العراق: مخاطر نزوح مئات الألوف من الأشخاص يسبب أزمة إنسانية جديدة

قالت منظمة العفو الدولية اليوم، بعد رحلة بحثية استمرت ثلاثة أسابيع في العراق، إن هناك حاجة لمساعدة إنسانية متزايدة لتخفيف معاناة ملايين النازحين العراقيين في جميع أنحاء العراق، ولتوفير الخدمات الأساسية لمئات الألوف من الناس الذين من المتوقع أن ينزحوا عن منازلهم بسبب العمليات العسكرية الرامية لاستعادة المناطق التي تسيطر عليها جماعة تسمي نفسها “الدولة الإسلامية”.

يذكر أن المنظمات الإنسانية ما تزال أصلا تكافح من أجل تلبية أكثر الاحتياجات أساسية لما يفوق 3.4 مليون شخص أجبروا على الهروب من حكم تنظيم “الدولة الإسلامية”، ومن القتال المتواصل لاستعادة المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم. ومن المتوقع أنه نتيجة معركة الموصل المنتظرة، وهي ثاني كبرى مدن العراق، وأحد معاقل تنظيم الدولة الإسلامية، أن يتم نزوح عدد إضافي من الناس يقدر بمئات الألوف في الأشهر القادمة.

وقالت دوناتيلا روفيرا، كبيرة مستشاري الاستجابة للأزمات في منظمة العفو الدولية التي تقود مهمة الأبحاث في العراق:” ما لم يجر تمويل المساعدات الإنسانية على نحو كاف، وما لم يتم التخطيط لها وتنفيذها، فإن التدفق المحتمل لأعداد إضافية من الناس تقدر بمئات الألوف ممن سينزحون هاربين من المعارك والانتهاكات الفظيعة في ظل حكم تنظيم “الدولة الإسلامية”، سوف يدفع العراق إلى ما بعد نقطة الانهيار، مع ما يعنيه ذلك من عواقب وخيمة”.

” لقد شهدنا كيف أن الغالبية الساحقة من النازحين في المخيمات أو الذين يقطنون في مواقع بناء غير مكتملة في أنحاء البلاد لا يستطيعون الحصول إلا على قدر ضئيل مما يسد حاجاتهم الإنسانية الأساسية والرعاية الطبية، أو لا يستطيعون الحصول عليها بتاتا.لقد كانت استجابة السلطات العراقية لمساعدة النازحين غير كافية على نحو فظيع، كما تجاهلت غالبية دول العالم محنتهم على نحو كبير.”

إن التدفق المحتمل لأعداد إضافية من الناس تقدر بمئات الألوف ممن سينزحون هاربين من المعارك والانتهاكات الفظيعة في ظل حكم تنظيم “الدولة الإسلامية”، سوف يدفع العراق إلى ما بعد نقطة الانهيار، مع ما يعنيه ذلك من عواقب وخيمة

دوناتيلا روفيرا، كبيرة مستشاري الاستجابة للأزمات في منظمة العفو الدولية

لقد خصص المجتمع الدولي معظم موارده وجهوده لتقديم الدعم للعمليات العسكرية لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية.

وأضافت دوناتيلا روفيرا قائلة:” بينما كان دأبُ المجتمعِ الدولي، بما فيه الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية وغيرها، الحرص على تقديم الدعم المالي للحملة العسكرية ضد تنظيم الدولة، إلا أنه كان أبطأ بكثير في تقديم مساهماتبغية التخفيف من العواقب على السكان المدنيين. فيجب على زعماء العالم زيادة دعمهم المادي للمساعدة الإنسانية لهؤلاء المدنيين النازحين على نحو عاجل، لاسيما أن بعضهم أجبروا على الفرار بسبب العمليات العسكرية المدعومة من المجتمع الدولي “. 

“هناك حاجة ماسة لتمويل دولي إضافي من أجل تلبية الاحتياجات الأساسية لملايين الأشخاص الذين شردوا بالفعل، وللاستعداد لمزيد من النزوح الجماعي هربا من العمليات العسكرية الرامية لاستعادة مدينة الموصل والمناطق المحيطة بها.” 

هناك حاجة ماسة لتمويل دولي إضافي من أجل تلبية الاحتياجات الأساسية لملايين الأشخاص الذين شردوا بالفعل، وللاستعداد لمزيد من النزوح الجماعي هربا من العمليات العسكرية الرامية لاستعادة مدينة الموصل والمناطق المحيطة بها

دوناتيلا روفيرا

  لقد أفادت الوكالات التابعة للأمم المتحدة بأن هناك عجزاً قدره 53٪ في التمويل الضروري لتلبية احتياجات خطة الاستجابة للأزمات لعام 2016. 

