لا بد من إطلاق سراح اللاجئين والمهاجرين المحتجزين وإجلائهم
قالت منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية والمجلس الأوروبي للاجئين والمنفيين اليوم إنه يتعين على وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، المجتمعين في العاصمة البلجيكية بروكسل في 15 يوليو/تموز 2019، إصدار نداء واضح للسلطات الليبية يحثونها فيه على إغلاق مراكز احتجاز المهاجرين في ليبيا. ويتعيّن على وزراء الاتحاد الأوروبي الالتزام باسم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بتيسير إجلاء المحتجزين إلى أماكن آمنة، بما في ذلك خارج ليبيا وإلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وقالت جوديث سندرلند، المديرة المساعدة لقسم أوروبا وآسيا الوسطى بمنظمة هيومن رايتس ووتش إن “التصريحات المعبرة عن الاستنكار والتنديد بالأخطار والظروف المروعة التي يرزح تحت وطأتها المحتجزون وسط القتال الدائر في طرابلس لا تعدو أن تكون عبارات عقيمة جوفاء ما دامت غير مصحوبة بإجراءات عاجلة لإنقاذ الأشخاص والنأي بهم عن مواطن الأخطار”. وحثت جوديث سندرلند حكومات الاتحاد الأوروبي على “تقديم دعم ملموس للسلطات الليبية لإغلاق جميع مراكز احتجاز المهاجرين، واتخاذ إجراءات فورية للمساعدة في إجلاء أضعف هؤلاء المهاجرين وأحوجهم للحماية من المخاطر”.
التصريحات المعبرة عن الاستنكار والتنديد بالأخطار والظروف المروعة التي يرزح تحت وطأتها المحتجزون وسط القتال الدائر في طرابلس لا تعدو أن تكون عبارات عقيمة جوفاء ما دامت غير مصحوبة بإجراءات عاجلة لإنقاذ الأشخاص والنأي بهم عن مواطن الأخطار
جوديث سندرلند، المديرة المساعدة لقسم أوروبا وآسيا الوسطى بمنظمة هيومن رايتس ووتش
ولقد أبدت السلطات الليبية استعدادها لإطلاق سراح المحتجزين في مراكز الاحتجاز الرسمية، في أعقاب الهجوم المميت على مركز احتجاز تاجوراء في وقت سابق من شهر يوليو/تموز. وفي 10 يوليو/تموز، قالت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية المنتهية ولايتها فيديريكا موغريني إن “النظام الحالي لاحتجاز المهاجرين في ليبيا لا بد أن ينتهي“. وقد أعربت مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان عن استيائها من “الظروف المروعة” في مراكز الاحتجاز في 7 يونيو/حزيران، مناشدةً السلطات الليبية والمجتمع الدولي “الإفراج فوراً” عن جميع المهاجرين وطالبي اللجوء المحتجزين في مراكز الاحتجاز بطرابلس.
غير أن حكومات الاتحاد الأوروبي لم تحرص قط على جعل دعمها للسلطات الليبية مشروطاً بإغلاق مراكز الاحتجاز وإطلاق سراح الآلاف من الأشخاص المحتجزين فيها بدون سبب قانوني؛ وإنما أصرت بدلاً من ذلك على أن تؤدي المساعدات الإنسانية التي يمولها الاتحاد الأوروبي إلى تحسن الأوضاع المعيشية في مراكز الاحتجاز، بالرغم من غياب أي دليل على أي تحسن من هذا القبيل. بل إن هذه الحكومات استمرت في مساعدة خفر السواحل الليبي في إعادة المهاجرين الذين تعترض السلطات قواربهم في عرض البحر إلى حيث يُعتَقلون لأجل غير مسمى في ليبيا. وفي بيان مشترك جديد للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة الهجرة الدولية، صدر في 11 يوليو/تموز، طالبت المنظمتان بأن تكون كافة أشكال التمويل والمساعدة مشروطة بإغلاق مراكز الاحتجاز، مع بعض المقترحات التي تسمح بإطلاق سراح المحتجزين على الفور.
