-
تقصي 33 غارة في أول تحقيق مفصَّل على جانبي جبهة القتال
-
مقتل وإصابة أكثر من 100 مدني وتشريد حوالي 100 ألف شخص
-
حظر توريد الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة يتعرض لانتهاكات من جانب الإمارات وتركيا وغيرهما من الأطراف التي تغذي ما يُحتمل أن تكون جرائم حرب
قالت منظمة العفو الدولية، في تقرير جديد صدر اليوم، إن الأطراف المتحاربة في القتال الدائر من أجل السيطرة على طرابلس مسؤولة عن قتل وإصابة عشرات المدنيين، من خلال شن هجمات دون تمييز، واستخدام عدد كبير من الأسلحة المتفجرة غير الدقيقة في المناطق الحضرية الآهلة بالسكان.
وفي أول تحقيق ميداني مفصَّل على جانبي الجبهة منذ اندلاع القتال في 4 إبريل/نيسان 2019، زار مندوبو منظمة العفو الدولية 33 موقعاً لضربات برِّية وجوِّية في طرابلس والمناطق المحيطة بها، واكتشفوا أدلة على ما يُحتمل أن تكون جرائم حرب ارتكبتها كل من قوات “حكومة الوفاق الوطني”، التي تساندها الأمم المتحدة، وقوات “الجيش الوطني الليبي”، المعلن ذاتيا، وهما طرفا القتال الدائر في مدينة طرابلس وحولها.
وتعليقاً على ذلك، قالت دوناتيلا روفيرا، كبيرة مستشاري برنامج الاستجابة للأزمات لدى منظمة العفو الدولية، “لقد كشف التحقيق الميداني الذي أجرته المنظمة على جانبي جبهة القتال عن استخفاف مستمر بالقانون الدولي، يتزايد من جراء الاستمرار في إمداد طرفي القتال بالأسلحة، في انتهاك للحظر الذي فرضته الأمم المتحدة”.
وقال برايان كاستنر، كبير مستشاري برنامج الأزمات المختص بالأسلحة والعمليات العسكرية: “لقد قُتل وأُصيب عشرات المدنيين نتيجة لجوء كلا الطرفين لاستخدام كل أنواع الأسلحة، من الصواريخ غير الموجَّهة التي تعود إلى عهد القذافي إلى الصواريخ الموجَّهة التي تُلقى من طائرات مُسيَّرة، وذلك في هجمات قد تُعد بمثابة جرائم حرب”.
أول تحقيق على جانبي جبهة القتال في طرابلس
تواجد محققو منظمة العفو الدولية في بعثة ميدانية في ليبيا خلال الفترة من 1 إلى 14 أغسطس/آب 2019، حيث زاروا مواقع على جانبي منطقة النزاع في طرابلس وحولها، وكذلك في مناطق تاجوراء وعين زارة وقصر بن غشير وترهونة، وأجروا مقابلات مع 156 من بينهم ضحايا وشهود وأقارب لضحايا، بالإضافة إلى بعض المسؤولين المحليين والعاملين في المجال الطبي وأفراد الميليشيات.
كما أجرى خبراء منظمة العفو الدولية في مجالات الاستشعار عن بعد، والأسلحة، والذخائر، والتحقق من صحة الصور ولقطات الفيديو، وأعضاء “فريق التحقق الرقمي” في المنظمة، تحقيقاً بشأن كثير من الهجمات من خلال فحص مصادر متاحة للاطلاع العام.
ولم يرد مسؤولو حكومة الوفاق الوطني و”الجيش الوطني الليبي” على الرسائل التي بعثت بها منظمة العفو الدولية، وتضمنت استفسارات عن الهجمات التي شنَّها الطرفان.
