الصومال: أطلقوا سراح الصحفي وغيره من المحتجزين بشكل غير قانوني

طريقة تعامل الشرطة مع العنف الجنسي تجمّد الحريات الإعلامية، تزامناً مع عدم فتح تحقيقات كافية في المزاعم التي تحدثت عن وقوع جريمة اغتصاب 

صرحت منظمة العفو الدولية، ولجنة حماية الصحفيين، وهيومان رايتس ووتش اليوم إنه ينبغي على السلطات الصومالية أن تُفرج فوراً عن صحفي وثلاثة آخرين احتُجزوا على صلة بقضية امرأة أبلغت عن قيام عناصر قوات الأمن باغتصابها.  ولقد مضى أكثر من أسبوع على احتجاز الأشخاص الأربعة دون توجيه التهم إليهم، باستثناء أحدهم الذي أمضى في الحجز 12 يوماً حتى تاريخه.وفي معرض تعليقه على الموضوع، قال مدير برنامج إفريقيا بمنظمة هيومان رايتس ووتش، دانييل بيكيلي: “تتكلم الحكومة الجديدة في الصومال عن الأشياء الصحيحة فيما يتعلق بسيادة القانون وحرية الصحافة، بيد أن تعمُّد تلك الحكومة حبس الصحفيين وغيرهم ممن يبلغون عن وقوع حالات الاغتصاب يرسل برسالة مغايرة تماماً؛ وينبغي على السلطات أن تُفرج عن المحتجزين الأربعة، وأن تحرص على قيام الشرطة بالتحقيق الناجز والفعال في قضايا العنف الجنسي”.  ففي 10 يناير الجاري، ألقى عناصر الإدارة المركزية للتحقيقات في الشرطة الصومالية القبض على امرأة في مقديشو ادّعت أن عناصر من قوات الحكومة قد قاموا باغتصابها قبل عدة أشهر.  كما قام عناصر الإدارة المركزية باعتقال اثنين من معارف المرأة رتّبا عملية اتصالها مع الصحفيين. وأثناء عملية الاستجواب، زُعم أن رئيس إدارة التحقيقات المركزية، اللواء عبد الله حسن باريسه، قد أجبر المرأة على الكشف عن أرقام هواتف الصحفيين الذين أجريا المقابلة معها.  وباستخدام الهاتف النقال الذي تمتلكه تلك المرأة، اتصلت الشرطة بأحد الصحفيين الذي أجرى المقابلة معها، وأصدرت له أمراً بالقدوم إلى مكتب الشرطة.  فما كان من عبدي عزيز عبدي نور إبراهيم، والذي يعمل كصحفي  حر لحسابه، إلا وأن امتثل للأمر وجاء حسب الطلب في يوم 10 يناير؛ بيد أنه لا زال قيد الاحتجاز منذ ذلك التاريخ.  ويُذكر أن عزيز عبدي سبق له وأن عمل مع إذاعة دلسان، وشركة بدري للإنتاج الإعلامي. ولقد أطلقت الشرطة سراح المرأة بعد يومين من الاستجواب، ولكن بعد أن زعمت أنها قد سحبت إدعاءاتها التي زعمت فيها تعرضها للاغتصاب.  بيد أن الشرطة بادرت إلى اعتقال زوجها تعسفاً في 12 يناير الجاري، ولا يزال محتجزاً في عهدتها.  وبحسب ما أفادت به مصادر محلية موثوقة، فيزعم الزوج أن زوجته قد تعرضت للاغتصاب.  كما احتُجز رجل وامرأة مدة تزيد على الأسبوع بعد أن قاما بترتيب لقاء تلك المرأة مع الصحفيين.وترتبط هذه الاعتقالات بالاهتمام الإعلامي المتزايد بتغطية المستويات المترفعة من حالات الاغتصاب والعنف الجنسي في جنوب الصومال ووسطها، بما في ذلك الاعتداءات التي يُزعم أنها ارتكبت على أيدي عناصر قوات الأمن.  وفي 6 يناير الجاري، أوردت محطة يونيفيرسال التلفزيوينة في الصومال خبراً مفاده قيام رجال شرطة باغتصاب امرأة شابة.  وفي ذات اليوم، نشرت الجزيرة مقالاً عما ترتكبه قوات الأمن من عمليات اغتصاب في مخيمات النازحين داخلياً بمقديشو.  