وقد تفاقمت الأوضاع المزرية في مراكز احتجاز المهاجرين الخاضعة اسمياً لسيطرة حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، التي تحظى باعتراف الأمم المتحدة، وازدادت هذه الأوضاع سوءاً على سوء منذ أن بدأت القوات التي يقودها الجنرال خليفة حفتر هجومها على طرابلس في أوائل أبريل/نيسان. ففي مساء 2 يوليو/تموز، لقي 53 شخصاً حتفهم وأصيب ما لا يقل عن 130 آخرين بجروح عندما تعرض مركز احتجاز تاجوراء الذي يقع داخل منشأة عسكرية جنوب شرقي طرابلس لقصف جوي. وكان اثنان من المحتجزين في هذا المركز نفسه قد أصيبا في قصف سابق في 7 مايو/أيار، إذ وقعت غارة جوية على مسافة لا تتجاوز 100 متر من المركز. وفي 9 يوليو/تموز، أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن السلطات الليبية قد سمحت للناجين المحتجزين في مركز احتجاز تاجوراء بالرحيل عن المركز، ولو أنها – فيما يبدو – لم تقدم لهم مساعدة كافية لدى إطلاق سراحهم؛ ولم تُتِح لهم الفرصة لمغادرة البلاد طلباً للأمان في بلد آخر إن شاؤوا ذلك. وفي أواخر أبريل/نيسان، اعتدى رجال مسلحون على المحتجزين في مركز الاحتجاز بمنطقة قصر بن غشير، على مسافة نحو 24 كيلومتراً جنوبي طرابلس. ولم تتضح بعد الجهة المسؤولة عن هذين الهجومين، ولا بد من إجراء تحقيقات مستقلة ذات مصداقية لتحديد المسؤولية عنهما.
وفي مراكز أخرى بالعاصمة طرابلس وما حولها، أدى القتال إلى انقطاع إمدادات الماء والغذاء وتدهور الأوضاع الصحية، فضلاً عن تضييق سبل الوصول إلى المحتجزين أمام المنظمات الإنسانية ووكالات الأمم المتحدة التي تقدم الرعاية الحيوية لهم. وحتى بداية يوليو/تموز، قامت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بنقل 1630 شخصاً من مراكز الاحتجاز الواقعة على جبهة القتال إلى مرفق التجمع والمغادرة التابعة لها، في طرابلس أيضاً، وكذلك إلى سائر مراكز الاحتجاز الليبية في مناطق تعتبر أكثر أماناً. وتقدِّر المفوضية عدد المحتجزين في مراكز احتجاز المهاجرين بالقرب من مناطق الصراع بنحو 3800، في حين يُقدَّر إجمالي عدد المحتجزين بـنحو 5800 حتى 21 يونيو/حزيران. وتجدر الإشارة إلى أن القانون الليبي يجيز احتجاز أي مهاجر أو طالب لجوء أو لاجئ لا يحمل أي وثائق دون أن تُتاح له أي فرصة له للطعن في قانونية احتجازه، وهو الأمر الذي يجعل مثل هذا الاحتجاز تعسفياً.
وأكدت منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية والمجلس الأوروبي للاجئين والمنفيين على ضرورة إطلاق سراح جميع الأشخاص المحتجزين على نحو تعسفي في المنشأت التابعة لحكومة الوفاق الوطني، وإغلاق تلك المراكز؛ ونظراً للمخاطر التي يواجهها الأجانب في ليبيا، فمن الضروري أن تسعى حكومة الوفاق الوطني بالتعاون مع الوكالات الدولية والاتحاد الأوروبي لتقديم مساعدات إنسانية فورية إلى المحتجزين المطلق سراحهم، وإنشاء ممرات إنسانية لإيصالهم إلى مناطق آمنة.
كما يجب على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ضمان إتاحة طرق آمنة وممرات منتظمة إلى خارج ليبيا أمام من يتم إجلاؤهم من مراكز الاحتجاز، ومن بين سبل تحقيق ذلك التعهد بإعادة توطين المزيد من هؤلاء المهاجرين واللاجئين، وتسريع وتيرة الإجراءات المتبعة للسماح للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بزيادة عمليات الإجلاء إلى مركز العبور التابع لها في النيجر أو إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مباشرة؛ فمنذ مطلع أبريل/نيسان، لم يتسنَّ للمفوضية إجلاء سوى 289 شخصاً إلى النيجر و295 آخرين إلى إيطاليا – وهي الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي وافقت حتى الآن على استقبال طالبي اللجوء مباشرة من ليبيا. ويجدر بالدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي هي الأخرى دعم جهود الإجلاء والتعهد بإعادة توطين طالبي اللجوء.
