قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن السلطات المصرية قد كثَّفت حملتها القمعية على نشطاء المعارضة قبل الانتخابات الرئاسية القادمة في عام 2018، فقبضت على ما لا يقل عن 36 شخصاً في 17 محافظة، وهم ينتمون إلى خمسة من أحزاب المعارضة والجماعات السياسية الشبابية. وقُبض على كثيرين من هؤلاء فيما يتصل بتعليقات عن الانتخابات نشروها على الإنترنت.
ومن بين الذين تعرضوا للقبض المرشح الرئاسي السابق والمحامي البارز في مجال حقوق الإنسان خالد علي، الذي احتُجز أمس وأُفرج عنه بكفالة اليوم، وسوف يواجه المحاكمة يوم الاثنين، 29 مايو/أيار 2017، بتهمة “خدش الحياء العام”. وفي حالة إدانته قد يُحكم عليه بالسجن لمدة تصل إلى سنة أو بغرامة مالية، كما سيُحرم من الترشح في الانتخابات الرئاسية. وكان خالد علي قد صرح، في فبراير/شباط 2017، أنه يفكر في خوض الانتخابات الرئاسية مجدداً في عام 2018.
وتعليقاً على ذلك، قالت نجية بونعيم، مديرة الحملات لشمال إفريقيا بمكتب تونس الإقليمي لمنظمة العفو الدولية، إنه “بالرغم من أنه من المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية في عام 2018، فإن السلطات المصرية تبدو عازمة على استباقها بقمع أي منافسين محتملين حتى يتسنى لها الإبقاء على الإمساك بمقاليد الحكم”.
من الواضح أن هناك دوافع سياسية وراء القبض على خالد علي ومحاكمته
نجية بونعيم، مديرة الحملات لشمال إفريقيا بمكتب تونس الإقليمي لمنظمة العفو الدولية
ومضت نجية بونعيم قائلةً: “من الواضح أن هناك دوافع سياسية وراء القبض على خالد علي ومحاكمته. ومن ثم، يجب على السلطات المصرية إسقاط التهمة العبثية الموجهة إليه ووقف حملة التشهير ضده”.
ويُذكر أن خالد علي من مؤسسي “حزب العيش والحرية”، الذي كان أعضاؤه ضمن من استهدفتهم حملة القبض.
وقد استدعت النيابة خالد علي أولاً للتحقيق معه يوم 23 مايو/أيار 2017. وفي تصريحات لمنظمة العفو الدولية، قال محاميه نجاد البرعي، الذي حضر جلسة التحقيق، إن موكله اتُهم بإبداء إشارات بيديه تمثل “خدشاً للحياء العام”. وتتعلق التهمة بصورة يظهر فيها خالد علي وهو يحتفل مع مؤيديه خارج مبنى المحكمة الإدارية العليا، بعد أن كسب قضية بارزة، حيث حكمت المحكمة ببطلان قرار الحكومة بالتنازل عن جزيرتين في البحر الأحمر للمملكة العربية السعودية.
وقال المحامي إن النيابة رفضت إطلاعه على نسخة من ملف القضية، أو على صور الفيديو المقدمة كدليل ضد موكله.
وقد أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع 13 محامياً، وأربعة من الباحثين في مجال حقوق الإنسان، و14 من الأهالي بخصوص الحملة التي استهدفت أعضاءً في أحزاب سياسية، وجماعات معارضة، ونشطاء سياسيين، من أماكن شتى في البلاد خلال الأسابيع الأخيرة، بعدما انتقدوا الرئيس عبد الفتاح السيسي في تعليقات على مواقع الإنترنت.
ولا يزال 26 شخصاً، على الأقل محتجزين، بعدد من التهم المبهمة التي تتعلق بمكافحة الإرهاب، ومن بينها الانتماء إلى جماعات تسعى للإطاحة بنظام الحكم، وفي بعض الحالات “إهانة رئيس الجمهورية” من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، و”إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”. وقد أُفرج عن اثنين آخرين بكفالة، وعن ستة بدون كفالة، وذلك على ذمة التحقيق في التهم نفسها. وقد يُحكم عليهم، في حالة إدانتهم، بالسجن لمدد تتراوح بين خمس سنوات و25 سنة. كما قبضت قوات الأمن على اثنين آخرين من أعضاء “حزب الدستور”، يوم 24 مايو/أيار 2017، ولكن لا يُعرف مكانهما حتى الآن.
