مصر: احتجاز المصور الصحفي “شوكان” مع 700 آخرين أكثر من عامين انتظارا للمحاكمة

قالت منظمة العفو الدولية إن قرار إحدى المحاكم المصرية بإحالة قضية مصور صحفي لمحكمة الجنايات مع تمديد احتجازه على ذمة القضية يعد ضربة أخرى قاصمة لحقوق الإنسان وسيادة القانون في البلاد. وجدير بالذكر أن محمود أبو زيد الشهير بشوكان هو واحد من المئات المحتجزين انتظارا للمحاكمة منذ أكثر من عامين في شتى أنحاء البلاد.

وقال سعيد بومدوحة نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية “إن قرار تمديد اعتقال شوكان لحين تحديد موعد انعقاد المحاكمة الجنائية لهو انتهاك مشين وسافر للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، كما أنه يمثل خرقا للدستور المصري والقوانين الوطنية التي تقيد فترة الاحتجاز على ذمة المحاكمة بعامين كحد أقصى إذا لم يتم الحكم على المتهم خلال تلك المدة، وهي المدة التي تجاوزها أصلا هؤلاء المعتقلون مع تمديد اعتقالهم”.

“إن السلطات المصرية باعتقالها المئات اعتقالا تعسفيا لمدد مطولة على ذمة المحاكمة ترسل رسالة واضحة مفادها أنها لن تتورع عن القيام بأي شيء لقمع أي بادرة من بوادر المعارضة، حتى لو تمخض ذلك عن خرق القوانين التي وضعتها بنفسها”.

إن السلطات المصرية باعتقالها المئات اعتقالا تعسفيا لمدد مطولة على ذمة المحاكمة ترسل رسالة واضحة مفادها أنها لن تتورع عن القيام بأي شيء لقمع أي بادرة من بوادر المعارضة، حتى لو تمخض ذلك عن خرق القوانين التي وضعتها بنفسها

سعيد بومدوحة, نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية

وكان شوكان قد قُبض عليه في 14 أغسطس/آب 2013 بينما كان يلتقط صورا أثناء قيام قوات الأمن المصرية بفض اعتصام رابعة العدوية باستخدام العنف. وقد قتل في هذا اليوم ما يصل إلى ألف شخص في شتى أنحاء مصر، وكان شوكان واحدا من بين المئات الذين قبض عليهم في ذلك اليوم ومن بينهم الكثيرون من مؤيدي جماعة “الإخوان المسلمون” وأعضائها.

وقال سعيد بومدوحة “إن “الجريمة” الوحيدة التي اقترفها شوكان هي التقاط الصور الفوتوغرافية في إطار عمله المشروع كصحفي،ولذلك فإن اعتقاله بهذا الشكل غير المشروع لأكثر من 700 يوم يعد أمرا مشينا. وبذلك فهو يعد سجينا من سجناء الرأي، احتجز لا لشيء سوى ممارسته الحق في حرية التعبير ومن ثم يجب الإفراج عنه فورا إفراجا غير مشروط، كما يجب إسقاط كافة التهم المنسوبة إليه”.

إن “الجريمة” الوحيدة التي اقترفها شوكان هي التقاط الصور الفوتوغرافية في إطار عمله المشروع كصحفي، ولذلك فإن اعتقاله بهذا الشكل غير المشروع لأكثر من 700 يوم يعد أمرا مشينا

سعيد بومدوحة

وقال محامو شوكان لمنظمة العفو الدولية إن النيابة العامة أخطرتهم بأن شوكان كان قد أحيل إلى محكمة الجنايات في 11 أغسطس/آب 2015، عندما أعلن أن محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين و400 آخرين قد أحيلوا إيضا لمحكمة الجنايات.

وكان المحامون قد حيل بينهم وبين الاطلاع على المستندات الأساسية في القضية، ومنها قرار الإحالة الصادر من النيابة والذي يحتوي على عريضة الاتهام وعدد المتهمين ونصوص قانون العقوبات التي تنطبق على القضية مما يقوض من قدرتهم على إعداد الدفاع. كما ذكروا أيضا لمنظمة العفو الدولية أن النيابة العامة كانت قد أنكرت مبدئيا وجود شوكان بين المحالين للمحاكمة الأسبوع الماضي، مشيرين لصدمتهم عندما اكتشفوا اليوم أن قضيته أحيلت للمحكمة مع الآخرين.

وقد قدم المحامون طعنا لمحكمة الاستئناف دعوا فيه إلى الإفراج الفوري عن شوكان على أساس أن اعتقاله تجاوز الحد القانوني للحجز على ذمة المحاكمة وهي عامان في القانون المصري، ومن المقرر أن تبت المحكمة في هذا الطعن خلال الأيام القليلة القادمة. وكان شوكان وقت اعتقاله مكلفا بمهمة من قبل وكالة “ديموتيكس” للتصوير الفوتوغرافي التي أكدت للنيابة أن شوكان كان يعمل معها. وجدير بالذكر أن ما لا يقل عن 18 صحفيا يقبعون الآن خلق القضبان في مصر لا لشيء سوى قيامهم بعملهم وممارسة حقهم في حرية التعبير.

