ميانمار: بعد مضي عامان على التهجير الجماعي للروهينيغيا، أصبح الإفلات من العقاب هو الأمر السائد بالنسبة للجيش

مع التهديد بالإعادة إلى ميانمار، تلوح في الأفق مرة أخرى أزمة لاجئي الروهينيغيا في بنغلاديش، فقد حذرت منظمة العفو الدولية من أن ولاية أراكان لا تزال غير آمنة؛ بينما يستمر المسؤولون عن ارتكاب الفظائع تفادي مواجهة العدالة.

يوافق يوم الأحد هذا مرور عامين منذ إطلاق جيش ميانمارعملياته العسكرية في ولاية أراكان التي أجبرت أكثر من 740 ألفاً من النساء والرجال والأطفال الروهينيغيا على الفرار من ديارهم وقراهم. فقد تميزت الحملة المروعة بارتكاب فظائع واسعة النطاق، والتي وصفها فريق تحقيق تابع للأمم المتحدة بإنها ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، ومن المحتمل أن تكون إبادة جماعية.

وعلى الرغم من الغضب الدولي، واعتماد قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لمتابعة إجراء عملية المساءلة في ميانمار، فإن الجنرالات الذين أشرفوا على الهجمات على الروهينيغيا لا يزالون في مناصبهم. في يناير/كانون الثاني 2019ــ قامت منظمة العفو الدولية بتوثيق كيفية قيام الجيش بارتكاب جرائم حرب جديدة أثناء النزاع مع جيش أراكان في ولاية أراكان. 

وقال نيكولاس بيكيلين، مدير المكتب الإقليمي لشرق وجنوب شرق آسيا  في منظمة العفو الدولية: “لقد أثار الاقتراح الذي تقدمت به بنغلاديش وميانمار مؤخراً لإعادة آلاف الروهينيغيا إلى وطنهم مخاوف على نطاق واسع في مخيمات اللاجئين. فلا تزال ذكريات القتل والاغتصاب والقرى المشتعلة ماثلة في أذهان اللاجئين الروهينيغيا. “ وفي ظل وجود قوة عسكرية في ميانمار قوية ولا تتسم بالرحمة، كما كانت دائمًا، لا يزال الوضع غير آمن لأي شخص حتى يعود إلى أراكان

“فهذه الذكرى الكئيبة ما هي إلا تذكير صارخة بتقاعس مجلس الأمن الدولي عن الوقوف إلى جانب الناجين، وتقديم مرتكبي الفظائع الجماعية إلى العدالة. “ويجب على مجلس الأمن إحالة الوضع في ميانمار على وجه السرعة إلى المحكمة الجنائية الدولية، وفرض حظر شامل على الأسلحة “.

كابوس ماثل على جانبي الحدود

يواصل الروهينيغيا التعرض للحرمان من حقوقهم على جانبي الحدود بين ميانمار وبنغلاديش. ففي ميانمار، يعيش مئات الآلاف من الروهينيغيا في ظل نظام الفصل العنصري، الذي يقتصر على المخيمات المكتظة، وقرى “السجون” حيث يُحرمون من حرية التنقل، وإمكانيات محدودة للوصول إلى المدارس، والرعاية الصحية.

ويسيطر الجيش بإحكام على طرق الوصول إلى ولاية أراكان، مما يعني أن الإشراف الدولي لمراقبة أي شخص يتم إعادته سيكون أمرًا شديد الصعوبة. وفي خلال الشهرين الماضيين، فرضت السلطات تعتيمًا على الاتصالات السلكية واللاسلكية على ولاية أراكان الشمالية والوسطى، وعزلت تلك المناطق بصورة أكبر.
 وأدى التطهير القاتل الذي قام به الجيش لمئات من قرى الروهينيغيا في ولاية أراكان الشمالية في أواخر 2017 إلى مقتل ما لا يقل عن 10000 من الروهينيغيا، رجالًا ونساء وأطفالًا، وفقًا لتقدير صادر عن بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة، وأجبر أكثر من 740 ألف شخص على الفرار عبر الحدود إلى بنغلاديش، حيث لا يزالون هناك اليوم. في يونيو/ حزيران 2018، ذكر تقرير منظمة العفو الدولية  أسماء 13 مسؤولاً في قوات الأمن – يشمل  تسلسل القيادة حتى اللواء رفيع المستوى مين من أونغ هلينج – الذين يجب التحقيق معهم، ومحاكمتهم على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وقام الاتحاد الأوروبي  بفرض عقوبات مستهدفة على 11 من أصل 13 مسؤولاً ممن ذكروا في ذلك التقرير.