المدنيون في مرمى النيران
تفيد إحصاءات الأمم المتحدة بأن القتال على مدار الشهور الستة الماضية قد أسفر عن مقتل وإصابة ما يزيد عن 100 مدني، بينهم عشرات المهاجرين واللاجئين الذين كانوا معتقلين، بالإضافة إلى تشريد أكثر من 100 ألف شخص. وقد أصابت الضربات الجوية، ووابل نيران المدفعية، والقصف المدفعي، عدداً من منازل المدنيين ومرافق البنية الأساسية، ومن بينها عدة مستشفيات ميدانية ومدرسة ومركز لاحتجاز المهاجرين، كما أدت إلى إغلاق مطار معيتيقة، وهو المطار الدولي الوحيد العامل في طرابلس.
وكانت بعض الهجمات التي وثَّقتها منظمة العفو الدولية إما عشوائية أو غير متناسبة، مما يعني أنها تمثل انتهاكاً للمبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني، وقد تُعد بمثابة جرائم حرب. وفي حالات أخرى كان من شأن وجود مقاتلين داخل منازل مدنيين ومنشآت طبية، أو بالقرب منها أن يعرض حياة المدنيين هناك للخطر.
وكان من بين الذين قُتلوا أو أُصيبوا بشكل غير مشروع، أطفال لا تزيد أعمارهم عن عامين، كانوا يلعبون خارج منازلهم، ومعزُّون كانوا يشاركون في جنازة، وأشخاص عاديون كانوا يباشرون أشغالهم اليومية.
فقد قالت امرأة لباحثي منظمة العفو الدولية: “أي حرب تلك التي تقتل المدنيين والعائلات داخل بيوتهم؟ ماذا نفعل؟ كان الله في عوننا”. وكان زوجها، وهو أب لستة أطفال ويبلغ من العمر 56 عاماً، قد قُتل عندما سقط صاروخ على غرفة نومه حيث كان يستريح بعد أن عاد إلى البيت إثر انتهائه من لعب كرة القدم.
وكان سقوط هذا الصاروخ جزءاً من هجوم عشوائي شنَّته قوات “الجيش الوطني الليبي” على حي أبو سليم قبيل الساعة الحادية عشرة من مساء يوم 16 إبريل/نيسان 2019، حيث انهال سيل من ستة صواريخ من طراز “غراد”، وهي صواريخ تُطلق من الأرض وتفتقر إلى الدقة، على عدة بنايات في المدينة، مما أدى إلى مقتل ثمانية مدنيين، وإصابة ما لا يقل عن أربعة آخرين، فضلاً عما أصاب الناجين من أهوال الصدمة.
وشنَّت قوات “حكومة الوفاق الوطني” هجوماً بقذائف المدفعية على حي قصر بن غشير، في حوالي الساعة الثانية عشرة والربع من ظهر يوم 14 مايو/أيار 2019، وأصابت القذائف مبنى من ثلاثة طوابق، مما أدى إلى مصرع خمسة مدنيين على الأقل، وإصابة أكثر من 10 آخرين. وفي ذلك الوقت، كان كثير من الناس يتحركون في محيط المنطقة لحضور جنازة أحد الجيران المعروفين.
وفي مقابلة مع منظمة العفو الدولية، قال شقيق أحمد فتحي المزوغي، الذي قُتل في الهجوم، وكان يبلغ من العمر 19 عاماً:
“كنتُ في البيت وكان أخي يقف في الشارع أمام البيت. كانت الضربة هائلة، فقد طوَّحت سيارة في الهواء لتسقط فوق سيارة أخرى، وللحظة لف السواد كل شيء. خرجتُ مسرعاً إلى الخارج فوجدتُ كثيراً من الجيران قتلى وجرحى على الأرض، وكانت هناك عدة أشلاء. كان منظراً مروعاً. ثم وجدنا أخي، كان مصاباً بجروح في كل جسمه، وقد توفي. لم أستطع أن أصدق ذلك”.
كما أُصيب عدد من منازل المدنيين والمرافق الأساسية من جراء الضربات الجوية التي شنَّتها قوات “حكومة الوفاق الوطني” في قصر بن غشير وترهونة، واستخدمت فيها قنابل من طراز “إف إيه بي” زنة 500 كيلوغرام، وهي قنابل غير موجَّهة، ويُطلق عليها اسم “قنابل الباراشوت”. ولما كان تأثير انفجار هذا النوع من القنابل يمتد إلى دائرة نصف قطرها أكثر من 800 متر، فإنه غير ملائم بالمرة للاستخدام في المناطق الحضرية.
