ذلك تنتهك المبادئ الأساسية للقانون الدولي التي ترتِّب مسؤوليات إضافية على جميع الدول.
ومع ذلك، فقد دأبت إسرائيل على مدى عقود على تحدي القانون الدولي باستمرارها في توسيع مستوطناتها دون هوادة.
ومع ذلك، فقد دأبت إسرائيل على مدى عقود على تحدي القانون الدولي باستمرارها في توسيع مستوطناتها دون هوادة.
فيليب لوثر، مدير البحوث وأنشطة كسب التأييد للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية
وقد استولت إسرائيل بشكل مكثَّف وغير مشروع على موارد طبيعية للفلسطينيين، مثل الأراضي الخصبة والمياه والمعادن، من أجل الحفاظ على مستوطناتها. وفي الوقت نفسه، فرضت إسرائيل قيوداً على وصول الفلسطينيين إلى المياه والأراضي وغيرهما من الموارد الطبيعية، وكذلك على استعمالها، كما فرضت قيوداً على حرية الفلسطينيين في التنقل، ففرَّقت شمل عائلات، ومنعت مزارعين من الوصول إلى أراضيهم الزراعية، ومنعت آخرين من الوصول إلى أعمالهم أو التماس سبل للعيش.
وعلى مر السنين، تدهور الاقتصاد الفلسطيني بشكل مطرد تحت وطأة هذه القيود، بينما أقامت إسرائيل في الوقت نفسه مشاريع اقتصادية تقدر بمليارات الدولارات على حساب معاناة الفلسطينيين، حيث تصدر إلى دول العالم كل عام منتجات من المستوطنات تُقدر بمئات الملايين من الدولارات.
ويساعد هذا المشروع المزدهر على الإبقاء على وجود المستوطنات وتوسيعها، كما إنه أحد العوامل الأساسية وراء الانتهاكات الممنهجة ضد الفلسطينيين التي ما زلنا نشهدها حتى الآن. وعلى مدى خمسة عقود، ظل العالم يقف متفرجاً بينما تواصل إسرائيل استغلال الشعب الفلسطيني وأراضيه وموارده الطبيعية لتحقيق أرباح تُستخدم في توسيع مستوطناتها غير القانونية، واكتفى بترديد عبارات الإدانة للأفعال الإسرائيلية غير المشروعة ليس إلا.
تقاعس المجتمع الدولي
ما لم يبادر العالم بالتحرك على نحو متسق لوقف الاستيطان وإزالة المستوطنات، فإن وضع حقوق الإنسان المتردي بالنسبة للفلسطينيين في الأراضي المحتلة سوف يزداد سوءاً على سوء.
فدول العالم مُلزمة، بموجب القانون الدولي، بعدم الاعتراف بالوضع غير القانوني الناجم عن المستوطنات الإسرائيلية، ناهيك عن عدم تقديم المعونات أو المساعدات لهذه المستوطنات. وبالرغم من ذلك، فما زالت دول كثيرة تسمح باستيراد منتجات المستوطنات، كما تسمح لشركاتها بالعمل على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتقر الغالبية العظمى من دول العالم علناً، بما في ذلك الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بأن المستوطنات الإسرائيلية غير قانونية بموجب القانون الدولي، وأجمعت كلها تقريباً على إدانة المشروع الاستيطاني.
كما صدرت قرارات عديدة من الأمم المتحدة تطالب بالكف عن بناء المستوطنات وتوسيعها. ففي عام 1980، دعا قرار مجلس الأمن الدولي رقم 465 الدول كافةً إلى “عدم تقديم أية مساعدات لإسرائيل يمكن استعمالها خصوصاً فيما يتعلق بالمستوطنات في الأراضي المحتلة”.
إلا إن الإدانة العالمية لسياسة الاستيطان الإسرائيلي المرة تلو الأخرى لم تلق آذاناً صاغية.
فيليب لوثر
إلا إن الإدانة العالمية لسياسة الاستيطان الإسرائيلي المرة تلو الأخرى لم تلق آذاناً صاغية. فقد أوضحت إسرائيل مراراً أنها لا تكترث على الإطلاق بما يفكر فيه العالم، وأنها مصممة بعناد تام على الاستمرار في توسيع مستوطناتها في انتهاك صارخ للقانون الدولي.
ويُعد خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي واصل فيه تعهده بالاستمرار في توسيع المستوطنات، دليلاً جديداً على ذلك. كما إن الإدارة المدنية، التي يديرها الجيش الإسرائيلي، عازمة على إقرار بناء آلاف الوحدات السكنية الجديدة في المستوطنات القائمة في الضفة الغربية المحتلة، والتي أُعلن عنها في وقت سابق من العام الحالي، وكذلك إقرار خطط لبناء مستوطنتين جديدتين، وذلك للمرة الأولى منذ سنوات.
يجب حظر منتجات المستوطنات
أصبح واضحاً بشكل متزايد أن مجرد إدانة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي ليس كافياً. ولهذا، بادرت منظمة العفو الدولية للمرة الأولى في تاريخها، بتوجيه مناشدةإلى الحكومات في شتى أنحاء العالم، بمناسبة ذكرى مرور 50 عاماً على الاحتلال الإسرائيلي، تطالبها فيها بأن تحترم التزاماتها بحظر دخول منتجات المستوطنات إلى أسواقها، وبوضع وتنفيذ تشريعات ونُظم لمنع الشركات التابعة لبلدانها من ممارسة أنشطتها في المستوطنات أو الاتجار في منتجات المستوطنات.
وتقع على حكومات العالم مسؤولية التأكد من أن المنتجات التي تُزرع أو تُنتج أو تُصنَّع على الأراضي الفلسطينية المسلوبة لا تصل في نهاية المطاف إلى أسواق بلدانها. ويجب على هذه الحكومات أن تثبت أن إدانتها اللفظية لإسرائيل ليست مجرد أقوال فارغة في الهواء. أما تقاعس الدول عن القيام بهذا الدور فمن شأنه أن يقوِّض المبادئ القانونية التي تدعي أن تعمل على احترامها.
وقد يكون من السهل، بعد 50 عاماً من الاحتلال، أن يشعر المرء باليأس مما يمكن عمله لمعالجة عقود من الظلم والانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. إلا إن حظر منتجات المستوطنات ومنع الشركات من العمل في المستوطنات هي خطوات محددة ينبغي على الحكومات أن تتخذها للوفاء بالتزاماتها الدولية، وللمساعدة في إنهاء نظامٍ يتسم بالتمييز في جوهره، ولا يزال يجلب المعاناة والشقاء لملايين الفلسطينيين.
فيليب لوثر هو مدير البحوث وأنشطة كسب التأييد للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية
نشر هذا المقال أول مرة من قبل الجزيرة، اضغط هنا