ماليزيا: أوقفوا الحملة غير المسبوقة ضد مئات المعارضين

ونحن إذ نحتفل باليوم العالمي لمكافحة الرقابة الإلكترونية، تنزلق ماليزيا إلى حقبة مُظلمة من القمع منذ العامين الماضيين، فقد أطلقت الحكومة حملة قمع لم يسبق لها مثيل لتكميم أفواه مئات المعارضين، ومضايقتهم وحبسهم”. 

القمع الخطير: إن حرية التعبير التي يجري قمعها في الوقت الراهن في ماليزيا تُبين كيفية استخدام “قانون التحريض على الفتنة”، الذي يُعطي السلطات صلاحيات واسعة لاستهداف أولئك الذين يعارضونها، والذي تضاعف منذ تولي الائتلاف الحاكم “باريسان ناشيونال”  السلطة عقب فوزه في الانتخابات العامة بفارق ضئيل من الأصوات في عام 2013، حيث تم خلال تلك الفترة رصد حوالي 170 قضية تم رفعها بموجب “قانون التحريض على الفتنة”.

إن التعبير عن الرأي في ماليزيا أصبح يُشكل خطراً مُتزايداً على أصحابه، فقد كان رد فعل الحكومة إزاء التحديات التي تواجهها سلطتها بأسوأ طريقة ممكنة، حيث تم تشديد القمع، واستهداف العشرات من المعارضين المفترضين.

جوزيف بنديكت، نائب مدير الحملات لمنطقة جنوب شرق آسيا بمنظمة العفو الدولية

وفي عام 2015 فقط، تم اعتقال 91 شخصاً على الأقل، حيث تم التحقيق معهم أو تم توجيه اتهامات إليهم بالتحريض على الفتنة، أي ما يقرب من خمسة أضعاف العدد خلال الخمسين عام الأولى من إصدار القانون.

قال جوزيف بنديكت، نائب مدير الحملات لمنطقة جنوب شرق آسيا بمنظمة العفو الدولية: “إن التعبير عن الرأي في ماليزيا أصبح يُشكل خطراً مُتزايداً على أصحابه، فقد كان رد فعل الحكومة إزاء التحديات التي تواجهها سلطتها بأسوأ طريقة ممكنة، حيث تم تشديد القمع، واستهداف العشرات من المعارضين المفترضين”.

“‘إن قانون التحريض على الفتنة لا مكان له في مجتمع حديث تُحترم فيه الحقوق. إنه قانون شديد القمعية، والذي أصبح السلاح المفضل لدى السلطات الذي تواجه به أي مُعارضة”.

“الأرقام تتحدث عن نفسها، فالارتفاع المذهل في عدد القضايا المرفوعة بموجب “قانون التحريض على الفتنة، على مر الأعوام الماضية، يُبرز الحيز المتاح لحرية التعبير عن الرأي، والآخذ في التقلص بمُعدل سريع”.

استهداف النشطاء

قامت السلطات الماليزية بتوسيع نطاق ممارسة القمع من خلال استخدام “قانون التحريض على الفتنة”، واستهداف مجموعة من الأفراد تشمل نُشطاء حقوقيين، وصحفيين، ومحامين، وسياسيين مُعارضين.

وقد تم إصدار التقرير الموجز قبل جلسة المحاكمة التي ستُعقد في 28 يناير /كانون الثاني لمحاكمة رسام الكاريكاتير زونار،  والذي قد يواجه عقوبة السجن لفترة طويلة بتهمة التحريض على الفتنة، وذلك على خلفية سلسلة التعليقات التي رفعها على التويتر، والتي احتوت على انتقادات للحكومة.
وأحد أحدث ضحايا “قانون التحريض على الفتنة”، هو الطالب الناشط خالد إسماث، والذي يواجه ثلاثة تهم بالتحريض على الفتنة، والتي وجِهت إليه في أكتوبر /تشرين عام 2015، لمجرد نشره رسالة على شبكة فيسبوك تُندد بالشرطة الماليزية لتعسّفها في استعمال السلطة، وهو حاليا بصدد انتظار المحاكمة.

التأثير السلبي على المناقشات العامة

وقد نتجَ عن التهديد بالاعتقال تأثير سلبي على المناقشات العامة وحرية التعبير عن الرأي في ماليزيا، بل امتد ليشمل وسائل الإعلام المستقلة، فقد تم اعتقال الصحفية سوزان لووني بتهمة التحريض على الفتنة في عام 2014، بسبب مقال انتقدت خلاله الشرطة، وقد أبلغت سوزان منظمة العفو الدولية أن زملاءها يمارسون في بعض الأحيان الرقابة الذاتية، لتجنب مضايقات السلطات لهم.

