أحمد سيف الإسلام حمد: مصر تفقد مدافعا لا يكل عن حقوق الإنسان

حرمت وفاة أحمد سيف الإسلام حمد حركة حقوق الإنسان في مصر من أحد أكثر مدافعيها قدرة في أحلك ساعاتها.

ولقد أمضى المحامي والناشط الذي توفي يوم الأربعاء عن عمر ناهز 63 عاما أكثر من ثلاثة عقود وهو يناضل ضد الانتهاكات.

وفي معرض تعليقها على الموضوع، قالت نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة العفو الدولية، حسيبة حاج صحراوي: “يشكل رحيل أحمد سيف الإسلام ضربة قاصمة لحركة حقوق الإنسان في مصر ومختلف أنحاء العالم”.

وأضافت قائلة: “لقد دافع سيف الإسلام عن حقوق الإنسان الخاصة بكل شخص، بصرف النظر عن هويته أو معتقداته”.

وبوصفه محامٍ بارز اشتُهر بتوكله في قضايا مفصلية، لطالما سعت منظمة العفو الدولية إلى الحصول على نصيحة أحمد سيف الإسلام حمد ومشورته.

ولقد اعتاد مندوبو المنظمة على الاعتماد على إرشاداته وخبرته وروحه المرحة.

وتحدث أصدقاء له في الحركة عن عميق الأسى لفراقه، لا سيما وأن البعض منهم قد عرفه طوال سنوات عدة.

وفي مقابلة أجرتها منظمة العفو الدولية معه في عام 2008، أوضح أحمد سيف الإسلام حمد كيف قرر اعتناق قضية حقوق الإنسان عقب تعرضه للتعذيب في السجن عام 1983.

حيث وصف الأمر قائلا: “التعذيب يشبه مرض السرطان الذي ينهش شباب الأمة وقدرتها على التغيير والثورة والانتقاد.  وعليه، فلقد قررت أن ذلك هو مجالي”.

وأضاف قائلا: “لا جدوى من الانغماس في النضال السياسي ضد الطغيان دون تأمين مقياس لحقوق المواطن العادي”.

ولم يضيع أحمد سيف الإسلام وقته وهو في السجن؛ إذ أكمل دراسته للحصول على درجة في القانون استكمالا لمؤهله السابق الذي يحمله في تخصص العلوم السياسية.

وبوصفه يساري الهوى كما وصف نفسه، جاء نضال أحمد سيف الإسلام لصالح موكليه من أجل المبدأ، وبصرف النظر عن مدى تلاقي أهواؤهم السياسية مع ميوله.

وطوال مسيرة امتدت 30 عاما، دافع عن خصوم السلطات السياسيين، بما في ذلك أعضاء جماعة الإخوان المسلمين ومجموعة من الناشطين الشبان الذين احتُجزوا عام 2008 لمساندتهم إضراب العمال في المحلة.

كما تحدى خطاب السلطات المنادي بالأمن على حساب حقوق الإنسان، حيث دافع تحديدا عن سكان شبه جزيرة سيناء الذين أُلقي القبض عليهم عقب تفجيرات طابا عام 2004.

كما دافع عن حرية التعبير عن الرأي عام 2007 من خلال توكله للدفاع عن مدون احتُجز لانتقاده حسني مبارك والدين الإسلامي.

وفي عام 2001، اختار أن يترافع عن عشرات الرجال زُعم أنهم من مثليي الجنس فيما عُرف لاحقا بقضية “قارب الملكة”.

ويعتبر العديد من المحامين المتخصصين في حقوق الإنسان والناشطين أحمد سيف الإسلام بمثابة الأب الروحي لهم؛ وعليه فلقد شارك عام 1999 في تاسيس مركز هشام مبارك للقانون – وهو عبارة عن منظمة ساعدت في كشف النقاب عن تفشي انتهاكات حقوق الإنسان، لا سيما استخدام التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة.

وأصبح المركز نوعا من المدارس التي يتتلمذ بها المحامون المتخصصون في حقوق الإنسان؛ وأسوة بغيره من المنظمات غير الحكومية، فقد تتعرض أنشطة المركز للتقييد جراء القوانين والتدبير الجديدة التي تشكل جزءا من حملة القمع المتعاظمة التي تستهدف المجتمع المدني.

وقالت حسيبة حاج صحراوي: “ساعد أحمد سيف الإسلام على تأسيس حركة حقوق الإنسان التي نمت لتكبر وتصبح مجتمعا مزدهرا ومتنوعا اليوم بعد أن بدأت بنواة من الأفراد الشجعان في أواسط ثمانينات القرن الماضي”.

واختتمت حاج صحراوي تعليقها قائلة: “لطالما تحدث عن الأمل الذي يحدوه بالنسبة للجيل القادم من ناشطي حقوق الإنسان، وعليه فمن المؤسف فعلا أن تأتي وفاته في الوقت الذي أُلقيت فيه ظلال من الشك على مستقبلهم”.

واشتُهر أحمد سيف الإسلام حمد على نطاق واسع بعمله في مجال حقوق الإنسان، ولكنه دفع وأفراد أسرته ثمنا باهظا لوقوفهم في وجه السلطات.

فلقد احتُجز المحامي الراحل عدة مرات، لا سيما أثناء انتفاضة عام 2011 عقب قيام قوات الأمن بمداهمة مركز هشام مبارك للقانون وألقت القبض عليه وعلى موظفيه وكذلك على مندوبي منظمتي العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش.

وفي سنواته الأخيرة، اضطُر أحمد سيف الإسلام حمد للتوكل والدفاع عن أولاده الذين أصبحوا بدورهم ناشطين بارزين اختطوا مسارا لأنفسهم.

فلقد تكرر احتجاز السلطات لابنه علاء عبد الفتاح، وهو حبيس القضبان حاليا لاتهامه بمخالفة أحكام قانون التظاهر القمعي في مصر.

وأما ابنة أحمد سيف الإسلام، سناء، فمعروفة بعملها في مجال حقوق الإنسان وتُحاكم الآن بتهم مخالفة قانون التظاهر أيضا. 

وأثناء مرافعته دفاعا عنها في المحكمة في يونيو/ حزيران الماضي، انفجر جميع الحضور بالضحك عندما تهكم أحمد سيف الإسلام على الإجراءات التي اعتبرها بمثابة مهزلة للعدالة.

وأثناء إحدى الاستراحات التي تخللت المرافعات، تهكم أحمد قائلا أنه مسن ومريض ولا غرض له في المحكمة نظرا لأن القاضي لم يكن قادرا على إدراك المفاهيم القانونية الأساسية.

وأما ابنته الأخرى، منى، فلقد ساعدت في تأسيس مجموعة تنظم الحملات من أجل الإفراج عن المدنيين الذين يواجهون محاكمات عسكرية.

ونُقل عن أحمد سيف الإسلام حمد قوله مؤخرا أنه أمل بأن يرث أبناؤه نظاما يتحلى بقدر أكبر من الديمقراطية.  ولكنهم ورثوا بدرلا من ذلك زنازين السجن كما قال.

ولقد ظل أحمد سيف الإسلام مصدر إلهام حتى آخر لحظات حياته، ولم يفقد الأمل ولو للحظة واحدة.  وقال الناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي أنهم يشعرون بأنهم قد “تيتّموا” عقب وفاته.

وبوفاته، رحل أحمد سيف الإسلام تاركا وراءه أرملته الناشطة والأكاديمية ليلى سويف وابنه الوحيد وابنتيه.