يجب على مؤتمر السلام الخاص بسوريا أن يضع حداً لتجويع المدنيين المحاصرين

قالت منظمة العفو الدولية إنه من الواجب أن يكون أحد أهداف مؤتمر جنيف الثاني للسلام بشأن سوريا هو وضع حد على وجه السرعة للحصار الذي تفرضه الحكومة السورية على المدن والبلدات التي تسيطر عليها المعارضة، حيث يتضور المدنيون فيها جوعاً حتى الموت.وأهابت منظمة العفو الدولية بالحكومة وجماعات المعارضة أن تلتزم بالسماح بدخول المنظمات الإنسانية العاملة في شتى أنحاء سوريا إلى تلك المدن والبلدات دون قيود خلال المباحثات التي تبدأ برعاية الأمم المتحدة يوم 22 يناير/كانون الثاني 2014 في سويسرا.وقال فيليب لوثر، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، “لقد تكشفت خلال الأيام الأخيرة صور تنفطر لها القلوب من المدن والبلدات السورية المحاصرة، ويظهر فيها أطفال يبدو عليهم الهزال الشديد، وأجساد لم يبق منها سوى هياكل عظمية يكسوها جلد شاحب. ويتسع نطاق الأزمة الإنسانية في سوريا على نطاق شاسع. ومن ثم، فإن منظمة العفو الدولية تهيب بكل الدول المشاركة في مباحثات مؤتمر جنيف الثاني، كما تهيب بالأمم المتحدة والحكومة السورية و”الائتلاف الوطني السوري” أن تعطي الأولوية القصوى للتخفيف من معاناة السكان في سوريا”.ومضى فيليب لوثر قائلاً: “إذا ما مضى مؤتمر السلام قُدماً حسبما هو مزمع، فسوف يمثل فرصة نادرة لتحقيق تقدم جوهري في وضع حقوق الإنسان بالنسبة لطرفي النزاع. ويجب على الأطراف المشاركة في مؤتمر جنيف الثاني أن تضمن بقاء حقوق الإنسان في صدارة جدول الأعمال، وألا تتم التضحية بها لحساب أية مساومات سياسية”.وكانت الحكومة السورية قد عرقلت دخول مساعدات حيوية إلى السكان المدنيين في دمشق وحولها، بما في ذلك مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، والذي تُوفي فيه منذ يوليو/تموز 2013 ما لا يقل عن 49 شخصاً، بينهم 17 امرأة وفتاة، وبعضهم ماتوا جوعاً، حسبما ورد. وقال ممرض في إحدى المستشفيات المحلية لمنظمة العفو الدولية إنه منذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2013، عندما سيطرت القوات الحكومية على منطقة قرب المخيم، لقي عدة مدنيين مصرعهم على أيدي قناصة وهم يبحثون عن الطعام في الحقول المجاورة.وأضاف الممرض قائلاً: “في كل يوم نستقبل حوالي أربعة أشخاص، وقد يكون نصفهم من النساء، ممن أُصيبوا برصاص قناصة وهم يحاولون التقاط بعض النباتات والأعشاب من الحقول. وعادة ما تقول النساء إنهن يفضلن المخاطرة بأرواحهن من أجل إنقاذ أطفالهن. وفي إحدى المرات، استقبلنا في المستشفى شاباً، عمره 16 أو 17 سنة، لقي حتفه. وراح والده ينتحب ويخاطبه قائلاً: “أنت مت حتى تحضر أعشاب الكركديه لأخوتك”. كان المشهد مؤثراً يدمي القلب”.كما كان من شأن الحصار المفروض على معضمية الشام والغوطة الشرقية وعلى مناطق أخرى أن يترك أعداداً من المدنيين بلا حول ولا قوة في مواجهة نقص شديد في المواد الغذائية والطبية. وخلال الشهر الماضي، ذكرت فاليري آموس، منسقة الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة، أن هناك نحو 250 ألف شخص في المناطق المحاصرة لا تصلهم المعونات. وقد قال أحد المدنيين المحاصرين في معضمية الشام لمنظمة العفو الدولية: “أستيقظ في الليل عدة مرات وأشرب مياه على أمل ألا أشعر بالجوع في الصباح… فليس هناك أي شيء للأكل”. وبالرغم من وجود هدنة بين قوات الحكومة السورية وجماعات المعارضة المسلحة في معضمية الشام في ديسمبر/كانون الأول 2013، فما زالت المساعدات الإنسانية التي سُمح بدخولها إلى المنطقة ما زالت غير كافية وتفتقر إلى المواد ذات القيمة الغذائية العالية، بما في ذلك الفواكه والخضروات.وأضاف فيليب لوثر قائلاً: “إن الحكومة السورية تعاقب بقسوة المدنيين الذين يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. والمعروف أن اللجوء إلى تجويع المدنيين كوسيلة من وسائل الحرب يُعتبر جريمة حرب. ومن ثم، يجب رفع الحصار فوراً ويجب ألا يُستخدم السماح بدخول المساعدات الإنسانية كوسيلة لتحقيق مكاسب عسكرية أو سياسية”.وإذا كان من الجائز للسلطات السورية أن تفتش البضائع التي تدخل إلى المدن والبلدات المحاصرة أو تخرج منها، فمن الواجب عليها ألا تمنع دخول الإمدادات الأساسية، بما في ذلك المساعدات الغذائية والطبية. كما يجب على القوات الحكومية وقوات المعارضة أن تضمن سلامة دخول الموظفين المعنيين بتقديم المساعدات الإنسانية الحيوية، وأن تكف فوراً عن الاعتداءات على موظفي الإغاثة الطبية والإنسانية.

