جنوب السودان: لا بد من التعامل مع الآثار المدمرة للحرب على الصحة العقلية

قالت منظمة العفو الدولية اليوم أن الناس الذين أُجبروا في جنوب السودان الذي يحتفل بذكرى تأسيسه الخامسة على تناول لحم البشر وانتزاع أحشاء جثث القتلى أثناء الحرب الأهلية التي اندلعت في 2013 يعانون مع آلاف الأشخاص غيرهم من الصدمة والإجهاد النفسي في ظل النقص المزمن في خدمات الرعاية المتعلقة بالصحة العقلية.

وتوثق المنظمة في تقريرها الجديد المعنون “لقد أصبحت قلوبنا قاسية: آثار النزاع المسلح في جنوب السودان على الصحة العقلية” مجموعة الآثار النفسية التي لحقت بالشهود والناجين من جرائم القتل والاغتصاب والاختطاف الجماعية والإجبار على أكل لحوم البشر”.

وبهذه المناسبة، قال المدير الإقليمي لبرنامج شرق إفريقيا والقرن الإفريقي ومنطقة البحيرات الكبرى بمنظمة العفو الدولية، موثوني وانيكي: “يمكن رؤية آثار الموت والدمار الفعلي الناجمة عن النزاع بشكل واضح ومباشر، على النقيض من  الآثار والندب النفسية التي يغفلها الناس مقارنة بغيرها من الآثار”.

وأضاف واينيكي قائلاً: “صحيحٌ أن وضع حد للفظائع المرتكبة من قبيل التعذيب والاغتصاب والقتل يُعد ثمابة خطوة أولى لا بد من إنجازها من باب الأولوية بغية الحيلولة دون وقوع تبعات إضافية على الصحة النفسية، ولكن لا بد من التحرك في الوقت نفسه من أجل إصلاح الضرر الذي وقع من خلال توفير العلاج والأشكال الأخرى لتعويض الضحايا”.

يمكن رؤية آثار الموت والدمار الفعلي الناجمة عن النزاع بشكل واضح ومباشر، على النقيض من الآثار والندب النفسية التي يغفلها الناس مقارنة بغيرها من الآثار

موثوني وانيكي، المدير الإقليمي لبرنامج شرق إفريقيا والقرن الإفريقي ومنطقة البحيرات الكبرى بمنظمة العفو الدولية

ويكشف التقرير النقاب عن الغياب المؤلم لخدمات الصحة العقلية في البلاد وعدم حصول الأشخاص المتضررين على الرعاية والدعم المطلوبين، ويستند التقرير في ذلك إلى مقابلات أُجريت مع 161 شخصاً من ضحايا انتهاكات حقوق انسان والشهود عليها بما في ذلك العاملين في مجال الصحة العقلية ومسؤولين حكوميين وأمميين وممثلين عن المنظمات غير الحكومية.

ويؤدي هذا الغياب شبه الكامل للخدمات إلى عدم علاج الحالات التي تعاني من الاكتئاب ومتلازمة إجهاد ما بعد الصدمة.  وثمة حالياً أثنان فقط من الإخصائيين النفسيين يعملون في بلد يبلغ عدد سكانه نحو 11 مليون نسمة، وعادة ما يتم إيداع مرضى الحالات النفسية في السجون عوضاً عن تزويدهم بالرعاية والعلاج التي تستدعيها حالاتهم على وجه السرعة.

ووصف الكثير ممن أجرينا مقابلات معهم طائفة واسعة من الأعراض التي تتسق وتلك التي نراها عند تشخيص الإصابة باضطرابات إجهادية لاحقة للصدمة والاكتئاب بما في ذلك أعراض من قبيل الكوابيس والانفعال وعدم القدرة على التركيز.

وتحدثت منظمة العفو الدولية مع ماليث الذي نجا من إحدى أسوأ حوادث الحرب في ديسمبر/ كانون الأول 2013، وذلك عندما أقدم عملاء جهاز الأمن الحكومي على إطلاق النار على نحو 300 رجلا في غيديل أحد أحياء العاصمة جوبا.  وقال ماليث: “أحلم أحياناً أنني توفيت رفقة من قُتلوا ذلك اليوم.  واستيقظ وأنا أتصبب عرقاً وأرتجف…  وافكر كيف تمكنت من البقاء على قد الحياة بينما مات الآخرون؟  وينتابني شعور سيء حيال ذلك”.