إن الهجوم المروع الذي تعرض له مركز احتجاز تاجوراء في الأسبوع الماضي قد أظهر مرة أخرى الأخطار البالغة المحدقة بالمحتجزين من النساء والرجال والأطفال في ليبيا
ماتيو دي بليس، الباحث المعني بالهجرة وطلب اللجوء في منظمة العفو الدولية
وقال ماتيو دي بليس، الباحث المعني بالهجرة وطلب اللجوء في منظمة العفو الدولية: “إن الهجوم المروع الذي تعرض له مركز احتجاز تاجوراء في الأسبوع الماضي قد أظهر مرة أخرى الأخطار البالغة المحدقة بالمحتجزين من النساء والرجال والأطفال في ليبيا؛ وبدلاً من غض الطرف عما يقاسيه اللاجئون والمهاجرون من الظروف غير الإنسانية والتعذيب والاغتصاب وغيره من المضايقات والأذى في مراكز الاحتجاز في ليبيا، يجب على حكومات الاتحاد الأوروبي المسارعة إلى إنشاء ممرات آمنة لإجلائهم عن ليبيا بصورة عاجلة، وضمان عدم إعادة من يتم إنقاذهم في وسط البحر المتوسط إلى ليبيا”.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية والمجلس الأوروبي للاجئين والمنفيين إن من بين ما أسهم في تفاقم الأوضاع المزرية للمهاجرين واللاجئين قيام مؤسسات ودول الاتحاد الأوروبي بإسناد عمليات مراقبة الهجرة إلى السلطات الليبية، وتخلي الاتحاد الأوروبي بالإجماع عن مسؤوليته عن عمليات الإنقاذ في عرض البحر. وقد ذكرت المنظمة الدولية للهجرة أن خفر السواحل الليبي المدعوم من الاتحاد الأوروبي قام باعتراض 3750 من المهاجرين في عرض البحر وإعادتهم إلى ليبيا حتى 6 يوليو/تموز. وخلال تلك الفترة نفسها، وصل 4068 شخصاً إلى الشواطئ الإيطالية والمالطية، بينما لقي 426 شخصاً حتفهم في وسط البحر المتوسط.
وتشير التقديرات إلى أن العدد الإجمالي لمن لقوا حتفهم في مياه البحر المتوسط خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2019 بلغ 667 شخصاً، وبينت حسابات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن واحداً من بين كل ستة أشخاص قد لقي حتفه أثناء محاولته الوصول إلى أوروبا، مقارنةً بنسبة واحد من بين كل 18 شخصاً خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
وبالرغم من أن الإجماع الدولي منعقد على أن ليبيا لا يمكن اعتبارها بلداً آمناً يجوز إعادة المهاجرين إليه، فإن العديد من حكومات ومؤسسات الاتحاد الأوروبي قد أيدت سياسة تقضي بتمكين السلطات الليبية من بسط سيطرتها على مساحة شاسعة للبحث والإنقاذ، مع سحب القوات الأوروبية من منطقة وسط البحر المتوسط، والمشاركة في المساعي المبذولة لعرقلة أو تجريم منظمات الإنقاذ غير الحكومية التي تحاول النهوض بعبء مسؤولية الإنقاذ في غياب أي استجابة فعالة من جانب الدول، أو التأييد الضمني لهذه المساعي.
وهذه السياسة تضع ربابنة السفن الذين يقدمون على إنقاذ المهاجرين في عرض البحر المتوسط في وضع لا يمكن الدفاع عنه؛ إذ تشجعهم الحكومات الأوروبية بشكل مباشر أو غير مباشر على إنزال المهاجرين في ليبيا بالرغم من أن ذلك خرق واضح للقانون الدولي.
ولقد تعثرت المفاوضات الدائرة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لمعالجة هذه القضية من خلال اتفاق لتقاسم المسؤولية عن إنزال الأشخاص الذين يتم إنقاذهم في عرض البحر وإعادة توطينهم، مما أدى إلى إبرام اتفاقات مخصصة لتسوية المواجهات مع سفن الإنقاذ غير الحكومية، بل حتى سفن خفر السواحل والسفن التجارية، في الوقت الذي تواصل فيه إيطاليا انتهاج سياسة بالغة القسوة تتمثل في “إغلاق الموانئ”.
وفي مارس/آذار، نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية خطة عمل من أجل إنشاء نظام عادل يمكن التنبؤ به للإنقاذ في البحر المتوسط. وتقترح هذه الخطة القائمة على توصيات المجلس الأوروبي للاجئين والمنفيين وضع نظام مؤقت يضمن إنزال الأشخاص الذين يتم إنقاذهم في عرض البحر على وجه السرعة وفقاً للقانون الدولي، إلى جانب نظام منصف لتقاسم المسؤوليات من خلال إعادة التوطين.
وقالت كاثرين وولارد، الأمينة العامة للمجلس الأوروبي للاجئين والمنفيين: “بينما تقف المنظمات الدولية ووكالات الاتحاد الأوروبي والمدن ومنظمات المجتمع المدني على أهبة الاستعداد لتقديم الدعم التنفيذي، يتعين وبصورة عاجلة، بل ويمكن، التوصل لاتفاق بين الدول الأوروبية، ويجب على المفوضية الأوروبية والرئاسة الفنلندية للاتحاد الأوروبي أن تركز جهودها على تيسير السبل لإبرام مثل هذا الاتفاق، بدلاً من الترويج لحلول زائفة تشمل دول شمال إفريقيا. وبمقدور منظمة الهجرة الدولية والاتحاد الإفريقي وقطاع النقل البحري استخدام نفوذها لإقناع الدول الأوروبية بهذا النهج. واتخاذ الخطوات المشار إليها من شأنه أن يسهم في إنقاذ الأرواح وتحسين الأوضاع في ليبيا”.