ويُذكر أن الصحفي المحتجز، عبدي عزيز عبدي نور، لا تربطه أية علاقة بالتقارير التي بثتها الجزيرة أو محطة تلفزيون يونيفيرسال، ولا يعمل مع أي من هاتين الوسيلتين الإعلاميتين.  ولم يقم عبدي بتغطية خبر مزاعم المرأة عن تعرضها للاغتصاب لصالح أي من الشركات الإعلامية، كما أنه لم يجرِ مقابلة مع تلك المرأة إلا بعد يومين من بث قصتها في الأخبار.  وبغض النظر عن ذلك، فلا يجوز أن يشكل ذلك جناية، أو مبرراً لاحتجاز الصحفي.  وعليه، فتعتبر منظمة العفو الدولية الصحفي عبدي عزيز عبدي نور أنه احد سجناء الرأي.  وحسب تصريح منظمتي العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش، فغالباً ما تترد النساء والفتيات من تجمعات النازحين اللواتي يتعرضن للاغتصاب في الإبلاغ عما يتعرضن له من هذا النوع من الجرائم جراء خشيتهن من التعرض للانتقام ، وفقدان الثقة بالسلطات، ومحدودية خدمات الرعاية الطبية والنفسية والقانونية المتوفرة لهن. ويُذكر أن الصومال من بين الدول التي وقعت على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي يكفل بدوره حرية التعبير عن الرأي والحصول على المعلومات.  وينبغي أن تتسق أية قيود تُفرض على هذا الحق مع أحكام القانون، وذلك في حال توافر دواعٍ وأسباب وجيهة تتعلق بالنظام العام أو الأمن القومي، وعلى أن يتم ذلك فضمن أضيق نطاق ضروري ممكن، وبالتناسب مع حجم الضرر الحاصل.  ولقد أخفقت السلطات في إثبات وجود أية أُسُس قانونية تبيح فرض قيود على حقوق المحتجزين في هذه الحال، وعليه فلقد انتهكت السلطات أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان حسب تصريحات منظمة العفو الدولية، ولجنة حماية الصحفيين، وهيومان رايتس ووتش.كما قامت إدارة التحقيقات المركزية بتوجيه الأسئلة لصحفيين صوماليين آخرين، بما في ذلك مراسل قناة الجزيرة، عمر فاروق، والصحفي الإذاعي عبدي عزيز محمد ديري الذي احتجز لدى وكالة الأمن القومي لليلة واحدة. وقال مستشار شؤون شرق إفريقيا بلجنة حماية الصحفيين، توم رودز: “تُعد الصومال من بين أخطر الأماكن في العالم بالنسبة للصحفيين.  ولم يكن إجراء مقابلة مع أي شخص جرماً يوماً ما، وبغض النظر عن مدى واقعية القصة من عدمها.  وينبغي على السلطات أن تشغل وقتها وتوجه مواردها نحو التحقيق بالجرائم، وليس اختراعها واختلاقها”.  وفي 16 يناير الجاري، عقد مفوض الشرطة، اللواء شريف شيخُنا مايه، مؤتمراً صحفياً في مقديشو زعم خلاله أن عبدي عزيز عبدي نور قد قدم المساعدة للجزيرة في إعداد تقريرها.  وتثير تصريحات مفوض الشرطة بواعث قلق حيال عدم اقتصار مشلكة عبدي عزيز على مسألة احتجازه بشكل غير قانوني، بل إن الأمر قد يتعدى ذلك إلى احتمال توجيه تهم جنائية إليه جراء ممارسته لحقوقه، وبناء على افتراض مزاعم ووقائع غير حقيقية. وفي 18 يناير، نقلت الصحافة الحكومية عن وزير الداخلية قوله أن كلاُ من الصحفي المحتجز، وضحية الاغتصاب المزعومة مذنبيْن بتهمة تلفيق الخبر وتفاصيله.  وبإعلانها أنها تعتبر المحتجزين مدانين بالفعل، فلقد أطاحت السلطات بمبدأ افتراض البراءة عرض الحائط، وهو أحد الحقوق الأساسية الواجب مراعاتها حسب الأصول برأي المنظمات آنفة الذكر.  