بوروندي: استخدام القوة المفرطة المميتة لقمع المتظاهرين

ذكرت منظمة العفو الدولية أن السلطات البوروندية قمعت متظاهرين كما لو كانت تواجه عصياناً مسلحاً، وحذَّرت من أن البلاد تبدو حالياً على حافة صراع. جاء ذلك في تقرير جديد للمنظمة صدر اليوم بعنوان “مواجهة طلقات الرصاص- القوة المفرطة في تصدي الشرطة للمظاهرات في بوروندي”.

وقد خلص التحقيق، الذي أجرته منظمة العفو الدولية في مايو/أيار ويونيو/حزيران 2015، إلى أن شرطة بوروندي استخدمت القوة المفرطة المميتة، بما في ذلك القوة ضد النساء والأطفال، من أجل إخراس من يعارضون ترشح الرئيس بيير نكورونزيزا لفترة ولاية ثالثة.

وقالت سارة جاكسون، نائبة المدير الإقليمي لقسم شرق إفريقيا والقرن الإفريقي والبحيرات العظمى في منظمة العفو الدولية، إنه “أمر مأساوي أن يُضطر المتظاهرون إلى مواجهة طلقات الرصاص ببسالة من أجل إسماع أصواتهم”.

ينبغي على السلطات البوروندية أن تبدأ فوراً في إجراء تحقيق وافٍ وشفاف بخصوص استخدام القوة المفرطة المميتة ضد متظاهرين كان أغلبهم سلميين، كما يجب عليها أن تقدم إلى ساحة العدالة كل من تثبت مسؤوليته.

سارة جاكسون، نائبة المدير الإقليمي لقسم شرق إفريقيا والقرن الإفريقي والبحيرات العظمى في منظمة العفو الدولية

واستطردت سارة جاكسون تقول: “ينبغي على السلطات البوروندية أن تبدأ فوراً في إجراء تحقيق وافٍ وشفاف بخصوص استخدام القوة المفرطة المميتة ضد متظاهرين كان أغلبهم سلميين، كما يجب عليها أن تقدم إلى ساحة العدالة كل من تثبت مسؤوليته. ويكتسب هذا الأمر أهمية قصوى لاستعادة الثقة في أجهزة الأمن والحد من مخاطر لجوء بعض الأشخاص إلى أساليب أكثر عنفاً من أجل التعبير عن المظالم السياسية”.

وقد ذكرت “المفوضية السامية لحقوق الإنسان” التابعة للأمم المتحدة أنه حتى يوم 29 يونيو/حزيران 2015، كان ما لا يقل عن 58 شخصاً قد قُتلوا، ومن بينهم شرطيان واثنان من أفراد الجيش وأحد أعضاء منظمة “ذوي البصيرة”، وهي الجناح الشبابي للحزب الحاكم، وذلك منذ اندلاع المظاهرات في 26 إبريل/نيسان 2015.

وقد أطلقت الشرطة النار على متظاهرين عزل وهم يركضون فراراً. وحتى في الحالات التي تواجد فيها أطفال، لم تتحل الشرطة بضبط النفس واستخدمت الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع.

وبالرغم من أن معظم المتظاهرين ظلوا سلميين، فقد لجأ البعض الآخر لاستخدام العنف رداً على القوة المفرطة من جانب الشرطة. وقد وثَّقت منظمة العفو الدولية حالات قام فيها متظاهرون بإلقاء الحجارة على أفراد الشرطة مما أسفر عن إصابتهم، والاعتداء على إحدى الشرطيات، وتخريب بعض الممتلكات، فضلاً عن واقعة قتل أحد أعضاء منظمة “ذوي البصيرة”.

وقد كان من شأن تعامل السلطات مع المتظاهرين، السلميين في معظمهم، ومع أهالي مناطق سكنية بأكملها، كما لو كانوا جزءاً من عصيان مسلح أن يؤدي إلى نتائج عكسية وإلى تصاعد الاحتجاجات بدلاً من تهدئتها.

ويتضح من الانتهاكات التي ارتكبتها الشرطة ضد المتظاهرين، وكذلك من التصريحات الحكومية قبل المظاهرات والتي وصفت المتظاهرين بأنهم يمثلون عصياناً مسلحاً، أن مسعى السلطات اليوروندية لم يقتصر على تفريق المظاهرات، بل امتد ليشمل معاقبة المتظاهرين لتعبيرهم عن آرائهم السياسية.