 بالنسبة لأشخاص مثل أحمد، وهو أب لسبعة أطفال، وهو من الذين نزحوا من محافظة نينوى شمال غربي العراق، فإن العواقب وخيمة. إذ يصف أحمد لمنظمة العفو الدولية كيف كابد لتأمين الطعام لأسرته، بعد أن دُمّرَ منزله وزالت أسبابُ رزقه:

ويقول أحمد:”في الليل أخلد للنوم وأنا أخشى صباح اليوم التالي، لأنه لم يبق عندي أي شيء لأقدمه لأولادي، ولا يمكنني تحمل أن أنظر في عيونهم.”

بعد خمسة أسابيع من وصوله هو وعائلته إلى مخيم للنازحين داخلياً في ضواحي بلدة ديبيجا الشمالية، لم يحصلوا على خيمة. فالنساء والأطفال في العائلة يأوون جنباً إلى جنب مع مئات آخرين في مدرسة المخيم المكتظة للغاية، مع وجود 50 شخصاً أو أكثر محشورين في كل غرفة. أما الرجال فتقطعت بهم السبل في منطقة مجاورة للمخيم؛ حيث يضطرون إلى النوم في العراء بين أكوام من القمامة ومياه الصرف الصحي المفتوحة. ومهما كان الطعام المتوفر على قلـّته؛ إلا أنه لا يمكن حفظه في ظل ارتفاع درجة الحرارة الخانق، إذ تتجاوز 50 درجة مئوية.

في الليل أخلد للنوم وأنا أخشى صباح اليوم التالي، لأنه لم يبق عندي أي شيء لأقدمه لأولادي، ولا يمكنني تحمل أن أنظر في عيونهم

أحمد، وهو أب لسبعة أطفال، وهو من الذين نزحوا من محافظة نينوى شمال غربي العراق

في غضون بضعة أسابيع، تعاظم حجم مخيم النازحين داخلياً حتى أصبح بحجم مدينة صغيرة، إذ بات يؤوي أكثر من 30 ألف شخص ممن فروا من المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة.

في محافظة الأنبار، غرب بغداد، حيث نزح المزيد من الناس بسبب الصراع أكثر من أي مكان آخر في البلاد، فإن الوضع رهيب بصورة مماثلة. فالمخيمات المتناثرة على نحو غير منتظم في الصحراء تنوء تحت ضغط تدفق 87000 نازح آخرين منذ بدء الهجوم العسكري لاستعادة مدينة الفلوجة، والمناطق المحيطة بها، نهاية مايو/أيار. 

وتقول هالة للعفو الدولية، وهي أم لستة أطفال في مخيم للنازحين داخليا في منطقة الخالدية في الأنبار: “لقد نجونا من حياة الجحيم في ظل داعش (تنظيم الدولة) وأمِلنا في العثور على المساعدة هنا.” أما زوجها، فقد مضى على اختفائه عامان منذ أن اختطفه تنظيم “الدولة الإسلامية”.

وتضيف هالة:” لم أحصل إلا على قدر ضئيل جداً من العون في الشهرين الأخيرين هنا. طيلة أسابيع لم يكن لدينا ما ننام عليه. والآن بات لدينا خيمة، لكن لا شيء غير ذلك.”

وتعلق دوناتيلا روفيرا:” الأمر الأكثر مأساوية هو أن معاناة هؤلاء الناس كان من الممكن تجنبها لو أن السلطات كانت مستعدة على نحو أفضل. لكن، بدلاً من ذلك، تجبر العائلات الواصلة المنهكة من رحلات محفوفة بالمخاطر، وأشهر من العيش تحت الحصار، ولا شيء معها غير الملابس التي تستر أجساد أفرادها، على مكابدة المزيد من المشقة.”

إجراءات أمنية تفاقم الأزمة

 كمافاقمت الإجراءات والقيود الأمنية، فضلا عن متطلبات بيروقراطية غير واضحة،الأزمة الإنسانية المتعاظمة.

فأولئك الذين شردوا بسبب العمليات العسكرية الأخيرة والمتواصلة هم في الغالب من السكان العرب السنة، ويتعرضون لفحص أمني.