يُعد القيام بالمزيد من الجهود لتلبية الاحتياجات على صعيد الصحة العقلية أمراً جوهريا لضمان سلامة الأفراد، ويكتسي أهمية كبيرة كي يتسنى لأهل جنوب السودان أن يعيدوا بناء مجتمعاتهم وبلدهم

موثوني وانييكي

وثمة ناجيٌ آخر من مذبحة غيديل واسمه فيليب الذي وصف للمنظمة كيف اضطُر للاختباء أسفل كومة من الجثث أثناء وقوع المذبحة.  وعندما اكتشف الجنود أمره، أجبروه على شرب دم القتلى وأكل لحم أجسادهم وإلا قتلوه.

وقال فيليب: “عندما أنام ليلاً يزورني القتلى في كوابيسي”.  ,اضاف قائلاً: “لا أستطيع أن أتناول الطعام، ولا أرغب في أي شيء يُقدم لي.  ولا أعتقد أن الشعور الذي ينتابني سوف يتغير أبداً”.

ودأبت الحكومة على احتجاز خصومها المفترضين منذ بدء النزاع، وتحدث المحتجزون عن القتل والضرب وعدم كفاية الطعام والمياه من بين جملة من الأهوال الأخرى التي تسببت لهم بحالات من التعب النفسي الدائم.

ووصف لوال لمنظمة العفو الدولية كيف أجبره عناصر جهاز الأمن والمخابرات الوطني على نزع أحشاء جثث زملائه القتلى المحتجزين معه في جوبا كي لا تطفوا الجثث على سطح الماء عقب إلقائها في النهر.

وقال لوال: “أشعر بالعجز والاكتئاب، وأشعر بالتعاسة على الدوام وأفكر بأن أقدم على الانتحار، ويجعلني ذلك كله أشعر بشعور سيء وأصبحت أكره نفسي”.

وفي بينيتو عاصمة ولاية الوحدة التي تضم أكبر عدد من مواقع حماية المدنيين في البلاد، تعرضت النساء اللائي غامرن بمغادرة تلك المواقع بحثاً عن الطعام أو الوقود أو الدواء للعنف الجنسي الذي خلّف لديهن حالات اكتئاب نفسي حادة.

وقالت نوال أنها تعرضت وصديقتها للاغتصاب مرتين في ويم واحدٍ على يد مجموعتين من جنود الحكوومة في بينيتو عقب مغادرتهن الموقع في 2015.

وقالت نوال: أشعر بالغضب الشديد إزاء ما حصل… فلقد غير ذلك حياتي، وأصبحت نكرة وليس لدي شيء جيد…وأشعر بالعار”.

وقالت غالبية الذين أجرينا مقابلات معهم أنهم لم يحصلوا على أي استشارات نفسية أو رعاية في مجال الصحة العقلية.

وقال موثوني وانييكي: “يجب على الحكومة التي يدعمها المجتمع الدولي أن تحترم واجباتها الدولية القانونية على صعيد صون الحق في الصحة وحمايته وإعماله، بما في ذلك الحق في الصحة العقلية.  ويجب على الحكومة أيضاً أن تمنع وقوع أفعال من قبيل التعذيب التي تجلب الضرر النفسي على الكثير من الضحايا وأن تحقق فيها بحيادية وتلاحق مرتكبيها”.

واختتم وانييكي تعليقه قائلاً: “يُعد القيام بالمزيد من الجهود لتلبية الاحتياجات على صعيد الصحة العقلية أمراً جوهريا لضمان سلامة الأفراد، ويكتسي أهمية كبيرة كي يتسنى لأهل جنوب السودان أن يعيدوا بناء مجتمعاتهم وبلدهم”.

تم تغيير الأسماء حمايةً لهويات أصحابها الذين أُجريت المقابلات معهم.