الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2024
أحاطت الأزمات والنزاعات والاضطرابات بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عام 2024. وأدت أفعال إسرائيل في قطاع غزة إلى خسائر كارثية بين المدنيين، وبلغت حد الإبادة الجماعية. كما صعَّدت إسرائيل نزاعها المسلح مع حزب الله في لبنان. وكان من شأن الإطاحة المفاجئة بالرئيس بشَّار الأسد في سوريا، في ديسمبر/كانون الأول، أن تكشف عواقب عقودٍ من الإفلات من العقاب عن انتهاكات حقوق الإنسان في منطقة ابتُليت بقمع مستمر وبتصاعد للممارسات الاستبدادية في بلدانٍ عديدة.
وأدى الهجوم العسكري الذي شنّته إسرائيل بلا هوادة على قطاع غزة المحتل إلى تكثيف الأزمة الإنسانية القائمة منذ زمن طويل، والناجمة عن الحصار غير المشروع الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة منذ 18 عامًا. وجعلت هذه الأزمة معظم الفلسطينيين هناك مُشردين، وبلا مأوى، وجوعى، وعُرضة لخطر الأمراض المُهدِّدة للحياة، وعاجزين عن الحصول على الرعاية الطبية، أو الكهرباء، أو المياه النظيفة.
وانجرف كل من لبنان، وإيران، والعراق، وسوريا، واليمن إلى النزاع. فللمرة الأولى، تبادلت إسرائيل وإيران صراحةً شنَّ هجماتٍ مباشرة كل منهما على أراضي الأخرى. وفي سبتمبر/أيلول، تصاعدت الأعمال القتالية عبر الحدود بين إسرائيل وحزب الله، وهو جماعة مسلحة، وتحولت إلى مواجهات عسكرية مُحتدمة. وهاجمت إسرائيل مناطق في مختلف أنحاء لبنان، كان لها أثر مدمِّر على المدنيين.
وبينما تظاهر ملايين الناس في شتى أنحاء العالم احتجاجًا على أفعال إسرائيل في قطاع غزة على مدار عام 2024، تقاعست حكومات العالم مرارًا، بشكل فردي وجماعي، عن اتخاذ إجراء فعَّال لإنهاء الفظائع، وتباطأت حتى في الدعوة إلى وقف إطلاق النار. وفي الوقت نفسه، بات نظام الأبارتهايد الذي تطبقه إسرائيل عنيفًا بشكل متزايد في الضفة الغربية، واتسم بتصاعد كبير في عمليات القتل غير المشروع وهجمات المستوطنين الإسرائيليين التي ترعاها الدولة على المدنيين الفلسطينيين.
وظلَّت آثار النزاعات الأخرى الدائرة منذ زمن طويل في سوريا، والعراق، وليبيا واليمن، تخرِّب حياة الملايين، وخاصة أفراد المجتمعات المُهمَّشة، الذين تعرَّض كثيرون منهم للحرمان من حقهم في الغذاء، والمياه، والسكن الملائم، والرعاية الصحية، والأمن.
واتخذت آليات العدالة الدولية خطوات مهمة نحو تحقيق المحاسبة في إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة، وفي ليبيا. إلا إن حلفاء إسرائيل، وغيرهم من الجهات الفاعلة المتنفذة، هاجموا أو رفضوا تدابير المُحاسبة هذه، وحصَّنوا مرتكبي الانتهاكات من قبضة العدالة، مما كشف مُجدَّدًا بصورة جلية المعايير المزدوجة، وإخفاق النظام العالمي القائم على القواعد.
وواصلت الحكومات والجهات المسلحة غير الحكومية في شتى أنحاء المنطقة قمع المعارضة. وأقدمت السلطات على احتجاز، وتعذيب معارضين ومنتقدين، وعلى مقاضاتهم في محاكماتٍ جائرة، وعاقبتهم بأحكام قاسية، بما في ذلك عقوبة الإعدام. وكان من بين الذين استُهدفوا صحفيون، ومعلِّقون عبر الإنترنت، ونشطاء سياسيون ونقابيون، وأشخاص عبَّروا عن تضامنهم مع الفلسطينيين، بالإضافة إلى مدافعين عن حقوق الإنسان. وفي بعض البلدان، استخدمت قوات الأمن القوة غير المشروعة، بل والقوة المميتة، إلى جانب الاختفاء القسري وعمليات الاعتقال التعسفي الجماعية، من أجل قمع الاحتجاجات. وتمتَّع الجميع تقريبًا من مرتكبي هذه الجرائم بالإفلات من العقاب.
وظلَّ التمييز المُجحف متفشيًا على مستوى المنطقة على أساس النوع الاجتماعي، والعرق، والجنسية، والوضع القانوني، والإثنية، والميول الجنسية، وهوية النوع الاجتماعي أو التعبير عنها، والدين، والطبقة.
وتقاعست الدول الأساسية المُنتجة للوقود الأحفوري عن اتخاذ خطوات لمعالجة تغيُّر المناخ، بالرغم من أن المنطقة ظلَّت تعاني من العواقب الضارة، والمُهدِّدة للحياة في كثير من الأحيان، لأزمة المناخ، بما في ذلك ظواهر الطقس الشديدة والكوارث التي تظهر بشكلٍ بطيء، مثل تزايد شُح المياه.
النزاعات المسلحة
الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة
بحلول نهاية عام 2024، أي بعد 14 شهرًا من الهجمات المميتة التي شنَّتها حركة حماس وغيرها من الجماعات المسلحة الفلسطينية في جنوب إسرائيل يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة قد أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 45,000 شخص وإصابة ما لا يقل عن 108,300 آخرين. وظل كثير من الفلسطينيين يبحثون عن رفات أحبائهم بين الأنقاض.
