اليمن: يجب التحقيق في الضربة الجوية الأمريكية التي خلَّفت عشرات القتلى من المهاجرين

قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن غارة جوية أمريكية على مركز احتجاز للمهاجرين في صعدة شمال غرب اليمن في 28 أبريل/نيسان أدت إلى مقتل وإصابة عشرات المهاجرين، ويتعين التحقيق فيها باعتبارها انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني، وسط تقارير تفيد بمقتل وإصابة مئات الأشخاص نتيجة الضربات الجوية الأمريكية على اليمن منذ مارس/آذار 2025.

ووفقًا لتحليل صور الأقمار الصناعية، أصابت الهجمات الأمريكية على مجمع سجن صعدة مركز احتجاز للمهاجرين ومبنى آخر في الموقع.

وتحدثت منظمة العفو الدولية مع ثلاثة أفراد يعملون مع مجتمعات المهاجرين واللاجئين الأفارقة في اليمن. وأكد اثنان منهم، كانا قد زارا مركز احتجاز المهاجرين ومستشفيين قريبين ومشارحهما في أعقاب الغارة الجوية، أنهما شهدا أدلة على وقوع عدد كبير من الضحايا. كما حللت المنظمة صور الأقمار الصناعية ولقطات فيديو لمشاهد مروعة تظهر جثث المهاجرين متناثرة بين الردم ورجال الإنقاذ يحاولون انتشال الناجين المصابين بجروح بالغة من تحت الأنقاض. 

وقالت أنياس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية: “هاجمت الولايات المتحدة مركز احتجاز معروف يحتجز فيه الحوثيون المهاجرين الذين لم يكن لديهم وسيلة للاحتماء. وتثير الخسائر الكبيرة في أرواح المدنيين في هذا الهجوم مخاوف جدية بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة قد امتثلت لالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك قواعد الحيطة والتمييز.

يجب على الولايات المتحدة إجراء تحقيق فوري ومستقل وشفاف في هذه الضربة الجوية وفي أي غارات جوية أخرى أسفرت عن سقوط ضحايا مدنيين، وكذلك في تلك التي ربما انتهكت فيها قواعد القانون الدولي الإنساني”.

تثير الخسائر الكبيرة في أرواح المدنيين في هذا الهجوم مخاوف جدية بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة قد امتثلت لالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك قواعد الحيطة والتمييز.

أنياس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية

وقال شاهدا العيان اللذان زارا المستشفى الجمهوري ومستشفى الطلح العام في صعدة، لمنظمة العفو الدولية إنهما رأيا ما يزيد عن العشرين من المهاجرين الإثيوبيين المصابين، وشملت الحالات إصابات بالغة من البتر والكسر. وأفادوا أيضًا أن سعة مشارح المستشفيين لم تكفِ لاستقبال كل الجثث، فاضطروا إلى تكديس ضحايا الغارة الجوية خارجها. كما أكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي حضر موظفوها إلى الموقع مباشرة عقب الهجوم، في بيان لها سقوط عدد كبير من الضحايا، كثيرون منهم من المهاجرين.

بموجب القانون الدولي الإنساني، تلتزم القوات المهاجمة ببذل كل جهد ممكن للتمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية، والتحقق مما إذا كان هدفها المقصود هو هدف عسكري، وإلغاء الهجوم في حال عدم اليقين.  وعند مهاجمة هدف عسكري، يجب على أطراف النزاع أيضًا اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتقليل الأضرار المدنية في محيط الهجوم. 

إذا تبين تضرر المدنيين، يجب أن يحصل الضحايا وأسرهم على تعويض كامل عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني. علاوة على ذلك، إذا وجدت التحقيقات وقوع هجمات مباشرة على المدنيين والأعيان المدنية أو هجمات عشوائية أصابت أهدافًا عسكرية ومدنيين دون تمييز وأسفرت عن مقتل أو إصابة مدنيين، يجب التحقيق فيها واعتبارها انتهاكات للقانون الدولي وجرائم حرب محتملة.

وأجرى خبراء الأسلحة لدى منظمة العفو الدولية تحليلًا لصور شظايا الأسلحة المُستخدَمة في الهجوم على مركز الاحتجاز، وتبَيَّن لهم أن الشظايا تعود إلى قنبلتين صغيرتين من طراز جي بي يو 39 (GBU-39)، يبلغ وزن الواحدة منها 250 رطلًا على الأقل. ولم تعلن القيادة المركزية الأمريكية عن هدف الهجوم لكن مسؤولًا أمريكيًا في وزارة الدفاع قال إنهم يقيّمون “المزاعم” حول وقوع خسائر في صفوف المدنيين في الضربة ويجرون “تقييمهم الخاص لأضرار المعركة”. يجب نشر هذا التقييم على وجه السرعة، بما في ذلك أي استنتاجات تتعلق بالأضرار المدنية والجهود المبذولة لمعالجة ما ترتب عليها.