الأمر الأكثر مأساوية هو أن معاناة هؤلاء الناس كان من الممكن تجنبها لو أن السلطات كانت مستعدة على نحو أفضل.

دوناتيلا روفيرا

فكل الرجال ممن يعتبروت في سن القتال (ممن أعمارهم تقريباً بين 15 و 65 سنة) ممن هربوا من المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة يتم فصلهم عن عائلاتهم ليخضعوا لفحص وتحقيقات، يمكن أن تستمر من بضعة أيام إلى أشهر بالنسبة للمفرج عنهم والذين لا يحالون إلى المحاكمة أو للمزيد من التحقيق.

ويجري احتجاز هؤلاء الرجال في مواقع عبور في جوار مخيمات النازحين داخليا أو في مرافق احتجاز مؤقتة، حيث الظروف مزرية، إذ تتميز بالاكتظاظ الشديد، ونقص المراحيض وغيرها من المرافق الصحية، وقلة الطعام، وشح الأشياء الضرورية الأساسية. ويحتجز بعض هؤلاء في العراء، وليس لديهم إلا القليل مما يمكن أن يقيهم أشعة الشمس الحارقة. أما المحتجزون في مواقع الاحتجاز فيحرمون، في كثير من الأحيان، من التواصل مع عائلاتهم. وتطبق هذه الإجراءاتِ الأمنيةَ المعيبةَ والغبيةَ الحكومةُ المركزيةُ وسلطاتُ حكومةِ إقليم كردستان العراق.

تقول امرأة من ديبيجا لمنظمة العفو الدولية إنها لم تسمع بأي خبر عن ابنها حسن، وهو عامل زراعي يبلغ من العمر 20 عاماً، منذ اقتادته قوات الأمن بعيداً، بينما كانا يحاولان الوصول إلى المخيم.

وتقول: “كل ما أريده فقط هو أن أعرف أين هو. إنه ابني الوحيد. لقد أخبرني الضباط الذين أخذوه أنهم سوف يعيدونه قبل غروب الشمس، لكن مضى أكثر من شهر وأنا لا أعرف أين مكانه”.

كما يتم التذرع بالأمن سبباً لمنع الكثير من المشردين من مغادرة مخيمات النازحين داخلياً. ويجبر هؤلاء على المرور عبر إجراءات بيروقراطية مرهقة، وغالباً ما يحتاجون كفيلاً محلياً للحصول على إذن لدخول المدن.

وقد تم منع آخرين من الرجوع إلى مدنهم وقراهم؛ على الرغم من مرور وقت طويل على استعادة القوات الموالية للحكومة العراقية أو قوات البيشمركة التابعة لإقليم كردستان العراق لتلك المدن والقرى وتأمينها.

ولأسباب أمنية، ظاهرياً، غالباً ما تفرض السلطات مثل تلك القيود في المناطق المسماة “المناطق المتنازع عليها” شمالي البلاد. وتخضع هذه المناطق الآن لسيطرة فعلية من المليشيات الشيعية أو من حكومة إقليم كردستان العراق، وقد ظلت طويلاً موضع نزاعات على المناطق .

وهذه القيود التي تفرض على نحو تعسفي في الغالب تحدّ بشدة من قدرة النازحين على الحصول على وظائف في سوق العمل، وهو ما يجعلهم يعتمدون على المساعدات الإنسانية.

هنا نفترش الأرض وغبارها، ونضطر للاعتماد على أي مساعدة إنسانية قليلة يمكننا الحصول عليها، عندما نتمكن من الحصول عليها

علي، وهو مزارع وأب لأطفال في مخيم للنازحين داخلياً في غويرماوا شمال غربي العراق

وقال علي، وهو مزارع وأب لأطفال في مخيم للنازحين داخلياً في غويرماوا شمال غربي العراق، لمنظمة العفو الدولية:

“في قريتي لدينا منزل ويمكنني زراعة الأرض وإطعام أطفالي. لكن هنا نفترش الأرض وغبارها، ونضطر للاعتماد على أي مساعدة إنسانية قليلة يمكننا الحصول عليها، عندما نتمكن من الحصول عليها “. 

وفي حين أن للسلطات العراقية الحق وعليها واجب حماية أرواح وسلامة المدنيين داخل حدودها، لكن يجب أن تتوافق الإجراءات الأمنية مع القانون الدولي. ويجب إلغاء القيود التعسفية الموجودة المفروضة على حرية الحركة للنازحين داخلياً، بمن فيهم المفرج عنهم بعد التدقيق الأمني.