ولكن سوزان لووني نفسها تظل رافعة راية التحدي، قائلةً: “إذا كانت كتابة الحقيقة، أو طرح الأسئلة، أو لفت انتباه أحد الوزراء للقيام بإحدى مهام وظيفته، أو مُساءلة شخصية قوية، تُعد تحريضاً على الفتنة، إذاً: اسمحوا لنا جميعاً بأن نكون مُحرِضين على الفتنة”.

إن “قانون التحريض على الفتنة” هو أحد مُخلفات الحقبة الاستعمارية، فقد تم إصداره للمرة الأولى خلال فترة الحكم البريطاني لماليزيا في عام 1948، لمحاربة حركة الاستقلال، وكان من يتم إدانتهم في ذلك الحين إما أن يواجهون عقوبة السجن لمدة ثلاثة أعوام، أو غرامة تصل إلى 5,000 رينغيت ماليزي (1,300 دولار أمريكي)، أو كليهما إذا كانت الإدانة للمرة الأولى، أما إذا تمت إدانة نفس الأشخاص بنفس التهمة مرة أخرى، فكانت معاقبتهم بالسجن لمدة تصل إلى خمسة أعوام.

إذا كانت كتابة الحقيقة، أو طرح الأسئلة، أو لفت انتباه أحد الوزراء للقيام بإحدى مهام وظيفته، أو مُساءلة شخصية قوية، تُعد تحريضاً على الفتنة، إذاً: اسمحوا لنا جميعاً بأن نكون مُحرِضين على الفتنة

سوزان لووني، صحفية ألقي القبض  عليها بموجب قانون "الحض على الفتنة

وفي عام 2012، تعهدَ رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق بإلغاء “قانون التحريض على الفتنة”، بيدَ أن الحكومة لم تكتف بالتراجع عن الايفاء بذلك التعهد، بل قامت بتوطيد وتوسيع نطاق هذا القانون.

وقد تم الاسراع في تعديل القانون من خلال البرلمان في أبريل /نيسان عام 2015، بعد نِقاش استمر لأقل من يوم واحد، حيث تمت إضافة انتقاد الدين إلى قائمة جرائم التحريض على الفتنة؛ كما تم تقليص السلطة التقديرية للقضاة في إصدار الأحكام، ومطالبتهم بفرض أحكام بالسجن لمدد تتراوح بين ثلاثة وسبعة أعوام؛ وتمت أيضاً إضافة وسائل الإعلام الإلكترونية والمشاركة عبرَ وسائل التواصل الاجتماعي ليتم إدراجها تحت القانون المذكور.

أداة القمع

وقال جوزيف بنديكت أيضاً:”إنه أمر مُثير للقلق العميق أن تتحرك السلطات في ماليزيا إلى جعل “قانون التحريض على الفتنة” أداة أكثر فاعلية للقمع، بدلاً من إلغائه كما وعدت”

وحيث أن شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي قد أصبحت ذات قيمة عظيمة بالنسبة للعديد من النشطاء في جميع أنحاء ماليزيا، فقد أصبحت هدفاً للسلطات التي شرعت في التحرك سريعاً لكبحها وقمعها”.

وتُناشد منظمة العفو الدولية السلطات الماليزية بإلغاء “قانون التحريض على الفتنة” بشكل عاجل، وإلغاء أحكام الإدانة التي صدرت ضد أي أشخاص حُكِمَ عليهم بموجب هذا القانون لمجرد ممارستهم لحقهم في حرية التعبير عن رأيهم بصورة سِلمية، وضمان أن يتم إطلاق سراحهم فوراً ودون شروط.

وتحثُ أيضاً منظمة العفو الدولية ماليزيا على مُراجعة وتعديل كافة القوانين الأخرى التي تُقيد الحق في حرية التعبير عن الرأي، وإعادة صياغتها بحيث يتم التقيد الصارم بالقانون الدولي لحقوق الإنسان والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

تعاونت منظمة العفو الدولية مع (آدبلوك) بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة الرقابة الرقمية من أجل رفع الوعي بشأن قمع حرية الرأي في مختلف أنحاء العالم.  وصممت (آدبلوك) أداةً رقمية تحمل نفس الاسم لمساعدة مستخدمي الويب على حجب الإعلانات غير المرغوب فيها، وسوف يتم اعتباراً من 12 مارس/ آذار 2016 استبدال الإعلانات التي تظهر كترويسة على صفحات المواقع بأدوات الكشف عن المحتوى في بعض البلدان التي لا ترغب في أن يطلع سكانها على ذلك المحتوى.