صور الأقمار الصناعية تُظهر مجمع سجن صعدة قبل الغارة الجوية الأمريكية © 2025 Planet Labs PBC
صور الأقمار الصناعية تُظهر الموقع بعد الغارة الجوية الأمريكية © 2025 Planet Labs PBC

كان ينبغي للولايات المتحدة أن تعلم أن سجن صعدة هو مركز احتجاز يستخدمه الحوثيون منذ سنوات لاحتجاز المهاجرين وأن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تزوره بانتظام. وكان ينبغي لها أن تعلم أيضًا أن أي هجوم جوي يمكن أن يؤدي إلى إلحاق أضرار جسيمة بالمدنيين.

 تذكّر منظمة العفو الدولية أيضًا بأن منشأة احتجاز أخرى داخل مجمع سجن صعدة نفسه تعرضت لغارة جوية شنتها قوات التحالف بقيادة السعودية في 21 يناير/كانون الثاني 2022، باستخدام ذخيرة أمريكية الصنع موجهة بدقة مما أسفر عن مقتل أكثر من 90 محتجزًا وإصابة العشرات. ووفقًا لصور الأقمار الصناعية، منذ تلك الضربة في 2022، شيدت سلطات الأمر الواقع الحوثية مبان إضافية في ذلك الموقع، تعرض أحدها أيضًا لغارة جوية في 28 أبريل/نيسان.

ولم تتمكن منظمة العفو الدولية من تحديد هدف عسكري مشروع داخل مجمع سجن صعدة. وتحد القيود التي تفرضها سلطات الأمر الواقع الحوثية على التحقيقات المستقلة، بما في ذلك الوصول إلى الموقع الثاني الذي قصف في 28 أبريل/نيسان، من قدرتنا على التحقيق الكامل في الهجوم، أو استبعاد احتمال وجود أهداف عسكرية داخل مجمع السجن. ويشكل أي هجوم لا يميز بين المدنيين والأعيان المدنية من جهة، والأهداف العسكرية المشروعة من جهة أخرى، حتى داخل المجمع نفسه، هجومًا عشوائيًا وانتهاكًا للقانون الإنساني الدولي.

 ’كان الرعب والصدمة ظاهرين على وجوههم‘

حللت منظمة العفو الدولية عشرات مقاطع الفيديو والصور التي نشرتها قناة المسيرة التلفزيونية التابعة للحوثيين، بالإضافة إلى سبعة مقاطع فيديو شاركها أحد الشهود بشكل خاص. وتشير هذه الأدلة الرقمية التي تظهر الجثث المتناثرة بين الردم إلى مقتل وإصابة عشرات المهاجرين المدنيين في الغارة الجوية على مركز الاحتجاز.

ذكرت وزارة الداخلية التي يديرها الحوثيون أنه وقت الهجوم، كان مركز الاحتجاز يضم 115 محتجزًا من المهاجرين الأفارقة، قُتل 68 منهم وأصيب 47 آخرين.  إذا ثبت أن هذا العدد من الضحايا صحيح، فستكون هذ الغارة أسوأ حادثة تلحق ضررًا بالمدنيين جراء هجوم واحد يشنه الجيش الأمريكي منذ الغارة الجوية في الموصل بالعراق في 2017.

ولم تتمكن منظمة العفو الدولية من التحقق بشكل مستقل من عدد الوفيات، أو التحدث إلى الناجين أو العاملين في المجال الطبي، بسبب حملة القمع المستمرة التي يشنها الحوثيون على الحيز المدني. وأصدر مسؤولون حوثيون عدة بيانات وتوجيهات تحظر على الأشخاص مشاركة الأسماء أو الصور أو أي معلومات تتعلق بضحايا الغارات الجوية الأمريكية على وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من المنصات العامة. وقال العديد من الأشخاص إنهم يخشون التحدث خوفًا من التعرض للانتقام. ففي السنوات الأخيرة، احتجز الحوثيون عمال في مجال الإغاثة وصحفيين ونشطاء واتُّهموا بالتجسس.

على الرغم من ذلك، تمكنت منظمة العفو الدولية من التحدث مع ثلاثة أفراد يعملون مع مجتمعات المهاجرين واللاجئين الأفارقة، شريطة عدم الكشف عن هويتهم، وقالوا إن جميع المهاجرين المحتجزين في مركز الاحتجاز هذا هم من الإثيوبيين، باستثناء إريتري واحد. 

