الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

العودة. الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2023

كان للتصاعد المدمر للعنف في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني تداعياته العميقة في مختلف أرجاء المنطقة، وفي جميع أنحاء العالم. ومنذ أكتوبر/تشرين الأول، قتلت القوات الإسرائيلية أكثر من 21,000 من سكان غزة، أغلبهم من المدنيين، وكثيرون منهم قتلوا بصورة غير مشروعة، في حين قتلت حماس مدنيين عمدًا في إسرائيل واحتجزت رهائن وأسرى. وتكمن الجذور العميقة للصراع في ما قامت به إسرائيل عام 1948 من التهجير القسري للفلسطينيين وتجريدهم من ممتلكاتهم، والاحتلال العسكري لقطاع غزة والضفة الغربية عام 1967، ونظام الأبارتهايد الإسرائيلي المستمر ضد الفلسطينيين، والحصار غير القانوني الذي تفرضه على قطاع غزة المحتل منذ 16 عامًا.

وظلت تأثيرات الصراعات الأخرى طويلة الأمد في العراق وليبيا وسوريا واليمن تجلب الشقاء للملايين من الناس، وخصوصًا أفراد المجتمعات المهمشة، ومن بينهم النازحون داخليًا واللاجئون والمهاجرون والأقليات الإثنية، وقد حرم الكثيرون منهم من أبسط حقوقهم الأساسية في الغذاء، والماء، والسكن اللائق، والرعاية الصحية، والأمن. واستمرت الهجمات العشوائية، وتدمير البنية التحتية، والنزوح القسري، والحكم التعسفي الذي تمارسه قوات الأمن، والميليشيات، والجماعات المسلحة، مع الإفلات من العقاب.

وتقاعست حكومات المنطقة عن اتخاذ إجراءات كافية للتصدي للارتفاع الحاد في تكلفة المعيشة، والأزمات الاقتصادية، والكوارث الطبيعية والكوارث المرتبطة بتغير المناخ، وكلها تؤثر على الحقوق الإنسانية الأساسية للملايين من البشر. وأُخضع الأشخاص الذين أعربوا عن مظالمهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية لإجراءات عقابية تهدف إلى إسكات المعارضة. واحتجزت السلطات المعارضين والمنتقدين وعرّضتهم للتعذيب ولاحقتهم قضائيًا ظلمًا، وفرضت عليهم عقوبات قاسية، بما في ذلك عقوبة الإعدام، والمنع من السفر، والتهديدات، وغير ذلك من المضايقات. وكان من بين أولئك المستهدفين صحفيون، ومعلقون على الإنترنت، ومدافعون عن حقوق الإنسان – بما في ذلك مناضلون من أجل حقوق المرأة، وأفراد من مجتمع الميم، ومجتمعات مهمشة – ونشطاء من نقابات عمالية. وفي الأردن وإيران ومصر، سعت قوات الأمن لقمع المظاهرات باستخدام القوة غير المشروعة، بل والفتاكة أحيانًا، إلى جانب الاختفاء القسري والاعتقالات التعسفية الجماعية. وظل معظم مرتكبي تلك الانتهاكات لحقوق الإنسان ينعمون بحصانة من العقاب على جرائمهم.

وظل التمييز المجحف متفشيًا في المنطقة، على أساس النوع الاجتماعي، والعرق، والجنسية، والوضع القانوني، والإثنية، والميول الجنسية، وهوية النوع الاجتماعي أو التعبير عن النوع الاجتماعي، والدين، والطبقة الاقتصادية. وفي بعض البلدان، كان هذا التمييز مرسخًا في القانون.

ورغم أن الظروف الجوية المتطرفة، مثل الجفاف والحرارة الشديدة، جلبت الموت والدمار على بعض أنحاء المنطقة، فقد تقاعست الحكومات عن اتخاذ الإجراءات الضرورية للتصدي للتغير المناخي والتدهور البيئي؛ وأعلنت عدة بلدان عن خطط للتوسع في إنتاج الوقود الأحفوري، من بينها قطر، والسعودية، والإمارات العربية المتحدة التي استضافت مؤتمر المناخ كوب 28.

الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

في أكتوبر/تشرين الأول، انفجر الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني طويل الأمد، وطالت تبعاته الأوضاع السياسية في المنطقة والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وترددت تداعياتها في مختلف أرجاء المنطقة والعالم.

ففي 7 أكتوبر/تشرين الأول، ارتكبت حركة حماس وغيرها من الجماعات الفلسطينية المسلحة جرائم حرب، من بينهما قتل آلاف الأشخاص عمدًا في إسرائيل، وأخذ رهائن، وإطلاق صواريخ عشوائية على إسرائيل. وفي أعقاب ذلك، شنت القوات الإسرائيلية غارات جوية مكثفة على قطاع غزة المكتظ بالسكان، وارتكبت جرائم حرب من بينها قتل وإصابة المدنيين، وتدمير المنازل وغيرها من الأعيان المدنية وإلحاق أضرار جسيمة بها، في هجمات عشوائية وأخرى غير قانونية؛ وفرضت حصارًا تامًا بشكل غير قانوني على السكان المدنيين الذين يرزحون تحت وطأة الفقر أصلًا، وهجرت قرابة 1.9 مليون فلسطيني من ديارهم قسرًا.

وعلى مدى الأسابيع الـ 12 التالية، أسفرت عمليات القصف الجوي والهجمات البرية الإسرائيلية عن مقتل 21,600 فلسطيني، ثلثهم من الأطفال، وفقًا لبيانات وزارة الصحة في غزة، وإصابة كثيرين آخرين بجروح، وتدمير جانبًا كبيرًا من المناطق العمرانية في غزة. وإن الأدلة المتزايدة – المدعومة بما جمعته منظمة العفو الدولية وغيرها من الشهادات المتعددة، وصور الأقمار الاصطناعية، والصور الفوتوغرافية ومقاطع الفيديو التي تم التحقق منها – أظهرت كيف قصفت القوات الإسرائيلية مخيمات مكتظة باللاجئين ومبانٍ سكنية، فأبادت عائلات بأكملها مرارًا وتكرارًا، ودمرت المستشفيات، والكنائس، والمساجد، والمدارس التي تديرها الأمم المتحدة، والمخابز، والطرق وغيرها من منشآت البنية التحتية الأساسية. أما التحذيرات المبهمة التي أصدرتها إسرائيل بـ”إخلاء” شمال غزة – رغم استمرارها في قصف مناطق من المفترض أن تكون آمنة في الجنوب – فقد ارتقت إلى التهجير القسري للسكان المدنيين، ما يشكل انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني.