وقد ترافق الاعتداء على المتظاهرين مع حملة على وسائل الإعلام. فمنذ اليوم الأول للمظاهرات، منعت السلطات محطات الإذاعة من البث خارج العاصمة بوجمبورا. وفي أعقاب محاولة انقلاب نفذها بعض ضباط الجيش، في 13 مايو/أيار 2015، داهمت الشرطة مقرات بعض المحطات المستقلة، مما جعلها منذ ذلك الحين عاجزةً عن استئناف البث.

الحرمان من العدالة

وقالت سارة جاكسون: “بالرغم من مقتل عشرات المتظاهرين وإصابة كثيرين آخرين على أيدي الشرطة، فقد تقاعست السلطات البوروندية عن التحقيق في تلك الوقائع”.

ومضت سارة جاكسون تقول: “ينبغي على الحكومة أن توقف المشتبه فيهم عن العمل لحين الانتهاء من التحقيقات والمحاكمات الجنائية، وذلك لإنهاء ذلك النمط من وحشية الشرطة وإفلاتها من العقاب”.

وعلى خلاف ما ورد في تقرير المنظمة، صرَّح مستشار رئاسي لمنظمة العفو الدولية بأن بعض الحوادث ارتكبها أفراد يرتدون زي الشرطة وليس أفراد الشرطة أنفسهم. وذكر نائب المتحدث باسم الشرطة أن خمسة من أفراد الشرطة يخضعون للتحقيق فيما يتصل بالمظاهرات.

وتجدر الإشارة إلى أن جميع من التقت بهم منظمة العفو الدولية من الضحايا أو أهاليهم لم يتقدموا بشكاوى رسمية ضد الشرطة، وقد عللوا ذلك بخوفهم من الأعمال الانتقامية بعد تعرضهم للترهيب من الشرطة أو عناصر الاستخبارات.

انقسام في صفوف الشرطة

في 8 يوليو/تموز، أدلى المتحدث الرسمي باسم الشرطة، والذي فرَّ من البلاد، بحديث إعلامي قال فيه إنه ظهرت “قوة شرطة موازية” وإن “بعض أفراد الشرطة قد اغتيلوا” لأن لهم آراء مخالفة.

ويسرد تقرير منظمة العفو الدولية شهادات عدد من أفراد الشرطة الذين يتزايد تذمرهم من الأوامر التي تصدر إليهم وتتناقض مع ما تلقوه من تدريب في مجال حقوق الإنسان. وقد رفض بعض أفراد الشرطة صراحةً تنفيذ تلك الأوامر.

شهادات على الوحشية

في حديث مع منظمة العفو الدولية، قال شاهد على المظاهرات التي وقعت يوم 4 مايو/أيار 2014 بالقرب من جسر نتاهانغوا في العاصمة بوجمبورا:

“أطلق [أفراد الشرطة] النار على الأشخاص الذين كانوا يتظاهرون سلمياً. لا يمكن تخيل ذلك. حاول البعض الفرار في النهر، ولكن الشرطة استمرت في إطلاق النار على هؤلاء الأشخاص وهم يفرون في النهر”.

وقال صحفي محلي لمنظمة العفو الدولية:

“في إحدى المرات في نياكابيغا، شاهدت ضابطاً يأخذ السلاح من شرطي آخر، بعد أن قتل هذا الأخير أحد الشباب، وقال له “ليست لديك أوامر بإطلاق النار على الناس”. كما رأيت أفراد شرطة آخرين يمنعون زملاءهم من إطلاق الذخيرة الحية عى المتظاهرين أو من استخدام قنابل الغاز المسيل للدموع. […] ولكن بعد ذلك حضرت ثلاث شاحنات، نزل منها عدد من أفراد الشرطة وأخذوا على الفور في إطلاق النار ثم انصرفوا. رأيتُ ذلك عدة مرات في نياكابيغا وموساغا وسيبيتوكي. […] كثيراً ما سمعتُ بعض أفراد الشرطة يتحدثون عن المتظاهرين قائلين: “لنقتلهم”، بينما كان آخرون يرفضون. وفي إحدى المرات في موساغا، رأيت شرطياً يصرخ قائلاً: “لقد تعبتُ من كل هذا. متى يتوقف ذلك؟””