هجمات على المطار والمستشفيات الميدانية
أُغلق مطار معيتيقة، الذي ظل لأشهر المطار الوحيد العامل في طرابلس، وذلك بعد أن استهدفته مراراً هجمات “الجيش الوطني الليبي”. كما أُصيبت بعض منازل المدنيين، ومدرسة بالقرب من المطار، فيما يبدو، أنها هجمات عشوائية. وقد فحص خبراء منظمة العفو الدولية حفراً وشظايا ذخائر في عدد من مواقع الهجمات، وهي تشير إلى استخدام أسلحة متفجرة واسعة التأثير وغير موجَّهة.
كما أسفرت هجمات “الجيش الوطني الليبي” عن تدمير بعض سيارات الإسعاف والمستشفيات الميدانية التي تُستخدم لعلاج الجرحى من المقاتلين، أو عن إلحاق أضرار بها. ويُذكر أن طواقم العاملين في المجال الطبي والمنشآت الطبية، بما في ذلك تلك التي تتولى علاج المرضى أو الجرحى من المقاتلين، تتمتع بحماية خاصة بموجب القانون الدولي الإنساني، ويجب ألا تكون هدفاً للهجمات. وقد توصلت منظمة العفو الدولية إلى أن مقاتلي “حكومة الوفاق الوطني” قد استخدموا بعض المستشفيات الميدانية والمنشآت الطبية لأغراض عسكرية، مما جعلها عرضةً للهجمات.
وكانت أشد هذه الضربات هجوماً صاروخياً على مستشفى ميداني بالقرب من مطار طرابلس الدولي المغلق، يوم 27 يوليو/تموز 2019، مما أسفر عن مصرع خمسة من الأطباء والممرضين والمسعفين وإصابة ثمانية آخرين. وقد عُثر في موقع الهجوم على شظايا صاروخ من طراز “بلو أرو 7” وأدلة أخرى، وبناءً عليها توصلت منظمة العفو الدولية إلى أن الهجوم شُنَّ من طائرة مسيَّرة صينية الصنع من طراز “وينغ لونغ”، التي تقوم دولة الإمارات العربية المتحدة بتشغيلها لحساب “الجيش الوطني الليبي”. وتوصلت المنظمة أيضاً إلى أن مبنى المستشفى لم يكن مميزاً بعلامات تدل على أنه منشأة طبية، كما كان المقاتلون يستخدمونه لتناول الطعام ولأغراض أخرى.
انتهاك حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة
بالرغم من الحظر الشامل الذي فرضته الأمم المتحدة على توريد الأسلحة إلى ليبيا منذ عام 2011، فقد واصلت تركيا والإمارات نقل أسلحة بصورة سرية، بالإضافة إلى الدعم العسكري المباشر، إلى كل من “الجيش الوطني الليبي”، و”حكومة الوفاق الوطني”، على التوالي.
وقال برايان كاستنر: “يجب على المجتمع الدولي احترام وتعزيز حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة، وهو الحظر الذي تنتهكه بشكل صارخ دول مثل تركيا والإمارات والأردن وغيرها”.
وقالت دوناتيلا روفيرا: “ينبغي على جميع الأطراف أن تتخذ فوراً خطوات محددة لحماية المدنيين بما يتماشى مع قوانين الحرب، وأن تجري تحقيقات بخصوص مسلك قواتها. ويجب تشكيل لجنة تحقيق لتمهيد الطريق إلى تحقيق العدالة، ومنح تعويضات للضحايا وعائلاتهم”.
واختتمت دوناتيلا روفيرا قائلة: “يجب على الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن تعمل معاً لتشكيل هذه الآلية باعتبار ذلك أمراً ملحَّاً، من شأنه تحديد المسؤولية عن الانتهاكات والحفاظ على الأدلة التي تثبت الجرائم”.