كينيا: ما زال الضحايا يلتمسون العدالة عما ارتكب من عنف ضدهم عقب الانتخابات

قالت منظمة العفو الدولية، في تقرير جديد صدر اليوم، إن تقاعس الحكومة عن التحقيق بصورة مناسبة في الجرائم المرتكبة أثناء أعمال العنف التي أعقبت الانتخابات، في 2007- 2008، وعن إحقاق العدالة وإنصاف الضحايا، ما برح يترك بصماته المدمرة على حياة هؤلاء ومصادر رزقهم حتى اليوم.

ويقدم تقرير “يصرخون من أجل العدالة: تصورات الضحايا بشأن العدالة فيما أعقب الانتخابات من أعمال عنف في كينيا” أدلة قوية على المعاناة المستمرة للكينيين الذين تعرضوا لأعمال العنف في كينيا، التي أزهقت أرواح 1,100 شخص وأدت إلى نزوح 660,000 كيني، وتركت الآلاف يعانون من إصابات سوف تلازمهم لفترات طويلة.

وتعليقاً على عدم اكتراث السلطات، قال سليل شتي، الأمين العام لمنظمة العفو الدولية، الموجود في نيروبي لإطلاق التقرير: “بعد انقضاء ست سنوات على العنف الذي زلزل كينيا عقب الانتخابات، ما برح الضحايا ينتظرون تحقيق العدالة. ومن الأهمية بمكان سماع أصواتهم واتخاذ التدابير العاجلة لإنصافهم.

“فهناك العديد من المشردين الذين ينبغي إعادة توطينهم أو التعويض عليهم، والعديد من الجرحى أو العائلات التي فقدت أحباءها ممن ينبغي أن يتلقوا التعويضات لمساعدتهم على إعادة بناء حياتهم التي تمزقت، بينما لا يزال معظم الجناة يصولون ويجولون دون أن تطالهم يد العدالة.”

ويبين التقرير، الذي استند إلى مقابلات مع ضحايا العنف وإلى تشاور مع العديد من هيئات المجتمع المدني، أن العديد من الضحايا بحاجة ماسة إلى المساعدة لإعانتهم على استرداد عافيتهم مما لحق بهم من جراح وخسروه من مملتكات وأرزاق جراء العنف الذي اجتاح البلاد ما بين ديسمبر/كانون الأول 2007 وفبراير/شباط 2008. فلم تستفد من برامج إعادة الإسكان سوى بعض المجتمعات، بينما ظلت أخرى تعاني الإهمال.

كما فقد الضحايا ثقتهم في نظام العدالة الذي استثنوا منه، بينما يشعر هؤلاء بالإحباط وهم يرون الجناة يصولون ويجولون دون أن يسائلهم أحد. وفي هذا السياق، أبلغ صامويل، وهو أحد سكان كيسيي، منظمة العفو الدولية ما يلي: “أعرف الأشخاص الذين استولوا على ممتلكاتي في كيريتشو. وأطفالنا قد اغتصبوا ونعرف من الذين اغتصبوهم”.

وتشير أبحاث منظمة العفو الدولية إلى أن بعض الضحايا لم يذهبوا إلى الشرطة خشية التعرض لأعمال انتقامية على أيدي من يرتكبون أعمال العنف، أو للإساءة من جانب الشرطة. وقال بعض الضحايا إن رجال الشرطة طلبوا منهم نقوداً عندما حاولوا الإبلاغ عما تعرضوا له، أو هددوهم بتوريطهم في جرائم كانوا شهوداً عليها. وطبقاً لتقرير “لجنة التقصي لأعمال العنف التي أعقبت الانتخابات” (المعروفة باسم لجنة واكي)، فإن الشرطة كانت مسؤولة عن 505 من إجمالي الوفيات البالغ عددها 1,113 حالة وفاة.

وأبلغت إحدى النساء منظمة العفو الدولية أنها تعرضت للهجوم على أيدي رجال كانوا يلوحون بالمناجل في ماثاري، بالقرب من العاصمة الكينية. وأثناء فرارها منهم، أوقف رجل شرطة سيارته والتقطها. وعوضاً عن توفير الحماية لها، أخذها إلى بيته وقام باغتصابها. وهي الآن مصابة بفيروس عوز المناعة المكتسبة، وقد تخلت عن كل جهد للإبلاغ عن رجل الشرطة، الذي ما زال يعمل قريباً من بيتها.