ولقي آلاف آخرون من الفلسطينيين حتفهم بلا داعٍ من جراء الحصار الإسرائيلي والهجمات التي شنتها إسرائيل على المستشفيات، مما حرم 2.2 مليون من سكان غزة من سبل الحصول على ما يكفي من الماء والغذاء والإمدادات الطبية والوقود، والانهيار الفعلي للنظام الصحي.

وبينما كان الاهتمام الدولي منصبًا على غزة، كثفت القوات المسلحة الإسرائيلية والمستوطنون اليهود المسلحون المدعومون من الدولة الهجمات العنيفة على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، مما أسفر عن مقتل 511 شخصًا، وإرغام الآلاف على الرحيل عن ديارهم؛ وأفلت مرتكبو هذه الهجمات من العقاب. كما قامت السلطات الإسرائيلية بهدم المئات من المباني الفلسطينية بلا مبررات عسكرية، مما أدى إلى نزوح 2,249 شخصًا، وأكثرت من استخدام الاعتقال الإداري إلى حدٍّ بعيد.

الاستجابة الدولية

بالرغم من المستويات المذهلة التي بلغها سفك دماء المدنيين، وما كابدوه من دمار في غزة وإسرائيل، فقد تقاعس المجتمع الدولي عن الاستجابة بصورة مجدية، بل استمرت بعض الدول، وخصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية، في تزويد طرفي الصراع بالأسلحة في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان. واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض لمنع مجلس الأمن الدولي من اتخاذ إجراء فعال أو الدعوة لوقف إطلاق النار.

وأيدت دول قوية تصرفات إسرائيل علنًا، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية والكثير من دول أوروبا الغربية، مما قوَّض احترام القانون الدولي الإنساني وحماية المدنيين. وكان لإحجام المجتمع الدولي عن احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني الأثر في تشجيع إسرائيل على الاستمرار في هجومها العسكري دونما اعتبار لما خلَّفه من خسائر فادحة في صفوف المدنيين في غزة.

وفي 16 نوفمبر/تشرين الثاني، حذرت مجموعة من خبراء الأمم المتحدة علنًا من أن العالم يشهد “وقوع إبادة جماعية” في غزة.

وعلى النقيض من تقاعس المجتمع الدولي عن الاستجابة بصورة مجدية، نظم مئات الملايين من الناس حول العالم مظاهرات أسبوعية حاشدة تضامنًا مع أهالي غزة، وللمطالبة بوقف إطلاق النار، وإنهاء الحصار المفروض على القطاع.

واجتاحت مثل هذه المظاهرات بلدان المنطقة أيضًا، بما فيها بلدان طبَّعت علاقاتها مع إسرائيل، يعَدّ فيها تنظيم المظاهرات العامة محظورًا أو خطرًا. ففي مصر، نزل عشرات الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع في مختلف أنحاء البلاد، واعتقلت السلطات العشرات منهم تعسفيًا. وفي البحرين، تظاهر نحو 1,000 شخص. ونُظّمت مظاهرات كبيرة أيضًا في الأردن وإيران والجزائر وتونس وسوريا والعراق ولبنان وليبيا والمغرب واليمن، فضلًا عن الضفة الغربية.

وفي قمة مشتركة غير مسبوقة للجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي في

11 نوفمبر/تشرين الثاني، أدان الزعماء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وجرائم الحرب و”المجازر الهمجية… واللانسانية” التي ترتكبها حكومة الاحتلال الاستعماري. وفي ديسمبر/كانون الأول، تقدمت جنوب أفريقيا بطلب إلى محكمة العدل الدولية لبدء الإجراءات القانونية ضد إسرائيل فيما يتعلق بانتهاكاتها لاتفاقية منع جرائم الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948 في غزّة.

من جهة أخرى، تزايدت المخاوف من اتساع دائرة الصراع. فمنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، أسفرت الأعمال القتالية عبر الحدود بين إسرائيل وحزب الله وغيره من الجماعات المسلحة في جنوب لبنان عن مقتل ما لا يقل عن أربعة مدنيين إسرائيليين، وما لا يقل عن 20 مدنيًا في لبنان. وخلال الفترة بين 10 و16 أكتوبر/تشرين الأول، أطلقت القوات الإسرائيلية قذائف مدفعية تحتوي على الفوسفور الأبيض في عمليات عسكرية على طول حدود لبنان الجنوبية. وطالبت منظمة العفو الدولية بالتحقيق في هجوم على بلدة الضهيرة باعتباره جريمة حرب محتملة. وفي 13 أكتوبر/تشرين الأول، أدت قذائف المدفعية الإسرائيلية التي أُطلقت على جنوب لبنان إلى مقتل صحفي وإصابة ستة صحفيين آخرين. وفي الشهر نفسه، أدت الهجمات الإسرائيلية في سوريا إلى مقتل ثمانية جنود، وقصفت القوات الإسرائيلية مطار حلب أربع مرات. ومنذ 9 أكتوبر/تشرين الأول، قصف الجيش الإسرائيلي معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة مرات عديدة، وأدى القصف في إحدى المرات إلى إصابة أفراد حرس الحدود المصري.

وعلى مستوى العالم، تصاعدت الكراهية والعنصرية ضد الجاليات الفلسطينية واليهودية، بما في ذلك التحريض على العنف، والعداء، والتمييز، كما قمعت بعض الحكومات الحقّيْن في حرية التعبير وحرية التجمع، بهدف كبح المظاهرات والشعارات المؤيدة للفلسطينيين.

يتعين على جميع أطراف النزاع حماية المدنيين والأعيان المدنية بموجب القانون الدولي الإنساني. وتدعو منظمة العفو الدولية إلى وقف فوري لإطلاق النار لمنع وقوع المزيد من الخسائر في أرواح المدنيين، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية اللازمة المنقذة للحياة لمن هم في أمسِّ الحاجة إليها في غزة، وإجراء تحقيقات دولية مستقلة بشأن ما ارتكبته جميع الأطراف من جرائم بموجب القانوني الدولي. وتدعو المنظمة إلى الإفراج عن جميع الرهائن المدنيين الذين تحتجزهم حماس، وجميع الفلسطينيين الذين تحتجزهم إسرائيل تعسفيًا. ويجب على المجتمع الدولي فرض حظر شامل على توريد الأسلحة لجميع أطراف الصراع.

الانتهاكات الأخرى للقانون الدولي الإنساني

خلَّفت الصراعات الإقليمية المسلحة طويلة الأمد الأخرى، وتداعياتها، عواقب وخيمة على حياة الملايين من البشر، حيث عمدت أطراف هذه الصراعات – التي يحظى بعضها بدعم من حكومات أجنبية – إلى ارتكاب جرائم حرب وغيرها من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني.

ففي السنة الثانية عشرة من الصراع الدائر في سوريا، شنت جميع الأطراف وحلفاؤها هجمات غير مشروعة، مما أسفر عن مقتل مدنيين وتدمير منشآت البنية التحتية الحيوية. وشنت قوات الحكومة السورية، المدعومة من القوات الحكومية الروسية، العديد من الهجمات البرية غير المشروعة على المدنيين والأعيان المدنية في شمال غرب سوريا، مما أدى إلى سقوط العشرات من القتلى في صفوف المدنيين ونزوح عشرات الآلاف.

وفي ليبيا، نفذت الميليشيات والجماعات المسلحة هجمات غير مشروعة، باستخدام أسلحة ذات آثار واسعة النطاق في أحياء سكنية، مما أدى إلى مقتل مدنيين وإصابة آخرين بجروح، وتدمير منشآت البنية التحتية المدنية أثناء الأعمال العدائية المسلحة. وظل الآلاف من الأشخاص رهن الاحتجاز التعسفي لأسباب تتعلق بالصراع أو بسبب انتماءاتهم القبلية أو السياسية. وفي اليمن، بالرغم من تراجع الصراع المسلح والهجمات التي تشن عبر الحدود، ارتكبت جميع أطراف الصراع هجمات وأعمال قتل غير مشروع بلا عقاب.

يجب على جميع أطراف الصراعات المسلحة احترام القانون الدولي الإنساني، وخصوصًا إنهاء الهجمات المباشرة على المدنيين والبنية التحتية المدنية. ويتعيّن على الحكومات وقف عمليات نقل الأسلحة عند تجلّي خطر كبير في استخدام الأسلحة لارتكاب أو لتسهيل ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أو للقانون الدولي الإنساني.

قمع المعارضة

استمرت السلطات في مختلف بلدان المنطقة في انتهاك حقوق الناس الذين يعبرون عن آراء انتقادية أو معارضة، بما في ذلك على الإنترنت، سواء كانت تتعلق بحكوماتهم أو قوات الأمن، أو حقوق الإنسان، أو السياسات الاقتصادية، أو الشؤون الدولية، أو قضايا اجتماعية تُعتبر “منافية للأخلاق”.

وفي أعقاب انتفاضة “المرأة الحياة الحرية” عام 2022، كثّفت السلطات قمعها للنساء والفتيات اللواتي يتحدَّين قوانين الحجاب الإلزامي، والمضايقات ضد من يسعون وراء الحقيقة والعدالة من أقارب المتظاهرين والمارة الذين قُتلوا بصورة غير مشروعة. واعتقلت السلطات أيضًا العشرات من الصحفيين، والمحامين، والمدافعين عن حقوق الإنسان. وعطَّلت السلطات شبكات الإنترنت والهاتف المحمول خلال الاحتجاجات، وسعت من خلال الاعتقالات إلى منع الاحتجاجات الحاشدة التي عمَّت البلاد في سبتمبر/أيلول لإحياء الذكرى السنوية لانتفاضة 2022، وسحقت المظاهرات المحلية الأصغر حجمًا باستخدام القوة غير المشروعة والاعتقالات الجماعية.

وقبيل انطلاق الانتخابات الرئاسية في مصر في ديسمبر/كانون الأول، التي مُنع من خوضها مرشحون معارضون حقيقيون، كثّفت السلطات استهدافها للسياسيين المعارضين والمؤيدين لهم؛ وأقارب لمعارضين في الخارج؛ ونقابيين؛ ومحامين؛ وأشخاص ينتقدون سجل السلطات في مجال حقوق الإنسان، وتعاملها مع الأزمة الاقتصادية، ودور القوات المسلحة. واستمرت السلطات في ممارسة الاختفاء القسري، والتعذيب، والملاحقات القضائية الجائرة، والاحتجاز التعسفي ضد المعارضين.

ولجأت بعض الدول إلى استخدام قوانين مكافحة الإرهاب أو التهم الزائفة لإسكات المعارضة وإنزال عقوبات قاسية بمنتقديها.

ففي الجزائر، قامت السلطات بملاحقة النشطاء والصحفيين أمام القضاء بسبب تعبيرهم عن آرائهم الانتقادية، بشكل أساسي على الإنترنت، وأغلقت بعض وسائل الإعلام. أما السلطات العراقية فقد اعتدت على الحق في حرية التعبير، وسعت لسن قوانين ولوائح لتقييد هذا الحق.

وفي تونس، صعَّدت السلطات قمعها للمعارضة، وتمادت في استخدام تهمتي التآمر والإرهاب، اللتين لا أساس لهما، ضد شخصيات بارزة في المعارضة ومنتقدين آخرين؛ وكثيرًا ما لجأت إلى استخدام قانون قمعي جديد، وهو المرسوم المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال. واستُهدف أعضاء حركة النهضة المعارضة بوجه خاص، إذ أودع الكثيرون من قادة الحركة قيد الإيقاف التحفظي لفترات طويلة. وخضع أكثر من 50 ناشطًا سياسيًا للتحقيق بتهمة “التآمر” الملفقة، في حين رفعت النيابة وتعرّض عشرات المشاركين في احتجاجات تتعلق بالعدالة الاجتماعية والبيئة للمقاضاة ظلمًا.

وفي السعودية، استهدفت السلطات بلا هوادة معارضين مفترضين. فقد أدانت المحكمة الجزائية المتخصصة، التي أُنشِئَت لمحاكمة مرتكبي الجرائم المتعلقة بالإرهاب، بعض الأفراد وحكمت عليهم بالسجن مددًا طويلة إثر محاكمات فادحة الجور بسبب ممارستهم لحقوقهم في حرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها وحرية التعبير، بما في ذلك التعبير السلمي على الإنترنت. وأيّدت دائرة الاستئناف بالمحكمة الجزائية المتخصصة الحكم بإدانة سلمى الشهاب بتهم تتعلق بالإرهاب، من بينها نشر تغريدات “بهدف الإخلال بالنظام العام وزعزعة أمن المجتمع واستقرار الدولة”، وذلك بسبب ما نشرته على وسائل التواصل الاجتماعي من تغريدات تدعم فيها حقوق المرأة. وحكمت عليها المحكمة بالسجن لمدة 27 عامًا، يعقبها المنع من السفر لمدة مماثلة.

وأثناء انعقاد المؤتمر السنوي العالمي الثامن والعشرين للدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 28)، الذي استضافته الإمارات، بدأت محاكمة جماعية لأكثر من 80 إمارتيًا، من بينهم مدافعون عن حقوق الإنسان وسجناء رأي سجنوا أصلًا لمدة عقد من الزمن، بتهم ملفقة تتعلق بالإرهاب. وواصلت السلطات احتجاز ما لا يقل عن 26 من سجناء الرأي بسبب تعبيرهم السلمي عن معتقداتهم.

إلى جانب المسيرات المؤيدة للفلسطينيين، أدى القمع المستمر أو المشدد في الكثير من أنحاء المنطقة إلى إعاقة المظاهرات الحاشدة؛ أما المظاهرات القليلة التي مضت قدمًا فقد كانت في العادة تُواجه بالاستخدام غير المشروع للقوة والاعتقالات.

فقد تظاهر مئات الآلاف من الإسرائيليين احتجاجًا على الإصلاحات القضائية المقترحة، وتعرض المتظاهرون في بعض الحالات للاعتقالات التعسفية، واستخدام الشرطة للقوة المفرطة. من جهة أخرى، ظلَّ الأمر العسكري الإسرائيلي رقم 101 يقمع حق الفلسطينيين في التظاهر والتجمع السلميَّيْن في الضفة الغربية.

وفي الأردن، صعَّدت السلطات قمعها لما يمارسه النشطاء السياسيون، والصحفيون، والعمال، وأعضاء الأحزاب السياسية، وأفراد مجتمع الميم، وغيرهم من أنشطة سلمية باستخدام قوانين مسيئة ومبهمة الصياغة. وتم التصديق على قانون جديد خاص بالجرائم الإلكترونية، ينص على المزيد من قمع حق الأفراد في التعبير عن رأيهم بحرية على الانترنت. وأخضع ما لا يقل عن 43 شخصًا للتحقيق أو المقاضاة بسبب التعبير عن آرائهم على الإنترنت بموجب قوانين تعسفية ومبهمة. وحوكم تسعة أفراد أمام محكمة أمن الدولة، وهي محكمة عسكرية.

يجب على الحكومات احترام الحق في حرية التعبير، والحق في حرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، والحق في التجمع السلمي، ومن سبل ذلك ضمان تمتع الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء الحقوقيين بهذه الحقوق بدون أي مضايقة أو عنف أو ملاحقة قضائية، والإفراج عن الأفراد الذين احتُجزوا بسبب ممارستهم لتلك الحقوق.

الحرمان من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية

ظل تصاعد التضخم، وإخفاقات الحكومات، وغيرها من العوامل – على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي – يولد ضغوطًا شديدة على أسعار مصادر الطاقة والسلع الغذائية في المنطقة، وكانت أشد البلدان تضررًا من ذلك هي الأشد افتقارًا للموارد والأكثر سكانًا، وكان بعضها لا يزال يتعافى من العواقب الاقتصادية وغيرها لجائحة كوفيد-19. ونتيجة لهذا، صار الملايين من البشر في المنطقة يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وتعرّضت حقوقهم في الماء والصحة وفي مستوى معيشي لائق للتقييد. وكان الأشخاص الذين يعانون من أشكال عدة من التمييز هم الفئات الأشد تضررًا، بمن فيهم النساء، والعمال ذوو الأجور المنخفضة، واللاجئون، والمهاجرون، والنازحون داخليًا.

ففي لبنان، استفحلت الأزمة الاقتصادية حيث بلغت معدلات التضخم أرقامًا ثلاثية، وتجاوز معدل تضخم أسعار الغذاء 300%. ولم يكن بمقدور الكثير من الناس، وخصوصًا من ينتمون إلى فئات مهمشة، الحصول على أو تحمل تكلفة الأدوية وغيرها من الاحتياجات الأساسية، بما في ذلك المياه الصالحة للشرب وما يكفي من الغذاء ومصادر الطاقة والسلع الأساسية والخدمات الحيوية الأخرى. وفي مصر، كانت للأزمة الاقتصادية آثارٌ مدمرة على تمتع الأشخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية. فقد خصصت الحكومة ما يقرب من نصف موازنة لسداد الديون، بينما تقاعست عن الوفاء بالحد الأدنى الذي يقضي الدستور بتخصيصه للصحة والتعليم، أو تعديل برامجها الخاصة بالحماية الاجتماعية بالقدر الكافي. ودفع هذا كله – بالإضافة إلى زيادة التضخم – ملايين آخرين من المصريين إلى هوة الفقر.

وفي كثير من بلدان المنطقة، بما فيها تلك التي تتمتع باقتصادات مزدهرة غنية بالنفط والغاز، تقاعست الحكومات عن حماية العمال ذوي الأجور المنخفضة من انتهاكات حقوق العمل، وحرمت العمال من حقهم في الانضمام لنقابات عمالية مستقلة، وحقهم في الإضراب عن العمل. ففي دول الخليج، ظل العمال المهاجرون ذوو الأجور المنخفضة يواجهون الاستغلال الشديد، والتمييز، والسكن غير اللائق بتاتًا، وصنوف الإيذاء البدني والنفسي، ونهب أصحاب العمل لأجورهم، وسبل محدودة للحصول على الرعاية الصحية.

وفي قطر، بالرغم من الحملات البارزة من أجل حقوق العمال الأجانب في إطار كأس العالم لكرة القدم 2022 الذي استضافته قطر، ظل العمال الأجانب يتعرضون لانتهاكات من بينها سرقة الأجور، والعمل القسري، والقيود المفروضة على تغيير الوظائف، وعدم تيسر سبل كافية للوصول إلى آليات التظلم والانتصاف. وظل انخفاض الحد الأدنى للأجور يمنع العمال من التمتع بمستوى معيشي لائق، أو التخلص من ربقة الديون التي تثقل كاهلهم بسبب سداد رسوم الاستقدام والتوظيف غير القانونية. وفي قطر وبعض الدول الأخرى، ظل عمال المنازل، وأغلبهم من النساء، يكابدون ظروفًا معيشية قاسية، ويتعرضون لخطر كبير من الإيذاء الجسدي والنفسي، بما في ذلك الاعتداء الجنسي.

وتعرَّض عشرات العمال النيباليين، المتعاقدين للعمل في مستودعات أمازون في السعودية، لانتهاكات حقوق الإنسان، من بينها معاملتهم بطريقة قد تصل إلى الاتجار في البشر لأغراض استغلال العمالة. ووقع هؤلاء العمال ضحية للخداع بشأن وظائفهم، وحُجبت رواتبهم، وتم إيواؤهم في مساكن بالغة السوء. وتعرض بعضهم لإساءات شفوية أو جسدية، خصوصًا عندما كانوا يشتكون من أوضاعهم.

يجب على الحكومات المسارعة إلى اتخاذ تدابير للحماية الاجتماعية الشاملة للجميع، بما في ذلك الفئات المهمشة، من الآثار السلبية للأزمات، والدعوة لبذل جهود دولية منسقة لضمان الحقوق في الصحة، والغذاء، والمستوى المعيشي اللائق. ويتعين على الحكومات حماية حق العمال في التظاهر وفي تنظيم نقابات عمالية مستقلة، وتوسيع مظلة ضمانات الحماية في قانون العمل لتشمل العمال المهاجرين.

التمييز المجحف

النساء والفتيات

واجهت النساء والفتيات في شتى أنحاء المنطقة التمييز المجحف في القانون والممارسة الفعلية، بما في ذلك التمييز فيما يتعلق بالحق في حرية التنقل، والتعبير، والاستقلال الجسدي، والميراث، والطلاق، والمناصب السياسية، وفرص العمل. وظل العنف القائم على النوع الاجتماعي شائعًا، كما ظل مرتكبوه بمأمن من العقاب. وفي بعض البلدان، تصاعدت وتيرة مثل هذا العنف، فيما ضعفت الضمانات الكفيلة بحماية المرأة منه؛ ففي الجزائر والعراق، يبيح القانون للمغتصب الإفلات من الملاحقة القضائية إذا تزوج ضحيته. أما المغرب، فقد رفض توصيات الاستعراض الدوري الشامل بتجريم الاغتصاب الزوجي. واستمرت “جرائم الشرف”، وغيرها من جرائم قتل الإناث في بعض البلدان، من بينها الجزائر وتونس.

وفي إقليم كردستان العراق، سمحت الحكومة الإقليمية لمرتكبي جرائم العنف الأسري بالإفلات من الملاحقة القضائية، وتقاعست عن توفير الحماية الكافية للضحايا.

وفي إيران كثفت السلطات حملتها القمعية على النساء والفتيات اللواتي يرفضن الالتزام بارتداء الحجاب الإجباري، بفرض سياسات جديدة تنتهك بشدة حقوقهن الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والمدنية والسياسية. وكان من بين التدابير العقابية التي لجأت إليها السلطات إرسال تحذيرات في رسائل نصية إلى مليون امرأة تهددهن بمصادرة سياراتهن، وإحالة الآلاف من النساء إلى القضاء.

وفي اليمن، فرضت السلطات الحوثية بحكم الأمر الواقع والجماعات المسلحة قيودًا على حرية المرأة في التنقل، ومنعتهن من السفر بدون محرم من الذكور أو بدون دليل مكتوب على موافقة المحرم. وفي مصر، وتقاعست السلطات عن بذل ما يكفي لمنع العنف القائم على النوع الاجتماعي على أيدي جهات حكومية وجهات غير تابعة للدولة، وسط انتشار أنباء في وسائل الإعلام المصرية عن تعرُّض نساء للقتل على أيدي أفراد من أسرهن أو أشخاص تقدموا لخطبتهن ورُفضوا. كما تعرضت نساء للمقاضاة لمجاهرتهن بالحديث ضد العنف الجنسي أو لأسباب تتعلق بـ”الآداب”.

أفراد مجتمع الميم

في مختلف بلدان المنطقة، تعرض أشخاص للاعتقال والملاحقة القضائية بسبب ميولهم الجنسية أو هوية النوع الاجتماعي الخاصة بهم، وصدرت أحكام قاسية على الكثير منهم بعد إدانتهم بالانخراط في علاقات جنسية مثلية بالتراضي. واشتدت الاعتداءات على حقوق أفراد مجتمع الميم في الأردن، وتونس، والعراق، ولبنان، وليبيا. ففي لبنان، حرضت السلطات على ارتكاب أعمال عنف ضد المثليين والمثليات؛ وردًا على ذلك، أصدرت 18 مؤسسة إعلامية بيانًا مشتركًا تندد فيه بقمع الحريات؛ وحث تحالف يضم 15 منظمة لبنانية ودولية لبنان على إلغاء اقتراحات القوانين المعادية لأفراد مجتمع الميم.

وفي ليبيا، اعتقل جهاز الأمن الداخلي في طرابلس، والميليشيات والجماعات المسلحة الأخرى، بعض الأفراد تعسفيًا بسبب ميولهم الجنسية الفعلية أو المفترضة، و/أو هوية النوع الاجتماعي الخاصة بهم؛ وبثوا “اعترافات” لهم تشوبها شبهات بأنها انتُزعت تحت وطأة التعذيب. وأصدرت السلطات العراقية توجيهًا لوسائل الإعلام يقضي باستخدام تعبير “الشذوذ الجنسي” بدلًا من “المثلية الجنسية”. وفي تونس، أصدرت المحاكم أحكامًا بالحبس لمدة سنتين بموجب أحكام قانونية تجرم العلاقات الجنسية المثلية بالتراضي بين البالغين. وفي الأردن، قاد بعض أعضاء البرلمان حملة مناهضة لمجتمع الميم، مطالبين بتجريم العلاقات الجنسية المثلية، مما أشعل فتيل موجة من خطاب الكراهية والتهديدات ضد أفراد مجتمع الميم وداعميهم.

المجتمعات العرقية والإثنية والقومية والدينية

في مختلف أنحاء المنطقة، تعرض الأفراد الذين ينتمون لمجتمعات وأقليات عرقية وإثنية وقومية ودينية للتمييز المجحف في القانون والممارسة الفعلية، بما في ذلك التمييز المتعلق بحقوقهم في العبادة، والتمتع بالمساواة في فرص العمل والرعاية الصحية، وفي حياة تخلو من الاضطهاد وغيره من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

فقد استمرت إسرائيل في ترسيخ التمييز المتطرف الذي تنتهجه – أي نظام الأبارتهايد – من خلال قمع الفلسطينيين والهيمنة عليهم عن طريق شرذمة الأراضي، والفصل، والسيطرة، ونزع ملكية الأراضي والعقارات، والحرمان من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وقد تأتى لها ذلك عن طريق الارتكاب الممنهج لمجموعة واسعة من انتهاكات حقوق الإنسان، من بينها النقل القسري، والاعتقال الإداري، والتعذيب، والقتل غير المشروع، والحرمان من الحقوق والحريات الأساسية، والاضطهاد.

وفي إيران، تعرض أفراد الأقليات العرقية، ومن بينهم عرب الأهواز، والأتراك الأذربيجانيون، والبلوشيون، والأكراد، والتركمان لتمييز مُجحف يحدُّ من سُبل حصولهم على التعليم، والعمل، والسكن الملائم، والمناصب السياسية. كما عانى المسيحيون، ودراويش غنابادي، واليهود، واليارسان، والمسلمون السنة من التمييز المجحف في القانون والممارسة الفعلية. وتعرضت الأقلية البهائية بوجه خاص لانتهاكات ممنهجة واسعة النطاق.

ويحرم القانون التمييزي في الكويت طائفة البدون (وهي فئة عديمة الجنسية من سكان الكويت) من الاستفادة من الخدمات الحكومية المجانية التي يتمتع بها المواطنون، بما في ذلك التعليم. وفي مصر، تعرض للاعتقال والملاحقة القضائية أفراد من الأقليات الدينية، وآخرون يعتنقون معتقدات لا تقرها الدولة. وفي ليبيا، وجد أفراد جماعتي التبو والطوارق – ممن ليست لديهم بطاقات هوية بسبب القوانين واللوائح المنظِّمة للجنسية الليبية التي تنطوي على التمييز المُجحف – عقبات في الحصول على الخدمات الأساسية، وسط تصاعد موجة العنصرية وكراهية الأجانب.

يجب على الحكومات اتخاذ إجراءات عاجلة للقضاء على التمييز القائم على النوع الاجتماعي، والعنف ضد النساء والفتيات، وأفراد مجتمع الميم، وتقديم المسؤولين عن تلك الجرائم إلى القضاء. ويجب على الحكومات أيضًا إلغاء تجريم العلاقات الجنسية المثلية بالتراضي. ويتعين على الحكومات القضاء على التمييز القائم على العرق، أو الأصل القومي، أو الإثنية، أو الدين، أو النوع الاجتماعي، أو الميول الجنسية، أو هوية النوع الاجتماعي والتعبير عن النوع الاجتماعي، وتنفيذ الإصلاحات اللازمة في القوانين والسياسات من أجل تحقيق المساواة بين الجميع في الحقوق دونما تمييز، وحماية وتعزيز وضمان الحقوق في حرية الفكر والضمير والدين والمعتقد.

حقوق النازحين داخليًا، والمهاجرين، واللاجئين

أسفرت الصراعات طويلة الأمد في سوريا والعراق وليبيا واليمن عن نزوح أعداد هائلة من الأشخاص داخليًا، وصاروا يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة. وواجه أغلبهم عقبات تحول دون الحصول على الخدمات، فضلًا عن التمييز، والعوائق التي تحرمهم من حق العودة إلى أوطانهم أو التعرض للانتقام إذا حاولوا العودة دون إذن، والقيود على المعونات الإنسانية الحيوية والنقص فيها.

ففي العراق، ظل ما لا يقل عن 1.1 مليون شخص نازحين داخل وطنهم بسبب الصراع الدائر مع تنظيم الدولة الإسلامية المسلح، وما زال أغلبهم يعيشون في أوضاع محفوفة بالمخاطر بعد مرور ما يقرب من ست سنوات على اندلاع الصراع. وفي أبريل/نيسان، أغلقت السلطات العراقية آخر مخيم كان لا يزال يعمل للنازحين داخليًا بدون دون إنذار مسبق أو تنسيق مع جهات الإغاثة الإنسانية.

وفي سوريا، ظل نحو 2.9 مليون من النازحين داخليًا في شمال غرب البلاد يعتمدون على المساعدات الإنسانية التي تُقدم بتنسيق من الأمم المتحدة، وفي عام 2023 أدت الاشتباكات المسلحة إلى نزوح ما لا يقل عن 118,000 شخص عن ديارهم. وفرضت الحكومة السورية قيودًا تمنع وصول الإمدادات الأساسية إلى المدنيين، ومن بينهم الكثير من النازحين داخليًا ممن يعيشون في مناطق أغلب سكانها من الأكراد في شمال منطقة حلب، وكانوا أصلًا يواجهون نقصًا شديدًا في الوقود والمساعدات.

وأدت الكوارث الطبيعية – التي زاد من وطأتها سوء إدارة الحكومة وإفلات الجناة من العقاب وحكم الميليشيات – إلى تفاقم المشكلات التي يعاني منها النازحون، فلحق بهم مزيد من النازحين تقدر أعدادهم بمئات الآلاف. فقد أسفر الزلزالان اللذان ضربا جنوب شرق تركيا وشمال سوريا في 6 فبراير/شباط عن نزوح نحو400,000 أسرة في سوريا، وأصبح قرابة 9 ملايين شخص في حاجة ماسة لمساعدات إنسانية فورية. وفقدت الكثير من الأسر منازلها، فلم تجد مناصًا من التماس المأوى في ملاجئ ومخيمات مؤقتة. كما أدى الزلزالان إلى ازدياد الاحتياجات الإنسانية لجميع النازحين أصلًا في شمال غرب سوريا، بما في ذلك الأعداد المتزايدة من النازحين الذين يعيشون في خيام تكاد تنعدم فيها سبل الحصول على الماء ومرافق الصرف الصحي والرعاية الصحية.

ومُنيت حقوق المهاجرين واللاجئين بانتكاسات في مختلف بلدان المنطقة. ففي لبنان، الذي يستضيف ما يقدر بنحو 1.5 مليون لاجئ سوري – وأكثر من 200,000 لاجئ آخرين – أدى تقاعس الحكومة عن التخفيف من آثار الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد إلى وقوع قرابة 90% من اللاجئين السوريين في هوة الفقر المدقع، بدون توفر سبل الوصول إلى الغذاء الكافي والخدمات الأساسية. وساهم تصاعد الخطاب المعادي للاجئين، الذي يذكي نيرانه المسؤولون والسياسيون المحليون، في تفاقم المناخ المعادي للاجئين. وفي أبريل/نيسان ومايو/أيار، داهم الجيش اللبناني منازل لاجئين سوريين، وبادر إلى ترحيل معظمهم. وفي سبتمبر/أيلول، داهم الجيش مخيمات اللاجئين في منطقة البقاع وبلدة عرسال وصادر ممتلكاتهم. وفي الأردن، واجه مليونان من اللاجئين الفلسطينيين ونحو 750,000 من اللاجئين الآخرين الفقر وتردي أوضاع المعيشة، وكان من أسباب ذلك تقليص المساعدات الدولية.

وبدءًا من يوليو/تموز، أبعدت السلطات التونسية قسرًا آلاف من طالبي اللجوء واللاجئين والمهاجرين السود، بما في ذلك الأطفال، إلى الصحراء على امتداد الحدود الليبية والجزائرية، وتركتهم بلا غذاء ولا ماء، مما أدى إلى هلاك ما لا يقل عن 28 منهم. وأثار المسؤولون، بما في ذلك الرئيس سعيّد، موجة غير مسبوقة من العنف العنصري ضد المهاجرين السود. واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع ضد بعض المهاجرين، وطالبي اللجوء، واللاجئين الذين اعتصموا خارج مكاتب الأمم المتحدة في تونس العاصمة، وعرّضت المتظاهرين للتعذيب في الحجز. وفي ليبيا، تعرَّض لاجئون ومهاجرون، بمن فيهم من اعترضتهم في البحر قوات حرس السواحل الليبية، المدعومة من الاتحاد الأوروبي، والجماعات المسلحة، للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، وللابتزاز والعمل القسري، بينما أُبعد أكثر من 22,000 منهم قسرًا دون اتباع الإجراءات الواجبة وبإجراءات موجزة إلى تشاد والسودان ومصر والنيجر.

وأعادت السعودية مئات الآلاف من الأشخاص إلى بلدانهم قسرًا في إطار حملة على المهاجرين الذين لا يحملون وثائق قانونية. وفي إيران، تعرَّض الأفغان، الذين يُقدَّر عددهم بحوالي 5 ملايين شخص، للتمييز المُجحف عميق الجذور، من بينها عقبات تعترض سُبل حصولهم على الخدمات الأساسية. وهددت السلطات بترحيل المواطنين الأفغان الذين دخلوا إيران بصورة غير نظامية، ومنعتهم من الإقامة و/أو العمل في بعض المحافظات.

يجب على الحكومات اتخاذ خطوات ملموسة لضمان العودة الطوعية والآمنة والكريمة للنازحين داخل أوطانهم إلى مناطقهم الأصلية. ويتعين عليها أيضًا وضع حد للاحتجاز التعسفي للاجئين والمهاجرين على أساس وضع الهجرة الخاص بهم، وحمايتهم من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة في الحجز، ومن الإعادة القسرية والطرد الجماعي.

عقوبة الإعدام

أبقت معظم دول المنطقة على عقوبة الإعدام، وصدرت في بعضها أحكام بالإعدام عقابًا على جرائم أو أفعال يكفلها القانون الدولي، مثل العلاقات الجنسية المثلية بالتراضي، والردة، وبتهم زائفة أو فضفاضة للغاية وجهت إليهم بهدف إسكات المعارضة. ونفذت أحكام الإعدام في إيران والسعودية ومصر والعراق. وفي مصر، انخفض عدد أحكام الإعدام التي تم تنفيذها، ولكنه ارتفع في إيران. وفي ليبيا، كانت هناك تهديدات باستئناف تنفيذ أحكام الإعدام الذي توقف منذ عام 2011. وأصدرت محكمة سعودية لأول مرة حكمًا بالإعدام عقابًا على نشاط عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

يجب على الحكومات إصدار أمر رسمي بوقف تنفيذ أحكام الإعدام فورًا بهدف إلغاء عقوبة الإعدام في نهاية المطاف.

أزمة المناخ

تجلَّت خلال عام 2023 العواقب الوخيمة لتغير المناخ على الصعيد الإقليمي، ومن بينها نقص الماء والظروف الجوية المتطرفة التي تضررت منها بصورة متزايدة المناطق والتجمعات السكنية الضعيفة، كما تكشَّف سوء استعداد الكثير من البلدان للتصدي لتلك العواقب.

فقد تسبب إعصار دانيال في انهيار سدّين في حالة سيئة بسبب سوء الصيانة في مدينة درنة الليبية، مما أسفر عن فيضانات عارمة أدت إلى مصرع 4,540 شخصًا، وفقدان 8,500 آخرين، ونزوح أكثر من 44,000 شخص. وشهدت الجزائر موجات حر لم يسبق لها مثيل، أدت إلى اندلاع ما لا يقل عن 140 من الحرائق التي أودت بحياة نحو 34 شخصًا، وأدت إلى نزوح 1,500 شخص. وسجلت ارتفاعات غير مسبوقة في درجات الحرارة في المغرب، حيث تجاوزت درجات الحرارة 50 درجة مئوية في أغادير. وعانت سوريا والعراق من الجفاف المتواصل.

من جهة أخرى، سارت دول المنطقة بوجه عام على نهجها المعتاد إزاء إنتاج الوقود الأحفوري وكأن شيئًا لم يكن، الأمر الذي بات من المرجح معه أن تخفق تلك الدول في بلوغ الهدف المرصود المتمثل في إبقاء الاحترار العالمي دون 1.5 درجة مئوية؛ وتقاعست هذه الدول عن الاستجابة بصورة كافية للتدهور البيئي. وأفاد العراق بتحقيق إيرادات قياسية من مبيعات النفط، وأعلن عن خطط لحفر آبار جديدة وزيادة إنتاج النفط. وأعلنت السعودية عن خط لزيادة إنتاجها من النفط بنحو مليون برميل يوميًا بحلول عام 2027، وزيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي بنسبة 50% بحلول عام 2030. وظلت السعودية تقوم بدور المعرقل في المفاوضات الدولية بشأن التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، فأعاقت مبادرة من مجموعة العشرين ترمي إلى خفض استخدام الوقود الأحفوري، وكانت واحدة من أشد الدول معارضة لإدراج التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري في قرار مؤتمر كوب 28. وأبقت الكويت على خططها الرامية لزيادة إنتاج الوقود الأحفوري حتى عام 2035 على أقل تقدير، وأعلنت شركة نفط الكويت، المملوكة للدولة، أنها تعتزم إنفاق أكثر من 40 مليار دولار أمريكي حتى عام 2028 للتوسع في إنتاج النفط. وتوسَّعت قطر هي الأخرى في إنتاج الغاز الطبيعي المسيل؛ في حين أطلقت عمان برنامجًا للحد من الانبعاثات الكربونية، مع التركيز على الأهداف المتعلقة بأهداف الحياد الكربوني للأعوام 2030، و2040، و2050، ولو أنها استمرت في الاعتماد على مصادر الطاقة غير المتجددة وإنتاجها.

وأثناء مؤتمر كوب 28، في ديسمبر/كانون الأول، اتفقت الدول لأول مرة على قرار يأتي على ذكر الوقود الأحفوري، ولكنه أبعد ما يكون عن تحقيق المطلوب. ومن جوانب هذا القصور الفادح أنه يترك ثغرات تسمح لمنتجي الوقود الأحفوري والدول بالتمادي في نهجها الحالي. كذلك تقاعست الدول، بما فيها تلك التي تتحمل القسط الأكبر من المسؤولية عن أزمة المناخ، عن تقديم تعهدات كافية بشأن التمويل، سواء من أجل التمويل المناخي الذي يساعد الدول الأخرى في الانتقال إلى الطاقة النظيفة، أو من أجل التكيف مع الآثار الضارة لأزمة المناخ؛ ولم تكد هذه الدول تقدم ما يكفي لتفعيل صندوق الخسائر والأضرار الجديد.

يجب على الحكومات اتخاذ خطوات عاجلة للتخفيف من أزمة المناخ، وإبقاء الاحترار العالمي دون 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الحقبة الصناعية، ومن سبل تحقيق ذلك الحد من انبعاثاتها الكربونية (وينطبق هذا بوجه خاص على البلدان التي تتحمل القدر الأكبر من المسؤولية عن الانبعاثات التاريخية)، ووضع حد لتمويل عمليات استخراج الوقود الأحفوري. ويجب على جميع الدول التي تمتلك الموارد الضرورية أن تزيد إلى حد كبير تمويلها للبلدان التي تحتاج إلى المساعدة في اتخاذ تدابير التخفيف والتكيف المنسجمة مع حقوق الإنسان.

التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة

استمر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة في مراكز الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية، وبلغ تفشي التعذيب والمعاملة السيئة مستويات مرتفعة في إيران والسعودية وسوريا وليبيا ومصر، وأدت في بعض الأحيان إلى وقوع وفيات في الحجز، وأفلت المسؤولون عنها من العقاب؛ واستمر ورود تقارير عن استخدام التعذيب من إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، والإمارات، والجزائر، والعراق، و(دولة) فلسطين، ولبنان، والمغرب. وكثيرًا ما استُخدم التعذيب لانتزاع “الاعترافات”، وكان من بين الأساليب المستخدمة الضرب، والصدمات الكهربائية، والإعدامات الوهمية، والتعليق في أوضاع ملتوية، والاغتصاب وغيره من العنف الجنسي، والحرمان من الرعاية الصحية، والحبس الانفرادي المطول.

وفي مصر، ظل التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة أمرًا روتينيًا في السجون، وأقسام الشرطة، والمنشآت التي يديرها قطاع الأمن الوطني؛ وشمل التعذيبُ والمعاملةُ السيئةُ تعمُّدَ الحرمان من الرعاية الصحية، والحبس الانفرادي المطول، وتسليط أضواء ساطعة على المحتجزين، والمراقبة بالكاميرات على مدار الساعة، والحرمان من الزيارات العائلية. وفي إيران وليبيا، ظل التعذيب الممنهج متفشيًا على نطاق واسع، حيث انتزعت “الاعترافات” المسجلة تحت وطأة التعذيب، وتم بثها علنًا. وفي جميع الحالات تقريبًا التي تم توثيقها في مختلف بلدان المنطقة، تقاعست السلطات عن إجراء تحقيقات وافية في ادعاءات التعذيب وحالات الوفاة المريبة في الحجز. فخلال جلسة محاكمة بالجزائر في يوليو/تموز، قال محمد بن حليمة – وهو كاشف عن المخالفات – لهيئة المحكمة إن أفراد أجهزة إنفاذ القانون عذبوه، بتجريده من ثيابه بالكامل، وتقييد ساقيه ويديه، وصب الماء البارد عليه؛ وقال إنه تعرض أيضًا للتحرش الجنسي، والضرب، والتهديد. ولم يأمر القاضي بفتح تحقيق بشأن هذه الادعاءات، وحكم عليه بالسجن سبع سنوات.

يجب على الحكومات إجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة وفعالة بشأن ادعاءات التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، واتخاذ التدابير اللازمة لمنع هذه الجرائم.

الإفلات من العقاب

استمرت بلدان المنطقة في تيسير سبل الإفلات من العقاب أمام مرتكبي الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، مما يسلِّط الضوء على إخفاقات الأنظمة القضائية المحلية المعيبة للغاية.

ففي مصر، ساد إفلات الجناة من العقاب على ما ارتكبوه من جرائم يؤثمها القانون الدولي، وغيرها من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي ارتُكبت في عام 2023 أو خلال العقد الماضي، ومن بينها أعمال القتل غير المشروع لما لا يقل عن 900 شخص أثناء الفض العنيف لاعتصامات مؤيدي الرئيس المخلوع محمد مرسي في أغسطس/آب 2013. كذلك، فإن التحقيق في انفجار مرفأ بيروت عام 2020، الذي أودى بحياة ما لا يقل عن 236 شخصًا، ظل معلقًا منذ ديسمبر/كانون الأول 2021 بسبب شكاوى قانونية ضد قاضي التحقيق قدمها سياسيون من المشتبه في تورطهم في هذه الفاجعة. وفي إيران، لم يحاسب أي مسؤول حكومي على جرائم القتل غير المشروع، والاختفاء القسري، والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، بما في ذلك الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي، والجرائم الأخرى التي يؤثمها القانون الدولي، أو الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبت خلال عام 2023 أو الأعوام السابقة.

تقاعس المجتمع الدولي عن ضمان تحقيق المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان. ففي مارس/آذار، أصدرت بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصِّي الحقائق في ليبيا تقريرها النهائي الذي خلص إلى “وجود أسباب معقولة للاعتقاد بارتكاب الدولة والقوات الأمنية والميليشيات المسلحة مجموعةً واسعةً من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب”. غير أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لم يقرر تمديد تفويض البعثة. واستمرت بواعث القلق بشأن نزاهة واستقلال وشفافية وفعالية التحقيقات التي أعلن عنها النائب العام في طرابلس بشأن الخسائر في الأرواح والدمار الذي أعقب إعصار دانيال، بما في ذلك تبيان ما إذا كانت السلطات الليبية ومن يتولون زمام الأمور بحكم الأمر الواقع قد أخفقوا في حماية حق السكان في الحياة.

يجب على الحكومات مكافحة ظاهرة الإفلات من العقاب من خلال إجراء تحقيقات شاملة ومستقلة ونزيهة وفعالة وشفافة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم المنصوص عليها في القانون الدولي، وتقديم المشتبه في ارتكابهم لها إلى القضاء في محاكمات عادلة أمام القضاء المدني.