وقالت نجية بونعيم: “إن الحملة على النشطاء السياسيين هي مؤشر آخر على أن السلطات المصرية ترغب في القضاء على أية معارضة سلمية وخنق الرؤى البديلة، بدلاً من السماح للمصريين بأن يكون لهم رأي في مستقبلهم”.
وأضافت نجية بونعيم قائلة: “ينبغي على السلطات المصرية وقف الحملة الحالية المتمثلة في القبض على نشطاء سلميين ومحاكمتهم”.
ينبغي على السلطات المصرية وقف الحملة الحالية المتمثلة في القبض على نشطاء سلميين ومحاكمتهم
نجية بونعيم
وفي مقابلات مع منظمة العفو الدولية، قال أربعة من المحاميين المعنيين بحقوق الإنسان الذين يمثلون تسعة من المتهمين إن الأدلة المقدمة ضد موكليهم شملت تعليقات على موقع “فيسبوك”، وملصقات ولافتات سياسية قديمة “تم العثور عليها في منازلهم”.
وشملت الحملة إلقاء القبض على نشطاء سياسيين في محافظات: القاهرة، والإسكندرية، وبورسعيد، والإسماعيلية، والسويس، ودمياط، والشرقية، والغربية، وكفر الشيخ، والدقهلية، وبني سويف، والمنيا، والفيوم، وقنا، والأقصر، وأسيوط، وأسوان.
وفي 29 حالة على الأقل، اقتحم أفراد من “قطاع الأمن الوطني” منازل النشطاء في ساعات مبكرة من الصباح، واحتجزوهم لعدة ساعات، وحققوا معهم في غياب محاميهم.
وقالت نجية بونعيم: “إن ما تتسم به الحملة ضد النشطاء السياسيين من طابع منظم وواسع النطاق يجعلها أشد ضراوة”.
ومضت نجية بونعيم تقول: “إن السلطات تستخدم القانون القمعي لمكافحة الإرهاب بشكل مخجل في القبض على شباب من النشطاء السياسيين بسبب تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي تنتقد الرئيس عبد الفتاح السيسي ليس إلا”.
ومن بين المقبوض عليهم سبعة من الأعضاء الحاليين والسابقين في “حركة شباب 6 إبريل”، وهي حركة سياسية برزت خلال ثورة 25 يناير. ويُذكر أن اثنين من مؤسسي الحركة سبق أن تعرضوا للسجن لمدة ثلاث سنوات، في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، وهما حالياً تحت مراقبة الشرطة لمدة ثلاث سنوات أخرى. كما كان من بين المقبوض عليهم أربعة من أعضاء “حزب الدستور”، وهو حزب سياسي تأسس في عام 2012، وعضو في “حزب التحالف الشعبي الاشتراكي”، بالإضافة إلى عضو في “التيار الشعبي”، وهو حزب سياسي تحت التأسيس وكان من مؤيدي المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي في الانتخابات الرئاسية عام 2014، حيث كان منافساً للرئيس عبد الفتاح السيسي.
وفي 19 مايو/أيار 2017، أصدرت وزارة الداخلية على صفحتها على موقع “فيسبوك” بياناً ذكرت فيه أنها تمكنت من ضبط 40 قضية تتصل “بجرائم الإنترنت”، من بينها استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في “التحريض على العنف”، وذلك من خلال التنسيق مع مديريات الأمن المختلفة، إلا إنها لم تقدم مزيداً من التفاصيل.
وعلى مدى الشهر الماضي، دار نقاش في مجلس النواب المصري (البرلمان) حول مشروع قانون مثير للجدل، من شأنه فرض قيود على استخدام مواقع مثل “تويتر” و”فيسبوك”، وإلزام المستخدمين بالحصول على ترخيص مسبق من الحكومة. وينص مشروع القانون على معاقبة من يستخدم مواقع الإنترنت بدون ترخيص بالحبس لمدة أقصاها ستة أشهر، وبغرامة تصل إلى خمسة آلاف جنيه (حوالي 250 دولار أمريكي).
وتجدر الإشارة إلى أن الانتخابات الرئاسية، في عام 2014، أسفرت عن فوز الرئيس عبد الفتاح السيسي بنسبة 97 بالمئة تقريباً من أصوات الناخبين، في مواجهة منافسه الوحيد حمدين صباحي. وشهدت الفترة السابقة على الانتخابات حملات قبض تعسفية، واعتداءات استهدفت مؤيدي المرشح المنافس.