وينعكس تقاعس الشرطة عن التحقيق في الجرائم في تقارير تنقُل عن مدير النيابات العامة قوله في الآونة الأخيرة، عقب استعراضه ما يربو على 4,000 ملف تتعلق بالعنف الذي أعقب الانتخابات، إنه ليس ثمة أدلة كافية للمضي قُدماً بأية دعاوى. وبالنظر إلى عدم توافر الإرادة لدى الحكومة للتصدي للإفلات من العقاب، فقد أبدى معظم الضحايا الذين قابلتهم المنظمة تأييدهم لإشراك “المحكمة الجنائية الدولية” في التحقيقات، رغم حقيقة أن القضيتين اللتين تنظران حالياً من جانب المحكمة محدودتا النطاق.

كما باشرت الحكومة بجهود سياسية ودعمت جهوداً أخرى بذلها الاتحاد الأفريقي لتقويض عمل “المحكمة الجنائية الدولية” ووقف نظر القضايا من جانب المحكمة، بما في ذلك عن طريق: دعوة مجلس الأمن الدولي إلى شطب نظر الدعاوى الكينية من جانب المحكمة أو تأجيلها إلى مالانهاية؛ والترويج لعدم التعاون مع المحكمة؛ واقتراح تعديلات ترمي إلى تقويض فعالية المحكمة الدولية.

وعلى الرغم من الفشل الذريع من جانب كينيا في التصدي على نحو كامل لاحتياجات مئات الآلاف من ضحايا أعمال العنف التي تلت الانتخابات، يجد التقرير أن ثمة إمكانية، بغض النظر عن كل ذلك، لإعادة بناء الثقة في النظام القضائي.

وتدعو منظمة العفو الدولية إلى ما يلي:

تشكيل “اللجنة المكلفة بتنفيذ توصيات هيئة الحقيقة والعدالة والمصالحة”؛توفير حماية أفضل للضحايا والشهود والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين يعملون بشأن أعمال العنف التي أعقبت الانتخابات ويدعون إلى إحقاق العدالة وكشف الحقيقة وتقديم التعويضات؛إجراء المزيد من التحقيقات في 4,000 ملف دعوى ورد أن مدير النيابات العامة قال إنها تفتقر إلى الأدلة الكافية؛التشاور مع هيئات المجتمع المدني بشأن إنشاء قسم للجرائم الدولية في المحكمة العليا، لضمان الاستقلالية والمشروعية؛وضع برنامج للتعويضات لجبر الضرر الذي لحق بضحايا أعمال العنف التي أعقبت الانتخابات؛التعاون التام من جانب الحكومة الكينية مع “المحكمة الجنائية الدولية”؛وضع حد للجهود السياسية التي تبذل في الاتحاد الأفريقي لوقف تحقيقات “المحكمة الجنائية الدولية” وما تنظر من دعاوى بشأن بكينيا.

وتعليقاً على موقف الحكومة الكينية حيال إحقاق العدالة، قال موثوني وانييكي، المدير الإقليمي لشرق أفريقيا في منظمة العفو الدولية، إن “تأجيل العدالة يعني الحرمان من العدالة، وقد انتظر ضحايا أعمال العنف التي أعقبت الانتخابات في كينيا بما يكفي.

“ففيما مضى، دأبت الحكومة والبرلمان الكينيين بثبات على اعتراض سبيل الجهود المبذولة للتحقيق بشأن من يشتبه بأنهم قد ارتكبوا جرائم يطالها القانون الدولي، ومقاضاتهم على أفعالهم. وقد حان الوقت لوضع حد للإفلات من العقاب، ولجبر الضرر الذي لحق بمن عانوا، وإغلاق هذا الملف المخزي من تاريخنا مرة واحدة وإلى الأبد.”

جرى تغيير أسماء الضحايا في التقرير وفي هذا البيان الصحفي.

خلفية

ينتمي الضحايا الذين التقتهم منظمة العفو الدولية إلى بعض أكثر المناطق تضرراً من العنف الذي أعقب الانتخابات: وهي نيروبي ونيفاشا وناكورو (الوادي المتصدع الأوسط)، وإلدوريت (غرب الوادي المتصدع)، وكيريتشو (جنوب الوادي المتصدع)، وكيسومو وكيسيي (نيانزا). وكان بين هؤلاء أشخاص مهجرون داخلياً وضحايا لإطلاق النار من جانب الشرطة أو أقارب لهم، وناجيات من الاغتصاب وضحايا للضرب على أيدي مجموعات من الرجال، الذين اشتبه بأن بعضهم كانوا من أفراد العصابة الإجرامية والميليشيا السياسية المعروفة باسم “مونغيكي”. 