وعلى مدار العام، وثَّقت منظمة العفو الدولية جرائم حرب عديدة ارتكبتها إسرائيل، بما في ذلك هجمات مباشرة على المدنيين والأعيان المدنية، وهجمات لا تفرق بين المدنيين والعسكريين وغير متناسبة، كثيرًا ما أدت إلى القضاء على عائلاتٍ بأكملها من أجيالٍ متعددة.
وفي محاولة لخلق منطقة عازلة على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة، استخدمت القوات الإسرائيلية الجرَّافات والمتفجرات المزروعة يدويًا، ودمَّرت بشكل منهجي الأراضي الزراعية والمباني المدنية، وسوَّت أحياءً بكاملها بالأرض، بما في ذلك منازل ومدارس ومساجد.
وأدت إجراءات إسرائيل إلى تهجير 1.9 مليون فلسطيني قسرًا، أي حوالي 90% من سكان قطاع غزة، كما خلقت عمدًا كارثة إنسانية غير مسبوقة.
وخلصت بحوث منظمة العفو الدولية إلى أن إسرائيل ارتكبت أفعالًا تحظرها اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمُعاقبة عليها، بقصد خاص وهو تدمير الفلسطينيين في قطاع غزة، ومن ثم فقد ارتكبت جريمة الإبادة الجماعية. وشملت هذه الأفعال أعمال القتل، وإلحاق أذى بدني أو نفسي شديد بالمدنيين، وإخضاعهم عمدًا لظروف معيشية يُراد بها تدميرهم المادي.
وأقدمت إسرائيل مرارًا على منع وإعاقة وصول وتسهيل دخول مساعدات إنسانية فعَّالة إلى قطاع غزة وما حوله. ونفَّذت القوات الإسرائيلية عملية اجتياح واسعة لمدينة رفح في الجنوب في مايو/أيار. وتجاهلت الحكومة تحذيرات من المجتمع الدولي، بما في ذلك حلفاء إسرائيل نفسها، وكذلك الأوامر المُلزمة قانونًا الصادرة عن محكمة العدل الدولية، بعدم شن هجوم على رفح، بسبب الآثار المدمِّرة التي يمكن أن يخلفها على السكان المدنيين.
وأصدرت إسرائيل سلسلةً من أوامر “الإخلاء”، أدت إلى حصر سكان قطاع غزة في مناطق صغيرة مكتظَّة بالسكان وتفتقر إلى مرافق البنية الأساسية اللازمة لاستدامة الحياة، وإلى الرعاية الصحية، والغذاء. ونتيجة لذلك، أصبح معظم الفلسطينيين في قطاع غزة يواجهون جوعًا شديدًا وأمراضًا سريعة الانتشار. وفي كثيرٍ من الأحيان، أصابت الضربات الجوية الإسرائيلية مدنيين كانوا ينفِّذون أوامر “الإخلاء”، بما في ذلك عقب وصولهم إلى مناطق وعدت إسرائيل بأنها ستكون آمنة.
كما واصلت إسرائيل تعريض فلسطينيين من قطاع غزة للاحتجاز التعسفي، وفي بعض الحالات، للاختفاء القسري. وعادةً ما كانوا يُنقلون إلى إسرائيل ويُحتجزون هناك بمعزل عن العالم الخارجي، بدون تهمة أو محاكمة، ويتعرَّضون للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة.
وأدى وجود جماعات مسلحة فلسطينية في مناطق مدنية أو بالقرب منها في قطاع غزة، بما في ذلك مخيمات النازحين داخليًا، إلى تعريض أرواح المدنيين للخطر، ويُحتمل أن يمثِّل انتهاكًا لالتزامها بموجب القانون الدولي بأن تتجنب، إلى أقصى حد ممكن، وضع مقاتلين في مناطق مكتظَّة بالسكان. وظلَّت هذه الجماعات تحتجز مدنيين، وإسرائيليين، وأجانب كرهائن، فيما يُعد انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني ويشكِّل جريمة حرب.
واستمر نظام الأبارتهايد الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين منذ عقود. وارتفعت بشكل كبير هجمات المستوطنين الإسرائيليين ضد المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة. وهذه الهجمات، التي تحظى بدعم دولة إسرائيل، بالإضافة إلى المصادرة الواسعة للأراضي، وهدم المنازل، واستخدام القوة بشكلٍ غير مشروع، تشكِّل الجريمتين ضد الإنسانية المتمثِّلتين في التهجير القسري والأبارتهايد.
وقد تقاعس المجتمع الدولي عن العمل بشكل فعَّال لإنهاء الفظائع التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة. وأعربت دول متنفذة، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية وكثير من دول غرب أوروبا، عن تأييدها علنًا لأفعال إسرائيل، مما قوَّض القيمة العالمية للقانون الدولي. وعلى مدى شهور، لم يتخذ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أي إجراء فعَّال، ولم يطالب بوقف إطلاق النار إلا في مارس/آذار.
وفي 26 يناير/كانون الثاني، أصدرت محكمة العدل الدولية أول أوامرها باتخاذ تدابير مؤقتة، في القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. وتبع ذلك صدور أمرين آخرين في 28 مارس/آذار و24 مايو/أيار. وقد رفضت إسرائيل أوامر المحكمة. ومع ذلك، استمرت بعض الدول في إمداد إسرائيل بأسلحة استُخدمت في انتهاك القانون الدولي، بالرغم من تحذيرها بأن ذلك يمثل مخالفة لالتزامها بمنع جريمة الإبادة الجماعية، وقد يجعلها متواطئةً في ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية وفي جرائم حرب.
وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت، وكذلك ضد قائد كتائب القسام محمد الضيف في فلسطين، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وعلى مدار العام، استمرت الاحتجاجات والمظاهرات ضد أفعال إسرائيل في قطاع غزة، وشارك فيها ملايين الناس في شتى أنحاء العالم، وقُوبلت بقيود شديدة على حرية التعبير وحرية التجمع في كثير من البلدان.
النزاعات المسلحة الأخرى
أدت الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة إلى أعمال قتالية مسلحة وهجمات في إيران، وسوريا، والعراق، ولبنان، واليمن، وشملت بعضها قوات أمريكية وبريطانية.
وبعد قرابة عام من الهجمات المتفرقة عبر الحدود، شنَّت إسرائيل هجومًا عسكريًا جديدًا في لبنان، يوم 23 سبتمبر/أيلول. وتشير التقديرات إلى مقتل 4,047 شخصًا، وإصابة أكثر من 16,600 شخص، ونزوح 1.2 مليون شخص في لبنان خلال الفترة من 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى نهاية عام 2024. وهاجمت القوات الإسرائيلية عددًا من المنازل، والمزارع، والمدارس، والكنائس، والمساجد، والمستشفيات، بما في ذلك في العاصمة اللبنانية بيروت. كما هدمت القوات الإسرائيلية ما يزيد عن عشرين قرية، حيث استخدم الجنود الإسرائيليون المتفجرات، والجرَّافات، والحفَّارات لتدمير بناياتٍ مدنية، بعد وقت طويل من السيطرة على هذه المناطق. وعلى مدار العام، أطلقت الجماعة المسلحة المعروفة باسم حزب الله مئات الصواريخ من لبنان على شمال إسرائيل، مما أسفر عن مقتل أكثر من 100 شخص.
وقتلت القوات المسلحة للحوثيين، المتمركزة في اليمن، عددًا من البحّارة المدنيين عندما هاجمت عشرات السفن في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي، بزعم أنها كانت على صلة بإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. وردًا على ذلك، شنَّت القوات المسلحة الأمريكية ضربات بحرية وجوية على أهدافٍ للحوثيين، ونُفِّذ بعضها بالاشتراك مع القوات البريطانية. وشنَّ الحوثيون هجمات بالصواريخ والمُسيَّرات على إسرائيل 48 مرة على الأقل، مما أسفر عن مقتل أحد المدنيين. وردًا على الهجوم، قصفت إسرائيل، في 20 يوليو/تموز، ميناء الحديدة، الذي يحظى بأهمية حيوية في إيصال المساعدات الإنسانية إلى اليمن، ومحطة كهرباء رأس كثيب، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن ستة مدنيين. وفي 29 سبتمبر/أيلول، قصفت إسرائيل ميناءي الحُديدة ورأس عيسى، ومحطة كهرباء الحالي ومحطة كهرباء رأس كثيب في محافظة الحُديدة، ما أدى إلى مقتل خمسة مدنيين وإصابة آخرين، كما وَرَد.
وفي أبريل/نيسان، أطلقت إيران أكثر من 300أطلقت إيران أكثر من 300 مقذوف على إسرائيل، على سبيل الانتقام من ضربة شُنَّت على القنصلية الإيرانية في سوريا وأسفرت عن مقتل سبعة من أفراد الحرس الثوري الإسلامي الإيراني. وفي أكتوبر/تشرين الأول، أطلقت إيران حوالي 200 صاروخ باليستي على إسرائيل ردًا على مقتل زعيم حركة حماس إسماعيل هنية وزعيم حزب الله حسن نصر الله. وفي الشهر نفسه، شنَّت إسرائيل ضربات على 20 هدفًا داخل إيران، مما أسفر عن مقتل مدني واحد وأربعة عسكريين.
وزادت القوات الإسرائيلية من وتيرة عملياتها العسكرية في سوريا في سياق النزاعين الدائرين في قطاع غزة ولبنان. وفي ديسمبر/كانون الأول، عقب الإطاحة بالرئيس بشَّار الأسد في سوريا، تقدمت إسرائيل بقواتها إلى داخل المنطقة العازلة منزوعة السلاح التي حدَّدتها الأمم المتحدة في مرتفعات الجولان المحتلة، وأشارت إلى توسع الاستيطان الإسرائيلي غير القانوني في مرتفعات الجولان، كما شنَّت مئات الضربات الجوية في سوريا.
وكثَّفت المقاومة الإسلامية في العراق، وهي ائتلاف من فصائل مسلحة تنضوي تحت لواء قوات الحشد الشعبي، عملياتها ضد إسرائيل، ردًا على الهجمات الإسرائيلية على غزة ولبنان، حيث شنَّت هجمات قالت إنها استهدفت مواقع عسكرية ومرافق للبنية التحتية العسكرية في إسرائيل ومرتفعات الجولان.
وفي أماكن أخرى من المنطقة، استمرت النزاعات المسلحة الدائرة منذ فترة طويلة وما أتبعها في تدمير حياة ملايين الناس، حيث أقدمت أطراف النزاع، التي يحظى بعضها بدعم حكومات أجنبية، على ارتكاب جرائم حرب، وغيرها من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني.
ففي سوريا، واصلت أطراف النزاع الدائر منذ فترة طويلة، وكذلك القوى المتحالفة معها، شنَّ هجماتٍ غير مشروعة، مما أسفر عن مقتل وإصابة عشرات المدنيين، وتدمير مرافق البنية الأساسية الحيوية. وخلال النصف الأول من العام، صعَّدت حكومة الرئيس بشَّار الأسد، المدعومة من روسيا، هجماتها على شمال غرب سوريا، الخاضع لسيطرة جماعات المعارضة المسلحة. وشنَّت تركيا مرارًا هجمات عسكرية على مدنٍ وقرى في شمال شرق سوريا، وذلك في سياق حربها المستمرة على الجماعات الكردية المتمركزة هناك، مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى بين المدنيين، وإلحاق أضرار بالبنية التحتية المدنية الحيوية.