وقال أحد الشاهدين إنه رأى 25 مهاجرًا مصابًا في المستشفى الجمهوري وتسعة في مستشفى الطلح العام في صعدة: “كانوا يعانون من كسور وكدمات مختلفة. كان بعضهم في حالة حرجة واثنان بساقين مبتورين… اكتظت الثلاجة* في المستشفى الجمهوري ولم تكفِ سعتها لعشرات الجثث التي ظلت خارج الثلاجات لليوم الثاني”.

قال شاهد آخر زار المستشفيين وتحدث إلى عشرات المهاجرين الإثيوبيين المصابين:

“أخبروني أنهم كانوا نائمين عندما أصيبوا بالصاروخ الأول عند حوالي الساعة 4 صباحًا (…) قالوا إنهم استيقظوا ليجدوا جثثًا مقطعة الأوصال حولهم. كان الرعب والصدمة ظاهرين على وجوههم. وكان بعضهم لا يزال عاجزًا عن الكلام بسبب الصدمة”.

في 27 أبريل/نيسان، أي قبل يوم واحد من الهجوم، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية أنها قصفت أكثر من 800 هدف في اليمن منذ 15 مارس/آذار، وأنها تحد عمدًا من الكشف عن المعلومات حول عملياتها لأسباب تتعلق بالأمن العملياتي.

على الكونغرس الأمريكي ضمان استمرار الجهود للتخفيف من الأضرار المدنية

إن الأنظمة الحيوية التي وُضعت في السنوات الأخيرة بناء على ما بدأ في عهد إدارة ترامب الأولى من جهود للحد من الأضرار المدنية الناجمة عن الأعمال القتالية الأمريكية المميتة في الخارج والاستجابة بشكل أفضل لها، تتعرض للتهديد من قبل إدارة ترامب الحالية. فذكرت وسائل الإعلام أنه يجري تفكيك برامج وزارة الدفاع التي تركز على التخفيف من الأضرار المدنية والاستجابة لها، وأن الرئيس الأمريكي تراجع عن القيود المفروضة على القادة الذين يأذنون بأنواع معينة من الضربات الجوية والعمليات الخاصة.  كما أفادت التقارير أن وزير الدفاع بيت هيغسيث أقال كبار المحامين العسكريين المسؤولين عن ضمان الامتثال للقانون الدولي الإنساني في العمليات العسكرية.

وختمت أنياس كالامار حديثها بالقول: “في الوقت الذي يبدو فيه أن الولايات المتحدة تقلص جهودها الرامية إلى الحد من الأضرار المدنية الناجمة عن الأعمال القتالية الأمريكية المميتة، على الكونغرس الأمريكي أن يمارس دوره الرقابي وأن يطلب معلومات حول التحقيقات المتوفرة حتى اليوم بشأن هذه الضربات. كذلك يجب على الكونجرس ضمان أن تبقى جهود التخفيف من الأضرار المدنية مستمرة وآليات الاستجابة فاعلة، وأن يتصرف بشكل حازم في مواجهة هذه الحادثة وغيرها من الحوادث الأخيرة”.

خلفية

بين نوفمبر/تشرين الثاني 2023 ويناير/كانون الثاني 2025، استهدفت القوات المسلحة للحوثيين ما لا يقل عن 74 سفينة في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي، بزعم أنها كانت على صلة بإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.

بدأ الرئيس الأمريكي جو بايدن شن ضربات جوية ضد الحوثيين في عام 2024. وبدأت الموجة الجديدة من الضربات الأمريكية في ظل إدارة ترامب في 15 مارس/آذار 2025 بعد أن أعلن الحوثيون في 11 مارس/آذار أنهم سيستأنفون هجماتهم على السفن الإسرائيلية التي تمر عبر البحرين الأحمر والعربي ردًا على منع إسرائيل وصول المساعدات إلى قطاع غزة المحتل.

منذ 15 مارس/آذار، أطلق الحوثيون صواريخ وطائرات مسيّرة على حاملة الطائرات يو إس إس هاري إس ترومان (USS Harry S. Truman)، المتمركزة في البحر الأحمر. كما استأنفوا هجماتهم الصاروخية على إسرائيل، وسقط أحد الصواريخ بالقرب من مطار بن غوريون في تل أبيب في 4 مايو/أيار. وردت إسرائيل في مايو/أيار بضربات جوية شملت ميناء الحديدة ومطار صنعاء.

في 6 مايو/أيار، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستوقف حملتها العسكرية ضد الحوثيين في اليمن.

*المشرحة