ويتأسس التقرير على مقابلات في العمق أجرتها منظمة العفو الدولية مع 49 من ضحايا العنف الذي أعقب الانتخابات ما بين أكتوبر/تشرين الأول وديسمبر/كانون الأول 2013.

ومن بين 49 ضحية قابلتهم منظمة العفو الدولية، سعى 35 شخصاً إلى الإبلاغ عن الجرائم التي تعرضوا لها، ولم تتخذ الشرطة أية تدابير إلا بشأن حالة واحدة.

وقد مضى العديد من حالات الاغتصاب دون أن يبلغ به أحد، وثمة تقديرات بأن ما يصل إلى 40,000 حادث عنف جنسي واعتداء على أساس جنس الضحية قد وقعت بالعلاقة مع العنف الذي أعقب الانتخابات خلال الأشهر القليلة الأولى من 2008، أي أكثر بكثير من الحالات التي أبلغت بها “لجنة واكي” والبالغة 900 حالة.

وأجرت الشرطة بعض التحقيقات في العنف الذي أعقب الانتخابات، ولكن لم تبلُغ سوى قلة من الحالات التي جرى التقصي بشأنها حد الإحالة إلى القضاء، وكان معظمها يتعلق بجرائم صغرى.

وكان العنف قد اندلع بين جماعات تدعم مواي كيباكي، زعيم “حزب الوحدة الوطنية”، الذي أعلن عن فوزه في الانتخابات الرئاسية، ومنافسه الرئيسي، رايلا أودينغا، زعيم “الحركة الديمقراطية البرتقالية”، الذي تركزت قاعدته الانتخابية بصورة خاصة في “الوادي المتصدع” لكينيا وفي غرب البلاد.

وتنظر “المحكمة الجنائية الدولية” حالياً قضيتين من قضايا العنف الذي أعقب الانتخابات. إذا تقاضي المحكمة الرئيس كينياتا ونائب الرئيس روتو، اللذين كانا شخصيتين سياسيتين بارزتين في وقت أعمال العنف، وهما متهمان بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك القتل العمد ونقل السكان بالقوة، وجرم الاضطهاد، إلى جانب المتهم مع روتو في القضية نفسها، الصحفي الإذاعي السابق جوشوا أراب سانغ. ووجهت إلى الرئيس كينياتا أيضاً تهمة المسؤولية عن الاغتصاب وعن أفعال لاإنسانية أخرى- بما في ذلك الختان القسري وبتر العضو الذكري- مارستها العصابة الإجرامية المعروفة باسم “مونغيكي”. وفي كلتا القضيتين، تزعم OTP أنه جرى التدخل مع الشهود وترهيبهم، ما أدى إلى انسحاب عدد منهم.

وأثار العديد من الضحايا الذين جرت مقابلتهم بواعث قلق من أن التهم التي تنظرها المحكمة الجنائية الدولية في القضيتين لا تشمل جرائم تعرضوا لها. وتوصي منظمة العفو الدولية بأن ينظر مدعي عام المحكمة في توسعة نطاق التحقيقات في أعمال العنف التي وقعت عقب الانتخابات في 2007- 2008، ولكنها تود الإشارة إلى أنه لن يكون بإمكان “المحكمة الجنائية الدولية” أن تنظر أكثر من مجرد عدد تمثيلي من القضايا. وتظل السلطات الكينية مسؤولة، في نهاية المطاف، عن التحقيق في الجرائم التي لا تتصدى “المحكمة الجنائية الدولية” لها.

وهناك العديد من الضحايا ممن يرغبون في المشاركة في القضايا التي تنظرها “المحكمة الجنائية الدولية” وفي أن يبلّغوا بجوانب هذه القضايا، حتى إذا كانت لا تتعلق بما تعرضوا له من جرائم. وقد حضت منظمة العفو الدولية المحكمة على توسعة أنشطتها للتواصل مع هؤلاء، وعلى أن تضمن توفير الموارد الكافية للممثلين القانونيين للضحايا المشاركين في القضايا كي يلتقوا موكليهم بصورة منتظمة ويمثلوهم أحسن تمثل.