وفي 8 ديسمبر/كانون الأول، أطاحت قوات معارضة بالرئيس السوري بشَّار الأسد، منهيةً بذلك خمسة عقود من حكم عائلته الوحشي والقمعي، الذي اتسم بانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان ترقى إلى مستوى جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية.
ووقعت اشتباكات مسلحة متفرقة في العاصمة الليبية، طرابلس، وفي مناطق أخرى من غرب ليبيا وجنوبها، بين ميليشيات وجماعات مسلحة تتنافس على السيطرة على الموارد أو على النفوذ السياسي، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى بين المدنيين، وإلحاق أضرارٍ بأعيان مدنية.
يجب على جميع الأطراف في النزاعات المسلحة احترام القانون الدولي الإنساني، ولاسيما وضع حد للهجمات المباشرة على المدنيين والبنية التحتية المدنية، والهجمات العشوائية. ويجب على الحكومات الأجنبية أن توقف عمليات نقل الأسلحة حيثما يكون هناك خطر كبير بأنها سوف تُستخدم في ارتكاب أو تسهيل ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أو للقانون الدولي الإنساني.
قمع المعارضة
واصلت السلطات في مختلف أنحاء المنطقة انتهاك حق الناس في التعبير عن آراء مُنتقدة أو مُعارِضة، بما في ذلك عبر الإنترنت، سواء كانت تتعلق بسجلات السلطات في مجال حقوق الإنسان أو بسياساتها الاقتصادية، أو كانت ردًا على النزاع في قطاع غزة أو تتصل بقضايا اجتماعية. واستخدمت بعض الحكومات تهمًا لا أساس لها تتعلق بالإرهاب، أو تهمة نشر “أخبار كاذبة”، لإسكات الأصوات المعارضة، ولفرض عقوبات قاسية على منتقديها.
ففي إيران، ارتكبت السلطات انتهاكاتٍ ضد بعض المتظاهرين، والنساء والفتيات اللواتي يتحدين قوانين ارتداء الحجاب الإلزامي، والصحفيين، والفنانين، والكتاب، والأكاديميين، وطلاب الجامعات، وأفراد مجتمع الميم، وأفراد الأقليات العِرقية والدينية، والمدافعين عن حقوق الإنسان، وكان من بين هذه الانتهاكات الاحتجاز التعسفي، وأوامر الاستدعاء للخضوع لتحقيقات إجبارية، والمحاكمات الجائرة التي أدت إلى صدور أحكام بالإعدام، و/أو السجن، و/أو الغرامة و/أو الجلد بسبب ممارستهم السلمية لحقوقهم الإنسانية.
ووُجهت تهم إلى مئات الأشخاص في الأردن بموجب قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية ذي الطابع القمعي، وذلك لقيامهم بانتقاد السلطات، أو التعبير عن التضامن مع الفلسطينيين، أو الدعوة إلى مظاهرات سلمية وإضرابات عامة. ودأبت السلطات الأردنية على انتهاك حقوق المحاكمة العادلة للأشخاص الذين يُقبض عليهم بسبب ممارستهم لحقهم في حرية التعبير.
واستمرت السعودية في احتجاز أشخاص بصورة تعسفية بسبب آرائهم الفعلية أو المزعومة، دون أن تمنحهم أي فرصة للطعن في قانونية احتجازهم. وفي كثير من الحالات، حُكم على هؤلاء الأشخاص بعد ذلك بالسجن لمدد طويلة، أو بالإعدام، استنادًا إلى تهم “شديدة العمومية” تُجرِّم التعبير عن المعارضة السلمية، من قبيل تهمة “الإرهاب”، مما يُعد انتهاكًا لحقوق المحاكمة العادلة.
وفي شمال إفريقيا، استمر أو تصاعد قمع المعارضة. فقد كثَّفت السلطات التونسية حملتها القمعية على حرية التعبير وجميع أشكال المعارضة، مُستخدمةً في ذلك قوانين قمعية وتهمًا لا أساس لها من أجل احتجاز شخصيات بارزة في المعارضة السياسية، وصحفيين، ومُستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي، ومدافعين عن حقوق الإنسان، ومحامين، ومُنتقدين، بصورة تعسفية. واستمر بلا هوادة استهداف السلطات المصرية للصحفيين، والمتظاهرين السلميين، والمعارضين، والسياسيين المعارضين، ومنتقدي الحكومة. وفي المغرب والصحراء الغربية، استهدفت السلطات المغربية بعض الصحفيين، والنشطاء، ومنتقدي الحكومة، بالرغم من صدور عفو ملكي عن آلاف السجناء. وقمعت السلطات الجزائرية حرية التعبير والصحافة، وحرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، بما في ذلك عن طريق الاستخدام المتكرِّر لتهم مُلفقة متعلقة بالإرهاب من أجل وقف المعارضة السلمية. وفي ليبيا، تعرَّض مئات النشطاء والمتظاهرين والصحفيين وصناع المحتوى على الإنترنت للاعتقال والاحتجاز تعسفيًا على أيدي ميليشيات وجماعات مسلحة، لمجرد ممارستهم لحقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي.
يجب على الحكومات احترام الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، بما في ذلك ضمان تمتُّع الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء بهذه الحقوق دون التعرُّض للمضايقة أو العنف أو المقاضاة، والإفراج عن المُحتجزين بسبب ممارستهم لهذه الحقوق.