وفي 17 يناير، طلبت الشرطة مهلة عشرة أيام إضافية للتحقيق في القضية.  ومدد المدعي العام مرحلة تحقيقات الشرطة لثلاثة أيام أخرى.  وفي 20 يناير، طلبت الشرطة مهلة إضافية أخرى، بيد أنه نُقل عن المدعي العام رفضه الموافقة على ذلك الطلب.  ولا يُتاح للمحتجزين في هذه القضية التواصل مع ذويهم إلا على نحو محدود جداً، وهو ما ينسحب أيضاً على تمكينهم من الاتصال بالمحامين، وحصولهم على الرعاية الطبية، خاصة وأنه حُرموا في أكثر من مناسبة الحصول على الأدوية التي طلبوا الحصول عليها. وثمة بواعث قلق جدية حيال المعاملة التي تلقاها المرأة المحتجزة على ذمة القضية، وخصوصاً ما تتعرض له أثناء استجواب الشرطة لها دون حضور محاميها حسب تصريح منظمة العفو الدولية، ولجنة حماية الصحفيين وهيومان رايتس ووتش. وأثناء المؤتمر الصحفي في 16 يناير الجاري، قدّم اللواء شريف شيخنا ماييه المرأة للرأي العام.  وادعى أنها قد اعترفت بتلفيق القصة مقابل الحصول على مبلغ من المال، وأن الذي أقنعها بالإدعاء بوقوع هذا الأمر كان الصحفي وإحدى المحتجزات من معارفها. وقال اللواء شريف أن المؤامرة كانت تهدف إلى “تلطيخ سمعة وكرامة الشرطة، والشعب الصومالي”. وقالت مديرة برنامج إفريقيا بمنظمة العفو الدولية أدوري كوكران: “ثمة مخاطر تصاحب طريقة تعامل الشرطة مع هذه القضية؛ إذ قد  يُثني ذلك الضحايا عن عزمهن الإبلاغ عن تعرضها للاغتصاب، وغيره من أشكال العنف الجنسي. كما أن من شأن طريقة التعامل تلك أن تكتم صوت وسائل الإعلام كي لا تتحدث عن هذا الموضوع الذي يُعد من المحرمات: فهم لم يقوموا بالتشهير بالمرأة واستعراضها على الملأ وأمام وسائل الإعلام وحسب، بل إنهم قد كشفوا تفاصيل التقارير الصحية التي تتحدث عن حالة الضحية المزعومة فيما يشكل انتهاكاً صارخاً لحقها في الحفاظ على خصوصيتها.  ويتعين على الشرطة أن تغير نهجها بشكل جذري فيما يتعلق بالتعامل مع النساء اللواتي يقمن بالإبلاغ عن حالات العنف الجنسي.  ويتعين عليهم أن يضمنوا توفير الحماية لهن، وفتح تحقيقات محايدة بدلاً من أن الإصرار على الإنكار، وتجريم أولئك الذين يرفعون صوتهم ويبلغون عن تلك الاعتداءات”.وفي نوفمبر الماضي، عبر الرئيس الصومالي الجديد، حسن شيخ محمود، عن التزامه العلني بمحاسبة المسيئين من عناصر قوات الأمن التابعة للدولة، وخصوصاً أولئك منهم الذين تثبت مسؤوليتهم عن ارتكاب جرائم الاغتصاب.  وتحث هيومان رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية السلطات على الامتناع عن فرض عقوبة الإعدام بحق من تثبت إدانتهم بتهمة الاغتصاب، وذلك لكون عقوبة الإعدام تُعتبر أقسى أشكال الحرمان من حقوق الإنسان.وها هي قضية العنف الجنسي يتم التصدي لها أخيراً بشكل علني في الصومال، بيد أن هذه القضية من شأنها أن تحدث انتكاسة خطيرة لمثل تلك الجهود، وان تثني الناجيات من الضحايا عن عزمهن الإبلاغ عن حوادث العنف الجنسي، وتعيق تقديم المزيد من الخدمات لهن، وتقوض من تعهدات الرئيس بمقاضاة الجناة، حسب تصريحات منظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش.