الحقوق اليوم في الأميركيتين – 2018

الشجاعة عرضة للهجوم

كان أحد الصراعات التي هيمنت على منطقة الأمريكيتين طيلة عام 2018 صراعًا على المناطق والأراضي، لا سيما تلك التي تخصّ السكان الأصليين والسكان المتحدّرين من أصولٍ أفريقية، إضافة إلى الكفاح للحصول على بيئة صحية.

وقد أبدى الناشطون في مجال البيئة وحقوق الأرض في جميع أنحاء المنطقة شجاعةً يُحتذى بها في مواجهة التهديدات وأعمال العنف المستمرة. ويواجهُ المدافعون عن حقوق الإنسان، رجالاً ونساءً، هذه المخاطرَ لأنهم يتجرّأون على رفع أصواتهم تنديدًا بالأضرار التي تلحق بالبيئة والناجمة عن المصالح الاقتصادية الكبرى، وبالأضرار التي تصيب أراضي أسلافهم التي تسبّبها المشاريعُ التي تستغلّ الموارد الطبيعية.

ومن بين هؤلاء المدافعين الشجعان، تؤدي النساءُ دورًا حيويًّا. فهنّ يواجهْن مخاطرَ محددةً تتعلق بسببين معًا هما أنشطتُهن، ولأنهن يتحديَّن الأدوار التقليدية التي جعلها المجتمع لهنّ.

وباعتبار هؤلاءِ النسوة “ذوات أصواتٍ منددة قوية أكثر من اللازم”، يتمّ نبذهنّ، ويتعرضن للتخويف، والتهديد، والاختفاء القسري بل وحتى للقتل. ولَسْنَ وحدَهن الضحايا: إذ يُستهدف أطفالُهن وعائلاتُهن أيضًا. وفوق ذلك، تُستهدف المدافعاتُ عن حقوق المرأة على العموم بالعنف الجنسي أو بالتهديد بالاعتداءات الجنسية سعيًا لتخويفهنّ.

إن منصة منظمة العفو الدولية بعنوان دافعوا عن المدافعين تروي حكايات هؤلاء النساء الشُّجاعات اللاتي لا يتخلّينَ عن نضالهن حتى أمام التهديدات والعنف.

ماغدالينا سافيدرا، التي أفرج عنها بعد ما يزيد عن خمس سنوات في السجن، حيث تعرضت للاغتصاب والتعذيب على أيدي أفراد من القوات البحرية المكسيكية.

لن أتوقف عن النضال. لقد فعلت ذلك خلال فترة سجني لمدة 5 سنوات، ولن أتوقف الآن.

الترهيب والتهديدات

وفي واحدٍ من تلك الحوادث التي وقعت في أغسطس/آب، اعترض ثلاثة رجالٍ مسلحين سيارة أجرة كانت تقلّ أمادا مارتينيز، وهي عضوٌ في مجموعة “تيكوها سوس” من سكان باراغواي الأصليين، بينما كانت مع شقيقتها وأطفالها الصغار الثلاثة. وعندما توقفت، صوّب أحد الرجال فوهة البندقية نحو وجْهِ أمادا، واتهمها بأنها تتكلم كثيرًا، وحذّرها من أنها ستجد نفسها في يومٍ من الأيام وحدها على الطريق. وكانت أمادا تجهر في التعبير عن المعاناة التي يواجهها مجتمعها المحلي، الذي شرّد سكانه بسبب بناء محطة لتوليد الطاقة الكهرمائية. وكان الرجال المسلحون الثلاثة يرتدون زيّ عمال الشركة الكهرمائية.

وقبلها بشهر في شيلي، تعرضت محامية الدفاع كارينا ريكويلمي فيفيروس للترهيب على نحو مماثل بسبب عملها مدافعةً عن حقوق السكان الأصليين المابوتشي، عندما صوّب رجلان شعاع ضوء ليزري خلال نافذة منزلها، حيث تسكن مع ابنتها البالغة من العمر ستة أعوام. وفي اليوم الذي سبق، لاحظت مجموعةَ تخويفٍ من عملاء الاستخبارات التابعين للشرطة وهم يلتقطون صورًا لها في المحكمة حيث تعمل. وقد حدث ذلك خلال جلسة استماع ضد أفرادٍ من استخبارات الشرطة متَّهمين بمحاولة تلفيق تهمة لأعضاء مجموعة مابوتشي من السكان الأصليين بأنهم إرهابيون. وبعدها بأيام، عاد أحد العملاء إلى المحكمة متظاهرًا أنه واحدٌ من جمهور الحاضرين. ورغم أن المحكمة العليا الشيلية أمرت الشرطة بألا تتدخل في التمثيل القانوني خلال التحقيقات الجنائية، تخشى كارينا أن تتحول أساليبُ الترهيب هذه إلى هجمات عنيفة.

وليست أمادا مارتينيز وكارينا ريكويمي فيفيروس الوحيدتين من النساء اللواتي اكتشفنَ أن أطفال المدافعين عن حقوق الإنسان معرّضون لخطر التخويف؛ بل ويُستهدفون على نحوٍ خاص من أجل ممارسة الضغوط على آبائهم وأمهاتهم ففي نيسان/أبريل، داهمت الشرطة على نحوٍ غير قانوني منزلَ ابن ليليام لوبيز، رئيسة “المجلس المدني للمنظمات الشعبية ومنظمات السكان الأصليين في هندوراس”، والتقطت صورًا له. ولم تَعرف دائرةُ الشرطة المحلية بأنشطتهم.

التعرض للهجوم معالإفلات من العقاب

هناك قلقٌ عميقٌ حيال دور السلطات في الهجمات على المدافعين عن حقوق الإنسان. ففي يوليو/تموز، اتهم أحدُ أفراد القوات المسلحة الفنزويلية التابعة للدولة ليزا هينريتو، المدافعة عن حقوق مجموعة بيمون من السكان الأصليين في فنزويلا، بالخيانة خلال ظهورٍ لها في التلفزيون الوطني. كما دعا المسؤول قواتِ الجيش الفنزويلي أن تراقب أنشطة شعب بيمون – الذين لم تعترف الحكومةُ بحقوقهم في أراضيهم. وقد نظمت مجتمعاتُ بيمون حملاتٍ، ودعَوا للوقوف ضد التهديدات التي تتعرض لها حقوقهم في الأرض بسبب مشروع الحكومة الأخير الخاص بخط الطاقة، وبسبب عدم التشاور. وهم يشعرون بخشيةٍ من أن يكون المشروع مقدمةً لفتح مناجمَ جديدةٍ في المنطقة.

إن مَن يعتدون على المدافعين عن حقوق الإنسان يفعلون ذلك غالبًا مع الإفلات من العقاب: ذلك أن قليلاً من التحقيقات الجنائية في الهجمات على المدافعات يفضي إلى تحديد هوية المسؤولين أو محاكمتهم. ويشمل هذا الذين يأمرون بتنفيذ الاعتداءات. فعدم وجود عقوباتٍ على مرتكبي الجرائم يرسل رسالةً خطيرةً إلى المجتمع، مفادها أن المدافِعة عن المرأة يمكن أن يُعتدى عليها دونما خوفٍ من العقاب. ففي إكوادور، مثلاً، قذف رجلٌ مجهول الهوية الحجارة وهشّم نوافذ منزل باتريسيا غوالينغا، بينما كان يتوعّدها صارخًا بعبارات التهديد بالقتل. وباتريسيا هي زعيمة شعوب كيشو الأصلية في ساراياكو وعضوٌ في “تجمع نساء الأمازون، وتنادي ضد مشاريع استخراج النفط في مجتمعها المحلي. وقد عرقلت السلطات محاولاتِ باتريسيا للحصول على العدالة، برفضها أن تريها صور كاميرات المراقبة التي كان من شأنها المساعدة في التعرّف على الفاعل. وفي السنة الماضية، تعرضت ثلاث نساءٍ أخريات من المدافعات عن حقوق الإنسان من “تجمع نساء الأمازون” – وهنّ نيما غريفا وسالومي أراندا ومارغوث إسكوبار – لتهديداتٍ مماثلة.

أصوات يتم إسكاتها

لقد أُسيء استخدامُ نُظُم العدالة في الأمريكيتين من أجل مضايقة المدافعين عن حقوق الإنسان وإسكاتهم. ففي كولومبيا في أبريل/نيسان، احتجزت السلطاتُ سارة كوينونيز وأمها توليا ماريا فالنسيا، المدافعتين عن حقوق الكولومبيين من أصل افريقي، واتهمتْهما ب”التمرد”. ومنذ عام 2015 أُجبِرَت سارة مرتين على الانتقال إلى منزل جديد إثر تلقيها تهديداتٍ بسبب نشاطها. ويُستهدَف الدعاة المدافعون عن السكان الأصليين والكولومبيين من أصل أفريقي بانتظامٍ على نحو مثير للفزع في كولومبيا، بينما لا تتصدى الحكومة للتزايد الكبير في عمليات قتل المدافعين عن حقوق الإنسان في البلاد. إذْ يُقتل أحدُ الناشطين في كولومبيا كلّ ثلاثة أيام، حسب التقديرات.

إنّ تقاعس الحكومات عن حماية المدافعين عن حقوق الإنسان، وفي بعض الحالات إجراءاتها المتعمدة لاستهدافهم، تظهَر في الأحداث المصاحبة لوفاة بيرتا كاسيريس. فقد أفلحت بيرتا، وهي مدافعةٌ عن حقوق الإنسان البيئية في هندوراس وزعيمة من السكان الأصليين، في الضغط على كبرى شركات بناء السدود في العالم دافعةً إياها للانسحاب من مشروع في ريو غوالكاركيو، وهو ما كان من شأنه التأثيرُ بشدة على سُبل حصول سكان لينكا الأصليين على الرّزق وأعاق إمكانية حصولهم على الطعام والماء. وقد قُتِلت بيرتا في منزلها في عام 2016، بعدما تلقّت الكثيرَ من التهديدات بالقتل في الأعوام السابقة. ورغم التهديدات والهجمات السابقة التي تعرضت لها بيرتا، لم تكن تحت أي حماية يومَ مقتلها. ويُذكر أنّ توصياتٍ دوليةً قُدمت بضرورة أن توفّر الحكومةُ الهندوراسية الأمن على مدار الساعة، لكن الحماية المقدّمة كانت معدومةً على نحوٍ شديد.

التماس العدالة

بينما ترسم الأمثلة السابقة أعلاه صورةً كالحةً، هناك بصيصُ أملٍ في إمكانية محاسبة بعضٍ ممّن ارتكبوا الاعتداءاتِ بحق المدافعين عن حقوق الإنسان. وبعد عامين من وفاة بيرتا، يبدو أن تحقيق العدالة بالنسبة لها بات أخيراً في الأفق مع اعتقال تسعة أشخاص في قضية مقتلها، بمن فيهم أفرادٌ مرتبطون بالجيش الهندوراسي. ورغم ذلك، ستكون عمليةً بطيئة، ولن تتحقق العدالة تمامًا إلا عندما يتمّ التعرّف على الذين أَمروا بقتلها، ويُقدَّمون للمحاكمة.

غير أن بصيص الأمل هذا ليس كافيًا في محيطٍ الإفلاتُ فيه من العقاب ليس استثناءً بل القاعدة. ففي 28 يوليو/تموز، في غواتيمالا، أخطرَ جيران خوانا ريموندو الشرطة بعد أن عثروا على جثتها قرب نهر صغير يفصل بين مجتمعي نيباج وأكامبالام للسكان الأصليين. وقد نادت جوانا، وهي ممرضةٌ من المايا، بلا كللٍ، من أجل أن يتمكن المزارعون الفلاحون من الوصول إلى الأراضي ومن أجل التنمية الريفية. وما يزال قَتَلَتُها طلقاء.

وبغية حماية المدافعين عن حقوق الإنسان، لا بد من تطبيق إجراءات الحماية، ليس بالنسبة للأفراد فقط، بل بالنسبة للمجتمعات المحلية برمّتها، خصوصًا مجموعاتِ السكان الأصليين. وغالبًا ما يقع على كاهل النساء في المنطقة وعائلاتهن عبءُ تحملِ الهجمات التي ترمي إلى إسكات أصوات المدافعين ومنعِهم من القيام بعملهم المهم والأساسي. وطالما يستمر المدافعون والمدافعات عن حقوق الإنسان في التحدي بشجاعة والجهر بما يريدون قوله، فإنّ من واجب الحكومات في كل أرجاء المنطقة توفير الحماية لهم.