حرية التجمع السلمي
في جميع بلدان المنطقة تقريبًا، استخدمت الحكومات أساليب متنوعة لمنع المظاهرات السلمية أو لتفريقها بالقوة.
فقد نفَّذت السلطات المصرية عمليات قبض واسعة قبل مظاهرات كان مُخططًا القيام بها، وفرَّقت بعنفٍ المظاهرات القليلة والصغيرة التي خرجت. ففي 23 أبريل/نيسان، على سبيل المثال، فرَّقت السلطات بعنف مظاهرة صغيرة نظمتها بعض المدافعات عن حقوق الإنسان وغيرهن للتعبير عن التضامن مع النساء في فلسطين والسودان. وكثيرًا ما لجأت السلطات في العراق لاستخدام القوة، بما في ذلك إطلاق الذخيرة الحية، لتفريق مظاهرات كان دافعها الشعور بالإحباط على نطاق واسع بسبب الفساد الحكومي، والمصاعب الاقتصادية، وتدني مستوى الخدمات العامة.
واستخدمت السلطات التونسية مرارًا تهمة مُبهمة لا أساس لها، وهي تهمة “العرقلة”، من أجل احتجاز أشخاص بصورة تعسفية ومحاكمتهم وإدانتهم لمجرد مشاركتهم في مظاهرات سلمية. وقبضت القوات الأردنية على آلاف المتظاهرين والمارة المرتبطين بمظاهرات ضخمة اندلعت تأييدًا للفلسطينيين في قطاع غزة في الفترة من أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى أكتوبر/تشرين الأول 2024، وكان كثيرون منهم لا يزالون قيد الاحتجاز في نهاية عام 2024. وواصلت السلطات في الإمارات العربية المتحدة قمعها للتجمع السلمي، وأجرت محاكمات جماعية لعدد من المتظاهرين السلميين وغيرهم من المعارضين.
يجب على الحكومات احترام الحق في التجمع السلمي، وإنهاء حملاتها القمعية ضد المتظاهرين السلميين.
الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
واجه الناس في شتى أنحاء المنطقة أزمات متعددة ومستمرة، من بينها النزاعات المُدمِّرة، والصدمات الشديدة الاقتصادية وتلك المتعلقة بالديون، فضلًا عن التكلفة المتزايدة لحالة الطوارئ المناخية. وكان من شأن ارتفاع معدلات التضخم، وتقاعس الحكومات، وغير ذلك من العوامل المحلية والإقليمية والدولية، أن يضع ضغوطًا شديدةً على تكاليف المعيشة، بما في ذلك في بعضٍ من أفقر بلدان المنطقة وأكثرها اكتظاظًا بالسكان. ونتيجةً لذلك، بات ملايين الناس يعانون من انعدام الأمن الغذائي ويكابدون من أجل البقاء على قيد الحياة، كما قُوضت حقوقهم في الصحة، والمياه، وفي مستوى معيشي لائق.
في لبنان، استمرت الأزمة المالية والاقتصادية القائمة منذ زمن طويل، والتي ساعدت الحكومة في خلقها وإطالة أمدها. فقد تقاعست الحكومة بشكل مؤسف عن إجراء الإصلاحات اللازمة لحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للناس، بما في ذلك حقهم في الضمان الاجتماعي. وكان للأزمة أثر مدمر على الفئات المُهمَّشة، ومن ذلك على سبيل المثال أن الحصول على الرعاية الصحية الملائمة صار بعيد المنال بصورة أكبر بالنسبة للكثيرين من كبار السن، والأشخاص ذوي الإعاقة، والعمال غير النظاميين، واللاجئين، وتفاقمت الأزمة من جراء الدمار الذي سبَّبته إسرائيل في سياق حربها مع حزب الله.
كما أثَّرت الأزمة الاقتصادية تأثيرًا شديدًا على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للناس في مصر، وسط تقاعس الحكومة عن الوفاء بالتزاماتها بتخصيص نسبة من الميزانية للإنفاق على الصحة والتعليم. وصدر قانون جديد يقضي بخصخصة الرعاية الصحية، من شأنه أن يُعرِّض للخطر سُبل الحصول على الخدمات الصحية، وخاصة لأولئك الذين يعيشون في فقر. واستخدمت السلطات التهديدات وعمليات القبض لقمع العمال الذين يطالبون بالحد الأدنى للأجور، والسكان الذين يحتجون على الإخلاء القسري.
وفي كثير من البلدان، تقاعست الحكومات عن حماية العمال ذوي الأجور المنخفضة من انتهاكات العمل، وحرمت العمال من الحق في تشكيل نقابات مُستقلة أو الانضمام إليها، وكذلك الحق في الإضراب دون خوف من التعرُّض للعقاب. وفي دول الخليج، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة، والسعودية، وقطر، ظلَّ العمال الأجانب من ذوي الأجور المنخفضة يواجهون الاستغلال المُفرط، والتمييز المُجحف، والسكن غير الملائم بشكل فادح، والإساءات البدنية والنفسية، وسرقة الأجور من جانب أصحاب أعمالهم، وقلة سُبل الحصول على الرعاية الصحية، والفصل من العمل بإجراءات موجزة. وكانت فئة العمالة المنزلية، ومعظمها من النساء، هي الأشد تضرُّرًا.
يجب على الحكومات اتخاذ إجراءات عاجلة من أجل تعزيز حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للناس، ومن بين هذه الإجراءات وضع نُظم شاملة للحماية الاجتماعية تتيح للجميع، بما في ذلك الفئات المُهمَّشة، الحصول على مستوى معيشي لائق، ويشمل ذلك الغذاء، والمياه، والرعاية الصحية. ويجب على الحكومات المانحة والمؤسسات المالية الدولية العمل على وجه السرعة لمساعدة الحكومات في تحقيق هذا الهدف. كما يجب على الحكومات حماية حق العمال في تشكيل نقابات عمالية مستقلة وفي الانضمام إليها، وحقهم في الإضراب، مع توسيع نطاق ضمانات الحماية المنصوص عليها في قوانين العمل بحيث يشمل جميع العمال الأجانب، بما في ذلك عمال وعاملات المنازل.
التمييز المُجحف
النساء والفتيات
ظلَّت النساء والفتيات في شتى أنحاء المنطقة يواجهن التمييز المُجحف في القانون والممارسة الفعلية، بما في ذلك ما يتصل بالحق في حرية التنقل، وفي التعبير، والاستقلال الجسدي، والميراث، والطلاق، وتولي المناصب السياسية، والحصول على فرص العمل. وظلَّ العنف القائم على النوع الاجتماعي، عبر الإنترنت وخارجه، شائعًا ويُمارس مع الإفلات من العقاب. وفي بعض البلدان، ازدادت وتيرة هذا العنف، بينما ضعفت أشكال حماية المرأة.
ففي الجزائر والعراق، كانت القوانين تُتيح لمرتكبي جرائم الاغتصاب الإفلات من المحاكمة إذا تزوجوا من ضحاياهم.
وفي اليمن، استمرت سلطات الأمر الواقع الحوثية والجماعات المسلحة في فرض قيود على تنقل النساء، وحظرت عليهن السفر بدون صحبة محرم أو موافقته المكتوبة.
وبالرغم من بعض الخطوات الإيجابية في إقليم كردستان العراق، ظلَّت السلطات تتقاعس عن محاسبة مرتكبي العنف الأُسري، كما فرضت قيودًا تعسفية على حريات الضحايا اللواتي يطلبن الحماية في نظام دور الإيواء الذي يعاني من نقص التمويل على نحو يُرثى له. كما حاول المشرِّعون تمرير تعديلات على قانون الأحوال الشخصية من شأنها أن تقوِّض إلى حد كبير ضمانات الحماية للنساء والفتيات.
وفي إيران، كثَّفت السلطات حملتها القمعية ضد النساء والفتيات اللواتي يرفضن ارتداء الحجاب الإلزامي، بما في ذلك من خلال المراقبة الرقمية، من قبيل تقنية التعرُّف على الوجه. وأدت زيادة الدوريات الأمنية إلى تعريض النساء والفتيات للمضايقات والعنف في الأماكن العامة.
وفي ليبيا، استهدفت الميليشيات والجماعات المسلحة عددًا من المؤثِّرات وصانعات المحتوى عبر الإنترنت بسبب طريقتهن في التعبير عن أنفسهن وملابسهن. وفي نوفمبر/تشرين الثاني، أعلنت حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس عن خططٍ لإلزام النساء بارتداء الحجاب، وفرض ذلك من خلال نشر “شرطة الآداب”.
حقوق أفراد مجتمع الميم
في مختلف أنحاء المنطقة، قُبض على أفراد وحُوكموا بسبب ميولهم الجنسية أو هوية النوع الاجتماعي الخاصة بهم. وفُرضت أحكام قاسية على كثيرين منهم لدى إدانتهم بإقامة علاقات جنسية مثلية بالتراضي. وتزايدت الاعتداءات على أفراد مجتمع الميم في تونس، والعراق، وليبيا.
ففي ليبيا، قامت ميليشيا جهاز الأمن الداخلي في طرابلس العاصمة وغيرها من الميليشيات والجماعات المسلحة بالقبض تعسفيًا على أفراد ومحاكمتهم بسبب ميولهم الجنسية و/أو هوية النوع الاجتماعي الفعلية أو المُفترضة، كما أذاعت “اعترافاتهم” المشوبة بالتعذيب. وفي تونس، أفادت جماعات مجتمع الميم بحدوث زيادة في المحاكمات بتهم “المثلية الجنسية”.
وفي أبريل/نيسان، جرَّم العراق للمرة الأولى العلاقات الجنسية المثلية، وأصبح يُعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى 15 سنة. كما يفرض القانون الجديد عقوباتٍ على أفعال من قبيل “ترويج” العلاقات الجنسية المثلية أو التعبير عن التحوُّل الجنسي، ويضيف تهمًا مُبهمة مثل “التخنُّث”.
الأقليات العِرقية والدينية
في شتى بلدان المنطقة، ظلَّ أفراد المجتمعات والأقليات القومية والعِرقية والدينية يواجهون التمييز المُجحف المترسِّخ في القانون والممارسة الفعلية، بما في ذلك ما يتعلق بحقوقهم في العبادة، وحقهم في حياة تخلو من الاضطهاد وغيره من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
وزادت إسرائيل من ترسيخ نظام الأبارتهايد الذي تفرضه، من خلال قمع الفلسطينيين والسيطرة عليهم في الضفة الغربية المحتلة. وارتكبت إسرائيل بشكل ممنهج مجموعةً واسعةً من انتهاكات حقوق الإنسان، من بينها عمليات التهجير القسري، والاحتجاز الإداري، والتعذيب، وأعمال القتل غير المشروع، والحرمان من الحقوق والحريات الأساسية، فضلًا عن الاضطهاد.
وفي إيران، تعرَّض أفراد الأقليات العِرقية، بما في ذلك عرب الأهواز، والأتراك الأذربيجانيون، والبلوشيون، والأكراد، والتركمان للتمييز المجحف، مما حدَّ من سُبل حصولهم على التعليم، والتوظيف، والسكن الملائم، والمناصب السياسية. وتعرَّض أفراد الأقلية الدينية البهائية لانتهاكاتٍ ممنهجة واسعة النطاق.
يجب على الحكومات إنهاء التمييز المُجحف على أساس العرق، والإثنية، والدين، والنوع الاجتماعي، والميول الجنسية، وهوية النوع الاجتماعي والتعبير عنها. ويجب على الحكومات تنفيذ إصلاحات قانونية وإصلاحات في السياسات من أجل منح حقوق متساوية للجميع دون تمييز مُجحف، وحماية وتعزيز وضمان الحق في حرية الفكر والوجدان والدين والمُعتقد.
حقوق النازحين داخليًا والمهاجرين واللاجئين
أدت النزاعات المُطوَّلة إلى جعل أعداد كبيرة من النازحين داخليًا يكابدون من أجل البقاء على قيد الحياة في إسرائيل، وفلسطين، والعراق، وليبيا، وسوريا، ولبنان، واليمن. وواجه معظمهم التمييز المُجحف على أيدي السلطات، والحواجز التي تحول دون الحصول على الخدمات، والعراقيل التي تعترض حقهم في العودة إلى ديارهم، أو التعرُّض لأعمال انتقامية إذا حاولوا العودة بدون تصريح، بالإضافة إلى القيود على المساعدات الإنسانية الحيوية وخفضها.
وظلَّ قرابة 1.1 مليون عراقي نازحين داخليًا، ويواجه كثيرون منهم صعوبات جمَّة في الحصول على الاحتياجات والخدمات الأساسية، مثل السكن، والمياه، والرعاية الصحية. وأخضعت قوات الأمن العراقية بعضهم للقبض التعسفي، والاختفاء القسري، والتعذيب، بما في ذلك الصدمات الكهربائية والإيهام بالغرق، بسبب الاشتباه في انتمائهم إلى الجماعة المسلحة المعروفة باسم تنظيم الدولة الإسلامية.
وفي سوريا، وصل عدد النازحين داخليًا إلى 7.2 مليون شخص، وفقًا لما ذكرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وفي أعقاب الإطاحة بالرئيس الأسد في ديسمبر/كانون الأول، ظلَّ الوضع الإنساني والأمني قاتمًا ويشوبه عدم اليقين. ومع ذلك، أعلنت كثير من البلدان الأوروبية أنها ستنظر في أو ستقرر تعليق طلبات اللجوء العالقة المُقدمة من سوريين.
وتعرَّضت حقوق اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين للانتهاك في شتى أرجاء المنطقة، من جراء تقاعس الحكومات بالإضافة إلى تقاعس المجتمع الدولي، وبالأخص البلدان الغنية، عن المشاركة في المسؤولية، عن طريق توفير ما يكفي من أماكن إعادة التوطين، ومن المساعدة الإنسانية. وفي لبنان، كان حوالي 90% من اللاجئين السوريين في البلاد، والذين يُقدَّر عددهم بحوالي 1.5 مليون لاجئ، يعيشون في فقر مدقع، ولا يمكنهم الحصول على الغذاء الكافي، والسكن، والتعليم، والرعاية الصحية. وأدى تصاعد مثير للقلق في الخطاب المناهض للاجئين، والذي حظي في بعض الحالات بتشجيع السلطات المحلية وبعض السياسيين، إلى تكثيف البيئة المعادية. وفي الوقت نفسه، عانى كثير من اللاجئين وطالبي اللجوء في الأردن المجاور، الذي يأوي مليوني فلسطيني وحوالي 750,000 من اللاجئين الآخرين، بما في ذلك اللاجئون السوريون، من الفقر والأوضاع المتدهورة.
واستمرت تونس في تنفيذ عمليات الطرد الدورية الجماعية للمهاجرين واللاجئين إلى الجزائر وليبيا، مما انتهك مبدأ عدم الإعادة القسرية، وترك الناس في مناطق نائية بدون طعام أو ماء. واعتبارًا من مايو/أيار، عملت السلطات على قمع المنظمات التي تدافع عن حقوق اللاجئين والمهاجرين، مما حدَّ من سُبل حصولهم على الخدمات الأساسية.
وكان اللاجئون والمهاجرون في ليبيا، بما في ذلك من تم اعتراضهم في عرض البحر على أيدي الجماعات المسلحة وقوات حرس السواحل المدعومة من الاتحاد الأوروبي ثم أُعيدوا قسرًا إلى ليبيا، يتعرَّضون للاحتجاز التعسفي إلى أجل غير مُحدد، والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، والابتزاز، والعمل القسري، وعمليات الطرد غير المشروعة.
واحتجزت السلطات المصرية تعسفيًا وأعادت قسرًا آلاف المواطنين السودانيين، بالرغم من احتدام النزاع المسلح في السودان، مما يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.
يجب على الحكومات إنهاء الاحتجاز التعسفي للاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين استنادًا إلى وضعهم المتعلق بالهجرة، وحمايتهم من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة أثناء الاحتجاز، ومن الإعادة القسرية، ومن عمليات الطرد الواسعة أو الجماعية. كما يجب على الحكومات اتخاذ خطوات ملموسة تضمن العودة الطوعية والآمنة والكريمة للنازحين داخليًا إلى مواطنهم الأصلية.
عقوبة الإعدام
أبقت معظم الدول في المنطقة على عقوبة الإعدام، وفرضت أحكامًا بالإعدام في عام 2024، بما في ذلك على جرائم لا تشمل القتل العمد، وعلى أفعال يحميها القانون الدولي، مثل العلاقات الجنسية المثلية بالتراضي، والردَّة، وكذلك بتهم زائفة أو فضفاضة وُجهت لإسكات المعارضة. وأُعدم أشخاصٌ في عدة بلدان. ففي العراق، نُفذت عمليات إعدام واسعة دون إبلاغ المحامين والأقارب مُسبقًا. واستمرت موجة الإعدامات في إيران، حيث استخدمت السلطات عقوبة الإعدام كأداةٍ للقمع السياسي.
يجب على الحكومات الإعلان فورًا عن وقف رسمي لتنفيذ أحكام الإعدام تمهيدًا لإلغاء عقوبة الإعدام.
الحق في بيئة صحية
ظلَّت المنطقة تعاني من العواقب الضارة، والمُهدِّدة للحياة في كثير من الأحيان، لتغيُّر المناخ، بما في ذلك ظواهر الطقس الشديدة، والكوارث التي تظهر بشكلٍ بطيء، مثل شُح المياه المتزايد والشديد، وغير ذلك من ظواهر سوء الإدارة البيئية. وتقاعست الحكومات عن اتخاذ خطوات كافية لوقف تغيُّر المناخ، أو تخفيف آثاره، أو تقديم دعم كافٍ للفئات الأشد تضرُّرًا.
وعانى العراق من نقص شديد في المياه ومن تزايد تلوث الهواء والمياه. وأدى الافتقار إلى الفعالية في إدارة المخلَّفات وإزالة الغابات إلى اشتداد العواصف الترابية والأمراض المنقولة بالمياه، مما أثَّر بشكل غير متناسب على الفئات الضعيفة من السكان، ولاسيما النازحين. كما عانى الأردن من نقص المياه، حيث لم تكن الإمدادات تغطي إلا حوالي ثُلثي الاحتياجات.
واجتاحت الكويت موجة حر شديد، حيث سُجلت درجات حرارة قياسية في أواخر مايو/أيار، تراوحت ما بين 4 و5 درجات مئوية أعلى من المعدلات في السنوات السابقة. ومع ذلك، أعلن الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الكويتية المملوكة للدولة، في مارس/آذار، أن الكويت تعتزم زيادة إنتاج النفط بشكل كبير بحلول عام 2035، كما أعلن عن زيادات أخرى عند اكتشاف احتياطات جديدة في يوليو/تموز.
وتقاعست بلدان أخرى عن تحقيق تقدم نحو التخلُّص الضروري من الوقود الأحفوري. وفي فبراير/شباط، طلبت البحرين قرضًا لتوسيع استخراج الوقود الأحفوري، عن طريق إنشاء 400 بئر جديدة للنفط و30 بئرًا للغاز. وأكدت منظمة غلوبال ويتنس (Global Witness) غير الحكومية في تقريرها في يونيو/حزيران أن فريق الإمارات المعني بمؤتمر المناخ كوب 28 قد أبرم اتفاقيات خاصة بالوقود الأحفوري لصالح شركة أدنوك المملوكة للدولة أثناء استضافة مؤتمر كوب في 2023. وفي يونيو/حزيران أيضًا، أعلن وزير الطاقة في السعودية عن خطط لزيادة إنتاج النفط بين عامي 2025 و2027.
يجب على الحكومات اتخاذ خطواتٍ على وجه السرعة لتخفيف أزمة المناخ، عن طريق خفض انبعاثات الكربون، مع وضع حد لاستخراج واستخدام الوقود الأحفوري. وينبغي على جميع الدول ذات الموارد الضرورية أن تزيد بشكل كبير من تمويل البلدان التي في حاجة للمساعدة في تنفيذ تدابير التخفيف والتكيُّف بما يتماشى مع حقوق الإنسان.
الإفلات من العقاب
في شتى أنحاء المنطقة، واصلت الدول تسهيل الإفلات من العقاب لمرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، مما يُسلِّط الضوء على إخفاقات النُظم القضائية المحلية التي تتسم بأوجه قصور عميقة.
وساد الإفلات من العقاب، القائم منذ عقود، عن جرائم الحرب المتكرِّرة والانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان على أيدي إسرائيل ضد الفلسطينيين في سياق نظام الأبارتهايد، فضلًا عن الاحتلال غير المشروع.
وتقاعست السلطات المغربية عن أن توفر لعائلات الضحايا سبل معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة والحصول على التعويض، في أعقاب حملة القمع المُميتة التي نفَّذتها قوات الأمن الأسبانية والمغربية ضد مهاجرين من بلدان إفريقية جنوب الصحراء كانوا يحاولون عبور الحدود من المغرب إلى جيب مليلية الأسباني في عام 2022.
وفي إيران، ساد الإفلات من العقاب عن أعمال القتل غير المشروعة، والاختفاء القسري، والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، بما في ذلك الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي، وغير ذلك من الجرائم التي يشملها القانون الدولي أو الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتُكبت في عام 2024 والأعوام السابقة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت المحكمة الجنائية الدولية عن إصدار مذكرات اعتقال ضد ستة من القادة وكبار الأعضاء والمنتسبين إلى الجماعة المسلحة المعروفة باسم الكانيات، وذلك بسبب جرائم الحرب المتمثِّلة في القتل العمد، والتعذيب، وعمليات الاختفاء القسري، وغيرها من الأفعال غير الإنسانية المُرتكبة في ترهونة، في ليبيا، والتي سيطرت عليها الجماعة حتى يونيو/حزيران 2020.
واستمرت بلدان أوروبية في إجراء تحقيقات وملاحقات قضائية بحق أفراد يُشتبه في ارتكابهم جرائم يشملها القانون الدولي في سوريا، وذلك من خلال محاكمها الوطنية بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية.
يجب على الحكومات مكافحة الإفلات من العقاب، عن طريق إجراء تحقيقات شاملة ومستقلة ومحايدة وفعَّالة تتسم بالشفافية في انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم التي يشملها القانون الدولي، وتقديم المُشتبه في ارتكابهم هذه الأفعال إلى ساحة العدالة في محاكمات عادلة أمام محاكم مدنية.