وقد تم استجواب شوكان و400 آخرين في القضية نفسها بشأن مجموعة من التهم الملفقة والمتطابقة والتي تتضمن “الانتماء لتنظيم محظور” (تنظيم “الإخوان المسلمون” الذي أعلنت السلطات فيما بعد أنه تنظيم “إرهابي”)، و”حيازة أسلحة نارية”، والقتل العمد. وقد أنكر شوكان وجود صلة بينه وبين “الإخوان المسلمون” وجميع التهم الأخرى المنسوبة إليه خلال تحقيقات النيابة معه طوال العامين الماضيين.

وتتسم قضية شوكان بأنها قضية شابها العوار منذ لحظة القبض عليه. فقد تم استجوابه على أيدي أحد وكلاء النيابة مع عدم حضور أي محام معه، كما تعرض للتعذيب وغيره من صنوف إساءة المعاملة في أثناء احتجازه في زنزانة مكتظة بأحد أقسام الشرطة في القاهرة. ثم نقل فيما بعد إلى سجن “أبو زعبل” حيث ظل حبيسا في عربة من عربات ترحيلات الشرطة لمدة سبع ساعات أمام السجن في شهر أغسطس/آب القائظ قبل أن يسمح له بالدخول حيث تعرض للضرب من جديد. وهو الآن معتقل في سجن طرة سيء السمعة في ظروف بالغة السوء.

وفي خطاب أرسله شوكان إلى منظمة العفو الدولية يصف فيه ظروف اعتقاله المزرية، وهو الخطاب الذي نشرته المنظمة في أبريل/نيسان 2015، قال شوكان إنه يعامل “وكأنه حيوان في السجون المصرية”، وإن اعتقاله لأجل غير مسمى “غير محتمل نفسيا”.

وكان شوكان قبل إلقاء القبض عليه قد شخص على أنه مصاب بفيروس C الكبدي، وقالت أسرته لمنظمة العفو الدولية إنه محروم من تلقي العلاج ولذلك فإن صحته آخذة في التدهور. وقد قدمت الأسرة عدة طلبات للنيابة تطلب الإفراج عنه لدواع صحية، لكنها لم تظفر من هذه الطعون بشيء.

كما ألقت السلطات القبض على 327 شخصا بعد بضعة أيام، أي في 17 أغسطس/آب 2013، من بينهم إبراهيم حلاوة وهو مواطن أيرلندي وسجين من سجناء الرأي عقب اقتحام مسجد في قلب القاهرة كان قد احتمى به هو وعدد من المتظاهرين الآخرين. واليوم يمر عامان ويومان على اعتقال هؤلاء، مما يعني أنهم بدورهم قد تجاوزوا الحد الأقصى المنصوص عليه للحجز على ذمة المحاكمة في ظل القانون المصري.

جدير بالذكر أن القانون الدولي يؤكد على أن إجراء الحجز على ذمة المحاكمة يجب أن يكون الملاذ الأخير، ولا ينبغي اللجوء إليه إلا في حالات معينة إذا ثبت وجود مخاطرة ملموسة من قبيل احتمال الهروب أو الإضرار بالآخرين أو التلاعب بالأدلة أو التحقيقات. ويجب أن يكون هناك فحص مستمر لشرعية وضرورة استمرار الاعتقال في كل قضية على حدة. حيث تنص المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية المصري على تقييد الحجز على ذمة المحاكمة بعامين كحد أقصى، مع ضرورة الإفراج الفوري عن المعتقل إذا لم يُحكم عليه خلال تلك الفترة.

وقال سعيد بومدوحة “إن حبس المئات على ذمة المحاكمة لمدة عامين أو أكثر دون مبرر لهو إجراء عقابي واضح يقصد به إسكات من يتجرؤون على تحدي الرواية الرسمية”.

ويأتي تمديد اعتقال شوكان في اليوم التالي لتوقيع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي “قانون مكافحة الإرهاب” الجديد الذي يسهل على السلطات إبقاء المعتقلين في الحجز لمدد طويلة بتخويل النيابة العامة سلطة الاعتقال بغرض التحقيق لمدة تصل إلى سبعة أيام قابلة للتجديد لمدد مماثلة بدون حد أقصى. وهكذا فإن هذا الإجراء يلغي على أرض الواقع الحد الأقصىى المنصوص عليه بعامين في القانون المصري.

كما أن تعريف القانون لما يمثل “العمل الإرهابي” تعريف فضفاض للغاية يطلق يد السلطات في اعتقال منتقدي الحكومة السلميين، ومن بينهم الصحفيون، تحت ذرائع واهية. كما أن القانون في واقع الحال يحظر الصحافة الإخبارية المستقلة عن طريق فرض غرامات باهظة على الصحفيين الذين يكتبون معلومات أو إحصائيات عن الاعتداءات الإرهابية تخالف تلك المعلن عنها من قبل الدولة.

خلفية

أرسلت منظمة العفو الدولية مذكرة إلى الرئيس المصري في 12 أغسطس/آب 2015 تدعوه إما لإلغاء القانون وإما لمراجعته مراجعة جوهرية لكي يتوافق مع الدستور المصري والقانون الدولي لحقوق الإنسان.

كما كانت الحكومة قد سنت قانونا جائرا خاصا بالتظاهر في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 ليس له من غرض سوى تكميم حرية التعبير والتجمع السلمي ودحر كل أشكال المعارضة.