وفي مايو 2019، وثقت منظمة العفو الدولية  كيفية شن جيش ميانمار عمليات جديدة في ولاية أراكان، بعد الهجمات المنسقة على مراكز الشرطة على أيدي جيش أراكان، وهو جماعة مسلحة من أصل أراكاني. واشتمل الرد العسكري على هجمات غير قانونية أسفرت عن مقتل أو إصابة مدنيين، وعمليات إعدام خارج نطاق القضاء، وعمليات اعتقال تعسفي، والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، والاختفاء القسري. ويرقى العديد من هذه الانتهاكات إلى جرائم حرب.

ويعيش في بنغلاديش أكثر من 910 آلاف من الروهينيغيا، من بينهم الذين فروا من موجات العنف السابقة، في مخيمات اللاجئين حيث يحرمون غالباً من حقوقهم الأساسية. وتفرض حكومة بنغلاديش قيودًا صارمة على حياتهم – فهم لا يستطيعون العمل أو التنقل بحرية، ولا يستطيع الأطفال الذهاب إلى المدرسة.

منذ التوقيع على ترتيبات الإعادة إلى الوطن في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أعلنت حكومتا بنغلاديش وميانمار في عدة مناسبات عن خطط للبدء في إعادة لاجئي الروهينيغيا إلى ميانمار. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، تم إلغاء خطط الإعادة إلى الوطن في خضم الاحتجاج الدولي بسبب عدم استشارة الروهينيغيا، وتقاعس ميانمار عن ضمان توفير بيئة آمنة للعودة.

وفي 15 أغسطس/آب، أعلنت الحكومتان مرة أخرى عن خطط الإعادة للوطن، قائلتين إنهما اتفقتا على إعادة 3450 لاجئ من الروهينيغيا. وقالت سلطات بنغلاديش إن عمليات الإعادة لن تحدث إلا إذا كانت آمنة وطوعية وكريمة؛ ولكن لم يتم استشارة الروهينيغيا مرة أخرى بشكل صحيح. علاوة على ذلك، فإن تقاعس سلطات ميانمار عن ضمان إجراء المساءلة عن الجرائم الفظيعة، وإزالة نظام الفصل العنصري، يعني أن الوضع يحول دون العودة الآمنة والكريمة.

“أما بالنسبة لبقية الروهينيغيا، فإن ولاية أراكان ليست سوى سجن كبير. ولم تفعل سلطات ميانمار شيئًا يذكر لتصحيح الوضع، بل إنها في الواقع تواصل ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وأضاف نيكولاس بيكيلين قائلاً “يجب على الجهات المانحة الدولية، بما في ذلك الحكومات الإقليمية، التأكد من أنها لا تسهل ارتكاب الجرائم المستمرة، وبدلاً من ذلك عليها أن تضغط على ميانمار لاستعادة حقوق الروهينيغيا، بما في ذلك حقوق المواطنة”.

“وفي الوقت نفسه، يجب على المجتمع الدولي العمل مع بنغلاديش لدعم لاجئي الروهينيغيا لإعادة بناء حياتهم بشكل كريم. ولا ينبغي اتخاذ أي قرارات بشأن مستقبل الروهينيغيا دون إجراء التشاور المناسب مع الروهنيغيا أنفسهم “.

ولا يزال المجتمع الدولي يخذل الروهينيغيا – ويتقاعس عن ضمان تحقيق العدالة

في 27 سبتمبر/أيلول 2018، تبنى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قراراً لإنشاء آلية للمساءلة لجمع وحفظ الأدلة على ارتكاب جرائم حرب بموجب القانون الدولي في ميانمار. وتضمنت جهود المساءلة الأخرى فرض عقوبات محددة على المسؤولين العسكريين من قبل العديد من الدولة والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى الطلب من مدعي المحكمة الجنائية الدولية لفتح تحقيق في الجرائم، التي تقع ضمن اختصاص المحكمة، المرتكبة ضد السكان الروهينيغيا منذ أكتوبر/تشرين الأول 2016.

ولقد رحبت منظمة العفو الدولية بهذه الخطوات نحو إجراء المساءلة، لكنها تواصل الدعوة إلى إحالة الوضع في ميانمار إلى المحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك جميع الجرائم الفظيعة ضد الروهينيغيا ، فضلاً عن جرائم الحرب المستمرة ضد الأقليات العرقية في ولايات كاشين وأراكان و شان . 

واختتم نيكولاس بيكيلين قائلاً: “لن يتحسن وضع الروهينيغيا، والأقليات العرقية الأخرى المضطهدة في ميانمار حتى يواجه جيش ميانمار العدالة عن جرائمه المروعة”.

“يجب أن تسير الاستجابة الإنسانية لمساعدة الروهينيغيا في إعادة بناء حياتهم جنبًا إلى جنب مع السعي القوي لإجراء عملية المساءلة. فقد خذل المجتمع الدولي مراراً وتكراراً الروهينيغيا في الماضي – ويجب ألا يفعل ذلك مرة أخرى”.