النشطاء والمدنيون المحتجزون

وبالإضافة إلى المطالبة بضمان دخول المساعدات الإنسانية، فإن منظمة العفو الدولية تطالب الأطراف المشاركة في مؤتمر جنيف الثاني، ولا سيما الدول التي يمكن أن يكون لها تأثير على الحكومة السورية وجماعات المعارضة المسلحة، بأن تضمن الإفراج عن جميع النشطاء السلميين، بما في ذلك المدافعون عن حقوق الإنسان، بالإضافة إلى المدنيين المحتجزين كرهائن لدى الطرفين.فمنذ عام 2011، اعتقلت قوات الأمن الحكومية آلافاً من المتظاهرين السلميين المعارضين. وقد أُطلق سراح بعضهم منذ ذلك الحين، ولكن في كثير من الأحيان تعرض معتقلون للتعذيب حتى الموت، بينما صدرت ضد آخرين أحكام بالسجن لمدد طويلة إثر محاكمات جائرة. ولا يزال هناك آخرون محتجزين بدون محاكمة.ومن بين هؤلاء المعتقلين مجد الدين الخولاني، البالغ من العمر 25 عاماً. فقد قُبض عليه في عام 2011 بعد أن نظم مظاهرةً في بلدة داريا، الواقعة جنوب غربي دمشق، وزَّع خلالها الزهور وزجاجات المياه على الجنود السوريين تعبيراً عن معارضته لاستخدام القوة ضد المتظاهرين. ولا يزال مجد الدين الخولاني محتجزاً بمعزل عن العالم الخارجي، وترى منظمة العفو الدولية أنه من سجناء الرأي وينبغي الإفراج عنه فوراً ودون قيد أو شرط، مع غيره من النشطاء السلميين المحتجزين. وقد تلقت المنظمة مؤخراً معلومات موثوقة تفيد بأن قضيته قد أُحيلت إلى محكمة عسكرية ميدانية تُعقد إجراءاتها سراً، ومن ثم يُحتمل أن يواجه عقوبة الإعدام أو السجن لمدة طويلة.وفي أغسطس/آب 2013، اختطفت إحدى الجماعات المسلحة ما لا يقل عن 105 من المدنيين، ومعظمهم من النساء والأطفال، من قراهم التي يشكل المسلمون العلويون أغلبية سكانها، وذلك على أمل مبادلتهم ببعض مقاتلي المعارضة الذين يحتجزهم النظام. ولا يزال هؤلاء محتجزين كرهائن. ومن ثم، يجب على الدول المشاركة في مؤتمر جنيف الثاني والدول التي لها تأثير على تلك الجماعات المعارضة المسلحة أن تتحرك على الفور من أجل ضمان الإفراج عن أولئك الرهائن بشكل آمن.وقال فيليب لوثر: “هناك كثير من الأشخاص الذين اعتُقلوا أو اختُطفوا أو تعرضوا للاختفاء القسري في سوريا، ولا يزال مصيرهم في طي المجهول. ويجب أن تشمل أية اتفاقات يبرمها المشاركون في مؤتمر جنيف الثاني ضمان الإفراج عن آلاف النشطاء السلميين، من أمثال مجد الدين الخولاني، وعن الأشخاص المختطفين، ولاسيما النساء والأطفال”.

صوت المرأة السورية

وتدعو منظمة العفو الدولية أيضاً إلى إتاحة فرصة كافية أمام النشطاء المحليين والنساء للتعبير عن آرائهم خلال مؤتمر جنيف الثاني، بما يكفل لهم المشاركة الفعالة في أية قرارات تُتخذ.وتحث المنظمة دول العالم على وقف جميع عمليات نقل الأسلحة إلى الحكومة السورية وإلى قوات “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، وكذلك إلى أية جماعة من جماعات المعارضة المسلحة ضالعة في ارتكاب جرائم حرب أو غيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.كما تدعو المنظمة إلى وقف الاعتداءات على الأهداف غير العسكرية، وخاصة تلك التي تشنها القوات الحكومية، وتطالب الطرفين بالكف عن عمليات التعذيب والقتل دون محاكمة المتفشية على نطاق واسع. ويُذكر أن المنظمة تطالب مجلس الأمن الدولي منذ عام 2011 بإحالة الوضع في سوريا إلى جهاز الادعاء في “المحكمة الجنائية الدولية”.